الأحد، 13 نوفمبر 2016

بقلم الناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي صورة العراق بين الواقع والرؤيا من خلال ديوان " وبكي الماء " للشاعر شلال عنوز

ألف شكر للفنانة الرائعة والناقدة القديرة الاستاذة خيرة مباركي على هذه الدراسة الرائعة لديواني وبكى الماء
المقدمةبقلم الناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي
صورة العراق بين الواقع والرؤيا من خلال ديوان " وبكي الماء " للشاعر شلال عنوز

اشتدت موجة التحديث الشعري مع الشعراء المعاصرين .. لتتبدى مغامرة التجاوز والتأصيل لكتابة قادرة على استيعاب الواقع ومساءلة التعبيرات الثقافية الأكثر انزياحا عن المألوف ..وبين هذا وذاك طاقة فعل و خلق..خلق للمدلولات الخبيئة المقيدة التي تنتظر قارئا يفك عقالها ويستكنه عوالمها المجهولة ..لتكون الكتابة ثورة وسفر من المجهول إلى المجهول ..وهنا تطرح لغة الشعر أمام القراءة إشكالات عدة إ ذ تعصف بمعقولية الأشياء وتقيم ضربا جديدا من المحاورة بين اللفظ واللفظ من جهة وبين اللفظ والسياق من جهة ثانية..ولئن بدت هذه التجارب تسير في سياق شعري متناغم إلا أن الصبغة الذاتية والنفس الشعري الخاص لم يغب عند شعراء ساروا على درب آخرين وعوا بأصول الحداثة وبحاضر أمة ، إنه شعر الثورة.. أليس من شروط الحداثة أن يكون الشاعر ثوريا ؟ هي الرغبة في التحرر من كل القيود والثورة على الموجود وهنا كان لزاما على كل شاعر أن يلتزم بسلوك لغوي يمكنه من صياغة عالمه الشعري الخاص وتشكيل رؤيته الذاتية ليتمكن حينئذ من سبر الذات التي أصبحت بؤرة للتفاعلات الكونية فكانت الولادة من أجل تمكين التعبير عن الذات الجديدة . ولتعكس التحولات الناشطة في عالم متحول ، لذا فقدرة الشاعر على خلق عمل فني إنما مأتاه القدرة على التعبير عن حالات التمزق والانشطار الدرامي بما يعيشه في واقعه . وهذا ما حمل القصيدة العربية أجواء درامية مشحونة بالتوتر والقلق والضياع والرحيل الدائم. هنا تتراءى صور الوقائع كأنها أصداء رجع بعيد ، يخترق التخييلي الفني المادة الواقعية ، ولعل الشعر العراقي نموذج حي لهذا النهج الفني لارتباطه بواقع الهزائم والانكسارات التي شهدها العراق ..والشاعر شلال عنوز أحد هؤلاء الذين عشقوا فصدحوا وأبدعوا ..وديوانه " وبكى الماء " نموذج حي يستفزنا عنوانه
لقراءته ومحاولة استكناه بعض أسراره النصية الثاوية في نسيج الخطاب الشعري في قصائده ..
أول ما يواجهنا في هذا العمل العنوان " وبكى الماء " وهو عنوان القصيدة العشرين من الديوان .. ورد جملة فعلية سبقت بالواو وهي ليست الاستئنافية ولا الحالية ولا المصاحبة . و يجوز أن تكون الدالة على عطف معنى على آخر بينهما تراخ وهنا قد نفترض معنى أو حدثا قادحا أوصل الأمور إلى هذه النتيجة وهو بكاء الماء.. ومن ثمة فبكاء الماء هو أقصى ما تؤول إليه الأمور وأشدها وطأة بل هو اللامتوقع منها وما يفوق الخيال ..وبكى :فعل ماض يعني دمعت العين حزنا . ومن ثمة فالبكاء هو التعبير الفيزيولوجي لحالة الألم والحزن . أما الماء فيمثل العنصر الحيوي وأساس الوجود ،هو نبع الخصوبة والحياة .. وما يظهر من خلال هذه الصورة علاقة تنافر بين الفعل والفاعل ويمكن أن يشكلا معا صورة سريالية تغرق في الغموض . ولعنا نقف معه إزاء بلاغة الغموض وليست بلاغة البيان وهذا ما يجعلنا نطرح التأويلات كي نبدع نصا محايثا للنص المبدع . فإذا كان الماء رمز الحياة وإذا كان الدمع إعلان عن الفناء والانكسار والموت فإن الموت وعلى الرغم من ارتباطه بالزوال يبقى الصورة الوحيدة الواضحة في واقع غائم مسربل بالهزائم ومحفوف بالمؤامرات . وما الحياة إلا استمرارا للتيه والقلق لتصبح فاجعة البقاء أثقل من فاجعة الموت إذا كان البقاء رديف السكون والهمود ..وقد يكون هذا البكاء تعبيرا عن واقع القهر الذي يعيشه الوطن العربي . فكأن الشاعر يبكي العرب وهو العنصر الحيوي الوحيد الذي يتأثر، ومن ثمة فهو الماء يسري في نبض هذا الوجود شاعرا رافضا متأثرا ثائرا.. لعلها حالات الماء التي ظهرت في الديوان بحركته وجموده ،بثورته وسكونه بإخصابه وعقمه ... هذا وقد حضر العنوان تصريحا من خلال ترديد لفظ الماء قرابة تسع مرات. كما ورد تلميحا من خلال استحضار ما يحيل عليه من معان منها ما يصله بالطبيعة ( المطر ، الموج ، أخاديد ،غدران ،ضفافك ، أنهار ، الفرات ...) ومنها ما يرتبط بالفعل : يشرب الذي يتكرر العديد من المرات ولكنه يسند إلي فواعل وأسانيد مختلفة ( يشربنا الحنين ، شربتني المواجع ، يشرب آهك ، يشربني البوح ....) هنا يرتبط فعل الشرب بصور مجازية مما يوحي بضرب من المشابهة بين الماء ومستويات مختلفة من الوجود هي ما يتصل بالمشاعر الإنسانية التي تتلون بحسب الحالة الشعورية وهي صورة تختزلها "أنا" الشاعر في أحواله المتقلبة في علاقته بالوطن .
فهو الحب والفرح الكوني والاحتفال بالوجود :
6
وتعزف الحقول
ألف لحن وماء
تهزج للحب
تغني للبهاء ...
في ذروة المطر ( قصيدة هو المطر ص 17)
وهو اللذة والحلم وشبق النشوة على وقع العناق.. عناق الشطآن حين تعزف النوارس لحنها على خرير الرضاب :
عندما يصير الكون
رفيف أغنية
يشربها فنجان
قهوة الصباح (دفء الحروف ص80)
هو الحياة بثوبها العشتاري تتهادى في أحلامه شوقا وحنينا ..جوعا إلى الفردوس المفقود الذي يعبر عنه بصورة الأنثى الثاوية في أعطاف الخطاب .. قد تتراءى لنا كيانا معشوقا يرفل في جنبات النص يعانق سحرا ويثير نشوة ولكن شاعرنا يخاتلنا فليست المعشوقة سوى الأرض-الوطن ..هي الخصوبة والنماء ..الجمال والارتواء ..هي الطبيعة، وحضورها هو شكل من أشكال الرحيل في عوالم الجمال الذي يعمق المفارقة بين الواقع والحلم ..المرأة هي الحلم –الأرض هي العراق :
السوسن والجلنار
في أفق مترع بندى الورد
رائحة الأرض
عذوبة الشعر ( دفء الحروف ص 82)
بهذا تتحول الأنثى من دائرة المحدود إلى دائرة اللامتناهي والكونية لتنبجس بين أعطافها ثنائية الخلق والولادة وهي ثنائية تتصل بصورة الماء والارتواء التي تنحدر في النهاية إلى صورة الأم بما تحمله من رمزية، لا تحيد عن مسار الوطن والأرض . وهنا تتشكل أقطاب حيوية في الكيان النصي هي الأرض و الماء و الأم :
كنت غمامات نهارات تمطر
مدائن ضوء
بساتين فرح
غدران بسمة
كنا أسراب يمام ندور
نتفيء ظلك المبلل
برائحة الطين (أمنا ص102)
بهذا تنفتح حركة الأنثى على حركة الوجود، فتنشد إلى شفافية الرؤيا الغنائية خاصة عندما ترتبط صورة الماء بعنصر الطهارة وصوت الله . فيتحول الخطاب إلى صلاة وتبتل، تصبح الأرض فيها معبودا ، وحبها عبادة. هي قديسة ولها معبد وعباد :
قديسة أنت تطشين
تباريح الدفء
على زغب ضفافنا
فنشربك
حليب طمأنينة
خبز عافية
دعاء نبي ( أمنا ص103)
هي العراق ... امرأة من حرير ..عشقها ليس كالعشق ..عشق صاخب ، لم يعد همس بوح لأنثى ترفل في الدنا بل هوحكاية عشق متمردة للأرض والوطن ..للحب والأحلام ..للرؤى ..للعراق :
هي نسمة هامسة
يغني لها
الصباح
تضج فيها كل
عوالم الأنوثة
يعشقها الفرات
تغازلها
ضفاف دجلة
( ..........)
كربلائية الدماء
بغدادية الغنج
( ..........)
زق فيها العراق
كل بهاه ( غال أنت يا وطن ص 76)
هنا قد تمتزج هذه الصورة مع ما جاء في قصيدة "الوصول إلى ليلى" ..رغم أن الظاهر في الخطاب اختلاف مطلق في المعاني .فلئن أظهرت قصيدة "غال أنت يا وطن" معاني الخصوبة والجمال فإن قصيدة ليلى كشرت عن معاني القبح والعقم ..لكن شاعرنا يخاتلنا بصورة الريح تعلن أن لا وصول إلى ليلى ..فقد سرقوها ..ليلى هي العشق العذري رمز الأرض البكر تواجه ريح العدم..تستصرخ قبور الأحياء ..تشرب خصب الماء بذلك فليلى هي الوجه الآخر للأرض ..هي الحاضر تواجه الريح لعلها السياسة الكئيبة الفاجرة ..ولعنات الطائفية ..هي الأرض البكر التي يحاول أن يستعيدها من فوهة شيطان مارد ..لتعود ليلى مع الحلاج ينقذها ..فهو الفاتح الذي يرنو إلى الفجر البعيد ، إلى نور يقذفه الله في الصدر. بهذا فالماء هو مفتاح من مفاتيح الدنيا المحجبة ، سيهزم الضجيج ويعيد للوطن ليلاه ..وتعود ليلى "نخلة تحتفل بالعنبر" "يصلي القصيد في محراب نجواها ...بغني لها الفرات مواويل عشق وتسكرها دجلة بشذى الشواطئ" ..ليلى هي أصول الشاعر هي النخل المتجذر في أعماقه.. هي العراق وبين ليلى والنخيل مسافة . فلئن دلت ليلى على الاغتراب ، فالنخيل رمز للهوية والتجذر والانتماء والانغراس في أديم الأرض .ومن هنا نتخذ مسافة فاصلة بين الانتماء والاغتراب..بين الشاعر والوطن أليست جذور النخيل صورة للشاعر الذي تمتد عروقه في أعماق الأرض؟ إنه تاريخ واحد بين الشاعر والجماعة ولكنه التناقض في الوعي ما يفجر المعاناة :
أيها الماء الذي
كل شيء منه ؟
لماذا نحن بلاد
من عطش ؟
أنهار بلا ماء ؟
أيها الماء الخالد
هل رأيت وطنا بلا بندقية ؟ ( وبكى الماء ص 70)
بهذا يتجاوز الماء صورة الارتواء والخصوبة إلى معاني الألم والتعبير عن عذابات الوطن :
تهرول في الطريق الذي
يشرب صحوك
أدمنته الخطى
والعذابات (وبكى الماء ص62)
فهو الظمأ والعطش :
كم دم بريء
نقي أريق على ضفافك
ظلما
بغيا
عطشا ؟ ( وبكى الماء ص 71)
وهو الغرق ووالمواجع. الفواجع والمواجع. فيتحول الماء رديفا للدم ودموع الملح المسكوب في المآقي ..
أجبني أيها الماء الخالد ؟
هل رأيت أمة
تتوضأ بالدم ؟ ( وبكى الماء ص73)
بهذا يحضر الماء والدم والدمع كأقطاب أخرى فاعلة في الخطاب، وهو استجماع للعناصر الشتيتة في معنى السيلان .فاقتران الحركة بالدمع إنما هي إشارة إلى ملحمة وطن ينزف بالدم، فيكون الماء المعادل الموضوعي للدماء ويكون الدمع والبكاء التعبير الفيزيولوجي عن هذه الحالة وما يعتمل في ذات الشاعر الملتزمة بعذابات وطن ضاعت قبلته وأغلقت بواباته ..وطن بلا عنوان لعلنا ندرك بعض ملامح هذه الغربة من خلال هذه اللعبة الضمائرية التي يوظف فيها ضمائر مختلفة.. مرة يحضر الغائب "هو" ومرة المخاطب"أنت" وفي كل الحالات توهم بالغيرية ولكنها تعبر عن معنى التشتت، فيخلق من ذاته ذاتا تخاطبها تولول في فضاء لا وجود للبوح فيه ..تنزف جراحاته بوجع الوطن وتنتحب على أمجاد أفرغها السعير لتوقد مدنا من لهب :
كل ذرة رمل
تريك مصرع عشقها
تنتحب باكية هذا
الانهيار ( وبكى الماء ص 63)
لقد حضرت على الشاعر مأساته ولازمته في ضميره المظلم المكتوم لتتحول قصائده إلى ما يشبه المراثي الجنائزية يقيم فيها مأتما للوطن الحزين تغتال نوارسه وتحلق به في الدجى في غيمات البؤس ، هو ابن الريح منشد تطارده الفراشات وعتمة الأصيل ..إنها نظرة غارقة في الحزن تهيم في غياهب الوجدان ..
ولئن بدت هذه القصائد مختلفة في الظاهر إلا أن بينها وشائج علاقة ، فالوطن يمثل قطب الرحى الذي تدور في فلكه بقية المواضيع الأخرى بل لعلها الوجه الآخر لهذا الوطن ورموز له .. لقد رسم الشاعر صورة العراق بالماء، إلى عنصره الأصلي أليس أصل تسميته من البحر والنهر؟ هنا قد نستعيد الوظيفة المرجعية له فهو يحيلنا على الواقع .. هو بلاد الرافدين وملتقى الحضارات في الشرق ولقاء الامبراطوريات ، لكن يحيلنا أيضا على الوظيفة الشعرية التي ينبني عليها الخطاب . فإذا بنا أمام العراق الرمز ، رمز الصمود والتشرد والضياع .. إذا العراق هو المعنى وضده ، هو الانتماء ولكنه أيضا الغربة ..هو "صومعة من خيال" وفي نفس الوقت هو "عيد صادرته المجازر" ... هو "المخذول حتى الموت"..لعلنا بكل ذلك نختزل الخطاب في ثنائية الحياة والموت .. الخصوبة والجدب ..الكل في ناعورة الماء يدور ويتأسس على حركة ديناميكية تتحول من الخارج إلى الداخل .. هي ذات الشاعر. ولعل الملفت للانتباه في هذا الديوان مسألة الاهتمام بالمستوى البصري على فضاء الصفحة، وهو ما خدم إلى حد كبير مقاصد الشاعر لتضفي إيقاعا بصريا يعاضد الإيقاع السمعي. ويبدو الديوان غنيا بهذا "التمظهر البصري" الذي أضفى عليه جمالية إنشائية وهذا التشكل قوامه التنوع والاختلاف مابين القصائد والمقاطع فيها ،فأما على مستوى أفقي فغالبا ما تحيد الأسطر الشعرية عن مواقعها فيزحف البياض الذي يلتهم الصفحة ويرافقه تراجع ملحوظ للسواد ثم يعود مرة أخرى إلى منطلقه الأول لتكون حركة مد وجزر تتواصل لتأخذ شكلا متموجا هو شكل الماء في حركته :
الموت السريع
هذا النزيف الجماعي الذي
كلما نام أيقظته الفتنة
وهي تكثر القول
هل من مزيد
القصيدة شوهتها
وجوه الغرباء
ما عادت تغني ( وبكى الماء ص 65 )
وأحيانا يحتشد الكلام فتظهر رغبة في إخراج طاقة كلامية لعله استفراغ ما كان جاثما على الصدر. لعلها صورة الماء راكدا بما يحمله الركود من معاني السكون ..هو سكون آسن رهيب رهبة الموت عقيم عقم الفناء :
كيف ترحمك الحيتان الجائعة ؟
وأنت لما تزل تراقص أسنانها...لحمك الطري يغريها
لفظتك كل مدن الوجع
وتقيأتك المسافات ( متى تستفيق ؟ ص 35)
إنها لعبة البياض والسواد التي تكشف لعبة الحياة والعدم، فإذا الكلام رمز للوجود فالبياض رمز العدم.يلتهم الحياة ليعبر عن الموت...وأما على مستوى عمودي فما يشدنا في مرورنا بالصفحات أشكالا توهمنا بسرعة حركة الماء يسير في جداوله مثل ما جاء في قصيدة "تداعيات" و"مدائن من رحيل" :
عاث فيها
الجوى
فتناثرت
مثل
عهن
يماطل
الرياح
بين همسك
وصراخي ( مدائن من رحيل ص 30 )
وتتسع لتأخذ شكل النهر وهو ما يظهر في أغلب القصائد . كما قد تأخذ صورة شلالاات ماء تنزل من عليائها تصافح الوجع وترتل تسابيحها للريح.. للعقم .. للوهن :
متى
تخمد نيران
هذي المداخن
التي تضج
برائحة
أجسادنا المحترقة ؟
متى ؟
أجبني أيها
العيد الذي
صادرته المجازر؟
استباحه الطارؤون
الموغلون
بختن النساء ( أيها العيد الذي صادرته المجازر ص 27)
بهذا يضعنا الشاعر أمام جماليات التشكل البصري ، لكأن النص برمته صورة بصرية يتوارى فيها المدلول أمام هيمنة الدال ومركزية العلامة . ولعل هذه التفضئة للنص تتصل بوجهة سيميائية تجعل منه حوارا صامتا بين اللغة والفراغ يسهم في ضخ المعنى لنقف إزاء إيقاع جديد هو الإيقاع البصري الذي ينضاف إلى الإيقاع السمعي لعلها محاولة للإفلات من صرامة القوانين القديمة التي تقوم على أساس التلقي السماعي وهو لا ينفصل عن المعنى العام وحركة الماء بكل أشكالها ..
لقد توجه اهتمامنا في هذا العمل إلى جانب من جوانب ديوان الشاعر شلال عنوز "وبكى الماء " وهو دراسة العنوان ككيان نصي يختزل ما جاء في المتن ..وهذا إنما مرده إلى قيمة العنوان من ناحية لأنه يفتح شهية القراءة على حد تعبير رولان بارت ويحدد ، يوحي ، يمنح النص قيمته كما قال شارل غريفال ...ومن ناحية ثانية ما ينطوي عليه من صورة شعرية تستوقفنا ما فيها من اختلال في العلاقات المنطقية بين عناصر اللغة وطمس العلاقة الأيقونية تجعلنا نتيه في عوالم الشاعر البعيدة ، نحلق في سماء إبداعه فمرة نحاول أن نلتقط معني ونصطاد مدلولا ومرة نقف بذهول أمام مظاهر الإبداع والتميز ..قد يكون شاعرنا سار على درب شعراء الحداثة واستفاد من تجربة التحديث لكن الفرادة تكمن في الفعل الشعري وقدرته على إيجاد هندسة تحكم نظام النص، وتتحكم في جملة العلاقات التي تربط بين عناصر وجوده. حاولنا أن نتبع نهجا في التحليل انطلقنا فيه من جملة من العلاقات بين عناصر الوجود التي كنا نظنها على غير ما جاء به الشاعر..كل ذلك في إطار علاقة الماء بفعل البكاء .. وما يمكن أن يتولد عن هذه الثنائية من معان رديفة لمقصد الشاعر وهذا من شأنه أن يدعم شعرية النص ويؤصله ضمن موجة التحديث لكن مع نفس شعري متميز اختزلت رؤية الشاعر وانفعالاته المترعة بروحه الحساسة ليلتحم التصوير بخلجات نفسه ليكون قولا شعريا متخيلا ينفجر من النفس تحت تأثير الانفعالات الشديدة الملهمة ..وأي انفعال أشد من شعور بالغربة بين أحضان وطن ينزف بالآهات وينتكس فيه الواقع ليكون الكون الشعري هو البديل عن واقع الاغتراب والمعاناة فتنبجس عبره صورة الوطن بين الحلم والرؤيا .
الناقدة والتشكيلية التونسية الأستاذة خيرة مباركي
— with Khira Mbarki.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق