مؤسسة فنون الثقافية العربية :
صحيفة فنون الثقافية العربية :
وكالة أدبية إخبارية ثقافية فنية شاملة :
متابعة أدبية :
من القاهرة / وهيبة سكر 28 مارس 2019
...........................................
إن الدور الذي لعبته الترجمة في إثراء الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية والثقافية لدى الأمم المختلفة هو أمر لا يمكن إنكاره أو تجاهله. فقد لعبت الترجمة دورًا حضاريًّا وثقافيًّا وعلميًّا بدأ منذ بزوغ فجر التاريخ البشري، ولا تزال تقوم بدورها حتى وقتنا هذا وستستمر في أدائه ما بقي للبشر حياة على وجه الأرض. وإن المتتبع لتطور الحضارات الإنسانية وتنامي التقدم العلمي الإنساني يجد أن الترجمة ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري لأي أمة، ثم تستمر مواكبةً للنمو الحضاري لهذه الأمة. إن البلدان الناهضة الساعية والجادة للالتحاق بركب التقدم تهتم بنقل أسرار التكنولوجيا والصناعات والعلوم المختلفة إلى لغتها، وذلك حتى تصبح متاحة لأبنائها بلغتهم التي درجوا على استخدامها، لينتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة التفكير والتطوير وإحراز التقدم والسبق. وقد وضع العالم المعاصر الدول النامية أمام تحد بالغ، وخيار بين الحياة من خلال مواكبة التطور العلمي المتواصل، أو الموت بين الركام، ووحدها الترجمة هي القادرة على بناء الجسور التي يمكن من خلالها عبور الإنجازات البشرية.
وللترجمة دور في التغلب على التحديات التي تواجهها حركة البحث العلمي في وطننا العربي، وتطرح آليات يمكن من خلالها سد الفجوة المعرفية التي نعاني منها وتوفر رافدًا يمكن من خلاله إثراء هذه الحركة. حيث إن البحث العلمي هو الوسيلة التي يمكن من خلالها التوصل إلى حل للمشكلات واكتشاف حقائق جديدة واستنباط القوانين والنظريات.
كان لحركة الترجمة في العصر الحديث أثر لا ينكر في رفع المستوى العلمي والثقافي للجيل الحاضر. ولكن هنالك تفاوتًا كبيرًا بدرجة اهتمام الأقطار العربية بهذه الحركة. كما أن هذه الحركة في أقطارنا بصورة عامة أقل مما عليه في بلدان العالم المتقدم. لقد قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة بإحصاء ما تُرجم من المؤلفات الأجنبية في المدة الممتدة بين عامي 1970 و1980 فتبين لها أن مجموع عدد الكتب المترجمة بلغ (2840) كتابًا، منها 62٪ تُرجمت في مصر، و17٪ في سورية، و 9٪ في العراق، و5.4٪ في لبنان. كما تبين من هذا الإحصاء أن نسبة كتب العلوم الأساسية والتطبيقية المترجمة لا تزيد على 14٪، بينما بلغت نسبة ما ترجم من كتب الآداب والقصة والفلسفة والعلوم الاجتماعية ما يزيد على 70٪ . ومما لاشك أن انخفاض نسبة الكتب العلمية المترجمة يعود إلى أن جميع الأقطار العربية، باستثناء سوريا، لم تقم بتعريب التعليم الجامعي.
إن حركة الترجمة لم تبلغ النضج والاكتمال من ناحية سلامة اللغة، ومطابقة الكتاب المترجم للأصل من ناحية أداء المعنى بدقة. ولكن لما أنشئت مؤسسات حكومية تشرف على انتقاء الكتب الأجنبية لترجمتها، وتم اختيار أشخاص كفاة للنهوض بها، وأُعيد النظر فيما يترجم لإصلاحه، بدأت تظهر كتب مترجمة إلى اللغة العربية بصورة جيدة.
وتتلخص أهداف الترجمة في الوطن العربي في التأكيد على وحدة اللغة العربية، وقدرتها على التعبير عن حاجات العصر، وإدخال هذه اللغة في قائمة اللغات العالمية المعتمدة دوليًّا.
مشاريع الترجمة في العصر الحديث
بدأ إحياء عملية الترجمة في العالم العربي مع نشأة الدولة الحديثة في مصر على يد محمد علي باشا (1805-1848م)، وجاء ذلك في إطار سياسته الهادفة إلى النهوض بالتعليم، التي شملت إرسال البعثات العلمية إلى دول أوروبا كإيطاليا وفرنسا، وإنشاء المدارس العليا. وجاء الاهتمام بالترجمة كوسيلة لنقل المعارف الأوروبية الحديثة إلى مصر. وفي عام 1835، أمر محمد علي بإنشاء مدرسة الترجمة، والتي عرفت فيما بعد بمدرسة الألسن كمدرسة عليا متخصصة في تدريس اللغات الأوروبية، وقام بإدارة المدرسة رفاعة الطهطاوي الذي اختار لها 80 طالبًا، وتم الاهتمام بتدريس اللغتين العربية والفرنسية، ثم التركية والإنجليزية. ونجحت المدرسة في تخريج كادر متميز من المترجمين المتخصصين، وبلغ عدد الكتب المترجمة على يد خريجي المدرسة 2000 كتاب في مختلف المعارف.
وقد اتجه محمد علي إلى شراء الكتب العلمية التي يوصي بها مبتعثوه وموظفوه ليتم ترجمتها، وكانت هناك هيئة من المحررين من علماء الأزهر تقوم بمراجعة وضبط مصطلحات ما تم ترجمته. وكان أول الكتب المترجمة في الطب كتاب "القول الصحيح في علم التشريح". وأنشأ محمد علي "المطبعة الأميرية" ببولاق 1822 وعددًا من المطابع الأخرى لطباعة الكتب المترجمة وتوزيعها على الموظفين، والطلاب، وأفراد الجيش، ومن تيسر له الحصول عليها من العامة.
وقد أصاب عملية الترجمة في عهد خلفاء محمد علي ما أصاب حركة التعليم ومؤسسات الدولة الناشئة من تدهور، فانحسرت نسبيًّا. وإن شهدت بعض التحسن مع عودة رفاعة الطهطاوي لإدارة مدرسة الألسن في عهد سعيد باشا 1854م. ثم شهدت حركة الترجمة نهضة ثانية مع إصلاحات الخديوي إسماعيل في مجال التعليم، والتي شارك فيها الطهطاوي وعلي مبارك؛ حيث نشطت الترجمة مع عودة البعثات إلى المدارس الأوروبية. وقد لعب الشوام دورًا بارزًا في حركة الترجمة في نهاية القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى دورهم في الصحافة.
ومن بعض التجارب الرائدة مكتبة خليل صايغ في لبنان التي أصدرت أكثر من 35 معجمًا اختصاصيًّا، في كافة المجالات العلمية، وبصورة عامة اتجهت محاولات الترجمة في هذه المدة - خاصة مع بداية احتلال بريطانيا لمصر - نحو ترجمة الأعمال الغربية التي تمس قضايا الإصلاح والنهوض والعلاقة بين الإسلام والغرب.
ومن أهم تجارب الترجمة المنظمة في العالم العربي حديثًا:
1 - لجنة التأليف والترجمة والنشر
تعد لجنة التأليف والترجمة والنشر التي نشأت بمصر في بداية القرن العشرين مثالاً جيدًا للعمل الجاد والمثمر بين المثقفين، وتكونت اللجنة من خريجي مدرسة المعلمين العليا ومدرسة الحقوق عام 1914م، وقد زاد أعضاء هذه اللجنة لتضم غيرهم من فئات أخرى، ووضعت لائحتها القانونية 1915م ورَأَسها أحمد أمين منذ ذلك التاريخ حتى وفاته عام 1954. وهدفت اللجنة إلى الارتقاء بالتعليم من خلال تأليف الكتب العلمية لطلاب المدارس، والارتقاء بالمجتمع وتثقيفه من خلال التوسع المنظم في تأليف وترجمة الكتب في مختلف المجالات. وبالنسبة للترجمة قامت اللجنة بترجمة العديد من الكتب الموسوعية الغربية مثل تاريخ الفلسفة الغربية لـ"برتراند راسل"، وقصة الحضارة لـ"وِل ديورانت"، ومجموعة من أمهات الكتب العلمية والأدبية والتربوية. وقد ساهم عمل اللجنة في إفراز جيل متمكن من المترجمين العرب، ووضع قواعد لتعريب المصطلحات العلمية المترجمة أو تقريبها من العربية، وهي عوامل ساهمت في دفع عملية الترجمة في العالم العربي.
2 - مشروع الألف كتاب الأول والثاني:
ظهرت الإصدارات الأولى لهذا المشروع عام 1955م، بإشراف من الإدارة الثقافية التابعة لوزارة التعليم المصرية. وقد اهتم بأمهات الكتب العالمية والكلاسيكيات، كما شمل العلوم البحتة، والعلوم التطبيقية والمعارف العامة والفلسفة وعلم النفس والديانات والعلوم الاجتماعية، واللغات والفنون الجميلة، والأدب بفروعه، والتاريخ والجغرافيا والتراجم. وتوقف العمل به عام 1969. وتم استئنافه تحت عنوان "مشروع الألف كتاب الثاني" عام 1986 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد اهتم بترجمة الكتب الحديثة كمحاولة للاتصال بالثورة العلمية والثقافية العالمية المعاصرة. وقد قسمت إصدارات المشروع إلى 19 فرعًا معرفيًّا.
3 - المركز القومي للترجمة - المجلس الأعلى للثقافة:
أطلق المجلس الأعلى للثقافة في مصر المشروع القومي للترجمة إحياءً لحركة الترجمة المنظمة واستكمالاً للمشروعات السابقة لها، كمشروع الألف كتاب الذي توقف بعد إصدار 600 كتاب. وقد بدأت أول إصدارات المشروع في يناير عام 2000م. وفي بداية 2006م، احتفل المشروع بإصداره الكتاب الألف، ثم تم تحويل المشروع إلى المركز القومي للترجمة من خلال مبادرة تقدم بها الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة. ويهدف المشروع إلى الخروج من أسر المركزية الأوروبية وهيمنة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، والانفتاح على اللغات الشرقية ذات الصلات التاريخية المهمة باللغة العربية كالتركية والفارسية، وقد أصدر المشروع حتى الآن العديد من الكتب المترجمة عن اللغات الشرقية.
كما يعمل المشروع على تعزيز ريادة مصر الثقافية خاصة في مجال الترجمة، وتحقيق التوازن في الترجمة بين مختلف المعارف الإنسانية، وإن غلب على إنتاج المشروع العلوم الاجتماعية والإنسانية والآداب. ويهدف المشروع كذلك إلى إشاعة روح العلم والعقلانية والتجريب، ووضع القارئ في قلب حركات الإبداع والفكر العالمية، من خلال ترجمة الأصول المعرفية التي أصبحت بمثابة الإطار المرجعي للثقافة الإنسانية المعاصرة.
4 - المنظمة العربية للترجمة:
أُسَّسَت المنظمة العربية للترجمة عام 1999م في بيروت، بهدف نقل المعارف ونشر الفكر العالمي وتطوير اللغة العربية، وذلك بعد إجراء العديد من الدراسات المسحية لأوضاع الترجمة في العالم العربي، وتعمل المنظمة على تحقيق طفرة نوعية وكمية في نشاط الترجمة في العالم العربي، مع المساهمة في إدخال العلوم في إطار الثقافة العربية المعاصرة، وتعليم العلوم وتنشيط البحث العلمي باللغة العربية، والإسهام في تنشيط الطلب على الكتاب المترجم وحفز استخداماته في مختلف مجالات التنمية، بالإضافة إلى العمل على ترجمة كل ما هو مفيد للوطن العربي من كتب ودوريات ومنشورات لا تقوم المؤسسات الأخرى بترجمتها لعدم ربحيتها. وتعمل المنظمة من خلال إقامة شبكة من العلاقات مع العاملين بالترجمة في العالم العربي، وتبادل المعلومات عن جهود الترجمة القائمة والمستقبلية.
لا يتوفر وصف للصورة.
صحيفة فنون الثقافية العربية :
وكالة أدبية إخبارية ثقافية فنية شاملة :
متابعة أدبية :
من القاهرة / وهيبة سكر 28 مارس 2019
...........................................
إن الدور الذي لعبته الترجمة في إثراء الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية والثقافية لدى الأمم المختلفة هو أمر لا يمكن إنكاره أو تجاهله. فقد لعبت الترجمة دورًا حضاريًّا وثقافيًّا وعلميًّا بدأ منذ بزوغ فجر التاريخ البشري، ولا تزال تقوم بدورها حتى وقتنا هذا وستستمر في أدائه ما بقي للبشر حياة على وجه الأرض. وإن المتتبع لتطور الحضارات الإنسانية وتنامي التقدم العلمي الإنساني يجد أن الترجمة ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري لأي أمة، ثم تستمر مواكبةً للنمو الحضاري لهذه الأمة. إن البلدان الناهضة الساعية والجادة للالتحاق بركب التقدم تهتم بنقل أسرار التكنولوجيا والصناعات والعلوم المختلفة إلى لغتها، وذلك حتى تصبح متاحة لأبنائها بلغتهم التي درجوا على استخدامها، لينتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة التفكير والتطوير وإحراز التقدم والسبق. وقد وضع العالم المعاصر الدول النامية أمام تحد بالغ، وخيار بين الحياة من خلال مواكبة التطور العلمي المتواصل، أو الموت بين الركام، ووحدها الترجمة هي القادرة على بناء الجسور التي يمكن من خلالها عبور الإنجازات البشرية.
وللترجمة دور في التغلب على التحديات التي تواجهها حركة البحث العلمي في وطننا العربي، وتطرح آليات يمكن من خلالها سد الفجوة المعرفية التي نعاني منها وتوفر رافدًا يمكن من خلاله إثراء هذه الحركة. حيث إن البحث العلمي هو الوسيلة التي يمكن من خلالها التوصل إلى حل للمشكلات واكتشاف حقائق جديدة واستنباط القوانين والنظريات.
كان لحركة الترجمة في العصر الحديث أثر لا ينكر في رفع المستوى العلمي والثقافي للجيل الحاضر. ولكن هنالك تفاوتًا كبيرًا بدرجة اهتمام الأقطار العربية بهذه الحركة. كما أن هذه الحركة في أقطارنا بصورة عامة أقل مما عليه في بلدان العالم المتقدم. لقد قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة بإحصاء ما تُرجم من المؤلفات الأجنبية في المدة الممتدة بين عامي 1970 و1980 فتبين لها أن مجموع عدد الكتب المترجمة بلغ (2840) كتابًا، منها 62٪ تُرجمت في مصر، و17٪ في سورية، و 9٪ في العراق، و5.4٪ في لبنان. كما تبين من هذا الإحصاء أن نسبة كتب العلوم الأساسية والتطبيقية المترجمة لا تزيد على 14٪، بينما بلغت نسبة ما ترجم من كتب الآداب والقصة والفلسفة والعلوم الاجتماعية ما يزيد على 70٪ . ومما لاشك أن انخفاض نسبة الكتب العلمية المترجمة يعود إلى أن جميع الأقطار العربية، باستثناء سوريا، لم تقم بتعريب التعليم الجامعي.
إن حركة الترجمة لم تبلغ النضج والاكتمال من ناحية سلامة اللغة، ومطابقة الكتاب المترجم للأصل من ناحية أداء المعنى بدقة. ولكن لما أنشئت مؤسسات حكومية تشرف على انتقاء الكتب الأجنبية لترجمتها، وتم اختيار أشخاص كفاة للنهوض بها، وأُعيد النظر فيما يترجم لإصلاحه، بدأت تظهر كتب مترجمة إلى اللغة العربية بصورة جيدة.
وتتلخص أهداف الترجمة في الوطن العربي في التأكيد على وحدة اللغة العربية، وقدرتها على التعبير عن حاجات العصر، وإدخال هذه اللغة في قائمة اللغات العالمية المعتمدة دوليًّا.
مشاريع الترجمة في العصر الحديث
بدأ إحياء عملية الترجمة في العالم العربي مع نشأة الدولة الحديثة في مصر على يد محمد علي باشا (1805-1848م)، وجاء ذلك في إطار سياسته الهادفة إلى النهوض بالتعليم، التي شملت إرسال البعثات العلمية إلى دول أوروبا كإيطاليا وفرنسا، وإنشاء المدارس العليا. وجاء الاهتمام بالترجمة كوسيلة لنقل المعارف الأوروبية الحديثة إلى مصر. وفي عام 1835، أمر محمد علي بإنشاء مدرسة الترجمة، والتي عرفت فيما بعد بمدرسة الألسن كمدرسة عليا متخصصة في تدريس اللغات الأوروبية، وقام بإدارة المدرسة رفاعة الطهطاوي الذي اختار لها 80 طالبًا، وتم الاهتمام بتدريس اللغتين العربية والفرنسية، ثم التركية والإنجليزية. ونجحت المدرسة في تخريج كادر متميز من المترجمين المتخصصين، وبلغ عدد الكتب المترجمة على يد خريجي المدرسة 2000 كتاب في مختلف المعارف.
وقد اتجه محمد علي إلى شراء الكتب العلمية التي يوصي بها مبتعثوه وموظفوه ليتم ترجمتها، وكانت هناك هيئة من المحررين من علماء الأزهر تقوم بمراجعة وضبط مصطلحات ما تم ترجمته. وكان أول الكتب المترجمة في الطب كتاب "القول الصحيح في علم التشريح". وأنشأ محمد علي "المطبعة الأميرية" ببولاق 1822 وعددًا من المطابع الأخرى لطباعة الكتب المترجمة وتوزيعها على الموظفين، والطلاب، وأفراد الجيش، ومن تيسر له الحصول عليها من العامة.
وقد أصاب عملية الترجمة في عهد خلفاء محمد علي ما أصاب حركة التعليم ومؤسسات الدولة الناشئة من تدهور، فانحسرت نسبيًّا. وإن شهدت بعض التحسن مع عودة رفاعة الطهطاوي لإدارة مدرسة الألسن في عهد سعيد باشا 1854م. ثم شهدت حركة الترجمة نهضة ثانية مع إصلاحات الخديوي إسماعيل في مجال التعليم، والتي شارك فيها الطهطاوي وعلي مبارك؛ حيث نشطت الترجمة مع عودة البعثات إلى المدارس الأوروبية. وقد لعب الشوام دورًا بارزًا في حركة الترجمة في نهاية القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى دورهم في الصحافة.
ومن بعض التجارب الرائدة مكتبة خليل صايغ في لبنان التي أصدرت أكثر من 35 معجمًا اختصاصيًّا، في كافة المجالات العلمية، وبصورة عامة اتجهت محاولات الترجمة في هذه المدة - خاصة مع بداية احتلال بريطانيا لمصر - نحو ترجمة الأعمال الغربية التي تمس قضايا الإصلاح والنهوض والعلاقة بين الإسلام والغرب.
ومن أهم تجارب الترجمة المنظمة في العالم العربي حديثًا:
1 - لجنة التأليف والترجمة والنشر
تعد لجنة التأليف والترجمة والنشر التي نشأت بمصر في بداية القرن العشرين مثالاً جيدًا للعمل الجاد والمثمر بين المثقفين، وتكونت اللجنة من خريجي مدرسة المعلمين العليا ومدرسة الحقوق عام 1914م، وقد زاد أعضاء هذه اللجنة لتضم غيرهم من فئات أخرى، ووضعت لائحتها القانونية 1915م ورَأَسها أحمد أمين منذ ذلك التاريخ حتى وفاته عام 1954. وهدفت اللجنة إلى الارتقاء بالتعليم من خلال تأليف الكتب العلمية لطلاب المدارس، والارتقاء بالمجتمع وتثقيفه من خلال التوسع المنظم في تأليف وترجمة الكتب في مختلف المجالات. وبالنسبة للترجمة قامت اللجنة بترجمة العديد من الكتب الموسوعية الغربية مثل تاريخ الفلسفة الغربية لـ"برتراند راسل"، وقصة الحضارة لـ"وِل ديورانت"، ومجموعة من أمهات الكتب العلمية والأدبية والتربوية. وقد ساهم عمل اللجنة في إفراز جيل متمكن من المترجمين العرب، ووضع قواعد لتعريب المصطلحات العلمية المترجمة أو تقريبها من العربية، وهي عوامل ساهمت في دفع عملية الترجمة في العالم العربي.
2 - مشروع الألف كتاب الأول والثاني:
ظهرت الإصدارات الأولى لهذا المشروع عام 1955م، بإشراف من الإدارة الثقافية التابعة لوزارة التعليم المصرية. وقد اهتم بأمهات الكتب العالمية والكلاسيكيات، كما شمل العلوم البحتة، والعلوم التطبيقية والمعارف العامة والفلسفة وعلم النفس والديانات والعلوم الاجتماعية، واللغات والفنون الجميلة، والأدب بفروعه، والتاريخ والجغرافيا والتراجم. وتوقف العمل به عام 1969. وتم استئنافه تحت عنوان "مشروع الألف كتاب الثاني" عام 1986 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد اهتم بترجمة الكتب الحديثة كمحاولة للاتصال بالثورة العلمية والثقافية العالمية المعاصرة. وقد قسمت إصدارات المشروع إلى 19 فرعًا معرفيًّا.
3 - المركز القومي للترجمة - المجلس الأعلى للثقافة:
أطلق المجلس الأعلى للثقافة في مصر المشروع القومي للترجمة إحياءً لحركة الترجمة المنظمة واستكمالاً للمشروعات السابقة لها، كمشروع الألف كتاب الذي توقف بعد إصدار 600 كتاب. وقد بدأت أول إصدارات المشروع في يناير عام 2000م. وفي بداية 2006م، احتفل المشروع بإصداره الكتاب الألف، ثم تم تحويل المشروع إلى المركز القومي للترجمة من خلال مبادرة تقدم بها الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة. ويهدف المشروع إلى الخروج من أسر المركزية الأوروبية وهيمنة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، والانفتاح على اللغات الشرقية ذات الصلات التاريخية المهمة باللغة العربية كالتركية والفارسية، وقد أصدر المشروع حتى الآن العديد من الكتب المترجمة عن اللغات الشرقية.
كما يعمل المشروع على تعزيز ريادة مصر الثقافية خاصة في مجال الترجمة، وتحقيق التوازن في الترجمة بين مختلف المعارف الإنسانية، وإن غلب على إنتاج المشروع العلوم الاجتماعية والإنسانية والآداب. ويهدف المشروع كذلك إلى إشاعة روح العلم والعقلانية والتجريب، ووضع القارئ في قلب حركات الإبداع والفكر العالمية، من خلال ترجمة الأصول المعرفية التي أصبحت بمثابة الإطار المرجعي للثقافة الإنسانية المعاصرة.
4 - المنظمة العربية للترجمة:
أُسَّسَت المنظمة العربية للترجمة عام 1999م في بيروت، بهدف نقل المعارف ونشر الفكر العالمي وتطوير اللغة العربية، وذلك بعد إجراء العديد من الدراسات المسحية لأوضاع الترجمة في العالم العربي، وتعمل المنظمة على تحقيق طفرة نوعية وكمية في نشاط الترجمة في العالم العربي، مع المساهمة في إدخال العلوم في إطار الثقافة العربية المعاصرة، وتعليم العلوم وتنشيط البحث العلمي باللغة العربية، والإسهام في تنشيط الطلب على الكتاب المترجم وحفز استخداماته في مختلف مجالات التنمية، بالإضافة إلى العمل على ترجمة كل ما هو مفيد للوطن العربي من كتب ودوريات ومنشورات لا تقوم المؤسسات الأخرى بترجمتها لعدم ربحيتها. وتعمل المنظمة من خلال إقامة شبكة من العلاقات مع العاملين بالترجمة في العالم العربي، وتبادل المعلومات عن جهود الترجمة القائمة والمستقبلية.
لا يتوفر وصف للصورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق