علي البدر والتحليل النقدي لقصة "إنتحار مواطن" للقاص محمد أبو النجا / مصر الشقيقة
1) ألقصة:
إحساس مخيف ,وشعور مرعب , حينما تقف على حافة مبنى مرتفع, تنظر للإشياء فتبدو كحبات الأرز المتناثرة , هكذا وقف هذا المواطن ينظر للسماء, بجسد مرتعش, تنساب دموع ساخنه فوق خده البارد , فى لحظات مؤثرة , صادقة يتحدث : إلهى أعلم أن ما سأفعله جرم وذنب عظيم , سامحنى يا الله لم أعد أتحمل أو أطيق العيش فى هذه الدنيا الظالمة بما كل ما فيها , الغلاء والفقر دمرا حياتى , أفسدا أيامى , أسرة تطلب وأب لا يعطى ولن ...يعطى فى مثل هذه الظروف , ما أصعب أن ترى أحبابك يتألمون وأنت مكبل اليدين , لقد كرهت العيش فى هذا العالم , الغش , والكذب والنفاق والقتل والسرقة والخيانة وسيف يدعى الفقر يقتلنى كل يوم , لابد من حياه. أفضل هناك فى العالم الآخر عندك يا إلهى ..أرجوك سامحنى ..رفع ذراعيه ...وهم َ بالقفز ..تردد لحظات ..حبس أنفاسه ..رأسه تتدور ..بدأ ينطق الشهادة ...ينظر لأسفل. يتخيل نفسه فى لحظات مهشم على هذا الطريق. يلتف الناس حول جثته هاتفةُ يصدر صوتا ً أنها رساله ..لا يهم ..لن أنظر ..ولكن ما المانع من ألقاء نظره أخيره فلن تغير من قرارى شيئا ً ..
أخرج هاتفه أنها رساله من خدمةٍ أخبارية على الهاتف كان نصها:
(فرض ضريبه على كل منتحر يدفعها الورثة ) ...
محمد أبو النجا/ مصر
2) التحليل النقدي:
وجاءت تلك اللحظات التي لابد له من التخلص من معاناته والعجز في تغطية العوز المادي والتخلص من الظلم الأجتماعي. أجل لم تعد للحياة أهمية فقد ذابت تلك الهالة التي كانت تعطي الأنسان أملاً بالتواصل ومقاومة الصعاب فقد وجد نفسه "على حافة مبنى مرتفع" يخلصه من معاناته.. تنتابه المخاوف ويتوغل في أعماقه احساس مخيف وشعور مرعب عندما تبدو الأشياء "كحبات الرز المتناثرة.."
وعندما يحتدم الصراع والكفاح من أجل البقاء وتأمين حياة اجتماعية امنة في ظل تفاوت طبقي حاد، قد يرى الأنسان نفسه في تيه ماله من قرار، فيشعر بالإغتراب، حسب ديالكتيك كارل ماركس وجماعته،.أي شعور الفرد بالضياع وهو وسط مجتمعه حيث ينسحق الفقير ويفقد الأمان وهو بين أهله ومجتمعه،وهذا ينسجم مع مقولة الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن للأمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه والذي سبق كارل ماركس بقرون. أجل.. ألفقر ينتجج العجز عن تحمل مسؤوليةِ عائلةٍ، عليه اطعامها وتربيتها وتأمين الحياة الامنة لها. .."ما أصعب أن ترى أحبابك يتألمون وأنت مُكَبَّلُ اليدين , لقد كرهتُ العيش فى هذا العالم , الغش , والكذب والنفاق والقتل والسرقة والخيانة ". وكلما زاد عجزه عن التغيير ، قلت الثقة بالنفس، لتتوغل مشاعر اليأس والقهر والألم وشيوع مشاعر التمييز والانهزام في اعماقه. وهنا يحاول توجيه غضبه نحو أعماقه لعجزه على توجيهه للاخرين، فيحاول الأنتحار والتخلص من هذه المعاناة، رغم تحريم الدين وكل المباديء للأنتحار . فبدلاً من الإنتقام من الذي اوصل المجتمع لهذه المرحلة نرى الفرد يوجهه نحو ذاته، وبالتأكيد بعد استنفاذ خزين الطاقة العصبية نتيجة المعاناة، حيث الإنهيار الذي يدفعه للتخلص من تأزمه بعملية الإنتحار. ولكن.. هل تنتهي المأساة بانتحاره؟ بالطبع لا، بل تتعمق مأساة عائلتة وسط قهر أقتصادي وحرمان عاطفي.. لا أحد يرحمها فالجميع مشغولون بمأساتهم.. والحاكمون مشغولون باستغلال شعوبهم، وقد كانت إشارة رائعة من الكاتب عند انتقاده المتسلطين على الرقاب، عندما يخبره هاتفه النقال "بفرض ضريبةٍ على كل منتحر يدفعها الورثة ". ضريبةٌ رغم مأساتها ، أحسبُها قفلةً رائعةً للقصة، امتزجت فيها مشاعر المفاجأة والإدانة بنفس الوقت،. إنَّ هذه الضريبة ما هي إلا رمز سيميائي symbol بأن الإنسان ما هو إلا سلعة رخيصة وكأن حياته لا تساوي شيئا، وعليه ينبغي دفع الضريبة قبل عملية الإنتحار.. ولاينبغي أن نستهين ونشكك بوجود هذه الضريبة لأنها موجودة بالفعل..أجل في دول تخدم شعوبُها حكامَها، وتطفو أرضَها على بحرٍ من النفط ، يموتُ المواطنُ الفقيرُ فيها لِيدفنه أهلُ الإحسان والرحمة. تاركاً عائلته نحو المجهول. والان لابد من التساؤل.. ياترى هل تمَّت عملية الإنتحار أم لا؟
وللإجابة نقول: لو أن السرد جاء بلغة "الأنا" أي ضمير المتكلم، فبالتأكيد لم تتم العملية. ولكن السرد هنا جاء بلغة الشخص الثالث third person ، أي أن الراوي نفسه يتحدث عن شخص آخر. وعندما نفتش عن أية ومضة مضيئة flash point لعملية الأنتحار في تفاصيل النص، نجد أن النهاية مفتوحة تحتمل افتراضين. وإن كان ولابد من إعطاء رأي حاسم، فالأرجح إنها لم تتم وذلك بسبب القطع interruption الذي سببه صوت هاتفه النقال والذي أعاده إلى جزء من وعيه عندما حاور نفسه " أنها رساله ..لا يهم، ولكن ما المانع من ألقاء نظره أخيره، فلن تغير من قرارى شيئا ً؟".إن جملة " نظرة أخيرة"، تعني رغبته في الإبطاء بعملية الإنتحار إضافة إلى التردد لحظات: " رفع ذراعيه ...وهم َ بالقفز ..تردد لحظات ..حبس أنفاسه ...". ونرى هنا أن هذا التردد بتأثير عقله الباطن unconsciousness وخزنه لا إرادياً لرغبته المكبوتة depressed moral desire في العيش والتمتع في الحياة، نتجت عنها لحظة الإتزان التي حسمت الأمر وساهمت في إرجاع كلِ أو بعضِ من رشده أليه، فبدت الرسالة وكأنها وسيلة تبرير وخلاص من عملية الإنتحار وما قراءتها إلاّ دليل رغبة في الحفاظ على الذات وبنفس الوقت هروب لا إرادي من عملية الإنتحار.
وعليه فإن الخاتمة لم تتوافق مع عتبة القصة وأدى إنفتاحُها وبقاؤهإ سائبة إلى آمتصاص طاقة وألق الإندهاش. لكن هذا لم يؤثر على رصانة وعمق ثيمة النص theme ألتي كانت دلالاتُها حاضرةً لنهاية السرد مانحة أشاراتٍ عميقةً اتصفت بالبساطة والأنسيابية المتسارعة كتسارع مسببي الضياع للتخلص من ضحاياهم.
لقد نجح القاص محمد أبو النجا وبإبداع بجعلنا نتساءل.. إلى متى يبقى الإستغلال؟ وهل الإنتحار الذي هو هروب من واقع معاش، خلاص من المأساة أم إنه مأساةٌ مدمرةٌ ترسِّخُ الظلمَ والقهرَ الطبقَي في المجتمع؟ إن استلامه الرسالة إشارة واضحة ودليل سيميائي حاد بضرورة التأني والتفكير، باتباع الوسيلة الناجعة للمساهمة في تغيير الظروف الصعبة واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان..
ألقاص محمد أبو النجا... تحياتي ويسلم إبداعك...
علي البدر/ قاص وناقد
1) ألقصة:
إحساس مخيف ,وشعور مرعب , حينما تقف على حافة مبنى مرتفع, تنظر للإشياء فتبدو كحبات الأرز المتناثرة , هكذا وقف هذا المواطن ينظر للسماء, بجسد مرتعش, تنساب دموع ساخنه فوق خده البارد , فى لحظات مؤثرة , صادقة يتحدث : إلهى أعلم أن ما سأفعله جرم وذنب عظيم , سامحنى يا الله لم أعد أتحمل أو أطيق العيش فى هذه الدنيا الظالمة بما كل ما فيها , الغلاء والفقر دمرا حياتى , أفسدا أيامى , أسرة تطلب وأب لا يعطى ولن ...يعطى فى مثل هذه الظروف , ما أصعب أن ترى أحبابك يتألمون وأنت مكبل اليدين , لقد كرهت العيش فى هذا العالم , الغش , والكذب والنفاق والقتل والسرقة والخيانة وسيف يدعى الفقر يقتلنى كل يوم , لابد من حياه. أفضل هناك فى العالم الآخر عندك يا إلهى ..أرجوك سامحنى ..رفع ذراعيه ...وهم َ بالقفز ..تردد لحظات ..حبس أنفاسه ..رأسه تتدور ..بدأ ينطق الشهادة ...ينظر لأسفل. يتخيل نفسه فى لحظات مهشم على هذا الطريق. يلتف الناس حول جثته هاتفةُ يصدر صوتا ً أنها رساله ..لا يهم ..لن أنظر ..ولكن ما المانع من ألقاء نظره أخيره فلن تغير من قرارى شيئا ً ..
أخرج هاتفه أنها رساله من خدمةٍ أخبارية على الهاتف كان نصها:
(فرض ضريبه على كل منتحر يدفعها الورثة ) ...
محمد أبو النجا/ مصر
2) التحليل النقدي:
وجاءت تلك اللحظات التي لابد له من التخلص من معاناته والعجز في تغطية العوز المادي والتخلص من الظلم الأجتماعي. أجل لم تعد للحياة أهمية فقد ذابت تلك الهالة التي كانت تعطي الأنسان أملاً بالتواصل ومقاومة الصعاب فقد وجد نفسه "على حافة مبنى مرتفع" يخلصه من معاناته.. تنتابه المخاوف ويتوغل في أعماقه احساس مخيف وشعور مرعب عندما تبدو الأشياء "كحبات الرز المتناثرة.."
وعندما يحتدم الصراع والكفاح من أجل البقاء وتأمين حياة اجتماعية امنة في ظل تفاوت طبقي حاد، قد يرى الأنسان نفسه في تيه ماله من قرار، فيشعر بالإغتراب، حسب ديالكتيك كارل ماركس وجماعته،.أي شعور الفرد بالضياع وهو وسط مجتمعه حيث ينسحق الفقير ويفقد الأمان وهو بين أهله ومجتمعه،وهذا ينسجم مع مقولة الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن للأمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه والذي سبق كارل ماركس بقرون. أجل.. ألفقر ينتجج العجز عن تحمل مسؤوليةِ عائلةٍ، عليه اطعامها وتربيتها وتأمين الحياة الامنة لها. .."ما أصعب أن ترى أحبابك يتألمون وأنت مُكَبَّلُ اليدين , لقد كرهتُ العيش فى هذا العالم , الغش , والكذب والنفاق والقتل والسرقة والخيانة ". وكلما زاد عجزه عن التغيير ، قلت الثقة بالنفس، لتتوغل مشاعر اليأس والقهر والألم وشيوع مشاعر التمييز والانهزام في اعماقه. وهنا يحاول توجيه غضبه نحو أعماقه لعجزه على توجيهه للاخرين، فيحاول الأنتحار والتخلص من هذه المعاناة، رغم تحريم الدين وكل المباديء للأنتحار . فبدلاً من الإنتقام من الذي اوصل المجتمع لهذه المرحلة نرى الفرد يوجهه نحو ذاته، وبالتأكيد بعد استنفاذ خزين الطاقة العصبية نتيجة المعاناة، حيث الإنهيار الذي يدفعه للتخلص من تأزمه بعملية الإنتحار. ولكن.. هل تنتهي المأساة بانتحاره؟ بالطبع لا، بل تتعمق مأساة عائلتة وسط قهر أقتصادي وحرمان عاطفي.. لا أحد يرحمها فالجميع مشغولون بمأساتهم.. والحاكمون مشغولون باستغلال شعوبهم، وقد كانت إشارة رائعة من الكاتب عند انتقاده المتسلطين على الرقاب، عندما يخبره هاتفه النقال "بفرض ضريبةٍ على كل منتحر يدفعها الورثة ". ضريبةٌ رغم مأساتها ، أحسبُها قفلةً رائعةً للقصة، امتزجت فيها مشاعر المفاجأة والإدانة بنفس الوقت،. إنَّ هذه الضريبة ما هي إلا رمز سيميائي symbol بأن الإنسان ما هو إلا سلعة رخيصة وكأن حياته لا تساوي شيئا، وعليه ينبغي دفع الضريبة قبل عملية الإنتحار.. ولاينبغي أن نستهين ونشكك بوجود هذه الضريبة لأنها موجودة بالفعل..أجل في دول تخدم شعوبُها حكامَها، وتطفو أرضَها على بحرٍ من النفط ، يموتُ المواطنُ الفقيرُ فيها لِيدفنه أهلُ الإحسان والرحمة. تاركاً عائلته نحو المجهول. والان لابد من التساؤل.. ياترى هل تمَّت عملية الإنتحار أم لا؟
وللإجابة نقول: لو أن السرد جاء بلغة "الأنا" أي ضمير المتكلم، فبالتأكيد لم تتم العملية. ولكن السرد هنا جاء بلغة الشخص الثالث third person ، أي أن الراوي نفسه يتحدث عن شخص آخر. وعندما نفتش عن أية ومضة مضيئة flash point لعملية الأنتحار في تفاصيل النص، نجد أن النهاية مفتوحة تحتمل افتراضين. وإن كان ولابد من إعطاء رأي حاسم، فالأرجح إنها لم تتم وذلك بسبب القطع interruption الذي سببه صوت هاتفه النقال والذي أعاده إلى جزء من وعيه عندما حاور نفسه " أنها رساله ..لا يهم، ولكن ما المانع من ألقاء نظره أخيره، فلن تغير من قرارى شيئا ً؟".إن جملة " نظرة أخيرة"، تعني رغبته في الإبطاء بعملية الإنتحار إضافة إلى التردد لحظات: " رفع ذراعيه ...وهم َ بالقفز ..تردد لحظات ..حبس أنفاسه ...". ونرى هنا أن هذا التردد بتأثير عقله الباطن unconsciousness وخزنه لا إرادياً لرغبته المكبوتة depressed moral desire في العيش والتمتع في الحياة، نتجت عنها لحظة الإتزان التي حسمت الأمر وساهمت في إرجاع كلِ أو بعضِ من رشده أليه، فبدت الرسالة وكأنها وسيلة تبرير وخلاص من عملية الإنتحار وما قراءتها إلاّ دليل رغبة في الحفاظ على الذات وبنفس الوقت هروب لا إرادي من عملية الإنتحار.
وعليه فإن الخاتمة لم تتوافق مع عتبة القصة وأدى إنفتاحُها وبقاؤهإ سائبة إلى آمتصاص طاقة وألق الإندهاش. لكن هذا لم يؤثر على رصانة وعمق ثيمة النص theme ألتي كانت دلالاتُها حاضرةً لنهاية السرد مانحة أشاراتٍ عميقةً اتصفت بالبساطة والأنسيابية المتسارعة كتسارع مسببي الضياع للتخلص من ضحاياهم.
لقد نجح القاص محمد أبو النجا وبإبداع بجعلنا نتساءل.. إلى متى يبقى الإستغلال؟ وهل الإنتحار الذي هو هروب من واقع معاش، خلاص من المأساة أم إنه مأساةٌ مدمرةٌ ترسِّخُ الظلمَ والقهرَ الطبقَي في المجتمع؟ إن استلامه الرسالة إشارة واضحة ودليل سيميائي حاد بضرورة التأني والتفكير، باتباع الوسيلة الناجعة للمساهمة في تغيير الظروف الصعبة واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان..
ألقاص محمد أبو النجا... تحياتي ويسلم إبداعك...
علي البدر/ قاص وناقد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق