الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

في ذكرى الفنان بلكاهية / استحداث الفنون البصرية /محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

في ذكرى الفنان بلكاهية
استحداث الفنون البصرية

محمد خصيف
يعد فريد بلكاهية أحد رواد الحركة التشكيلية بالمغرب. تخرج على يديه عدد كبير من الفنانين المغاربة، منهم من تلقى تعليمه على يديه حين كان أستاذا للفنون ومديرا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالدار البيضاء خلال عقد الستينات. وكثير هم أولئك الذين تأثروا بتجربته وأفكاره وبمقاربته التشكيلية.
و تعتبر تجربة بلكاهية فريدة من نوعها حين نجدها قطعت أشواطا عدة مخترقة أنواعا مختلفة من الأساليب بدءا بالأسلوب التصويري شبه واقعي ومرورا بالاشتغال على صفائح النحاس ووصولا إلى الأعمال الجلدية. وسجل في فترة مبكرة بحضوره وإنتاجا ته الغزيرة،إلى جانب ثلة من الرواد، نقطة تحول كبيرة تركت بصماتها على صفحات تاريخ التشكيل بالمغرب، ولعبت دورا كبيرا في تغيير الرؤى تجاه الممارسة التشكيلية لدى الأجيال التالية. إنها نقطة تحول لها خصوصيات ومميزات لعبت دورا هاما على مستوى إرساء أسس الحركة التشكيلية المعاصرة، (وأقصد بالمعاصرة هنا ازبعد الزمني وليس البعد الأنطلوجي/الجمالي). وجاءت كرد فعل على الأنماط التقليدية الفنية المتجاوزة التي كرس حضورها التواجد الكولونيالي.
وكان همُّ فريد بلكاهية يتمثل في إعطاء الفن التشكيلي مفهوما جديدا، فأحاط نفسه بمجموعة من الفنانين سيسِمون مسار تاريخ الفن بالمغرب،مكونا فريقا تربويا مع المرحوم محمد شبعة ومحمد المليحي والحميدي وحفيظ وأطاع الله والناقدة طوني مارايني Toni Marainiوالهولندي بيرت فلين Bert Flint المتخصص في الفنون الشعبية المغربية.هؤلاء كلهم كان ينخرهم هوس البحث وتطوير الفنون الشعبية والتراث المغربيين. فأعطوا نفسا جديدا للتدريس الفني بتغييرهم المناهج الدراسية التي كان معمولا بها داخل إطار مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وبترهم أوصال العلاقة مع الرسم المحملي وما يرتبط به من مواضيع وتقنيات متوارثة، يعتبرونها متجاوزة ولا تعكس تصورات فناني المغرب الحداثيين، ولاتلبي حاجيات الجمهور المتلقي. فتبثوا دعائم تعليم حديث،أكثر ملاءمة لثقافة وخصوصية الواقع التاريخي المغربي، مجسدين ذلك بالعمل داخل محترفات الصناعات التقليدية المحلية حيث يعمل الطلبة على حرف الفخار والحلي والنسيج وفنون الخشب والخط العربي وغيرها...
وهكذا إذًا عمل الفنان بلكاهية على استحداث الفنون البصرية المغربية بعد ما كان الفن مقتصرا على اللوحة طيلة ما يزيد على خمسة عقود من الزمن، فلم تعد مواضيع الفن نسخة "لقيطة"، منقولة عن الفن الغربي التشخيصي الحديث، الذي كان يحاكيه فنانون أجانب وآخرون مغاربة فطريون تعلموا أبجدية تقنيات الرسم على أيدي مشغليهم الذين كانوا يقيمون بالمغرب إبان الحماية الفرنسية.
فتجاوزت الممارسات الفنية لدى بلكاهية ومجموعته اللوحة ذات الأبعاد المنظورية،لتعمل على إنتاج فن شامل، يهم الملصق والمعمار والديزاين وغيرها، كاشفا عن تدخلات ذكية للفنان التشكيلي الحديث، كعنصر نشط وفاعل/فعال في العديد من فرص الحياة اليومية، فمن "خلال تحليل عالم الأشكال التي تحيط بهم، اكتشفوا التقاليد المنسية والمهملة: الفن الشعبي في الريف والمدينة وقوانين الجمالية، وأنماط الأسلوبية و معانيه النفسية."(طوني ماريني – مجلة أنفاس – عدد 7/8 – 1967).
"فكان النضال من أجل إقامة الكرامة الوطنية، لاستعادة الجسم والعقل المغتربين هو نتيجة لسلسلة من الوعي وأعمال الانتعاش المحليين" (عبد اللطيف اللعبي – مجلة أنفاس- عدد 4 – 1964).
ويقول الفنان عبد الكريم الغطاس،أحد تلامذة بلكاهية: " حاول بلكاهية تغيير مناهج التدريس الأكاديمية، استنادا إلى خبرته وممارسته البيداغوجية، واستطاع بهذه المجموعة من هيئة التدريس، (التي ذكرتها سالفا)، أن يخلق منهجا حديثا في التعامل مع طريقة التلقين بهذه المدرسة، بما أنها كانت خاضعة للنمط الفرنسي آنذاك، فقام بإعادة النظر في الموروث الثقافي المغربي ليحفز الطلبة، الذين كان من بينهم عبد الله الحريري، حسين الميلودي، المرحوم إبراهيم صدوق... على الاهتمام بالزربية و"الهردال" (نوع من المنسوجات الصوفية)". وبذلك يكون مفهوم الإبداع الجماعي المجهول الهوية الخاص بالعمل المجتمعي هو الذي يؤدي إلى تحقيق شمولية العمل الفني.
وبهدف الدفاع " عن مشروع جمالي مستقبلي بمواصفات بديلة وحقيقية، دافع عنها باستماتة وإرادة إبداعية، نابعة من إيمانه بضرورة الوعي البصري، وما له من تأثير في مناهضة الرداءة والقبح بجميع أشكالهما في الحياة اليومية"،(شفيق الزكاري نشر في المساءيوم 01 - 10 - 2014)، سينضم فريد بلكاهية رفقة محمد المليحي ومحمد شبعة إلى مجلة "أنفاس"، التي كان يشرف على إصدارها الكاتب عبد اللطيف اللعبي بصحبة الكتاب/الشعراء :محمد خير الدين ومصطفى النيسابوري والطاهر بنجلون، ليتخذوا منها منبرا حرا يوصل أفكارهم الجمالية الطليعية والنضالية إلى جمهور القراء من المثقفين.
وتجب الإشارة هنا إلى أن فريد بلكاهية لم يكن عضوا لازما لطاقم المجلة الرسمي كما يظن البعض.
فلم يكن بلكاهية ذا التزام سياسي بالمعنى الذي يمكن أن نصف به مناضلا ما أو الذي كان عليه مثقفو ذلك الوقت. لم ينجذب نحو السياسة وإيديولوجية اليسار كرفيقيه اللعبي وشبعة مثلا. إن الخلط بين الثقافي والسياسي كان من الأسباب التي جعلت المجموعة تنفجر وبالتالي تتوقف مجلة أنفاس عن الإصدار بالمغرب وتتخذ المهجر مقرا لها ولمدة قصيرة، تغيب بعدها إلى الأبد. والنتيجة الحتمية كانت إقبار مشروع الحداثة الفنية الذي لم يمض على البدأ في تحقيقه أزيد من عقد ونيف من الزمن.
كان فريد بلكاهية فنانا ملتزما بقضايا الشعوب ضدا على الظلم والقهر والميز العنصري، لدرجة أنه كان يؤمن "بقدرة أفريقيا على قيادة العالم في يوم ما"، لذا لم يبتعد عمله الفني أبدا عن التربة الأفريقية الأمازيغية، إن على مستوى المواد أو المضامين. فنجده يقول: " لست مُصابا بداء الهوية. ما يعنيني هو الإنسان. أحاول الاقتراب من جوهر الإنسان في أعمالي التشكيلية. أحاول القبض على هذا الكائن في مختلف حالاته الروحية بمنظور معاصر طبعاً وبرؤية ذاتية جدًا، أي من موقعي كفنان يعيش فوق هذه الأرض. أما التفاصيل الأخرى التي تصنع الهويات الضيقة فهي لا تعنيني."
فهو يرى في تلك التفاصيل عيبا يبعد الفنان عن جوهر الفن ليسقط في فخ الدعاية والأوهام. ويضيف :"خذ عندك مثلاً حكاية الخط العربي. هذا كله كلام فارغ المفروض أن نخجل منها أيضاً (...)لماذا لا يقوم اليابانيون والصينيون واليونان مثلا بتشكيل لوحات من أبجدية لغاتهم ويقيمون لها المعارض والتظاهرات؟ ليسوا سُذجاً مثلنا لتختلط عليهم الأمور مثلما اختلطت علينا. كل شعوب الأرض تعرف أن الخط خط مهما كان جميلاً، أما الإبداع التشكيلي فهو فعلاً شيء آخر. لكن ماذا تفعل لدعاة الهوية عندنا. لقد طبلوا لحكاية الخط العربي واعتبروه فنا عبقرياً يميزنا عن باقي العالم. هذه أمور مضحكة صدقني."



‏‎Mohamed Khassif‎‏ مع ‏‎Ahmed Reboudi‎‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق