الخميس، 27 أكتوبر 2016

الهايكو قبس من نشأته بقلمي/ رشا السيد أحمد/ سوريا ,,,,

الهايكو قبس من نشأته
بقلمي رشا السيد أحمدالشعر الياباني شعر له من السلاسة والعمق ما نلمسه منذ قراءتنا الأولى للكلمات , تقول الاسطورة أن الشعب الياباني كان يعبد إلها واحدا له امبراطورية شاسعة من الكلمات , وهذا الإله أعطى لكل كلمة روحاً , وهذه الكلمات قد وصلت للناس من خلال الديانة البوذية , التي وصلت عن طريق داعية قدم من الهند للصين في القرن السادس وانتقلت لليابان , وهذا مما جعل لكل كلمة قداستها لدى اليابانيين , وتقول أن أول من أطلق الشعر هو واحد من أبناء الشمس , فأشرقت كلماته , على كل الناس
لكن مع تطور الشعر في اليابان لم يبقَ من أشكال النظم إلا شكل ( التانكا ) وهو يتألف من واحد وثلاثين مقطعا صوتيا في أبيات خمسة .
و( الهايكو) الذي تطور منه , وهو بيت من الشعر يحتوي على سبعة عشر مقطعا صوتيا , في ثلاثة شطور فقط . تأتي خمسة أصوات ثم سبعة ثم خمسة
قليلة هي القصائد الطويلة المسماة بـ ناغوتا وتجدر الإشارة إلى
فكان المعلم الأول الفن (باشو) حوالي 1644في بدايات القرن السابع عشر ، وجاء بعده (كوباياشي إسّا) ولد في 1763 وتوفي في 1828.و(بوسون ) ولد في عام 1786 ، و(ماسا أوكا شيكي ) في 17 سبتمبر 1867 وتوفي في 19 سبتمبر 1902 .
أن ما يثير في شعر الهايكو ليس معانيه الغامضة , وتراكيبه الصعبة , أنما سلاسته وترميزاته البسيطة المنسابة برقرقة , طبيعية أشبه بطفل يلقي قصيدة عفوية ’ بكلمات توجز داخلها الكثير
و هي قصيدة صوفية تطورت على أيد الصوفية اليابانية والرهبان , فهي تأملية تأتي بعد اشتعلات داخلية في وجدان الشاعر , لتفيض برؤى حسية تحمل أسئلة ونتائج تأملية حتى ولو لم تجد إجابات لكن فيها راحة الشاعر الصوفي
وغالبا ما كانت تحمل رموزاً مرسلة , في ثوب من الرهافة الحسية الرشيقة ويدخل فيها ذكر لفصول السنة وتقلباتها , وهي قصيدة الهايكو وبذلك يكون اللفظ والمعنى , محملان بمعنى ظاهر ومعنى مبطن
فهي تحاول الحفاظ على أسرار الصوفية , وبنفس الوقت تشعل الوجد الإنساني برهافة بالغة بما قدمته , والصوفية بمجملها تسعى لإدراك المطلق الوجود الإلهي , وفي نفس الوقت نرى أن الرموز تحمل فنية وجدانية ورؤية شعرية , تجعل من الأخذ بالمرمز الصوفي واتحاده بالعاطفة ’ يشكل لدينا صورة فنية ميتافيزيقية تعبر الوجود , كما نجد ذلك في الشعر الوجودي , الذي ينفتح على رؤى فلسفية توقفنا للتفكر في الكون والوجود
فنجد شعر باشو هو تجربة روحية يدعمها المعتقد البوذي التصوفي , كما ذلك عند الشاعر الصوفي ابن عربي
يقول : " لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان "
فقد حملت الصورة من الرموز الإعتقادية , ما حملت للتتضافر مع رؤاه الروحية الفلسفية

بينما بعض الشعراء الهايكو المحدثين نجد تجربتهم الروحية تحاول الاستعانة بالرؤى الصوفية و الرموز , تنفتح على رؤية الرموز التجريدية والتي تنفتح على مصراعيها على الكون
وهكذا وجدنا أن الرؤى الصوفية الاعتقادية , انتقلت من الخاص جدا الرهبان ورجال الدين والمتصوفة , لتُحمل للعام الياباني , ليكتبها أو ينشدها الجميع بنفس خصائصها الإعتقادية , ومنها إلى العالم ’ لكن لتكون صوفية عامة تتطلع لرؤى الكون الجمالية المطلقة وليست صوفية معتقد كما في اليابان , ولكن معظمها يبحث يبحث في الميتافيزيقا حسب معتقده , وكذا تسعى للكشف الدائم لجماليات الكون بتجارب روحية تفضي إلى رؤى باذخة الشفافية , علوية التفكير مدركة , في الأعماق العميقة من وجدان الشاعر المثقف جدا والمرهف جدا , أو متجلية في لحظات شروق باذخ الضياء
لذا اعتبروا الشعراء اليابانين أن الهايكو هو ضرب من ضروب العبقرية الشعرية لكل ما يحمله من معان سامية
(كتب الروائي والشاعر الياباني ناتسوم سوسيكي قائلا في الهايكو : لنفترض أنك غاضب
اكتب حول هذا الغضب وسيتبدى لك فورا أنك تصف غضب الآخرين ، لا يمكن لأحد أن يكون
في غضب ويكتب الهايكو في نفس الوقت . )
وذاك لما يحتاجه هذا الضرب من الشعر , للتأمل والسلام الداخلي , والتبصر الكوني , الخفية والظاهرة
بعد نظرتنا لتطور الشعر في بلاط الامبراطورية اليابانية , نجد أنه وصل لقصيدة " الهايكو والتانكو " وبعض المطولات أحيانا
ألا أن قصيدة الهايكو كان لها الحظ الأكبر في الانتشار
وبذلك لا أعتقد أنه يخلط مع غيره من الأشعار فهو جلي لكتابه ..ويظل تحت مسمى هايكو حفاظا على خصوصيته وأن أدرجه البعض تحت مسمى تقليلة مثل كل الكتابات الشعرية المكثفة .. لكن يجب أن يكتب فوقه هايكو حفاظا على هذا الجنس الأدبي العريق .. وبالتالي هو بعيد عن الخلط بالكتابات الأخرى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق