Mohamed Khassif
مصير فنان (6)
عقد باولا
محمد خصيف
عقد باولا
محمد خصيف
لم يبال كبور بكلام صديقه الجسيم ولا بترنيمه مطلع أغنية الفيزا. فهو لم
يخطر بباله ولو مرة السفر بعيدا عن البلدة البهجاوية، وحينما يحلو له السفر
فإنه لايتنقل دون مصاحبته لأمه، فما يركبه من هم قوي هو إرضاؤها، ويخشى
كثيرا أن يزورها هادم اللذات في غيابه. كان باله مشغولا إلى أقصى حد
بوالدته وحالة صحتها التي تزيد تدهورا يوما عن يوم، يقلبها الفقر والشقاوة
ومرض السكري الذي باتت تعانقه منذ ما يزيد على الستة عقود. ساعدها في
مجانبة أعراضه الخطيرة هزالها وصيامها عن السكريات وغذاؤها المقتصر على
الشاي والزيتون الأسود وقليل من خبز منخل دقيقه وشيء من عصيدة شعير أو سميد
ذُرة، وكثرة حركتها ومشيها.
سمع ضجيجا أج قرابة باب المنزل، صراخ أطفال وصياح بنات يزفه إيقاع دقات تلاطم دَرْفَة المدخل. خرج أبناء وبنات الجيران يحتفون بقدوم الگاورية. الكل على علم بقصتها وما عاناه كبور المسكين بسبب غيابها. وأضحت الأم رائدة، تطوف بين دور الحارة، تحكي للجارات ما يكابده ابنها الوحيد من آلام منذ أن تعرف على النصرانية العقيسة، كما تسميها. اشتد حزنها لأنها تخشى ارتدداه عن دينه والدخول في نصرانيتها، أو تأخذه منها ليعيش ببلاد الكفار، أو ربما تموت دون أن تراه أو تودعه، هي التي كان لسانها لا يقف عن ترديد دعوات الرضا له لتختمها ب" الله يخليك لي حتى تقف على جنازتي".
وحتى لاتثقل عليه وتزيد من همومه، تفادت ذكر موضوع النصرانية أو مناقشته أمامه وتركت الأمر لله مكتفية بالدعاء له في صلواتها.
خرج صديق كبور ليخمد الضجيج الذي مافتئ يملأ سماء الحارة الدانية شمسها من الأفول، وبقي هو يراقب حركات باولا داخل الغرفة دون أي اعتراض، بينما الأم أسندت ظهرها إلى الحائط دون متكإ تتابع ما يجري، تتدخل من حين لآخر بإشارات، غامزة لامزة.
حوشت باولا جميع الوريقات المرسومة مضيفة إليها تلك التي قضت أزيد من شهر منخرطة بالحافلة 23، حتى رثت حواشيها. أخرجت ورقة استمارة وشرعت تملأ خاناتها معتمدة فحوى بطاقة كبور الوطنية: اسمه الكامل باللغتين وتاريخ ومكان ازدياده وحرفته، بدون، وعنوانه، ثم سلمته الورقة ليختمها. كان عقدا موثقا يلزم كبور ببيع، أي تسليم ما يرسمه إلى باولا وحدها دون غيرها طيلة مدة غير محدودة. اطلع كبور على العقد لكنه لم يبال بشباك المصيدة التي نصبت له. فما يهمه
في الوقت الراهن هو ترويج سلعته للنهوض بحاله التي أدقعته منذ أن فطن لمعنى الوجود والحياة. فلا التعليم ولا شهادة البكالوريا ولا الإجازة في الحقوق كانوا له عتاقا. كم تمنى لو غادر كرسي المدرسة من الصف الرابع أو الخامس وامتهن حرفة نجار أو سيكليس أو حداد. كل أبناء جيرانهم حرفيون، يكسبون قوتهم اليومي برضى، متزوجون ولهم أبناء يرون فيهم حاضرهم ومستقبلهم.
غادرت باولا البيت بعد أن وضعت ورقة 100 درهم في يد العجوز، واقتفى آثارها كبور وصاحبه. قبل أن تستقل السيارة السوداء أخرجت دفتر الشيكات وخطت مبلغ 1000درهم باسم كبور العبسي.
- هيئ لي عشرة رسوم كبيرة ملونة بالگواش، وسأمر عليك الأسبوع المقبل لأخذهم. إياك أن تبيع لأحد، العقد بيننا...أغوڤواغ كبوغ...
انطلقت السيارة تزاحم البسكليتات والموتورات التي غص بها الطريق، بينما وقف كبور في مكانه شارد الذهن، ذاهل الفكر والشيك بيده. الألف درهم لن تقد المصاريف والدين، ومتطلبات باولا.
سمع ضجيجا أج قرابة باب المنزل، صراخ أطفال وصياح بنات يزفه إيقاع دقات تلاطم دَرْفَة المدخل. خرج أبناء وبنات الجيران يحتفون بقدوم الگاورية. الكل على علم بقصتها وما عاناه كبور المسكين بسبب غيابها. وأضحت الأم رائدة، تطوف بين دور الحارة، تحكي للجارات ما يكابده ابنها الوحيد من آلام منذ أن تعرف على النصرانية العقيسة، كما تسميها. اشتد حزنها لأنها تخشى ارتدداه عن دينه والدخول في نصرانيتها، أو تأخذه منها ليعيش ببلاد الكفار، أو ربما تموت دون أن تراه أو تودعه، هي التي كان لسانها لا يقف عن ترديد دعوات الرضا له لتختمها ب" الله يخليك لي حتى تقف على جنازتي".
وحتى لاتثقل عليه وتزيد من همومه، تفادت ذكر موضوع النصرانية أو مناقشته أمامه وتركت الأمر لله مكتفية بالدعاء له في صلواتها.
خرج صديق كبور ليخمد الضجيج الذي مافتئ يملأ سماء الحارة الدانية شمسها من الأفول، وبقي هو يراقب حركات باولا داخل الغرفة دون أي اعتراض، بينما الأم أسندت ظهرها إلى الحائط دون متكإ تتابع ما يجري، تتدخل من حين لآخر بإشارات، غامزة لامزة.
حوشت باولا جميع الوريقات المرسومة مضيفة إليها تلك التي قضت أزيد من شهر منخرطة بالحافلة 23، حتى رثت حواشيها. أخرجت ورقة استمارة وشرعت تملأ خاناتها معتمدة فحوى بطاقة كبور الوطنية: اسمه الكامل باللغتين وتاريخ ومكان ازدياده وحرفته، بدون، وعنوانه، ثم سلمته الورقة ليختمها. كان عقدا موثقا يلزم كبور ببيع، أي تسليم ما يرسمه إلى باولا وحدها دون غيرها طيلة مدة غير محدودة. اطلع كبور على العقد لكنه لم يبال بشباك المصيدة التي نصبت له. فما يهمه
في الوقت الراهن هو ترويج سلعته للنهوض بحاله التي أدقعته منذ أن فطن لمعنى الوجود والحياة. فلا التعليم ولا شهادة البكالوريا ولا الإجازة في الحقوق كانوا له عتاقا. كم تمنى لو غادر كرسي المدرسة من الصف الرابع أو الخامس وامتهن حرفة نجار أو سيكليس أو حداد. كل أبناء جيرانهم حرفيون، يكسبون قوتهم اليومي برضى، متزوجون ولهم أبناء يرون فيهم حاضرهم ومستقبلهم.
غادرت باولا البيت بعد أن وضعت ورقة 100 درهم في يد العجوز، واقتفى آثارها كبور وصاحبه. قبل أن تستقل السيارة السوداء أخرجت دفتر الشيكات وخطت مبلغ 1000درهم باسم كبور العبسي.
- هيئ لي عشرة رسوم كبيرة ملونة بالگواش، وسأمر عليك الأسبوع المقبل لأخذهم. إياك أن تبيع لأحد، العقد بيننا...أغوڤواغ كبوغ...
انطلقت السيارة تزاحم البسكليتات والموتورات التي غص بها الطريق، بينما وقف كبور في مكانه شارد الذهن، ذاهل الفكر والشيك بيده. الألف درهم لن تقد المصاريف والدين، ومتطلبات باولا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق