جمالية التكرار اللفظي والمعنوي في نص
((اعترافات خائنة –ولكن)) للأديبة هند العميد
أياد النصيري—العراق—2018
الأديبة المميزة-القديرة (هند العميد) الملمة بفنون الأدب وابوابه قصة
ورواية وشعر وخاطرة وومضة وهايكو --اذن هي كتلة ادبية متماسكة الجوانب
لاغبار في لغتها ومفرداتها وتراكيبها اللغوية من كل جوانب الأدب
تعتمد
الأديبة والقاصة بحق والشاعرة المجدة في بناء نصها هذا (اعترافات خائنة
--ولكن؟) لغة مجازية موجزة مشحونة بالمفارقات اللفظية والدلالية وهي تصنع
بهذه اللغة صوره فتقدم لنا قصيدة ذات نسيج متماسك لكل صورة فيه بل لكل
مفردة لغوية من مفرداتها ، وظيفتها في بناء القصيدة . فليس هناك صور
اعتباطية طارئة تطفو على سطحها وتخرم نسيجها ولا مفردة فائضة عن الحاجة .
وهذه ميزة خاصة وجدتها في كتاباتها
ولذا بدت قصيدتها خفيفة شفافة مثل
فراشة لا حشو فيها ولا ترهل مكتوبة بحذق بناؤها محكم في غالب الأحوال
ونهاياتها مباغتة لا تخلو من إدهاش لحظي ، وليس فيها لشاعر آخر من تأثير
فيها وهذه ميزة أخرى من ميزاتها حيث من خلال قراءة النص هناك تكرار في
الكلمة
وردت (مزدحم 3 مرات)(لا أنتهي 4 مرات)(حين أشتهي2)
والتكرار
لايقوم فقط على مجرد تكرار اللفظة في السياق وانما ما تتركه هذه اللفظة من
اثر انفعالي في نفس المتلقي وبذلك يعكس جانبا من الموقف النفسي
والانفعالي ومثل هذا الجانب لايمكن فهمه الا من خلال دراسة التكرار يحمل في
ثناياه دلالات نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق والتكرار يمثل
احدى الادوات الجمالية التي تساعد على فهم مشهد، صورة او موقف ما
ان التكرار قسمان: احدهما يوجد في اللفظ والمعنى والاخر في المعنى دون اللفظ، فالذي يوجد في اللفظ والمعنى كقولها
((فصَوتِي باسمكَ مُزدَحِم
وسمعي بصوتكَ مُزدَحِم
وضياعي بفِراقِكَ مُزدَحِم))
واما الذي يوجد في المعنى دون اللفظ قولها
((مِنَ الخيانةِ لا أنتَهِي
مِنْ فقرِ الحبِ لا أنتَهِي
من فقرِ العطفِ لا أنتَهِي
من فقرِ الأمانِ لا أنتَهِي))
فان الامر بالطاعة هو النهي فمثل هذه الملاحظة ترصد دقة الكشف عن حركة
الملحظ البلاغي في السياق فهي اشارة الى ان التكرار يتشكل في مستويين:
الاول مستوى لفظي والثاني معنوي
تكرار الكلمة وترديدها في اللّفظة
الواحدة يكسبها نغماً وجرساً ينعكسان على الحركة الإيقاعية للقصيدة، فإن
تكرار اللّفظة في التركيب اللّغوي لا يمنحها النغم فحسب، إنّما الامتداد
والاستمرارية والتّنامي في قالب انفعالي متصاعد جراء تكرار العنصر الواحد
..(أنا التي أخونُ حينَ تَشتَهِي
فالجوع يظلمكَ حينَ تَشتَهِي)
كذلك ومن مظاهر تكرار العبارة في نص الشاعرة (العميد) في بداية النص أو
نهايته بحيث تكون بمثابة المنبه الذي يتيح للذهن التوقد والتنبّه لأهمية
المعاني التي جاءت قبله وبعده
(أنتَ البَرِيءُ مِنْ كُلِّ التُهم)
إن المتأمل في هذه الجمل الشعرية يكشف عن فكرة الانتشار التي يعمل التكرار
على تحقيقها والانتشار في القصيدة نوع من الإيقاع الذي يمثل ترديدا لفكرة
مبنية على نغم معين ينسجم مع الدفقات الشعورية للمبدع تجعل المتلقي مشدودا
إليها لما تحمله من رنّة تبعث المتعة في النفس وبهذا اجادت الأديبة (هند
العميد) الجماليات الوظيفية في التكرار التأكيدية والتي ارادت بها اثارة
التوقع لدى المتلقي وتاكيد المعاني وترسيخها في ذهنه
ومن ثم الوظيفة الإيقاعية بالتكرار الذي ساهم في بناء ايقاع داخلي كي تحقق انسجاما موسيقيا خاصا
وانتقلت الى توظيف التكرار للتزيين في المعنى ومتلائمة مع البنية الصوتية مما زاد النص تلوينا جماليا على الكلام
وبعد فإن (هند العميد) تمتلك مهارات تدل على نضج تجربتها وخصوصيتها بين
جيلها من الشواعر والاديبات ولا أعرف لماذا لا تكتب (العميد) بإستمرار في
هذا الحقل بلوحات وقصائد شعرية ونثرية واعلم انها متفرغة لواقع القصة
والرواية اكثر -القصد ان القارىء والمتلقي معا يتفاعل مع مثل هكذا
قصائد بسيطة لها معاني كثيرة من واقع ملموس تكتبه ( هند العميد) التي
اجادت بشكل جميل مثل هكذا مواضيع وفكرة ومفردات منتقاة بعناية كما
نجاحاتها المتصاعدة في كتاباتها الروائية والقصصية--
النص
(اعتِرافَاتُ خائِنَةٍ.. ولَكِن!)
سَيِّدِي!
أنتَ البَرِيءُ مِنْ كُلِّ التُهمَ
أنا التي أطلبُ الاهتمامَ بِنَهَم
أسألُ اللطفَ مِنْ رامِي السَهَم
أنا وحدِي من تحمَّلَ الإثم
سيَّدِي القاسِي لقَلبِي اقتَحِم
سيَّدِي اللطيف أبداً لا تَرحَم
فصَوتِي باسمكَ مُزدَحِم
وسمعي بصوتكَ مُزدَحِم
وضياعي بفِراقِكَ مُزدَحِم
فمِنْ عقلِي وقلبِي وجسدِي..
نقاؤُكَ ينتَقِم
...
سيِّدِي
أنتَ البَرِيءُ مِنْ كلِّ التُهَم
فأنا...
مِنَ الخيانةِ لا أنتَهِي
مِنْ فقرِ الحبِ لا أنتَهِي
من فقرِ العطفِ لا أنتَهِي
من فقرِ الأمانِ لا أنتَهِي
أنا التي أخونُ حينَ تَشتَهِي
فالجوع يظلمكَ حينَ تَشتَهِي
وأنا جِعتُ كثيراً يا سَيِّدِي!
للقلبِ السخيِّ
لعقلٍ بلا رأي
لرجلٍ وفي
تقيٍ نقي
عن الخيانة عصي
لسندٍ قوي
بالكلماتِ ثري
في القُبَلِ شهي
فاشتهيتُ الخيانةَ حينَ جِعتُ
وقبلَ أنْ أدركَ الطعمَ ضعتُ
وجُلِدتُ وعُوقِبتُ
وأُقصِيتُ ونُفِيتُ
يا سَيِّدِي!
أنتَ البَرِيءُ مِنْ كُلِّ التُهَم