الاثنين، 5 فبراير 2018

الصورة رمز التجسيد وانزياح التجريد / مقال / سرحان الركابي / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,,,



الصورة رمز التجسيد وانزياح التجريد
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
. الصورة هي جانب من الابتكارات التي توصلت اليها الانسانية للحصول على شكل متماثل لشيء معين , كأن يكون جسما ماديا او شخصا او منظرا طبيعيا او غيره من اشكال وموجودات الطبيعة , 
. وفي اللغة الانجليزية image المشتقة من اللاتينية imago تشير هذه المفردة الى الاجسام ذات البعدين مثل الصورة الفوتوغرافية او صورة الشاشة المتلفزة , كما تدل على الاشكال المجسمة كالتماثيل والمنحوتات وغيرها 
. وفي اللغة العربية تتضمن مفردة الصورة المشتقة من الفعل صور بعدين دلاليين , الاول , ان صور الشيء لا تعطي معنى النقل الحرفي للشيء المصور خاصة اذا ما علمنا ان صور او تصور تشير الى نشاط ذهني غايته الالمام باطراف ومعالم شيء ما غائب عن الحس , وان تصور الشيئ ماهو الا تقريب لملامح غائبة ورسم لحدود متمردة على التصور والادراك الحسي في سبيل وضعها ضمن نطاق ذهني محدد له معالم وحدود واضحة كي يمكن الامساك به وتخليه بالهيئة التي تقترب بشكل جزئي او كلي من ملامح وسمات الشيء الذي نتصوره او نتخيله 
الثاني . ان شيوع استعمال المفردة ( صورة ) قد احدث نوعا من الانزياح الدلالي لمضمونها وباتت تعني النقل الحرفي لابعاد الشيء في صورته وحقيقته الواقعية , 
. وفي كل الاحوال لا تخرج الصورة عن كونها تمثل لحظة مجتزئة من حدث ما له قابلية الاستمرار في الزمن , لان زمن الصورة يعد ساكنا ومتوقفا عند نقطة ثابتة لا تمثل سوى حركة يسيرة من الحدث والزمن المتحرك والمنفلت مع انفلات الزمان وابديته 
. من هنا تأتي النظرة الى الصورة لا بأعتبارها تلك الايقونة المتجسدة في خطوط وظلال تشير الى شيء محدود , بل بأعتبارها ترمز الى شيء اكبر اتساعا واكثر حيوية وحركة من ذلك الزمن المتوقف والمحصور في مساحة محددة ومحاطة بأطارات تمثل نوعا من الجدران العازلة بين ما هو حي وواقعي ومتحرك وبين خطوط وظلال وتدرجات لونية تحاول ان تحاكي ذلك الاصل المبثوث في ارض الواقع 
. من الواضح اننا امام حالة ذهنية وسايكلوجية متمركزة في الطبيعة البشرية ذاتها , ذلك ان العقل البشري بطبيعته عقل تجسيدي وغالبا ما ينفر من كل ما هو تجريدي وخارج عن الحس , وهو محكوم دائما بتلك الحواس التي تمثل مجسات لاقطة تستطيع ان تتعامل مع الموضوعات والأراء والمفاهيم بالشكل الذي يتناسب ومعايير العقل ومنطقه الخاص , وما لم تتمثل الاشياء والموضوعات وتخضع لمديات تلك المجسات لتنتقل فيها الرموز من شكلها التجريدي الصامت والمنفلت من قبضة الادراك والفهم الى حيز المعلوم والمتجسد والقابل للأحاطة والاستيعاب كي تخرج الرموز والخطوط والظلال من فضاءها المحدود والمجهول الى شكل واطار اوسع يشير الى ما هو كائن خلف تلك الرموز والخطوط والى ما هو متمثل بشكله التجسيدي والملموس على ارض الواقع 
. من هنا فقد تعامل العقل البشري مع الصورة ومنذ بواكير وعيه بأعتبارها رمزا يشير أولا الى الأشياء والموضوعات والكائنات التي يتعامل معها , وثانيا . بأعتبارها رمز يمكن استحضاره والتعامل معه كشكل بديل لما هو اكبر واكثر اتساعا من كل ما هو محدود , لذلك كانت الشعوب البدائية لا تتقبل فكرة الأله الغائب عن الحس فهذا الأله بسماته التجريدية غير قادر على التجذر في عقول وضمائر المؤمنين به ولابد من استحضاره الى عالم الحس والادراك , الى عالم الواقع الحي والمعاش , ولهذا حلت الصورة او التمثال كبديل عن الأله الغائب وقد حلت كرمز لهذا الأله لكي يسهل التعامل معه وكي يكون حاضرا ومتجسدا امام الحواس والذهب البشري البدائي
سرحان الركابي
5 - 2 - 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق