دراستي النقدية لرواية قلعة طاهر للروائي حسن السلمان
المكان والزمان والبيئة الصادقة في ... قلعة طاهر
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
تمتد أحداث رواية (قلعة طاهر) للروائي حسن السلمان , زمنياً ومكانياً وتاريخياً , من حكم العائلة المالكة في العراق , وحتى الإنقلاب الذي قاده الزعيم عبد الكريم قاسم , وتلك الحقب الزمنية تفشت فيها ظاهرة الإقطاع بشكل ملفت للنظر,وهو حكم الشيوخ على القرى الريفية في جنوب البلد , الذين يفرضون سيطرتهم عليها ويديرونها بالحديد والنار والعنف من أجل إخضاع الفلاحين الى سطوتهم وجبروتهم , لزيادة ثرائهم واموالهم وحلالهم واراضيهم , على حساب عرق وشقاء وفقر وجوع الفلاح , الذي يزرع ويحصد ولا يناله الا الجزء اليسير جداً من هذا المحصول , وهكذا فإننا نجد أن الروائي قد إقتطع (قلعة طاهر) تلك القرية الريفية الجنوبية التابعة لمحافظة ميسان , وحملها بكامل تفاصيلها ودون أي شوائب او زوائد , أو تدخل , ليفرشها على مساحات اوراقه البيض, حيث الاهوار, ومزارع الشلب والحنطة , والصرايف , والسلف , والمشاحيف, وحلانات التمر , والمطابك, والطينية , والمطال , والمضيف , والبواري , والشيخ, والسركال , والحوشية, والسياح , والكارة, والطابك, وغيرها الكثير من الاسماء التي تداول كلهجة دارجة في جنوب العراق , فتكوّن الهوية والبيئة التي تزجنا في تلك الارياف الزاهية من جنوب بلدنا الحبيب , وقد دون الروائي في مستهل الرواية هذه الاسماء في اللهجة الدارجة في محافظة ميسان , والتي أحس بها ستكون غريبة وصعبة الفهم على القارئ العربي , ليشرح امامها المعاني باللغة العربية من أجل فهمها لكي يضمن إنسيابية وإيقاع الاحداث المتناغم دون أي تعثر او تلكؤ , ولكي تعم الفائدة الشاملة , كونه يعرف مسبقاً أنه سيضمنها ضمن متن النص , وكذلك جعل الحوار بهذه اللهجة الجنوبية المحببة .
( في قرية أبو سبع التي اخذت اسمها من اسم النهر الصغير ,العميق, أبو سبع, الذي يتفرع من نهر البتيرة , والذي يتفرع بدوره من نهر دجلة مخترقاً مدينة العمارة من المنتصف , تقع قلعة الشيخ طاهر , أو ( جلعة طاهر) كما يسميها الأهالي , على ضفة النهر الذي تتناثر على امتداده صرائف واكواخ الفلاحين, وحظائر الماشية , ومن خلفها تمتد حقول الحنطة والشعير حتى الأفق ...)
وهكذا يتضح لنا أن الروائي ,إستحضر الادوات الأساسية لفن صناعة الرواية بشكل واضح , وإستخدمها وفق سياقها الفني المطلوب , ومن خلال السارد العليم الذي كان مضمراً خلف الأحداث وطغيانها عليه , حتى غدت (قلعة طاهر) للعيان صورة نقية واضحة خالية من أي تدخل خارجي , وهذا متأتي من أن الروائي يسكن مدينة العمارة , وهومن عائلة ريفية , الامر الذي سهل مهمته بجعل واقعية الاحداث صادقة وغير متخيلة , ولكن المتخيل يكمن في جمالية الرؤية الفنية التي إتخذها كسياق فني لسير العملية السردية , ومحاولته المحافظة على نقل حياة الريف كما هي , وبكل عنفوان جمالها وطبيعتها الباهرة , وأسلوب معيشتهم فيها , كذلك عمد الروائي الى تقطيع الاحداث الى مقاطع قصيرة لنقل الاحداث , دون أن يجعل النص فصول كبيرة مرقمة , أو معنونة , كما أعتدنا عليه في بقية النصوص السردية , وهو في هذه الانتقالات يقوم بدوره في تحريك الاحداث نحو مسارها المتصاعد .
( غمرت أضواء الفجر أرجاء القلعة المحاطة بطوفة * دائرية من الطين, ودبت الحياة في صرائفها شيئاً فشيئاً..قريباً من باب القلعة , تقع صريفة عميدة البيت الشيخانية الكبيرة أم طاهر , وتتوزع بقية الصرائف قريباً من الطوفة بشكل متقابل.. صريفة الشيخ الكبير طاهر وزوجته قبيلة وابنته صباح.. صريفة أخيه الشيخ طوفان وزوجته زينب .. صريفة الاخ الاصغر شيخ عباس ..صريفة الاخوات سعيدة وزهرة ووسيلة .. صريفة الوصيفتين نوشة ودينار , وصريفة المؤونة الممتلئة باكياس رزالعنبر , والحنطة والشعير , والسكر , وحلانات* التمر وعكك * الدهن الحر * وفي طرفي قصي حظيرة الابقار , واقنان الدجاج, وفي منتصف القلعة ,ثمة ثلاثة مطابك* لخزن الحنطة والشعير * وطينيات * للعلف ,وعند أطراف الطوفة هرمان من المطال*) ص 14
يضع الروائي إشارة أمام كل كلمة من تلك التي نحتاج الى معرفتها , لكي نعود إليها في بداية النص لنعرف معناها , وبهذا يكون الروائي قد هيأ المتلقي تماماً لخوض غمار هذا النص , وما يدور فيه من أحداث تخص هذه العائلية الإقطاعية, ولكنها لم تكن مباشرة , أو تاريخية , أو توثيقية ,إنما نعيش احداث صادقة نقية صافية منتزعة من واقع الحياة في ريف الجنوب , تتوفر فيها القيمة الجمالية والفنية للسرد ,وتميل الى هذا الجانب , أكثر من ميلها الى الجانب الاول .وبعد أن وفر لنا ادوات السرد , واتضح امامنا , المكان ,الزمان , الشخوص ,نحتاج بعدها الى خوض غمار الاحداث لمعرفة الثيمة , فيتحرك هذا العالم داخل النص , لنكتشف مدى سيطرة وجبروت وقوة الشيخ طاهر , ومعاملته القاسية مع الفلاحين , وكذلك الشيخ طوفان الذي يمتاز بالطول الفاره , وله سطوة ومهابة ويخافه من يقطن تحت سطوته , ثم نجد شخصية السركال عبد المجيد , الذي يعمل تحت إمرة الشيخ طاهر والشيخ طوفان , وهو بمثابة الوسيط بينهما وبين بقية سكان هذه القلعة , وينفذ الاوامر لصالحهما ,حتى وإن كان ذلك على حساب ظلم الفلاح .
( يعرف كيف يجعل من حصة الفلاحين صفراً, وهي بالأصل حصة لا تتوازى ما يقومون به من فلاحة , وعمل شاق , وكد مضن, طيلة موسم الزراعة, بل ويجعلهم مديونين للشيخ , عندما يقوم بتسليفهم النقود تحت ضغط الحاجة الملحة لها, كعيادة الاطباء, وشراء الوقود, ويستقطع من حصصهم بعض الرسوم الوهمية )ص 24
وتبدأ الاحداث تتداخل وتكبر وتتسع في هذه القرية الريفية , حيث نتابع علاقة السركال بالوصيفة دينار التي تصل حد ممارسة الجنس , والوعد الذي يقطعها له بأنه سيتزوجها بعد نهاية موسم الحصاد , ولكن المواسم تأتي وتروح ولم يف بوعده , وعلاقة الشيخ الطوفان بحورية الغجرية التي تحبل منه , الا أن الشيخ طاهر يكتشف هذه العلاقة من خلال مراقبة السركال لشيخ طوفان , فيطردها من القلعة ويحرق صريفتها , وعلاقة زهرة بماهود الناطور التي تنسل في ظلمة الليل الحالك السواد , وتنضوي تحت عباءته الصوفية ليحكي لها الحكايات , الا أنه يفعل فعلته المشينة معها , ويولي هارباً فينكشف أمرها , بعد ان تكتشف جليلة الكشافة بحملها منه , وتعلم الشيخانية الكبيرة بأمر ابنتها , ومن أجل ان لا يفتضح امرهم وهم عائلة إقطاعية امام ابناء القلعة , تلجأ الى حيلة لقتلها بأدخال حية سامة الى الحمام الذي تغتسل فيه فتلدغها وتنتهي حياتها , وفاطمة ابنة ابو ناظم التي عشقت عباس وهربت معه فجراً, الا أن عشيرتها تستطيع العثور عليها وقتلها,وصباح أبنة الشيخ طاهر , التي كان الشيخ يمازحها بقوله سوف يكون عدد اولادك بعدد الجواميس التي نملكها , الا انها عندما تتزوج تبقى سنتين دون حمل , ولا تحمل الا بعد أن تجلب جليلة دم عبد بعمر ثلاثين عام لم يتزوج , فتنجب ابنين لكن القدر يأخذهما منها , فتعود الى اهلها حزينة بائسة , ثم حمل زينب وانجابها بولد يقر فيه عيني والده الشيخ طوفان . وتدور احداث كبيرة واسعة , لا تسع الدراسة لذكرها , ويحدث الانقلاب الاول ويوشك الاقطاعيين ان يفقدوا مناصبهم , الا أن العائلة المالكة تعود للحكم , فيعودون الى سابق عهدهم ثم يحدث الإنقلاب الذي قاده الزعيم عبد الكريم قاسم , فتسقط الدولة المالكة , ويسقط معها حكم الإقطاع , في ثورة عارمة طردوا فيها شيخ طوفان رغم وفاة اخيه الشيخ طاهر تواً , وطردوا العائلة الإقطاعية , وحدث السلب والنهب في صرائف للعائلة الاقطاعية , والتي تشبه في أحداثها السلب والنهب الذي حدث عند سقوط حكم الطاغية (دخلوا الصرائف ونهبوا الدواشك, واللول , واللحف,والارز والصناديق السود المرصعة بالمسامير الذهبية .. خرجت إحدى الفلاحات من صريفة الشيخانية الكبيرة وهي تحمل سروالاً نسائياً فضفاضاً , ابيض اللون وهي تلوح به ضاحكة , منادية النسوة ) ولجن شوفن شني لكيت..هذا لباس أم طاهر .. شوفن شكبرة )..تناهبته النسوة وهنّ يطلقن الضحكات الهستيرية وكلمات التهكم والسخرية من لباس ام طاهر .
وبالرغم من إنتهاء زمن الاقطاع , وأفول حياتهم وطغيانهم , الا أنه ظل متصل بحياتنا , كونه جزء من تاريخ بلد , وتناسل أجيال , وهكذا فأن الروائي يؤكد حقيقة هذا الاتصال من خلال المقطع الاخير من الاحداث , إذ نتفاجأ بنقلة كبيرة حيث نجد ابن الشيخ طوفان قد كبر واصبح شاباً يافعاً , يقود أبيه لرؤية الاطلال المتبقية من قلعة طاهر , وهو يحدثه عن اماكن العائلة الاقطاعية , وعالم تلك القرية , التي اندثرت ومحيت ملامحها .
تكمن معالم الجمال , والصنعة الفنية المبهرة لرواية ( قلعة طاهر) للروائي حسن السلمان ,بأنه أستطاع أن ينقل لنا واقع الحياة الريفية الصادقة بملامحها الجمالية دون الحاجة الى رتوش او اضافات , لأن الواقع الريفي اذا نقل الينا بحس التجربة المعاشة والقريبة , يكون اكثر تأثيراً من النقل المؤطر بالمعالجات الفنية التي تطمرملامحه ,
من اصدارات دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع – سورية – دمشق لعام
المكان والزمان والبيئة الصادقة في ... قلعة طاهر
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
تمتد أحداث رواية (قلعة طاهر) للروائي حسن السلمان , زمنياً ومكانياً وتاريخياً , من حكم العائلة المالكة في العراق , وحتى الإنقلاب الذي قاده الزعيم عبد الكريم قاسم , وتلك الحقب الزمنية تفشت فيها ظاهرة الإقطاع بشكل ملفت للنظر,وهو حكم الشيوخ على القرى الريفية في جنوب البلد , الذين يفرضون سيطرتهم عليها ويديرونها بالحديد والنار والعنف من أجل إخضاع الفلاحين الى سطوتهم وجبروتهم , لزيادة ثرائهم واموالهم وحلالهم واراضيهم , على حساب عرق وشقاء وفقر وجوع الفلاح , الذي يزرع ويحصد ولا يناله الا الجزء اليسير جداً من هذا المحصول , وهكذا فإننا نجد أن الروائي قد إقتطع (قلعة طاهر) تلك القرية الريفية الجنوبية التابعة لمحافظة ميسان , وحملها بكامل تفاصيلها ودون أي شوائب او زوائد , أو تدخل , ليفرشها على مساحات اوراقه البيض, حيث الاهوار, ومزارع الشلب والحنطة , والصرايف , والسلف , والمشاحيف, وحلانات التمر , والمطابك, والطينية , والمطال , والمضيف , والبواري , والشيخ, والسركال , والحوشية, والسياح , والكارة, والطابك, وغيرها الكثير من الاسماء التي تداول كلهجة دارجة في جنوب العراق , فتكوّن الهوية والبيئة التي تزجنا في تلك الارياف الزاهية من جنوب بلدنا الحبيب , وقد دون الروائي في مستهل الرواية هذه الاسماء في اللهجة الدارجة في محافظة ميسان , والتي أحس بها ستكون غريبة وصعبة الفهم على القارئ العربي , ليشرح امامها المعاني باللغة العربية من أجل فهمها لكي يضمن إنسيابية وإيقاع الاحداث المتناغم دون أي تعثر او تلكؤ , ولكي تعم الفائدة الشاملة , كونه يعرف مسبقاً أنه سيضمنها ضمن متن النص , وكذلك جعل الحوار بهذه اللهجة الجنوبية المحببة .
( في قرية أبو سبع التي اخذت اسمها من اسم النهر الصغير ,العميق, أبو سبع, الذي يتفرع من نهر البتيرة , والذي يتفرع بدوره من نهر دجلة مخترقاً مدينة العمارة من المنتصف , تقع قلعة الشيخ طاهر , أو ( جلعة طاهر) كما يسميها الأهالي , على ضفة النهر الذي تتناثر على امتداده صرائف واكواخ الفلاحين, وحظائر الماشية , ومن خلفها تمتد حقول الحنطة والشعير حتى الأفق ...)
وهكذا يتضح لنا أن الروائي ,إستحضر الادوات الأساسية لفن صناعة الرواية بشكل واضح , وإستخدمها وفق سياقها الفني المطلوب , ومن خلال السارد العليم الذي كان مضمراً خلف الأحداث وطغيانها عليه , حتى غدت (قلعة طاهر) للعيان صورة نقية واضحة خالية من أي تدخل خارجي , وهذا متأتي من أن الروائي يسكن مدينة العمارة , وهومن عائلة ريفية , الامر الذي سهل مهمته بجعل واقعية الاحداث صادقة وغير متخيلة , ولكن المتخيل يكمن في جمالية الرؤية الفنية التي إتخذها كسياق فني لسير العملية السردية , ومحاولته المحافظة على نقل حياة الريف كما هي , وبكل عنفوان جمالها وطبيعتها الباهرة , وأسلوب معيشتهم فيها , كذلك عمد الروائي الى تقطيع الاحداث الى مقاطع قصيرة لنقل الاحداث , دون أن يجعل النص فصول كبيرة مرقمة , أو معنونة , كما أعتدنا عليه في بقية النصوص السردية , وهو في هذه الانتقالات يقوم بدوره في تحريك الاحداث نحو مسارها المتصاعد .
( غمرت أضواء الفجر أرجاء القلعة المحاطة بطوفة * دائرية من الطين, ودبت الحياة في صرائفها شيئاً فشيئاً..قريباً من باب القلعة , تقع صريفة عميدة البيت الشيخانية الكبيرة أم طاهر , وتتوزع بقية الصرائف قريباً من الطوفة بشكل متقابل.. صريفة الشيخ الكبير طاهر وزوجته قبيلة وابنته صباح.. صريفة أخيه الشيخ طوفان وزوجته زينب .. صريفة الاخ الاصغر شيخ عباس ..صريفة الاخوات سعيدة وزهرة ووسيلة .. صريفة الوصيفتين نوشة ودينار , وصريفة المؤونة الممتلئة باكياس رزالعنبر , والحنطة والشعير , والسكر , وحلانات* التمر وعكك * الدهن الحر * وفي طرفي قصي حظيرة الابقار , واقنان الدجاج, وفي منتصف القلعة ,ثمة ثلاثة مطابك* لخزن الحنطة والشعير * وطينيات * للعلف ,وعند أطراف الطوفة هرمان من المطال*) ص 14
يضع الروائي إشارة أمام كل كلمة من تلك التي نحتاج الى معرفتها , لكي نعود إليها في بداية النص لنعرف معناها , وبهذا يكون الروائي قد هيأ المتلقي تماماً لخوض غمار هذا النص , وما يدور فيه من أحداث تخص هذه العائلية الإقطاعية, ولكنها لم تكن مباشرة , أو تاريخية , أو توثيقية ,إنما نعيش احداث صادقة نقية صافية منتزعة من واقع الحياة في ريف الجنوب , تتوفر فيها القيمة الجمالية والفنية للسرد ,وتميل الى هذا الجانب , أكثر من ميلها الى الجانب الاول .وبعد أن وفر لنا ادوات السرد , واتضح امامنا , المكان ,الزمان , الشخوص ,نحتاج بعدها الى خوض غمار الاحداث لمعرفة الثيمة , فيتحرك هذا العالم داخل النص , لنكتشف مدى سيطرة وجبروت وقوة الشيخ طاهر , ومعاملته القاسية مع الفلاحين , وكذلك الشيخ طوفان الذي يمتاز بالطول الفاره , وله سطوة ومهابة ويخافه من يقطن تحت سطوته , ثم نجد شخصية السركال عبد المجيد , الذي يعمل تحت إمرة الشيخ طاهر والشيخ طوفان , وهو بمثابة الوسيط بينهما وبين بقية سكان هذه القلعة , وينفذ الاوامر لصالحهما ,حتى وإن كان ذلك على حساب ظلم الفلاح .
( يعرف كيف يجعل من حصة الفلاحين صفراً, وهي بالأصل حصة لا تتوازى ما يقومون به من فلاحة , وعمل شاق , وكد مضن, طيلة موسم الزراعة, بل ويجعلهم مديونين للشيخ , عندما يقوم بتسليفهم النقود تحت ضغط الحاجة الملحة لها, كعيادة الاطباء, وشراء الوقود, ويستقطع من حصصهم بعض الرسوم الوهمية )ص 24
وتبدأ الاحداث تتداخل وتكبر وتتسع في هذه القرية الريفية , حيث نتابع علاقة السركال بالوصيفة دينار التي تصل حد ممارسة الجنس , والوعد الذي يقطعها له بأنه سيتزوجها بعد نهاية موسم الحصاد , ولكن المواسم تأتي وتروح ولم يف بوعده , وعلاقة الشيخ الطوفان بحورية الغجرية التي تحبل منه , الا أن الشيخ طاهر يكتشف هذه العلاقة من خلال مراقبة السركال لشيخ طوفان , فيطردها من القلعة ويحرق صريفتها , وعلاقة زهرة بماهود الناطور التي تنسل في ظلمة الليل الحالك السواد , وتنضوي تحت عباءته الصوفية ليحكي لها الحكايات , الا أنه يفعل فعلته المشينة معها , ويولي هارباً فينكشف أمرها , بعد ان تكتشف جليلة الكشافة بحملها منه , وتعلم الشيخانية الكبيرة بأمر ابنتها , ومن أجل ان لا يفتضح امرهم وهم عائلة إقطاعية امام ابناء القلعة , تلجأ الى حيلة لقتلها بأدخال حية سامة الى الحمام الذي تغتسل فيه فتلدغها وتنتهي حياتها , وفاطمة ابنة ابو ناظم التي عشقت عباس وهربت معه فجراً, الا أن عشيرتها تستطيع العثور عليها وقتلها,وصباح أبنة الشيخ طاهر , التي كان الشيخ يمازحها بقوله سوف يكون عدد اولادك بعدد الجواميس التي نملكها , الا انها عندما تتزوج تبقى سنتين دون حمل , ولا تحمل الا بعد أن تجلب جليلة دم عبد بعمر ثلاثين عام لم يتزوج , فتنجب ابنين لكن القدر يأخذهما منها , فتعود الى اهلها حزينة بائسة , ثم حمل زينب وانجابها بولد يقر فيه عيني والده الشيخ طوفان . وتدور احداث كبيرة واسعة , لا تسع الدراسة لذكرها , ويحدث الانقلاب الاول ويوشك الاقطاعيين ان يفقدوا مناصبهم , الا أن العائلة المالكة تعود للحكم , فيعودون الى سابق عهدهم ثم يحدث الإنقلاب الذي قاده الزعيم عبد الكريم قاسم , فتسقط الدولة المالكة , ويسقط معها حكم الإقطاع , في ثورة عارمة طردوا فيها شيخ طوفان رغم وفاة اخيه الشيخ طاهر تواً , وطردوا العائلة الإقطاعية , وحدث السلب والنهب في صرائف للعائلة الاقطاعية , والتي تشبه في أحداثها السلب والنهب الذي حدث عند سقوط حكم الطاغية (دخلوا الصرائف ونهبوا الدواشك, واللول , واللحف,والارز والصناديق السود المرصعة بالمسامير الذهبية .. خرجت إحدى الفلاحات من صريفة الشيخانية الكبيرة وهي تحمل سروالاً نسائياً فضفاضاً , ابيض اللون وهي تلوح به ضاحكة , منادية النسوة ) ولجن شوفن شني لكيت..هذا لباس أم طاهر .. شوفن شكبرة )..تناهبته النسوة وهنّ يطلقن الضحكات الهستيرية وكلمات التهكم والسخرية من لباس ام طاهر .
وبالرغم من إنتهاء زمن الاقطاع , وأفول حياتهم وطغيانهم , الا أنه ظل متصل بحياتنا , كونه جزء من تاريخ بلد , وتناسل أجيال , وهكذا فأن الروائي يؤكد حقيقة هذا الاتصال من خلال المقطع الاخير من الاحداث , إذ نتفاجأ بنقلة كبيرة حيث نجد ابن الشيخ طوفان قد كبر واصبح شاباً يافعاً , يقود أبيه لرؤية الاطلال المتبقية من قلعة طاهر , وهو يحدثه عن اماكن العائلة الاقطاعية , وعالم تلك القرية , التي اندثرت ومحيت ملامحها .
تكمن معالم الجمال , والصنعة الفنية المبهرة لرواية ( قلعة طاهر) للروائي حسن السلمان ,بأنه أستطاع أن ينقل لنا واقع الحياة الريفية الصادقة بملامحها الجمالية دون الحاجة الى رتوش او اضافات , لأن الواقع الريفي اذا نقل الينا بحس التجربة المعاشة والقريبة , يكون اكثر تأثيراً من النقل المؤطر بالمعالجات الفنية التي تطمرملامحه ,
من اصدارات دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع – سورية – دمشق لعام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق