الأحد، 30 ديسمبر 2018

ظواهر اجتماعية في ديوان " حين حررت صمتي " للشاعرة التونسية / لمياء المجيد / قراءة هاشم خليل عبدالغني - الأردن,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

ظواهر اجتماعية في ديوان " حين حررت صمتي "
للشاعرة التونسية لمياء المجيد
هاشم خليل عبدالغني - الأردن
في ديوانها ( حين حررت صمتي ) تؤشر الشاعرة " لمياء المجيد " لبعض المشاكل الاجتماعية التي ظهرت بعد التحولات الأخيرة التي مرت بها مجتمعاتنا العربية ، مما يستدعي طرح هذه التحولات على بساط البحث والتدقيق، لمراجعتها مراجعة فكرية قائمة على التأصيل والتحديث ، كي تكون الثقافة محركاً للبناء والتغيير ..
سنناقش في هذه العجالة أبرز المشاكل الاجتماعية التي أشارت إليها الشاعرة ونبهت لمخاطرها وإلى ضرورة إيجاد حلول علمية... وعملية لها .
العنف الجسدي والجنسي : -
في قصيدة ( موت الأشياء ) تشير الشاعرة " لمياء المجيد " لتعرض المرأة للعنف الجسدي والجنسي ، كالضرب والإهانة اللفظية والاغتصاب والتحرش .
فالشاعرة نوهت في نصها إلى الآثار والعواقب الوخيمة ، على صحة المرأة النفسية والجسدية ، التي تنشأ عن هذا الاغتصاب ، فتدمرها نفسياً وجسدياً واجتماعياً .فتصف حال المغتصبة النفسية والجسدية .
في لحظة انهيار المقاومة الجسديَّة وانحطاط عاطفية... بفعل الإجهاد الفكري ، اغتصبت المرأة وتم الاستيلاء على جسدها رغماً عنها ، قهراً وظلماً دون وجه حق ، وداس الجاني على كرامتها وتم إذلالها ، اضطربت و توقفت دقات وضربات الحب .و ثَارَتْ ثائرة الحزن والألم .
وترتب على هذا الفعل الشنيع انهيار جدار حب وتبخر آمال وأحلام ، وخاصم وتنازع الود والبراءة مع لمعان علاقة كاذبة لا مطر فيها ...كما إن نبش هذا الجرح والسكوت عليه وعدم البوح به موجع ومؤلم كقرع الطبول كناية عن( إثارة آلام لم تبرأ منه بعد )..
في هذا الجو المشحون بالارتباك والأسى قُتِلَ الحب عمداً مع سبق الإصرار والترصد .
" موت الأشياء
في لحظة انهيار
آفتُضّت بكارتها وأغتصب الإنسان
داسوا الياسمين
وتوقّف نبض الحب
... في لحظة حزن
ينازع الزّنبق آخر الألق
كلام في الجرح ينكأ
في الصّمت يقرع
تنتحر الزّهور
لإبتذال الثّرثرة "
في جو مضطرب كثر اللغط وأختلط الكلام فيه، تشير الشاعرة " لمياء المجيد " إلى معاناة المغتصبة وهمومها وما تعانيه من ألسنة الناس ، ووسط أفكار متعددة ومتباينة ، منها المشفق ومنها الشامت ، تبقى المشكلة قائمة لا تبرح مكانها ولا يطاق تحملها لعظمها وفداحة أثرها .
" لإبتذال الثّرثرة
... وتبقى، صخور عائمة
ومراكب راسية تحترق
... بدموع أحزان الشّتاء
وطيف خيال
ورسائل مجهولة العنوان"
كما تتحدث الشاعرة لمياء المجيد عن أثر هذه الجريمة على نفسية المغتصبة ، منها علامات ( الدهشة والغضب والسخط ، والابتسامة الحائرة ،والملامح المتغيرة من هزال وضعف) التي تبدو على وجهها بعد تلاشي كل أحلامها .
" يمرّ الزّمن مُحمّلاً بالمرارة
محمولا ثقيلاً، حزينا
تموت كلّ الأشياء في العيون
تبهت الابتسامات
تغادرُ للوجوه الملامح
تتعرّى العظام
تسقط الأحلام
ولا يبقى للّيل إلاّ الظّلام
وبعض من ضوء القمر!؟
للمسافرين في الغسق"
معاناة العقول المبدعة : -
وفي قصيدة " إيقاع الصّمت " تتحدث الشاعرة عن معاناة العقول المبدعة ، فالمبدع العربي يعيش حالة اكتئاب وإحباط بسبب ما يلاقيه من خذلان وتجاهل رسمي وشعبي وإعلامي فمبدع رفيق المعاناة ، كثيراً ما يقابل بالجحود والنكران .
فالمبدع في بلادنا غارق في الشقاء، تكاثرت عليه الهموم حتى أعجزته ، باحثا عن منفذ للنجاة، ولكنه يواصل الإبداع والعطاء بصمت دون ضجيج ، فيكتب معبراً عن معاناة الناس وهمومهم، كما أن المبدع ينير للعامة درب الخلاص والنجاة ، من الظَلَمَة وأذاهم .. ببث بريق أضواء الأمل والوعي .
" في التّعاسة يغرق
يبحث عن زورق
ينسج كلاما
يأخذ إيقاع الصّمت
يكتب
غضبا...حزنا...دمعا
ا... القلم يضغط
الورق يئنّ
يتبلّل الكتاب
يرسم الومضات
يخطّ النّجاة
"... في عميق الروح
كما أن المبدع الملتزم يندفع ويستفيض بمواصلة رسالته ، بكل شجاعة ورابطة جأش ، تجاذبه وتنازعه هموم وهواجس تمور في داخله .
... " يُبحر
ينساب جنان الحرف ضياء
عزف لحن جميل
ذات أعذب مساء
تأتي من عمق البوح
وأحلى الخلجات"
الروابط الاجتماعية والأخلاقية :-
في قصيدة ( متى ) تعالج الشاعرة " لمياء المجيد " طاهرة طارئة على مجتمعنا العربي ، ظاهرة تراجع الروابط الاجتماعية والأخلاقية ،التي تربط أفراد المجتمع .
تبدأ الشاعرة نصها بسؤال استنكاري ، بمعنى هل تعود مجتمعاتنا لقيمها ومبادئها الأخلاقية ؟ ، ( الصدق، والأمانة، والإحسان للجار، وإكرام الضيف، ومساعدة المحتاجين ) ... كيف تعود ؟ والكوارث والحوادث المؤلمة تبطش بنا وتقهرنا بكل حقد وقسوة ، فالعلاقات تبدلت وأصابها البرود والتراخي ، فَقد فُفِدتْ الألفة والطمأنينة والمحبة ، فالحالة أضحت لا تطاق .. والهموم أثقلت كاهلنا وأذابت علاقتنا الإنسانية .
" كيف لي بشدِّ العودِ؟
والنّائباتُ تسطو سطوَ اللّيالي السّودِ
أمست العلاقات في بُرودِ
الأنسُ ليس له من وقودِ
نثرْتُ لباسَ فخرٍ لجحودِ
والحال أضحت
تذيبُ حجرَ جُلْمودِ"
تعود الشاعرة "لمياء المجيد" لطرح لسؤال جوهري ، متى نتخلص من هذا الواقع المر؟ للخلاص من هذا الواقع علينا أن نعود لأصالتنا ، وأن نعود لتاريخنا وروحنا الوثابة للكرامة والعزة ، ولن يتحقق ذلك إلا بالعودة إلى العقل والقيم والحب لوطننا وإنساننا .. فنقبل على الحياة بهمة ونشاط .
" متى يكون مبْسَمِي كعقدِ اللُّؤلؤ المنضود؟
متى تتورّدُ الخدودُ؟
كيف أعودُ لعهديَ المعهود؟
أترشّفُ مشروب عُنقودِ؟
أترك الحزنَ لجفنٍ أرمَدِ
أُكفكف دمعا على الخدِّ
أتكحّلُ بالإثمِدِ
أرقص في لباس العَسْجَدِ
• أُقبلُ على الحياة إقبالَ توقُّدَ "
الأحلام والواقع :-
في قصيدة ( شمعة .. تحترق ) تتحدث الشاعرة عن الإنسان الحالم الذي يعاني من سوء الطالع "سيء الحظ " لعدم توفيقه في الحياة لأسباب أقوى من إرادته ، ولعدم نظرته الواقعية للحياة ، فالواقعية أن تكون مندمجا مع واقعك مبتعدا عن الأحلام والأوهام والآمال ، لكي تتفادى صدمات وجروح الحياة الخيالية ..
... " أنا شمعة أحترق
شيّدت أوهاما في الأفق
سبحت في بحر
حلمت
... رفعت أسوارا من الورق
الورق...يتبل
" السّور...يتهاوى
تؤكد الشاعرة أن من يبني بيوتا من خياله ، سيحترق بنار توهمه ، وستنهار أسوار أحلامه الرخوة ، ولن يبقى منها قائماً
إلا أثار طلل، وما وقع في الذهن من خاطر ... ولن تجدي مزاوجة الحلم بالواقع .
" كما تسقط الحضارات القديمة
على مشارف المدينة
لم تتبقّ غير الأطلال
... من ملاحم الإبطال...
ما أروع الأحلام
! أعيش بالوهم
أفتح معرض الرّسم
أُزَاوِجُ الحقيقة بالحلم
شوق الشّمعة للنّجم
مفعما بالعطر
مسيّجا بالضّم"
والنتيجة أن الحالم الواهم ( عاد بخفي حنين ) ولم يقطف إلا الخيبة ولم يجنِ إلا أماني كاذبة ، بين الواقع والحلم جدار مرتفع .. جدار الحقيقة .
"لم أَجنِ إلاّ السّراب
وأمنيات كِذاب
شمعة تستجدي البريق
من نجمٍ بعيد عريق
تهدّ جدار المنطق
وتحترق "
يتضح مما تقدم أن ( لمياء المجيد ) شاعرة وفنانة قديرة وجريئة تطرح هموم ومعاناة المجتمع الاجتماعية والنفسية بعمق واقتدار. فقد قدمت في نصوصها عصارة الوجع والألم لواقعنا العربي المعاش لتكون مطروحة للبحث والحوار .
أتمنى للشاعرة " لمياء المجيد " مستقبلاَ فنياً زاخراً بالعطاء والنجاح ... وننتظر منها المزيد من الإبداع و الألق.
هاشم خليل عبدالغني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق