الخميس، 23 مايو 2019

البوح الوجداني النابض في قصيدة " لا تلمني " للشاعرة التونسية " أحلام بن حورية " بقلم: هاشم خليل عبدالغني – الأردن,,,,,,,,,,,,,,,,,

البوح الوجداني النابض في قصيدة
" لا تلمني " للشاعرة التونسية " أحلام بن حورية "
بقلم: هاشم خليل عبدالغني – الأردن
القصيدة :-
لا تلمني
إن أنا سلّمت أمري
إن أنا مزّقتُ عمري
إن أنا كسرتُ مرآتي القديمة
ودخلت في الشظايا
واختفيت
ﻻ تلمني
إن أنا شيّدت قصرًا في الشّعورِ
وسكنت في الزوايا
في ثريّات السّماءِ
في الورودِ
أحتسي خمرَ الوجودِ
ونقشت كرسيّ الإمارة
واعتليت
ﻻ تلمني
إن أنا رصّعت تاجي بالزّمردْ
وتربّعت على العرش أغرّدْ
ووضعت على رأسي تيجان التمرّدْ
وكتبت دستور الوصال
ورقصت بين أحضانك أنتَ
واكتفيت
ﻻ تلمني
عندما ودّعت أيّامي الخوالي
وقطعت كلّ أوصالي
عندما أقفلتُ أبوابَ التحدّي
وفتحتُ لك قلبي
ورميتُ مفتاحي إليك
ثم جئت أُعلن حُبّي أمامك
وانحنيْت
الشاعرة أحلام بن حورية من مدينة حمام الأغزاز بولاية نابل - تونس - معلمة متقاعدة حديثا بعد مسيرة 35 سنة. ناشطة فـي المجتمع الــمدني مــع منظمــات حقـوق الإنسان وجـمعيات وشبكات مدنية مستقلة ، حققت في السنوات الأخيرة ، حضورا قويا في عدد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والأدبية محليا وعربياً .
كتبت ولحّنت وغنّت أناشيد للأطفال ، كانـت مشرفة عــلى مجلّتين مدرسيتين " جـوهرة " و " سنــابل الامتياز" شـاركــت بكتاباتها في برامج إذاعية تعنى بالثقافة والأدب ونشرت إنتاجها الأدبي ببعض المجلات والجرائد المحلية والعربية .
شاركت بــداية أفريل 2019) بمهرجان القــلم الـحر للإبـداع العــربي فــي دورتـه التاسعة بمصر وتحـصلت عـــلى المـركز الأول فـي شعـر الفصحى . كــمـا شــاركت فــي أيـام قـــرطاج الشعرية 2019 إلى جــانب مشاركات في تظاهرات ثقافية بعدّة مناطق من الجمهورية التونسية.
أحلام بن حورية شاعــرة فــاعلة وناشطة على الساحــة الثقافية التونسية ، قــصائدها رومانسية حــالمة وجدانية عاطفية ، إنها شاعــرة مسـكونة بالــحلم والشــمس، قـصـائدها متنوعـة الأغراض، تفيض إحساسا صادقًا وألفاظًا جزلة سهلة، وصور شعرية محفوفة بخيال مجنح واسع.
وفـقــت الشاعرة فـي اختيار عـنوان القـصيدة " لا تلـمني " فـالقـارئ يشكل مـن خلال العنوان انطباعا أوليا عن القصيدة ،( فالـعــنوان بنية دلاليــة يـمــكن الـولــوج منه لـتجسد النص ، فالعــنوان ليس اشتمالياً حـرفياً بل هــو عـنوان رمز وتلميح ، يحدد مضمون النص، ويغري القارئ بقراءته ، وهو الظاهر" أي العنوان " الذي يدل على باطن النص ومحتواه ) .
في قصيدة " ﻻ تلمني " للشاعرة المتألقة أحـلام بن حـورية يُوضع المتلـقي أمــام ملامـح نص فيه لمـحة مــن معـاناة ذاتية ،كما نجحت الشاعرة في رسم لوحة من البـوح النابض تماهى فيهــا الفني والــوجداني ، ملــتمسة بسلاسة اللوحــة النفــاذ إلى قلـب الحبيب عبر رسائل خاص موجة ..
لا تلـمني .. رسائل الــحبيب للحبيب تلتمس الشاعــرة مــن خلالها أن يتفهم الحبيب موقف ومشاعــر وأحــاسيس الحبيبة ، تــظهر فيهــا الشاعــرة مــا حبسته فــي قلبها لأيام عديدة ، .. وتشير إلى الـتغير الجوهري الناتج عن قدرات عقلية وانفعالية مما جعلها تواجـه مشاكل الحياة والزمن بطريقة جـديدة مثـلى ، فعمدت لمراجـعة ومواجهة نفسها وتغير نمط سلوكــها بكثير من المسئولية.. وصولا للهدف المــنشـود (الحـب المـتبادل بــين الطــرفين وسيــادة الانسجــام والاحــترام بينهما عــن طــريــق التفاهم ) .
ابتداءً بلسان المحبة العاشقــة تــقول الشاعرة : لا تلـمني وتعذلني بما قمت به من قـول أو فعــل غيـر مـلائمين ، أو إن استسلمــت وخـضعــت للأمــر الواقــع فــي شأني الــخـاص ( الاستسلام هو التخلي عـما كان وعــدم الثــقة بـــما يــكون ) ومـزقت قلبي و وعـذبت نـفسي وضاع عمري ، وصرت أنا نفسي لا اعرف ماذا افعل !!! وحطمت وهشمت كل ذكرياتي القديمة ، وتشققت قطعاً صغيرة متفرقة نتيجة انفجار عاطفي انفعــالي علــى درجة عالية من الشدة، تفتت مــن خـلاله إلـى جسيمات متطايرة في الأفق .. وتواريت .
" لا تلمني
إن أنا سلّمت أمري
إن أنا مزّقتُ عمري
إن أنا كسرتُ مرآتي القديمة
ودخلت في الشظايا
واختفيت "
تتابع الشاعرة على لسان الحبيبة الطلب مــن الحبيب أن لا يوجه لها الــلـوم والعــتاب... لأنها أشـادت وأحـكمت بـناء بيتٍ فخــمٍ ( قصر ) مــن الآمــال والأمـانــي والأحـلام المتجــددة ، داخل الشعــور الإحـساس و الإدراك ، وأقـامت فــي ركــن مـا فـيه ، فـالــحـبيبـة تـحس بحــالـة نفــسية ايجابيـة، دلالــة عــلى الشعــور بــالسعـادة و زوال المتاعــب والــهمــوم والانسجــام والشعــور بالأمان والاطــمئنان ، .. أخــذت الأحـلام الحبيـبة بـعـيداً ، فــأحست بأنـها أمـيرة تربـعـت عــلى كرسي الإمارة ..
" ﻻ تلمني
إن أنا شيّدت قصرًا في الشّعورِ
وسكنت في الزوايا
في ثريّات السّماءِ
في الورودِ
أحتسي خمرَ الوجودِ
ونقشت كرسيّ الإمارة
واعتليت "
تستمر الشاعــرة "على لسان الحبيبة " في مخاطبة الحبيب .. لا تلمني إن أنا تحدثت عن أحلام تحققت وأخرى ما زالت على قائمة الانتظار ، وهل ستتحقق حقا ؟ أم ستظل كـما هي مجـرد أحــلام عــبرت ! وتضـيف لا تـلـمني إن زينـت تــاج المـلـك بالجواهر والحجارة الكريمة ، وتربعت على عرش الحب ملكة متوجة ، أغني حـبك الــذي مــلأ جنبات قلــبي حتـى أنه لم يدع لغيرك مكاناً .
لا تلمني أيضاً إن أنا شققت عصا الطــاعة وأعـلنت العصيان والتمرد على العادات والتقاليد التي تقتل الحب والجــمال وسر التميز والتــنوع والإبداع ، وقــمت بوضع مجموعةُ الــقواعِــد الأساسيــة التي تُبيِّن شــكل دولة الـــحب و الــوصال ( اجتماع الحبيب بالحبيب ومبادلته الحب ) وضممتك لصدري ورقصت منتشية على أنغام الموسيقى والغناء .. واكتفيت بك عن غيرك وقنعت .
" ﻻ تلمني
إن أنا رصّعت تاجي بالزّمردْ
وتربّعت على العرش أغرّدْ
ووضعت على رأسي تيجان التمرّدْ
وكتبت دستور الوصال
ورقصت بين أحضانك أنتَ
واكتفيت "
الهدف النهائي من كل هذه التغيرات التي طالبت بها الشاعرة "عــلى لسـان الـحبـيبة " بــأن لا يلــومها ولا يعـاتبها ، توضحه الشاعرة في المقطع الأخير من القصيدة . .. فتقول :
لا تلمني ولا تعاتبني خاصة عندما تركت وتخليت بصورة
قطعية جازمة عن مواقفي ومفاهيمي القديمة ،لا تـلمني عندمـا أغلقت وسددت أبواب المخاطر والانكسار، وواجهتها وتغـلبت عليها ، لكي أصل لهدفي وغايتي.. فتحت لك قلبي ودفتر حياتي لتسكن فــيه ، بعــد أن وثقت بك وألقيت لك بمفتاح قلبي ، بعد أن اجتزت الأبواب جميـعا. وأعــلنت حـبي وجــاهـرت بـعشقي ورغبتي فيك ، تجديداً لأحلامي وآمالي وأمنياتي...انحنيت أمامك احتراماً وإجلالا.
" ﻻ تلمني
عندما ودّعت أيّامي الخوالي
وقطعت كلّ أوصالي
عندما أقفلتُ أبوابَ التحدّي
وفتحتُ لك قلبي
ورميتُ مفتاحي إليك
ثم جئت أُعلن حُبّي أمامك
وانحنيْت"
ختاماً .. جاءت القصيدة في أربعة مقاطع .. كل مقطع بـدأ بكلــمة ( لا تلمني ) وانتهى أيضــا بكــلمة واحـدة (اختفيت ، اعتليت ، اكتفيت ، انحنيْت) ، لـــها عــلاقة بالتوجـه الـــدلالـي للمقـطع الشعري ، استعملتها الشاعــرة لبيان الــدلالـة العــامـة للمقطع ، " لأن قــدر المعـنى يتعلق بقدر الــلفظ ، فلــكل منهما أهمية في تكوين جمالية النص " ... فالكـلمة الأخيرة في نهايـة كل مقطع ، ( تختزل الكلام فتوصـله للمتلقي بصـدق وجــداني وفني عميقين ). فــي تناسب بين اللغة والسياق ، كــما نجـحت الشاعرة في تحقيق انسجام تام بين الألفاظ والمعنى، وقد أشــار قدامة بن جعفر إلى هذا التناسب بين لغة الشعر وموضوعـــها بقوله "ولما كان المذهب في الــغزل إنمــا هو الرقـة واللطافة والشكل والدماثة، كان مما يحتاج إليه أن تكون الألفاظ لطيفة مستعذبة، مقبولة غير مستكرهة " .
أخيراً .. تحية لشاعرة الصفاء والنقاء والإحساس العزيزة ابنة تونس أحلام بن حورية . .. متمنياً لها مزيداً من الإشعاع والتألق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق