الأحد، 13 مايو 2018

سحر الالوان / مقال فاتن السامرائي / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

"سحر الألوان"

أغمض عينيك لبرهة ثم افتحها، حسناً، هَا قد فتحتهما، ما الذي يميز ما تراه الآن عما رأيته وأنت مغمض العينين، الألوان أليس كذلك؟، ذلك السحر الذي يصل لأعيننا عبر الهواء، فتترجمه أدمغتنا على إنه لون معين، أحمر، أو أزرق، أو أي لون آخر. قد حفظنا اسمه كما قد حفظناه تبعاً للشيء الذي يملكه، فالطماطم حمراء، والسماء ذات زرقة، والأشجار خضراء، وهكذا... كل ذلك إذا ما أمعنّا التفكير فيه نجده كالسحر، سحر الخالق، سحر الطبيعة ربّما، الألوان هي ما تجعل للأشياء قيمتها، أجل فقد تعمدت قول كلمة "تجعل"، وليس "تضيف"، إذ أنها -الألوان- ليست إضافة لجمالية ومعنى الأشياء بل هي ما تُبين ذلك الجمال لكل شيء. فهل تتخيل بستاناً بأشجارٍ وورود وينابيع وسماء صافية وكل ذلك بلا ألوان، هل ستسعد بهكذا منظر كما لْو كانت ملونة!
أروع منظر يتفق العالم على بداعته هو "قوس قزح"، الذي يتألف كما نعلم من ألوان ولا شيء آخر (الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، والبنفسجي -حسب تقسيم نيوتن، تُعتبر الألوان: الأحمر، الأصفر، والأزرق هي الأساسية في الطيف المرئي، وغيرها من ألوان هي تدرجات الألوان الأساسية، أو تكون ناتجة من خلط لونين من الألوان الأساسية أو أكثر. "أقواس قزح ظاهرة بصرية فلكية تتسبب في ظهور طيف من الضوء في السماء، عندما تسطع الشمس على حبيبات من الرطوبة في غلاف الأرض الجوي، تأخذ شكل قوساً متعدد الألوان، أحمر عند الجزء الخارجي من القوس وبنفسجي عند الجزء الداخلي للقوس(1). سأركز هذه المرة على اللونين الأحمر والأزرق التي تمت عليهما دراسات الطيف المرئي، يتميز الأحمر برؤيته من مسافات أبعد مقارنة باللون الأزرق. يُعزى ذلك إلى الطول الموجي الأطول للأحمر (تردد أقل). فإذا كان المنبع الضوئي يبتعد عنا فهذا يعني أن تواترات الأمواج المستقبلة ستكون أقل، أي مُزاحة نحو الأحمر، أمّا إذا كان المنبع يقترب فستكون الأمواج الضوئية المستقبلة مُزاحة نحو الأزرق (البنفسجي) (1). لهذا تكون الخطوط في أطياف المجرات البعيدة مزاحة نحو الأحمر بشكل عام (قانون هابل) (2). إذن هَا قد بدأ سحر الطبيعة يُفسر علمياً في كيفية رؤيتنا للألوان إذ يتم ذلك من خلال التباين في الأطوال الموجية وترددات الألوان التي تصل لأعيننا وكيفية تفسير أدمغتنا لتلك الأطوال.
الحقيقة نحن كبشر محصورين في نطاق الطيف المرئي "ضوء العين العادية للإنسان تستجيب لأطوال موجات في الهواء في حدود (380-750نانومتر)"(3)، فالعالم من حولنا لا يحوي ما نراه من ألوان وحسب، بل هناك ألوان أخرى، ذات أطوال موجية (ترددات) لا نتمكن من رؤيتها كونها أقصر أو أطول من الطيف المرئي، كما لا نتمكن من تخيلها حتى.
أثبت العلم حديثاً أنّ الكثير من الحيوانات تتمتع بخاصية الرؤية المافوسجية (الطيف فوق البنفسجيultraviolet )، الذي يساعدها في البحث عن الطعام، في مواجهة الأعداء، في الافتراس، وفي اختيار الزوج أيضاً. إذ وُجد في دراسة لرؤية الطيور للألوان أنّ الطيور تتمتع بنظام لرؤية الألوان يفوق ذلك الموجود في جميع الثدييات بما فيها الإنسان، حتى السبعينيات لم يدرك العلماء أنّ الكثير من الحيوانات ترى الألوان في جزء من الطيف المافوسجي القريب، ولكن مع التجارب والبحوث تمكن الإنسان من اكتشاف هذه الميزة لدى الطيور، ولو كانت فيما وراء الإدراك البشري، كونه من الصعب -بل هو في الحقيقة من المستحيل- على الإنسان معرفة كيف يكون في الواقع إدراكها الحسي للألوان. فهي لا ترى المافوسجي القريب فقط، بل إنّها تستطيع أيضاً رؤية ألوان لا نستطيع نحن حتى تخيلها. وللتشبيه يمكننا القول أنّ رؤيتنا للألوان على أساس ثلاثي الألوان (trichoromatic) يمكن تمثيلها بمثلث، في حين أنّ رؤية الطيور للألوان على أساس رباعي التلوين تتطلب بعداً إضافياً شكلاً رباعي الأوجه (tetrahedron)، أو هرماً مثلثيtriangular) pyramid). إنّ الحيز الواقع فوق أرضية الشكل الرباعي الأوجه يحتوي تنوعاً في الألوان يقع أبعد من حدود الخبرة البشرية المباشرة (4).
بشكل عام فإنٍ ما تراه من جمال وسحر الألوان في زرقة السماء، تلون الأزهار، ذيل الطاووس، لوحة جميلة، مائدة طعام متنوعة، وغيرها، هناك ما هو أجمل منه لا نستطيع إدراكه ربما تطور العلم سمح لنا عبر تقنيات حديثة، أن نرى فكرة الرؤية المافوسجية وتحت الحمراء، لَكِنْ سيظل سر رؤية الحيوانات لها خارجاً عن إدراكنا، وهو ما يدفعنا حقيقةً في الاستمرار بالبحث في إمكانية تصورها بدقة أكثر.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فرحات، أمل فؤاد، الكون والصور، ص60.
(2) البشير محمد، محمد هاشم، فيزياء الكون الحديثة، ص25.
(3) جيانكولي، دوغلاس س.، الفيزياء: المبادئ والتطبيقات، ص931.
(4) Smith, Timothy H.Gold، رؤية الطيور للألوان، مجلة العلوم، العدد 22، 2006.

#فاتن_السامرائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق