الأحد، 12 أغسطس 2018

«الناي السحري» لموتسارت: الفن الفاصل بين النور والعتمة / مقال لسيدة فنون الاستاذة وهيبة محمد سكر / مصر العربية ,,,,,,,,,,,

عندما وضع موتسارت الحان أوبرا «الناي السحري» في العام 1791، كان في الخامسة والثلاثين من عمره، وحين قدمت هذه الأوبرا في خريف ذلك العام نفسه، كان لا يزال أمامه شهران فقط يعيشهما قبل أن يموت ميتته التراجيدية المثيرة للأسئلة والتي جعلته..!!
______________

«الناي السحري» لموتسارت: الفن الفاصل بين النور والعتمة!!
____________________________________

عندما وضع موتسارت الحان أوبرا «الناي السحري» في العام 1791، كان في الخامسة والثلاثين من عمره، وحين قدمت هذه الأوبرا في خريف ذلك العام نفسه، كان لا يزال أمامه شهران فقط يعيشهما قبل أن يموت ميتته التراجيدية المثيرة للأسئلة والتي جعلته يدفن في مقبرة عامة.
وبعد «الناي السحري» لم يؤلف موتسارت سوى عمل موسيقي واحد، ظل دون اكتمال وإن كان ما أنجز منه اعتبر وصية فنية ذات عمق استثنائي وجمال أخاذ: «الجنّاز» الشهير.
ومن هنا تعتبر أوبرا «الناي السحري» آخر عمل درامي وآخر عمل مكتمل أنجزته عبقرية ذلك الفتى الذي لا يزال العلم يتساءل حتى اليوم عن سر عبقريته وعن غوامض تلك الموهبة التي ارتبطت به منذ طفولته وجعلته «ابن موت»، وفق التعبير المصري الشائع الذي يتحدث عن حتمية الموت المبكر للأشخاص الاستثنائيين.!!
في جزء غير يسير من عمله، ارتبط موتسارت بالشرق كما كان يلوح أمام الغرب في زمنه، وهكذا يمكننا أن نعثر في الكثير من أعماله على روح شرقية ان لم يكن على مواضيع شرقية - حتى هذه كانت موجودة، ويعيش الى اليوم بيننا، على سبيل المثال،
«المارش التركي» و «خطف في السرايا»... الخ -. غير ان ما يمكن ان يقال عن «الناي السحري» هو ان هذا العمل يكاد يكون ملتحماً بالشرق، عبر أكثر من سبيل:!!
فهناك أولاً، الحكاية التي استقاها كاتب النص ايمانويل شيكانيدر (1751 - 1812)، وكان ممثلاً وكاتباً درامياً، من مجموعة من الحكايات الشرقية حملها كتاب عنوانه «جنّستان» (بلاد الجن) نشره فيلاند في العام 1786، وجمع فيه الكثير من حكاية الجن والسحرة الآتية من بلاد الشرقين الأقصى والأوسط، وهناك بعد ذلك الحضور المصري الفرعوني المكثف، والفلاحون المصريون، ورمزية الأهرام، وحضور ايزيس وأوزيريس (عاشقي الزمن الفرعوني - شهيديه)... وتحديداً كما رسمتهما المخيلة «الماسونية» كجزء من تراثها وطقوسها. وهكذا يمكن التعامل مع «الناي السحري» بكونه عملاً منتمياً الى الشرق، أو بالأحرى الى الشرق الاستشراقي، كما سيكون حال «عايدة» لفردي لاحقاً، بين أعمال أخرى شكّل الاستشراق خلفية لها، في زمن كان الشرق موئل الرومانسية وملهم كبار المجددين الغربيين في الفنون والآداب.!!
إذاً، انطلاقاً من نص كتبه شيكانيدر، وضع موتسارت هذه الأوبرا التي قدمت في مسرح شعبي يقوم في بعض ضواحي فيينا ويديره شيكانيدر نفسه، للمرة الأولى ليلة 30 أيلول (سبتمبر) 1791. وكما يمارس الناي السحري مفعوله على أحداث الأوبرا وأشخاصها، سرعان ما مارست هذه الأوبرا نفسها مفعولها على الناس، حيث ان نجاحها كان سريعاً، إذا ما مضت شهور إلا وكانت الأوبرا قدمت مئات المرات، وشاهدها الألوف. ومع نهاية العام 1800 كانت «الناي السحري» قد عرضت في أكثر من مئة مدينة، واقتبست وسرقت وقلدت. والطريف هنا ان باريس لم تعرف «الناي السحري» الحقيقية الا ابتداء من العام 1923. قبل ذلك كان ما يقدم اقتباساً بعنوان «أسرار ايزيس» حققه موريل دي شيديفيل، يركز على الجانب الفرعوني من العمل.
أما بالنسبة الى موتسارت، فإن الجانب الفرعوني انما كان يمر عبر السمة الماسونية لـ «الناي السحري» كما أشرنا. وهو أمر لم يعبأ المتفرجون به كثيراً حينها، ما جعل للأوبرا وجهين، وجهاً شعبياً يرتبط بأحداثها وألحانها الرائعة، ووجهاً نخبوياً يرتبط بمدلولاتها. ولكن، في النهاية ظلت «الناي السحري» عملاً شعبياً يتحلق من حول قصة حب أسطورية، تتدخل فيها القوى الخفية، الشريرة والطيبة، ويدور الصراع بين الخير والشر فيها، وتحدث انقلابات مسرحية تقلب توجهات الشخصيات رأساً على عقب، وتتفاعل قوى الماوراء مع البشر العاديين، وصولاً في النهاية الى انتصار الخير والنور: أي الى انتصار الحب.!!
هذه الأوبرا التي أراد المفكر والكاتب الألماني غوته، لفرط اعجابه بها، أن يكتب لها تتمة، ختمت حياة موتسارت ومساره الأوبرالي، واعتبرت ذروة في ذلك المسار. وكما أشرنا أنجزها الموسيقي الشاب خلال الشهور الأخيرة من حياته هو المولود العام 1756 في سالزبورغ. وكان موتسارت في السادسة حين بدأ يعزف ويبرز أمام الجمهور،
ما جعل والده الموسيقي يصطحبه في جولة مبكرة في أوروبا، وخلال السنوات التالية استقبل في البلاطات كافة، وبدأت تظهر أعماله المؤلفة، والتي كان يضعها في وتيرة سريعة وغريبة. وهكذا خلال ربع قرن لا أكثر، كتب الكثير من السيمفونيات والأوبرات والكونشرتو، وجدد في الموسيقى الباروكية، وفي القدّاسات والجنّازات. ومات في العام 1791 مخلفاً أعمالاً خالدة من أبرزها أوبرات «دون جوان» و «عرس فيغارو» وغير ذلك من أعمال لا تحصى ولا حاجة الى التذكير بها.
٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق