الاثنين، 21 يناير 2019

أجمل هزائمي .. هزيمة تُمحى وانتصار يُشتهى / قراءات في مجموعة الشاعرة هدى كريد / تونس ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

أجمل هزائمي .. هزيمة تُمحى وانتصار يُشتهى
ليس أسهل على المرء من أن يضع حدودا فاصلة بين الجنون والعقل والهزيمة والانتصار. ولكن في المجموعة الشعرية الموسومة بـ"أجمل هزائمي" تذوب الحدود بين الأضداد. فلا شيء بيّن في خضمّ كتابة اعترفت صاحبتها منذ المقدّمة بأنّها مجنونة سليلة مجانين. فهل لنا أن نفهم الجنون بما أرسيناه من مقاييس؟ وكيف لعاقل أن يستعذب هزيمة بل هزائم يبشّر بها بدل أن يطمس ملامحها؟
لابدّ لنا أن نرتحل في مسارب المجموعة الشعريّة لنكتنه الأسرار.. وفي صدارتها قصيدة تبدو ككلّ القصائد ساكنة هادئة "إلى غافلة". وحين تنظر فيها تميد الأرض تحت قدميك. رجّة تحدثها حين تنقلب صاحبتها على نفسها شاعرة عاشقة، وتنسف بشراسة تاريخ معشوقات أغراهنّ الهوى وأغوتهنّ صبابة المتغزّل. بمعول الثورة تهدم غرضا لائطا بالقلوب عالقا بالنفوس ألا وهو الغزل. مجرّد (لعبة بيان ومكيدة يصنعها قلم). ومن الغريب بعد ذلك مباشرة أن تكون القصيدة الموالية "يوم عاشقة". فبأيّ منطق أجازت ذلك؟ إنّه الخروج عن النمط . فلا نملك أسرار الغرف المحظورة إلاّ بمفاتيح الجنون والتمرّد. مرّة تطالعنا ترانيم العشق المعتادة، حرائق العشّاق وتأوّهاتهم، وحكايات عذرية في حضرة الحبّ المقدّس حدّ التّصوّف والإشراقات الرّوحيّة. وأخرى تسفر عن حرب ضروس في عناد الكاهنة البربريّة أو أشدّ. تجوس في الجسد في "القصيدة الحمراء". أوتكنّي عنه رمزا في هاربة. فاللّحاف صورة استعارية للفعل الجنسيّ. وثالثة تسفر عن طفلة لا تكبر فترتدّ إلى مراتع الصبا. وإذا رُمْتَ تجربة ذات ظفرتَ بها في "تهاليل العيد" أوفي "امرأة مجنونة".
ولا يغيب الإنسان وقضاياه الحارقة عن قصائد التحمت بنفس وجودي يتخيّر الرموز الأسطورية كـ"برومثيوس" و"سيزيف" متوزّعة بين انكسار وانتصار والرمز الديني (المسيح مثلا). إنّها تبحث عن نبوءة أخيرة بين الورى. تنحت الفعل الذي ينطبع به وجود الإنسان وتعلّي مدائح الحياة. نّص مخاتل تكتبه على ذاكرة الماء وأحلام تقيمها على المرافئ البعيدة.
ورغم الذاتية التي تبدو مسيطرة على المجموعة فإنّ الانفلات واقع في نصّ مسكون بالحركة تَحْدُثُ كي تعانق قضايا العربي وتنكأ جروحنا في "ليس على الأعمى حرج". ترى في تاريخنا خرقا يدوم ووقائع تسير على طريق الجماجم. وبنظرة سوداوية نحن في طور ما بعد النهاية.
والشاعرة الثائرة انخرطت في نظام المناسبات هجاء ورثاء اعتمادا على لغة تنزع إلى البساطة دون ابتذال في العاطفي وإلى الغموض المتسربل بعمق الرؤيا في الوجودي. فيجد القارئ بمختلف شرائحه مبتغاه مواضيع تنوّعت في قصيدة النثر التي تمعن في الولاء للرويّ حينا. وتسترسل على السجيّة بلا أيّ ضابط استجابة لدواعي الهوى وفيض الخاطر. أجمل الهزائم إذن تحمل شارة الخذلان تعجنها بمرارة الألم حين تكون القصيدة إطلالة على مدارات القلق والفجيعة الإنسانية. ولكن لا محيد عن انتصارات تنشدها في هزائم تتجانس مع العزائم. وسأضمّن مقالي قراءة للأديب المصري "مجدي شلبي" بعنوان "هدى كريد لانتصاراتها"
اسمحوا لي في تلك الفعاليّة المهمّة، المخصّصة للاحتفاء بإصدار شعري جديد للشاعرة والكاتبة والناقدة القديرة الأستاذة / هدى كريد، أن اهنّئها بهذا الإصدار، الذي يثري المكتبة العربيّة بصوت شعري متميّز، له خصوصيّته وتفرّده وجماله... وأودّ هنا أن أعقد مقاربة بين عنوان ديوانها (أجمل هزائمي)، وبين علاقتها القريبة – زمنيّا – بمنجزي الأدبي غير المسبوق (الومضة القصصيّة):
فرغم مرور خمس سنوات على بزوغ هذا الفنّ الأدبي المبتكر، الذي ما زال مثيرا للجدل في الأوساط الأدبيّة، خصوصا في ظلّ عدم إدراك بعض الكتّاب والنقّاد لبنائه الفنّي المستقلّ والمتفرّد عن باقي الفنون الأدبيّة الأخرى: استطاعت الكاتبة القديرة الأستاذة / هدى كريد استيعاب كنهه في فترة زمنيّة قصيرة جدّا، ودخلت بقوّة واقتدار حلبة المنافسة فيه مع أقدم أعضاء رابطتنا العربيّة للومضة القصصيّة، فأحرزت تفوّقا وتقدّما عليهم في كثير من المسابقات... ذلك لأنّها تعتبر الإخفاق مرّة، هو ضريبة النّجاح مرّات، وأنّ الرّجوع إلى الوراء خطوة، هو ضرورة حتميّة للقفز فوق الصّعاب، والانطلاق نحو آفاق الإبداع، الذي تمتلك أدواته باقتدار...
والمدهش حقّا أن جاء عنوان ديوانها معبّرا عن حقيقة ما حدث منها في مسابقة رابطتنا العربيّة للومضة القصصيّة، فروحها الوثّابة، وعزيمتها التي لا تلين، جعلتاها تعلن عن سعادتها بـ(الهزيمة) التي تثبت في مواجهتها قدراتها على التحدّي، وإثبات الوجود، عن تمكّن واستحقاق، فأضحى العنوان (أجمل هزائمي) معلنا ضمنا عن بهاء انتصاراتها، هذه الانتصارات التي تعبّر عن طبيعتها الواثقة في قدراتها على تحدّي كلّ الصّعاب والعقبات، متسلّحة بالوعي والإدراك والعلم والمعرفة...
أمّا الحديث عن دورها المهمّ في النقد الأدبي فقد ظهر جليّا بالنسبة إليّ – على الأقلّ – من خلال قراءتها النقديّة في بعض قصائد ديوان (لا لن أعود) للشاعرة المصريّة / مروة محمود... وهو ما يجب أن أحيّيها عليه تحيّة تقدير واحترام:
دمتم أيّها الأعزّاء الكرام ودام إبداعكم الراقي، وإخوتكم الصّادقة.
مجدي شلبي
مصر في 6 أكتوبر 2018
إذن شكّل هذا الأثر بعثا أوّل في انتظار مزيد من الإصدارات في تونس. و بما أنّ الكاتبة أسهمت في الجزء الرّابع من كتاب "كنوز الومضة" الصادر بمصر عن دار الإسلام بالمنصورة 2018 وأصدرت مجموعتها الشعريّة البكر وأعلنت عن ميلاد مجموعة قصصيّة مرتقبة فإنّنا نتشوّق على الدّوام حتما إلى ضروب الإبداع الأدبي أو النقد كلاما على الكلام.
الاستاذة فوزية العش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق