الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

درستي النقدية لرواية دمه للروائي محمد الاحمد المنشورة في جريدة العراقية الاسبوعية الدولية في سدني 26-9- / يوسف عبود / العراق ,,,2018

دقيقة
درستي النقدية لرواية دمه للروائي محمد الاحمد المنشورة في جريدة العراقية الاسبوعية الدولية في سدني 26-9-2018
التاريخ والمؤرخ في رواية ... دَمَهُ
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
رواية ( دَ مَهُ ) للروائي محمد الأحمد,نص سردي تاريخي , يرجع فيها الروائي الى بطون التاريخ ليصل بنا الى سنة (119 هـ ) الأيام 9 ذي الحجة و10 ذي الحجة اول أيام عيد الاضحى , وقد كتبت بإسلوب الرواية المدورة التي تبدأ من نهاية الاحداث لتنطلق بنا في سبر أغوار التاريخ , لنصل الى النهاية ثانية . وقد قسمت الى ثمان فصول هي:-
- قبل أذان صلاة المغرب 9 ذي الحجة سنة (119 هـ)
- مصنف / ب/ م2لا: نوع الورق : بردي / العربية/ المؤلف محذوف
- الكوفة أثناء صلاة المغرب 9 ذي الحجة . سنة (119 هـ)
- مصنف / ب/ 4 : نوع الورق : بردي / العربية / المؤلف : محذوف
- أثناء صلاة المغرب 9 ذي الحجة . سنة (119 هـ )
- مصنف / د/ 6 : المؤلف : محذوف
- صلاة الفجر 10 ذي الحجة . سنة (119 هـ )
- مصنف عدد 8 : نوع الورق : بردي / معرب / المؤلف : محذوف
وهكذا فأنه يضعنا أمام هذه المصنفات التاريخية , والحقبة الزمنية التي تدخل ضمن مبنى السرد , وتكون جزء منه , كونها الحركة الانسيابية لمسيرة الاحداث , ومنها نكون مع التاريخ , الفكر , الوعي , من أجل الوصول الى الثيمة التي ارادها الروائي في هذا النص . معتمداً في ذلك على مصادر كبيرة أهمها ( تاريخ دمشق) لابن عساكر , وهو من ثمانين جزءاً , ومن خلال المستهل نعرف بأنه يريد منا أن لا نقرأ التاريخ فقط , وإنما نتعلم منه :-
( لم نقرأ تاريخ العقل العربي بحسب تناقضات أساسية , ولو فعلنا لعبرنا الهوة الملتهبة , التي بقيت بيننا , وما زالت تأكل كل ما حولها " الإجراء الوحيد الذي يمكننا إتخاذه , بشأن الشائن من التاريخ المكتوب , هو إعادة كتابته ).
وهذا يعني أن ثيمات الاحداث التي سوف نرافقها , تتطلب منا أن نتعلم , ونعلم بذات الوقت , وأن هناك جدل كبير حدث في بطون التاريخ , وفي هذه الحقبة الزمنية , علينا معرفته والبحث فيه للوصول الى المصداقية التاريخية التي يجب ان ندققها ونتفحصها ونعرفها ونقف على مكامن الصدق فيها .
وهكذا نرحل مع هذا النص السردي التاريخي , حيث يكلف أحد النساخ في نيسابور , اولاده الاثنان , لايصال مخطوطة ذات أهمية بالغة , وسرية جداً , وعليهما إيصالها الى كبير النساخ في دمشق , وبما أن الرحلة طويلة , وامتدت لثمان أشهر , فقد اضطرا لفتح هذه المخطوطة لمعرفتها , بالرغم من تحذير والدهما بعدم فتحها , فيكتشفون أنها :
( المخطوط الذي طلب منا والدنا إيصاله خفية الى " دمشق" كان عبئاً ثقيلاً , مثيراً لفضولنا , ولكن شقيقي قد أشتد فضوله أن يعرف محتوى المخطوط , لما بات الطريق آمناً وقرابة أن نصل الى "الشام" وجدت شقيقي أقل صبراً مني , لمعرفة مضمونه , ومجازفاً بفتحه , مذيلة بهامش عليها " نسخة مصحف عثمان" وما يسمى بمصحف "طشقند" ) ص 30
وهي النسخة الاصلية غير المنقطة من المصحف الشريف , والتي يمكن تكون الارشيف الاساسي للمصحف لمراجعة بعض المعاني المحرفة التي حدثت بعد تضمينها المعاني والتنقيط . وبعد أن تم فتحها وهي على طيات كثيرة, لم يستطيعا إعادتها لوضعها السابق , فأضطرالاخ الاكبر أن يلفها بشكل غير نظامي على بطنه وظهره
( عندما استوى أمرنا وانتهى مطافنا عند شيخ نساخي مدينة دمشق الذي يسكن في حي اسمه "باب توما" ولم نجد صعوبة في إيجاده , كان ينتظر منا ما نحمله بلهفة . بحسب ما حفظناه من وصف من لسان "أبي" لكافة تفاصيل طريقنا . وجدناه مرحباً بقدومنا , يعرف عنا الكثير , ولم نجده يسألنا عن أسمائنا إطلاقاً , لكنه ابتغى لنا أسماء اخرى , غير اسماءنا الى صفات شقيقي "الجعد" بمارآه شكلاً ممن يعاني سمنة وترهلاً واضحين . كان يلف حول خاصرته فأختفت ملامحه تحت الشكل الكمثري المجعد , اما لي وهبني اسم " النحيف" لنحافتي وطول قامتي) ص34
وهكذا فأن بطل هذا النص وهو الاخ الاكبر "الجعد" ظل بهذه الصفة ولم يظهر أسمه طيلة فترة احداث هذا النص , وهو الذي سوف يكون في دورة الاحداث القادمة , إذ أنهما بعد تسليم المخطوطة , لم يسألا عن مصيرها , وأين ذهبت,لاهمية هذه المخطوطة ولكي لا يستدل عليهم احد ,بل انشغلا كل في عمله , وعمل الاخ الاكبر في نسخ المخطوطات وتعلم الكثير عنها حتى صار ذو شأن كبير , وكبر اسمه ولمع , وصار معلم لصبيان الخليفة , لكنه فضل أن يهرب من دمشق ليعود الى العراق , وبما أنه كشف السر الموجود في هذه المخطوطة الاصلية , وصار يعلم الناس بما ورد فيها , الامر الذي اعتبر شبه معارضاً لتعليمات الخليفة , فيعتقل من والي العراق , ويزج في السجن في إنتظار البت في أمره , وعندما يرسل والي العراق " خالد القسري البجلي" ثلاثة من القضاة الى الشام للاستعلام عن امر "الجعد" يقول لهم الخليفة "اما زال حياً" فينقلان له هذا القول ,فيتوجس خيفة من أن الخليفة في ذلك يريد أن يصل رسالة مفادها أن والي العراق لاينفذ اوامر الخليفة , وهكذا نكتشف مدى ارتباط عناوين الفصول مع متن النص والاحداث , لكون يوم 9 و 10 سنة (119 هـ) , هي الايام التي كان فيها يراجع والي العراق مقولة الخليفة , وعليه أن ينفذ اوامره دون تردد بإعدام "الجعد" , الذي غدا واحد من العلماء والرجال الاجلاء , والذي يحظي بحب الناس وبالاخص ام الوالي , التي وجدته كنز معرفة وهو يعلم ابناء الوالي , وتسميه مؤدب الاولاد , وهكذا اطلق عليه , الا أن امر كشف الحقيقة التي وردت في المخطوطة الاصلية أثار الحقد عليه من قبل الخليفة , كونها ستغير امور كثير هي ليست في صالح حكم الخليفة , وهكذا يقر والي العراق أن يذبح مع ضحايا عيد الاضحى في خطبة العيد , فيأمر بإحضاره ويقربه اليه ليلة التاسع من ذي الحجة , بل يجلسه على كرسي العرش ليستمع اليه :-
( متى إحتاج الله الى وسيط ينقل لنا بواسطته كلامه , ألا يعني ذلك أن الله غير كامل , وحاشاه , حيث يستطيع الوصول الى مخلوقاته , دون واسطة مبعوث, إختراعنا الوسيط لا يعني إلا شكاً قاطعاً في قدرته , وحاشا الله العظيم أن يكون بعيداً عن البشر, أو منفصلاً , ويرسل لنا مبشراً ونذيراً , فلو أراد بقدرته أن يكون فينا لكان في لمحة , ولوضع كلامه في أقل من رفة عين ) ص 108
وفي ذلك إشارة وتلميح فطن الى ضرورة العودة الى المخطوطة الاصلية غير المحرفة ومراجعتها , الا أن تلك المخطوطة بعد أن وصلت الخليفة أحرقت لتندثر آثارها وتختفي الادلة المهمة التي تثبت صدق مقولته , وهي ايضاً اشارة الى ضرورة الانتباه على تاريخنا والبحث عن الحقائق ومراجعة الادلة والبراهين , من اجل اظهار الوجه الصحيح للحقائق .
وفي صبيحة العاشر من ذي الحجة , اول ايام عيد الاضحى والوالي يؤم المسلمين لتأدية صلاة العيد , وفي خطبة العيد يطلب من "الجعد" المقيد , أن يعتلي المنبر,وعندما يقف على المنبر يستل الوالي سيفه ويقطع رأسه , ويظل جسده واقفاً ينفر دماً, لتنتهي حكاية الجعد الذي اراد اثارة الجدل في هذه الحقبة والتذكير بتلك المخطوطة التي تمس كرسي العرش والافكار المتداولة والتي قد تكون منحرفة وغير صحيحة , الا أن الاحداث لم تنتهي بعد , لنعود الى حياة الوالي الذي انتهت ولايته الا أنه لا يريد ترك العرش , بعد وصول الوالي الجديد , فيخبر الوالي الجديد الخليفة , فيرسل جيش لمؤازرة الوالي الجديد , ويمسك به ويوضع في المجنيق , ويرمى على جدار صلب فيتشظى الى اشلاء ويتطشر دمه , ليكون دماً بدم , وتكون نهايته قاسية كونه كان يحكم البلاد بالحديد والنار .
وهكذا نكتشف أن تلك الرواية التاريخية , تنقسم الى قسمين في مسارها السردي الاول هو حياة هذا الرجل الجليل "الجعد" وماحدث له , والقسم الآخر هو حياة والي العراق , والذي يعتبر اول طاغية شهده التاريخ , لان تفاصيل حياته تشبه الى حد بعيد , حياة الطاغية المخلوع , فكان ظالماً بحكمه , وكان له أبن يشبه ابن الطاغية المخلوع , وهو زير نساء , حتى أنه شيد سجن للنساء , كما فعل ابن الطاغية في العصر الحديث
رواية ( دَمَهُ) للروائي محمد الاحمد , رواية تاريخية , تأخذنا الى متن التاريخ بأسلوب سردي حديث , لنطلع على حقائق يجب مراجعتها , واكتشاف اوجه التباين فيها , وفيها عمق فكري كبير .
من اصدارات دار فضاءات للنشر والتوزيع – المركز الرئيسي – عمان لعام 2018 الطبعة الاولى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق