الخميس، 19 سبتمبر 2019

كليك وتمتع (3) / مقال للناقد محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,

Mohamed Khassif
كليك وتمتع (3)
محمد خصيف
غص مطعم الاوطيل بضيوف الداليا الذين تحلقوا حول طاولات إفطار نصبت خصيصا لهم، رصت عليها كؤوس زجاجية وصحون بيضاء بعضها ملئ زبدة صفراء وأخرى بها مربى مشمش بينما توسطت الموائد سلات صغيرة علتها قطع من الكومير. تعمد عزيز ورفيقه مهدي الجلوس الى مائدة رئيس المهرجان، الذي تعرف على وجهه من خلال ملصق وضع على كونطوار الاستقبال، يحمل صور أعضاء الجمعية المنظمة.
طاف النادل على الجالسين يملأ كؤوسهم حسب الطلب، حليبا وقهوة او حليبا بدون قهوة او قهوة فقط. كلما اضاف القهوة الى الحليب، فقد الكأس كثافته والبن عبيره، مما جعل العديد من المفطرين يعزفون عن إضافة مماتحويه كؤوسهم من خليط الى ما تتشدقه أفواههم واكتفوا بقطع الكومير مع الزبدة والمربى و رشف شيء من ماء...الحنفية..
بدا الازعاج على البعض حينما شرع مصور المهرجان يدون بآلته أحداث وجبة الفطور، التقط هذا بقطعة كومير في يده، وذاك بلقمة في فمه وقد سال لعابه بسبب كثرة السوائل التي لم يستسغها حلقه، وآخر سجلت يده تمتد الى صحن المربى...بينما توجه بكاميراه نحو الرئيس، الذي مد كتفيه الى الوراء وعلت وشه ابتسامة ضيقة كشفت عن بعض من رباعياته، كليك، كليك، كليك...
التفت عزيز يقلب جنبات المطعم بنظراته الفاحصة... قرب منفد المطبخ وضعت طاولة اصطفت عليها صحون محمولة بشتى انواع الكعك والخبز الابيض والاسمر، المحمر والمحمص... وتقلدت أطرافها دواريق الحليب وعواصر الليمون والتفاح والموز...كانت الطاولة بوفيه خاص بالسياح المقيمين بالفندق.
ركز عزيز بصره على الرئيس وبادره متسائلا:
- الاحظ ان الفنانين الحاضرين هنا كلهم مغاربة، وتسمون المهرجان دوليا؟
توقف الرئيس عن الاكل وسحب ظهره الى الوراء وكأنه يستعد لاتقاء لكمات توجه اليه، ثم رد قائلا:
- لدينا ضيوف اجانب سيكونون بيننا غدا، الدكتورة هيفاء جورج عصام، أديبة وناقدة جمالية معروفة على الصعيد العربي وحتى العالمي، لها عدة مؤلفات في الفن والشعر والقصة، وستلقي محاضرة حول تقنيات الرسم بالفوتر وستيلو بيك... اظن ان هذا الموضوع مقتبس من اطروحة الدكتوراه، ستستفيدون منها كثيرا ومن تجربتها...
- حقا سنستفيد كثيرا... الفوتر وستيلو بيك...كلنا نجهله... إي نعم، عقب عزيز بصوت خافت.
- ولدينا فنان تشكيلي من أوقيانيا، بلد بعيد عنا، وستكون فرصة لفتح روابط ديبلوماسية مع ذلك البلد.(تابع وهو يبتسم وينظر الى عزيز)، ترى كيف نهدف الى ابعد من العلاقات الفنية... وستشاركنا فنانة من الخليج العربي.
التفت نحو نائبه الجالس بقربه ووشوش له في اذنه كأنه يسأله عن أشياء لايريد كشفها للحاضرين، وكان النائب يهز رأسه بالإيجاب، تبادر الى مسامع عزيز بعض اطراف الحوار:
- قد تم انجاز كل شيء، تذاكر العودة، والغرف بفندق عين شمس... و
- والمينيبوس؟ تساءل الرئيس؟
- والمينيبوس كذلك، وسيبقى تحت تصرفنا طيلة المهرجان، تابع النائب.
انحنى عزيز على مهدي وهتف في أذنه:
- الأجانب مبرعين أخاي!
ابتسم مهدي ولم يرد، مما أثار انتباه الرئيس فخاطب عزيز مستفسرا:
- هل من مشكلة؟
وضع عزيز ما تبقى بيده من خبز وتراجع بنصف جسده حتى سمعت طقطقة الكرسي الخشبي، ثم أجاب وعلامات الحنق تعلو وجهه:
- نعم هناك مشكلة... مشكلة ونحن في بداية المشوار. يبدو أن الضيوف الأجانب سيكونون في بحبوحة من النعم: تذاكر السفر ذهابا وإيابا وفندق عين شمس خمس نجوم ومينيبوس تحت تصرفهم، بينما نحن، ضيوفكم المغاربة... انك ادرى بحالنا، الأوطيل من الدرجة الثالثة، وغرف بأسرة مشتركة، ونوعية الاكل ها نحن امام النموذج... والماراطون كل يوم...
- كفى كفى يا... عزيز، رد الرئيس بنبرة قوية، وبوجه عبوس مُتجهِّم. انت لست هنا لتنتقدنا، انك ضيف كسائر الضيوف...
- لكن من حقي أن أبدي برأيي في ما نعانيه، الاخوة الحاضرون صامتون مع ان سخطا وعدم الرضى يعتريان دواخلهم، احترم الاخوة الشباب المبتدئين...تنقصهم التجربة، والبعض يهمه تتويج مشاركته بشهادة... ونشر الصور على الفضاء الازرق بجانب الباشا والقائد و...بينما الصامتون، العازفون عن الكلام...
- كفى ارجوك...ربما ان هذا النقاش الثنائي سيطول. سنخصص جلسة تقييمية لأنشطة المهرجان...
ثم انتفض واقفا وتوجه نحو الحاضرين بنبرة عالية:
- ايها الاخوة الحاضرون، سنتوجه جميعا الى خيمة المعرض لتفقد عملية lakrouchaj.
تسابق الجميع نحو منفد الاوطيل وكأنهم تلاميذ تحرروا من درس ممل. منهم من استقل سيارته الخاصة، ومنهم من تابع السير على الاقدام، وآخرون باتوا يجرون وراء الطاكسيات العابرة...منهم عزيز ورفيقه مهدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق