قصة قصيرة : ماذا بعد ؟
نظر إلى المرآة يتأمل وجهه الشاحب الحزين وكأنه تمثال شبح أجاد الزمن في نحت ملامحه الكئيبة.
عاش مدة طويلة كانت كافية لتشعره بالملل ،ملل جعل منه إنسانا مكتئبا ،إذا إستيقظ لا يستطيع أن ينام وإذا نام لا يستطيع أن يستيقظ ،وكان كل ليلة ينامها يتمناها أن تكون الأخيرة ،لكن النهاية تبقى بعيدة ويبقى الألم هو الأقرب دائما.
يحب الوحدة كثيرا فالإختلاط بالناس غالبا ما يجعله في مزاج سيء لما يرى منهم من سوء معاملة وقسوة ،حتى أحاديثهم يراها تافهة ومضيعة للوقت .
هو الآن في السابعة والسبعين من عمره يعيش وحيدا في شقته منذ أن توفيت زوجته..لم يكن يظن يوما أن حياته التي كانت كلها حركة ونشاط وزيارات وأصدقاء ستتحول إلى بركة راكدة تتجمع فيها أوحال وطحالب عفنها الزمن. لقد دخلت حياته مرحلة العد العكسي
فالعالم يتغير بسرعة ،جيل يبتلع جيل،كل الوجوه التي يعرفها بدأت بالإنقراض الواحد تلو الآخر.
عندما يخرج إلى الشارع يشعر أن كل شيء يتحرك بسرعة ..السيارات ..الناس ..أما هو فحركته بطيئة وكأنه سلحفاة تمشي وسط حقل من الأرانب.
كانت اللحظات المؤلمة في حياته تلك التي يتذكر زوجته وإخوته وأصدقاءه اللذين ماتوا..كان يشعر بوحدة رهيبة ،يسأل نفسه: ماذا أفعل هنا وحيدا وسط الغرباء؟ فالعالم يطردني من قائمة الأحياء يوما بعد يوم،وأحيانا كان يتساءل : هل كان هناك عجائز عندما كنت شابا؟ يا إلهي ..لم أكن أراهم ،لم أكن أشعر بهم ،كنت أحسبهم أناس إنتهت صلاحيتهم وينتظرون الموت..لقد كانوا هناك ،في كل مكان وطوال الوقت.
كنت أظن أن سنوات الشباب لن تنقضي يوما ،تغيرت نكهة الحياة ،الأكل أصبح بلا طعم أو مذاق ،الماء لم يعد يطفئ العطش ..حتى السماء لم تعد زرقاء ولا السحب بيضاء تغير لون كل شيء فجميع الحواس دخلها الخلل.
ماذا ينتظرني بعد ..سوى شهقة ثم إسم يكتب على لوح رخامي يدق شاهدا على قبري ليكون نقطة نهاية على آخر سطر في حياتي.
كان ينوي أن يخرج ذلك الصباح لتراه بعض أشعة الشمس ،لكنه لازال يرى وجهه شاحبا في المرآة ،فتش في نفسه عن ذرة حيوية يبتدئ بها يومه ،لم يجدها ،تمشى قليلا نحو سريره ،إستلقى عليه ونام.
نادية فتحي /المغرب
نظر إلى المرآة يتأمل وجهه الشاحب الحزين وكأنه تمثال شبح أجاد الزمن في نحت ملامحه الكئيبة.
عاش مدة طويلة كانت كافية لتشعره بالملل ،ملل جعل منه إنسانا مكتئبا ،إذا إستيقظ لا يستطيع أن ينام وإذا نام لا يستطيع أن يستيقظ ،وكان كل ليلة ينامها يتمناها أن تكون الأخيرة ،لكن النهاية تبقى بعيدة ويبقى الألم هو الأقرب دائما.
يحب الوحدة كثيرا فالإختلاط بالناس غالبا ما يجعله في مزاج سيء لما يرى منهم من سوء معاملة وقسوة ،حتى أحاديثهم يراها تافهة ومضيعة للوقت .
هو الآن في السابعة والسبعين من عمره يعيش وحيدا في شقته منذ أن توفيت زوجته..لم يكن يظن يوما أن حياته التي كانت كلها حركة ونشاط وزيارات وأصدقاء ستتحول إلى بركة راكدة تتجمع فيها أوحال وطحالب عفنها الزمن. لقد دخلت حياته مرحلة العد العكسي
فالعالم يتغير بسرعة ،جيل يبتلع جيل،كل الوجوه التي يعرفها بدأت بالإنقراض الواحد تلو الآخر.
عندما يخرج إلى الشارع يشعر أن كل شيء يتحرك بسرعة ..السيارات ..الناس ..أما هو فحركته بطيئة وكأنه سلحفاة تمشي وسط حقل من الأرانب.
كانت اللحظات المؤلمة في حياته تلك التي يتذكر زوجته وإخوته وأصدقاءه اللذين ماتوا..كان يشعر بوحدة رهيبة ،يسأل نفسه: ماذا أفعل هنا وحيدا وسط الغرباء؟ فالعالم يطردني من قائمة الأحياء يوما بعد يوم،وأحيانا كان يتساءل : هل كان هناك عجائز عندما كنت شابا؟ يا إلهي ..لم أكن أراهم ،لم أكن أشعر بهم ،كنت أحسبهم أناس إنتهت صلاحيتهم وينتظرون الموت..لقد كانوا هناك ،في كل مكان وطوال الوقت.
كنت أظن أن سنوات الشباب لن تنقضي يوما ،تغيرت نكهة الحياة ،الأكل أصبح بلا طعم أو مذاق ،الماء لم يعد يطفئ العطش ..حتى السماء لم تعد زرقاء ولا السحب بيضاء تغير لون كل شيء فجميع الحواس دخلها الخلل.
ماذا ينتظرني بعد ..سوى شهقة ثم إسم يكتب على لوح رخامي يدق شاهدا على قبري ليكون نقطة نهاية على آخر سطر في حياتي.
كان ينوي أن يخرج ذلك الصباح لتراه بعض أشعة الشمس ،لكنه لازال يرى وجهه شاحبا في المرآة ،فتش في نفسه عن ذرة حيوية يبتدئ بها يومه ،لم يجدها ،تمشى قليلا نحو سريره ،إستلقى عليه ونام.
نادية فتحي /المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق