التكامل الأدبى بين الأنا والأخر
أوجه التشابه والأختلاف بين (ابن طفيل) وبين (دانييل دفو)
بقلــــــــم
د. طـــارق رضــــوان ( مصـــر )
لا احد ينكر أن العلاقة بين الأدب العربى والأدب العالمى علاقة تكامل ومخطىء من يظن أن أحدهما منعزل عن الأخر منذ قديم الأذل وحتى وقتنا هذا. واليوم نتحدث عن ابن طفيل ودانييل ديفو وعلى الرغم من أن بينهما قرابة 500 عام الا أن أعمالهم الأدبية خير دليل على روح التكامل بين مؤلفاتهما . أن التاثر بالأخر أمر لا مفر منه اليوم، شئنا أم أبينا، ففى عصر الاتصالات الحديثة والمذهلة فى سرعتها، يغزونا الأخر فى عقر بيوتنا، بغية مسخ شخصياتنا، كى نكون تابعين له لا مبدعين مثله. المهم أن نكون أنفسنا وضرورة الثقة بها، ولن تتحقق هذه الثقة الا بالتمسك بكل مقوماتنا الشخصية التى صنعت لنا حضارة خاصة، وجعلتنا نمتلك صوت الابداع.
وأهمية الدراسات الأدبية المقارنة أنها تشكل اليوم احدى صور العلاقات بين الأمم. حيث تهدف هذه الدراسات الى نبذ العنف والانطلاق الى الأخوة التى تجمع بين الأنا والأخر رافضة عقدة التفوق ومؤيدة للانفتاح على انجازات الأخرين.
كتب ابن طفيل رواية (حى بن يقظان) وهى باختصار تحكى قصة ملك عظيم يرفض زواج أخته لنه لا يجد من الرجال من هو كفء لها، فتتزوج من سرا من رجل يدعى (يقظان) وتنجب ولد يدعى (حى). لكنها بالطبع خافت على طفلها من بطش خاله فقذفته فى اليم. ثم يلقيه اليم فى جزيرة منعزلة وتقوم بتريته ظبية قد فقدت وليدها فترضعه وتحميه. وبموت هذهالظبية يصبح (حى) وحيدا ويبدأ رحلة البحث بمفرده عن تساؤلات فلسفية وروحانيه تدور بداخله وينضج فكره وينضج احساسه الايمانى بالله . ولم يكن يهتم ابدا بتوفير غذاء فخم أو مسكن عظيم ولكنه أتجه الى العلم والفلسفة والتدين. ثم ظهر شخص أخر كشخصية ثانوية هى شخصية (أسال) وهو رجل متصوف ، هاربا من شيوع الفساد بمدينته الى نفس الجزيرة التى يعيش عليها (حى). ويعلم (أسال) (حى) . علمه اللغه والتصوف.
(حى بن يقظان) هو كتاب فلسفى لأبن سينا استخدمه ابن طفيل واضاف عليه البنية السردية. ولأن ابن طفيل فيلسوف فهو مختلف عن العامة بقدرته على ادراك الحقائق الالهية بعقله وحدسه.
على الجانب الأخر نجد (روبنسون كروزو) وهو عمل ادبى يحكى قصة شاب فى العشرين من عمره. وقد طلب من والديه السماح له بالسفر فهم عاشق لروح المغامرة، لكنهما يرفضان ويهرب على ظهر سفينة ويدعوا عليه والده أن يضع الله فى طريقه المتاعبز وبالفعل غرقت السينة بمن عليها ما عدا روبنسون الذى وجد نفسه فيما بعد فى جزيرة منعزلة. وعانى كثيرا لتوفير الطعام والمسكن الأمن خاصة وان الجزيرة بها العديد من الوحوش. بالمصادفة عرف الزراعه وساعده الطعام والأدوات التى كانت فى السفينة المحطمة. وفيما بعد يظهر شخص هارب من أكلة لحوم البشر فيسميه(جمعة) وأصبح مساعد له. عاش روبنسون هناك 28 عام على الجزيرة حتى أتت سفينة مصادفة فرحل معها الى بلده.
وفى كلا الروايتين نجد كلا الكاتبين عاشا فترة من حياته فى اسبانيا، وكلا الروايتين تحكى عن مكان واحد وهو جزيرة نائية وبطل القصتين شخص وحيد يحاول أن يفهم طبيعة ما حوله فهو بدائى ومعزول.
الشخصية الثانوية تصل الى الجزيرة بعد استقرار الشخصية الأساسية لتضفى الحيوية على القصتين. ونجد ابن طفيل الفيلسوف يريد أن يدلل على وجود الله باستخدام العقل ثم الحدس. وهو يريد الانسان أن يصل الى الايمان بعقله وقلبه لا أن يكون ايمانهم تقليديا. بينما غاية دانييل غاية تربوية فهو يتوجه بالنصح للشباب الذى يحب المغامرة عارضا مثال فى قصته ومدى المعاناه التى عاناها روبنسون بسبب عناده.
وفى كلا القصتين نجد أنا لسيرة الذاتية للمؤلف أنعكست فى روايته فابن طفيل كانت أهم قضاياه هى " هلى تستطيع الفلسفة أن تؤدى الى الايمان بالله تعالى وهل يكفى العقل وحده لنص الى الايمان بالله ام نحن بحاجة الى القلب أيضا؟". ولذلك أسقط ابن طفيل هذا على شخصية (حى) وجعله فيلسوفا وعالما وطبيبا وعالم فلك مثله. أما قصة "روبنسون كروزو" فتظهر لنا ما عاناه الكاتب من عقوق أبنه له وأسقط عليه غضبه مما جعله يعانى متاعب متاعب كثيرة فى سفره.
ولكن هناك بعض الاختلافات بين القصتين حيث نجد روبنسون يبدا حياته على الجزيرة فى سن العشرين واستعان بما وجده فى السفينة المحطمة بينما (حى) كان طفلا وقامت برعايته ظبية. وأيضا أهتم (حى) بالروحانيات ولم يهتم بالماديات بنما روبنسون كان يهتم بغذائه ومسكنه الأمن ، ناقلا حياة المدينة الى الجزيرة مبتعدا تماما عن الحياة الروحية.
ويقول جان جاك روسوان الانسان الذى يعيش قريبا من الطبيعة يكون مرهف الحس واشد تدينا واقترابا الى الله من الانسان الذى يعيش فى المدينة وذلك لزيادة احساسه بمعجزات الكون وجماله. شخصية (حى) شخصية فيلسوف يريد اصلاح ما حوله بينما روبنسون انسان عادى يهتم بحاجاته المادية. ولقاء (جمعة) ب (روبنسون) يعزز الجانب المادى وهى علاقة السيد بالمسود. ولقاء (أسال) ب (حى) يعزز الجانب الروحى. ومن الملاحظ وجود مؤثر اسلامى فى روبنسون كروزو وهو ألف ليلة وليلة، اذ لابد أن ديفو قد أطلع على ترجمة (غالان) لألف ليلة وليلة ويلاحظ أن معانانة روبنسون تسبه معانانة السندباد البحرى، خاصة فى بداية الرحلة البحرية
المراجع:
1- دانيال ديفو "روبنسون كروزو" ت. كامل كيلانى، مطبعة المعارف بمصر،ط 31 د.ت
2- زيغرند هونكه "شمس العرب تسطع على الغرب" منشورات دار الفاق الجديدة، بيروت ط81،
1986 ص 483
3- د- لوثى لوبيث بارالف "أثر الثقافة العربية فى الأدب الاسبانى "كتاب الرياض"، عدد 54 يونيو 1999، ص 63 بتصرف
4- ابن طفيل (حى بن يقظان) اعداد د. سمير سرحان ود. محمد عنانى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 1999 ص 7-8
أوجه التشابه والأختلاف بين (ابن طفيل) وبين (دانييل دفو)
بقلــــــــم
د. طـــارق رضــــوان ( مصـــر )
لا احد ينكر أن العلاقة بين الأدب العربى والأدب العالمى علاقة تكامل ومخطىء من يظن أن أحدهما منعزل عن الأخر منذ قديم الأذل وحتى وقتنا هذا. واليوم نتحدث عن ابن طفيل ودانييل ديفو وعلى الرغم من أن بينهما قرابة 500 عام الا أن أعمالهم الأدبية خير دليل على روح التكامل بين مؤلفاتهما . أن التاثر بالأخر أمر لا مفر منه اليوم، شئنا أم أبينا، ففى عصر الاتصالات الحديثة والمذهلة فى سرعتها، يغزونا الأخر فى عقر بيوتنا، بغية مسخ شخصياتنا، كى نكون تابعين له لا مبدعين مثله. المهم أن نكون أنفسنا وضرورة الثقة بها، ولن تتحقق هذه الثقة الا بالتمسك بكل مقوماتنا الشخصية التى صنعت لنا حضارة خاصة، وجعلتنا نمتلك صوت الابداع.
وأهمية الدراسات الأدبية المقارنة أنها تشكل اليوم احدى صور العلاقات بين الأمم. حيث تهدف هذه الدراسات الى نبذ العنف والانطلاق الى الأخوة التى تجمع بين الأنا والأخر رافضة عقدة التفوق ومؤيدة للانفتاح على انجازات الأخرين.
كتب ابن طفيل رواية (حى بن يقظان) وهى باختصار تحكى قصة ملك عظيم يرفض زواج أخته لنه لا يجد من الرجال من هو كفء لها، فتتزوج من سرا من رجل يدعى (يقظان) وتنجب ولد يدعى (حى). لكنها بالطبع خافت على طفلها من بطش خاله فقذفته فى اليم. ثم يلقيه اليم فى جزيرة منعزلة وتقوم بتريته ظبية قد فقدت وليدها فترضعه وتحميه. وبموت هذهالظبية يصبح (حى) وحيدا ويبدأ رحلة البحث بمفرده عن تساؤلات فلسفية وروحانيه تدور بداخله وينضج فكره وينضج احساسه الايمانى بالله . ولم يكن يهتم ابدا بتوفير غذاء فخم أو مسكن عظيم ولكنه أتجه الى العلم والفلسفة والتدين. ثم ظهر شخص أخر كشخصية ثانوية هى شخصية (أسال) وهو رجل متصوف ، هاربا من شيوع الفساد بمدينته الى نفس الجزيرة التى يعيش عليها (حى). ويعلم (أسال) (حى) . علمه اللغه والتصوف.
(حى بن يقظان) هو كتاب فلسفى لأبن سينا استخدمه ابن طفيل واضاف عليه البنية السردية. ولأن ابن طفيل فيلسوف فهو مختلف عن العامة بقدرته على ادراك الحقائق الالهية بعقله وحدسه.
على الجانب الأخر نجد (روبنسون كروزو) وهو عمل ادبى يحكى قصة شاب فى العشرين من عمره. وقد طلب من والديه السماح له بالسفر فهم عاشق لروح المغامرة، لكنهما يرفضان ويهرب على ظهر سفينة ويدعوا عليه والده أن يضع الله فى طريقه المتاعبز وبالفعل غرقت السينة بمن عليها ما عدا روبنسون الذى وجد نفسه فيما بعد فى جزيرة منعزلة. وعانى كثيرا لتوفير الطعام والمسكن الأمن خاصة وان الجزيرة بها العديد من الوحوش. بالمصادفة عرف الزراعه وساعده الطعام والأدوات التى كانت فى السفينة المحطمة. وفيما بعد يظهر شخص هارب من أكلة لحوم البشر فيسميه(جمعة) وأصبح مساعد له. عاش روبنسون هناك 28 عام على الجزيرة حتى أتت سفينة مصادفة فرحل معها الى بلده.
وفى كلا الروايتين نجد كلا الكاتبين عاشا فترة من حياته فى اسبانيا، وكلا الروايتين تحكى عن مكان واحد وهو جزيرة نائية وبطل القصتين شخص وحيد يحاول أن يفهم طبيعة ما حوله فهو بدائى ومعزول.
الشخصية الثانوية تصل الى الجزيرة بعد استقرار الشخصية الأساسية لتضفى الحيوية على القصتين. ونجد ابن طفيل الفيلسوف يريد أن يدلل على وجود الله باستخدام العقل ثم الحدس. وهو يريد الانسان أن يصل الى الايمان بعقله وقلبه لا أن يكون ايمانهم تقليديا. بينما غاية دانييل غاية تربوية فهو يتوجه بالنصح للشباب الذى يحب المغامرة عارضا مثال فى قصته ومدى المعاناه التى عاناها روبنسون بسبب عناده.
وفى كلا القصتين نجد أنا لسيرة الذاتية للمؤلف أنعكست فى روايته فابن طفيل كانت أهم قضاياه هى " هلى تستطيع الفلسفة أن تؤدى الى الايمان بالله تعالى وهل يكفى العقل وحده لنص الى الايمان بالله ام نحن بحاجة الى القلب أيضا؟". ولذلك أسقط ابن طفيل هذا على شخصية (حى) وجعله فيلسوفا وعالما وطبيبا وعالم فلك مثله. أما قصة "روبنسون كروزو" فتظهر لنا ما عاناه الكاتب من عقوق أبنه له وأسقط عليه غضبه مما جعله يعانى متاعب متاعب كثيرة فى سفره.
ولكن هناك بعض الاختلافات بين القصتين حيث نجد روبنسون يبدا حياته على الجزيرة فى سن العشرين واستعان بما وجده فى السفينة المحطمة بينما (حى) كان طفلا وقامت برعايته ظبية. وأيضا أهتم (حى) بالروحانيات ولم يهتم بالماديات بنما روبنسون كان يهتم بغذائه ومسكنه الأمن ، ناقلا حياة المدينة الى الجزيرة مبتعدا تماما عن الحياة الروحية.
ويقول جان جاك روسوان الانسان الذى يعيش قريبا من الطبيعة يكون مرهف الحس واشد تدينا واقترابا الى الله من الانسان الذى يعيش فى المدينة وذلك لزيادة احساسه بمعجزات الكون وجماله. شخصية (حى) شخصية فيلسوف يريد اصلاح ما حوله بينما روبنسون انسان عادى يهتم بحاجاته المادية. ولقاء (جمعة) ب (روبنسون) يعزز الجانب المادى وهى علاقة السيد بالمسود. ولقاء (أسال) ب (حى) يعزز الجانب الروحى. ومن الملاحظ وجود مؤثر اسلامى فى روبنسون كروزو وهو ألف ليلة وليلة، اذ لابد أن ديفو قد أطلع على ترجمة (غالان) لألف ليلة وليلة ويلاحظ أن معانانة روبنسون تسبه معانانة السندباد البحرى، خاصة فى بداية الرحلة البحرية
المراجع:
1- دانيال ديفو "روبنسون كروزو" ت. كامل كيلانى، مطبعة المعارف بمصر،ط 31 د.ت
2- زيغرند هونكه "شمس العرب تسطع على الغرب" منشورات دار الفاق الجديدة، بيروت ط81،
1986 ص 483
3- د- لوثى لوبيث بارالف "أثر الثقافة العربية فى الأدب الاسبانى "كتاب الرياض"، عدد 54 يونيو 1999، ص 63 بتصرف
4- ابن طفيل (حى بن يقظان) اعداد د. سمير سرحان ود. محمد عنانى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 1999 ص 7-8
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق