الجمعة، 28 أكتوبر 2016

قصة قصيرة .............................. الدرس الأول/ لما كربجها / سوريا ...



قصة قصيرة
..............................
الدرس الأول/ .................................
من مجموعتي القصصية حلم الياسمين
..................................
حصلت هذه القصةعلى المركز الأول على مستوى الجمهورية العربية السورية ضمن مسابقات شباب سورية لعام 2003.
.........................................
الحافلة تشق طريقها ببطء وأعمدة الطرقات أشباح أشجار عارية تسقط بقايا حيويتها في لونها الشاحب مستغرقة في قدرها الصامت بينما ألتوي بين دفتي مقعدي معلمة بوساطة أحد المسؤولين،ألتهب بصراعي ما بينك وبين واقع فاجأني فشهادتي بلا أيد خفية لم تعد كافية أمام ذلك الكم الهائل من مثيلاتها.
أين أنت الآن؟..أين أنت؟..
لأنتزع عينيك وأستبدلهما باثنتين بشريتين وأمنحك قناعاً آدمياً فلربما بعد كل هذا أراك طبيعياً بعيداً عن هالتك المقدسة أو أنني قد أنسى رغبة ملحة بالكسر تعيدني إلى أيام الطفولة وإلى ساعتي الرقمية وإلى كل شيء حطمته لأدرك كنهه وأرى خفاياه.
أريد أن أحطمك،أريد أن أنهيك لأعرف سر مركباتك الغريبة لكن ماذا أستعمل مشرطاً ومقصاً أم أستخدم مطرقة الطفولة أم أنك تحتاج لأدوات مبهمة ككل شيء فيك.
أشعر برغبة لا تقاوم بالبكاء،بكاء وحشي ينشب مخالبه في وجهك ممزقاً نفسه بغليان دموي ليخرج حراباً تنغرس في جسدك،تمتص دمك وتبقيك أحشاء جافة وأوصالاً مقطعة، بكاء بأعصاب مضطربة يحيي يوم الدرس الأول في طفولتي حين دخلت قاعة الامتحان متأخرة كنت تقف أمامنا وتقول لنا:
- لقد حان يوم الدرس الأول أمام أوراقكم ستكونون وحدكم عراة تحاربون نفوسكم الضعيفة، تبدؤون بذواتكم، تتغلبون عليها ثم تنطلقون إلى الحياة ليس من رادع لكم سوى ضميركم وإن كنت لا أراكم فالله يراكم.
وخرجت بعد أن منحتنا ثقة تقتل كل ذرة تخاذل فينا.
أذكر هذا اليوم وأذكر ألامي التي خلقت معه، مبادئك، قيمك وها أنا أبدأ معلمة الأيدي الخفية.
الحافلة تكمل طريقها وسط عاصفة من الغبار وأنا في مقعدي لا أشعر بشيء كأنني في مكان ثابت أمام شاشة كل ما فيها متحرك ، صور متتالية تأتي وتمضي في رحلة الوصول إلى البداية و النهاية.
اليوم وقفت أمام طلابي أريد أن أبدأ معهم درسي الأول، لم أستطع، إحساسي بالكذب والخداع في كل كلمة سأقولها جعلني أشعر بشياطين تنبعث من أطفالي تلف جمر المدفأة وتحتضنني محرقة روحي، خرجت مسرعة من المدرسة لأصعد أول حافلة تعترض طريقي .
أين أنت؟..أين أنت الآن؟..
سأقتلك لا محالة، سأنثر شظايا جداري البلوري في وجهك الملائكي لعلك تشعر بعويل تمردي وهو يلطم أمواجه الهمجية في زوايا روحي داخلي وخارجي محاولاً أن ينتزعني من نفسي أن يخرجني من جلدي لينهيك من فكري وينهي صراعي لصالح الأيدي الخفية.
الحافلة تمضي في دورتها، أين أنا لا أدري، ماذا أرى لا أدرك، لكنني أشعر بشخص بجانبي إنه معلمي!.. إنه أنت!.. الآن سأمزقك وأملأ نوافذ الحافلة بدمائك، سأحيلك قطعاً مكسرة تبوح بسرها القديم لتنزف بغزارة تروي ظمئي ، إن دماءك شفافة متلألئة تحيط بي تتسرب عبر مسامي تملؤني.
ابتعد عني أرجوك .. ابتعد عني .
- اهدئي يا ابنتي وانظري إنها تمطر والمطر يغسل كل شيء.
العواصف في كل مكان تبدأ بصراخ ودمار نسبي لكنها تنتهي بالمطر.
هيا اقتربي مني،استعيدي صورتك الأولى واحتضني طفلتك الصغيرة.
- تابع خلصني من عويل يسكن نفسي.. ضمني.. بقوة أكثر.. إنك تتلاشى تختفي في جسدي والحراب تنضمر، تذوب وتنتهي في هدوء روحي.
بعد دورة كاملة الحافلة تتوقف قرب مدرستي، انتهت رحلتي. أوتار الحياة تنفض غبارها عن صدري، باب المدرسة أمامي، لقد حان وقت الدرس الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق