الجمعة، 12 يوليو 2019

نص مسرحية ( غسيل اموات ) .. مونودراما تغازل الواقع عن كثب/ للمخرج سعد هدابي / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

نص مسرحية ( غسيل اموات ) .. مونودراما تغازل الواقع عن كثب
مسرحية
غسيل اموات
مونودراما

سعد هدابي

المسرح بتاثيثه المكاني ليس سوى ...بئر قديمة عند الهجير يعلوها وتدان ...وحبل يمتد الى داخل البئر عند اطراف المدن البعيدة ... يدخل ( محروس ) وهو يرتدي ماتبقى من ثياب قد طالتها الحرب ولم يبق منها الا مايستر وسطه وراح يجر عربة وضع عليها ( تابوتا ) مع قلادة يتدلى منها قرن ثور ..وتدل هيئته على انه خارج من الجحيم .. يدور ( محروس ) حول البئر بنمط سلوكي مرتبك .
يدور ( محروس ) حول البئر
محروس : هنا ... لا ... هنا ... بل هناك ... لا لا هنا حيث انا ... لالا هناك بعيدا عن الجحيم ..
( يتوقف محروس .. وينهار متعبا )
محروس : لااتجاه .. لابوصلة ..لاغد ... لاامل .. كم اكره هذه الـ ( لا ) .. انها
ترافقني كالخطيئة .
( ينتفض محروس ويتجه الى البئر وهو يتحدث الى التابوت )
محروس: هنا ساقيم لكم وطنا بلا عطش .. وبلا خوف... وبلا اسماء مستعارة
هنا ستلعبون وتمرحون في راسي ... سامنحكم ماتبقى من اسمي الذي
طاردته الكلاب وبقيت وحيدا .. هنا حيث لادخان ... لااستغاثات لا هتافات
كاذبة .. لاقوانين ... انا وانتم وساشطب على كل الاسماء .
( يقوم محروس بانزال التابوت قريبا من البئر ..يزيل الغطاء ويقلبه
طوليا فيتحول التابوت الى ( مكتبة) صغيرة فيها مجموعة من الكتب
على هيئة رفوف وينظر اليها .... يغرق بالضحك الهستيري)
محروس : لااحد غيركم يستحق النجاة من اللهيب الذي طال بيتي ذات دمار .. انتم
وحدكم من سيمنحني مشروعية ان اشتمهم بدم بارد ... نعم بكم سانال
من الهؤلاء .. وساعيد مغازلة الاحلام البريئة لاكسب الرهان .. فلقد
راهنت عليكم كثيرا .. هيا افيقوا من رقادكم وشاطروني لعبة الجنون
التي لاتنتهي ...
( يرتقي محروس اعلى البئر وينفخ في قرن الثور الذي في رقبته
كمن يلقي خطبة في سوق عكاظ وبشكل تمثيلي .. يرافق ذلك مؤثرات
السوق من همهمات .. واصوات الابل والماعز )
محروس : ايها الناس اسمعو وعوا .. من يريد ان يتطهر من دنس الفتن ..ومن
آثام القهر فليغتسل من بئر يوسف .. يااخوة يوسف ... ان في هذه
البئر ذاكرة مازالت تحفظ جريمتكم ... في كل زمن هناك بئر وهناك
يوسف ..وفي كل زمن يتناسل اخوة يوسف ليملأوا الارض جورا .. في
الشارع... في المقهى .. فوق ناطحات السحاب ... في القمر .. في المقابر
والسواتر ... عند ارصفة الموجوعين ... في رغيف الخبز ...في
المرايا ... والساحات .. و في كل يوم يولد يوسف ومن خلفه قطيع من
اخوة بلا اوردة ....

( يصب العديد من دلاء الماء على جسده .. لحظات ويهدأ ويرمي
بالدلو الى البئر ... فيسمع اصوات صراخ من داخل البئر . . ينظر
الى داخل البئر )
محروس : من انتم ..؟ ولماذا تصرخون ..؟ ماذا ..؟ اخوتي ..؟
( ينفجر ضاحكا ...و يتجه الى العربة وينظر اليها )
محروس : كذب ... انا لااخوة لي ... يوما ما كنت واخوتي نمتطي صهوة هذه
العربة ونجوب الازمان ..وفي كل زمن غابر يسقط منها اخ لي فنقيم
العزاء ونرتدي السواد ...حتى صارت هذه العربة وكانها رحم راح يتقيأ
ماكان يدخر من نسل آدمي بولادات قيصرية حتى ماتوا جميعا وبقيت
وحيدا ..
( يندفع محروس الى فوهة البئر ويصرخ بقوة )
محروس : نعم ماتوا تباعا ولم يبق منهم غير ثياب مدماة ... كل شيء كان
يطاردنا بلا رحمه ..الحروب ..والاحتباسات الحرارية .. وصوت ابي لهب
والمردة ... والجوع ... والشهب والنيازك .. ورسائل السماء .. واسلحة
الدمارالشامل ..والحيتان .. والطاعون ... والاقمار الاصطناعية .. الكل
صار يطاردنا ...
( يتجه محروس الى عربته )
محروس : كنا نجوب الارض مذعورين كالجرذان في تجوالنا...وعند كل محطة
نحدث الناس.. عن الحكايات والاسمار.. عبرنا الازمان حتى صرنا نحفظ
التاريخ عن ظهر قلب وانشدنا الحكاية ... ومن البداية
( يقوم محروس بوضع احد الملابس التي بداخل العربة على
احد اوتاد البئر فيتحول الوتد الى مايشبه ( هابيل ) فيقوم
محروس بتقمص دور ( قابيل ) وبشكل تمثلي ... ويبدأ النفخ
بواسطة قرن الثور ويرقص رقصة بدائية طقسية حتى يصل الى
الذروة ومن ثم يمسك بالقرن ويضعه على رقبة( هابيل ) ويصرخ
محروس : لقد منحني الرب غريزة الانا ... فلا ارى الا انا .. ولتكن انت
انت ... اياك عن تنزعني من امامك... فانا مذ ابصرت الدنيا
ادركت يقينا انك خلفي .. ربما اكره ان تقتفي اثري لكن يكفيني فخرا انك
خلقت لتكون خلفي ..لذا حان الوقت ان انفصل عنك .. اياك ان تعبث معي
وتشق العصا ..فستربح الجولة الخاسرة .
( يقوم محروس باستخراج خارطة من داخل العربة ويفرشها
عند حافة البئر )
محروس : اذهب انت جنوبا وابتن للقادمين من سماء الرب اكواخا ...وزرائب
واحكم قبضتك عليهم ..روضهم حتى تجعلهم عبيدا.. فانا احتاج الى
عبيد و سبايا ...نعم ... ابدأ باول سجن ولاتقف الا عند اخر مقصلة
وستراهم يذعنون .. انحر في كل صلاة ماملكت يمينك .. فالقرابين
تقربك من السماء .. ازرع في كل زريبة ماشئت من الاعين .. اما
انا فساتجه شمالا ...
( يتجه محروس ويقفز الى العربة ومن ثم يلبس غطاء عسكري )
ويتحدث بنبرة غليضة مع مارش عسكري
وكاي فاتح مهووس بالنصر ساكتسح البقاع وساصنع اول عرش
في سفر ادميتنا ..عرش مزين بالنصب والوصايا والخرافات ..فالناس
هذه الايام يتغنون بالخرافة اكثر من اي منطق آخر ... انها لغة
القطيع ..وساخط على اخاديد العرش ديباجة اول مسلة لحقوق
الساسة .. ان لهم القدح المعلى واصحاب الامتياز ... هكذا سيكتمل
المشهد الادمي بابشع صورة ... فنحن سلالة يحكمها قانون البقاء
هيا افعل شيئا يشبع غريزتي ايها المغفل ..هيا لاتقف مثل فزاعة عفنة
صماء .
( يقوم محروس بقطع الخارطة الى نصفين .. يدس النصف الاول
في وزرته ... ويرمي بالنصف الى الاخر الى هابيل ومن ثم
يتجه الى التابوت وينتزع كتابا ويقرأ ماجاء فيه )
محروس : انظر ماكتبه عني المؤرخون وذو الغايات ... وكانهم يسكنون راسي
لحظة ان شرعوا بالتدوين ... لازال الجلد طريا يزكم الضمائر لان
كل ماكانوا يكتبوه محض رياء ودجل .. ومع ذلك احببته .. راق لي ان
اراهم يكذبون .. طاب لي ان يقفون عندي قدمي بخلع الطاعة والولاء
وعندما يعودون الى زرائبهم يقيمون على روحي صلاة الوحشة
قبل ان اموت ... كم هو مضحك ان يتمنى الاخر موتك وهو يرقص
بين يديك مثل مهرج وضيع.
( يقوم محروس بوضع الدلو على راس الوتد وكانه تاج ومن ثم
يقوم بتقمص شخصية الراوي ويتحدث بصوت فيه غنه ..وكانه
مضحك او مهرج وراح يتحدث الى الوتد الذي تحول امامه الى
الملك )
محروس : بلغني ايها الملك السعيد ...ان الامة بك تستغيث ...فانت اول تشريع
سماوي .. واول بزغ آدمي... كل شيء فيك اول ... اول لااخر لك.. اول
المجد لك ... ياحارس العدل .. يادافع النقم ... عبدك وابن عبدك جاءك
مستجيرا بنعمتك ... هب لي من سلطانك نعمة ان تراني .. فانا المضحك
والمملوك لك .. ولدتنا امهاتنا ونحن مختومون بالرق .. ونحن عن
اقدارنا لانحيد ... وسارقص لك كاي جارية حسناء ... وساروي
لك مايطيب لك من الاسمار حتى تنام ... ان مثلك لاينام ... فالرعية
لايحرسها الا انت .. وساروي لك الليلة حكاية من الف قهر وقهر
فان لم ترق لك ...ناد سيافك لينتزع هذه الراس المجوفة كطبل .
( يتجه محروس الى التابوت ويتناول كتابا آخر ويبدا
القراءة وبشكل تمثيلي مع موسيقى ذات شجن )
محروس : عند آخر محطة نائية ..مابين خط الالتواء ودرب التبانه ..جلس
آخر جندي مبتل بالبارود .. وبمعطف كاكي علقت به الشظايا كالحسك
عند محطة قديمه لايقطنها الا ماتساقط من ايام غابرة .. وسماء ثكلى
غادرتها النجوم .. جندي لايحمل في لفافته غير الا شبح الموت وذاكرة
تموء كقطة جائعه .. وقربة ماء آسن ... لم يبق من وجهه المنسي غير
عينين غائرتين .. وفم اجرد .. توارت ايامه ولم يعد في جيبه المثقوب
برصاصة عابرة غير احالة طبيه ..كل شئ كان معطلا ومغبرا ..الوقت
المصلوب على عواميد النور .. البرد العجول ..وآخر درب ...
( ياتي الى الاسماع مؤثر استلال سيف .. يبقى محروس يؤدي
ببكائية وانفعال )
محروس :وعند الفجر .. لاحت في الافق البعيد عربات منهكة ..تجر الخيبة كحصان
اعرج غادرته المسافات ... عربات محشوة بالغادين من لعبة حرب
اناس بلا وجوه .. الكل راح يشهر احالته الطبيه .. وهناك عند
المصح .. زرعوا لهم وجوه اخرى لتبدأ اللعبة من جديد .
( مؤثر قطع رقبة بواسطة السيف ... يسقط محروس على الارض
فيحل الصمت ... ومن ثم ينفجر محروس ضاحكا .. وبذات
الوقت تاتي اصوات استغاثات من داخل البئر .. يتجه محروس
الى البئر وينظر )
محروس : من انتم ..؟ قلت لكم ان لااخوة لي .. انتم فيما يبدو منسيون في
غيابة الجب منذ زمن بعيد ... لكن لاباس .. ساطرد عنكم الوحشة
( يتجه محروس الى التابوت وينتزع الكتب ويتجه
بها الى البئر ويتحدث )
محروس : هذه الكتب ستطرد عنكم الوحشة .. هذه الكتب ستخبركم ان قاع
البئر الحالكه اشد بريقا من نهاراتنا المعتمه ... ابتعدوا عن
لعبة الحياة فلقد نبتت للنوارس مناقير ملح .. وتحولت الاعشاش
الغافية على الغصون الى مناجم فحم .. ليس سوى المراثي
كل شيء يحتضر قبل ان يدرك ابجدية الخلاص من طوفان
ايامنا ..
( يرمي بالكتب الى داخل البئر فيحل الصمت )
محروس : دهور تجتاح مياه الرب ابناء الرب ..دهور لاخلاص
منها في كهف او جبل .. دهور البسن الخليقة بيض اكفانها
حتى ابحرت توابيت الهزيمة في لجج الطوفان .. وقيل ياسماء اقلعي
وياارض ابلعي .. واستوت التوابيت على الشطآن ..فانشدنا للرب
آخر نبض .. يارب العزة والانسان .. ندعوك باقدس اسمائك لقد
سئمنا اللعبة .. وبلغ السيل الزبي ..لتكن مشيئتك .. افتح بابا على
مصراعيها لسقر .. انفخ في الصور بلا رافة ..
( يقوم محروس بالنفخ بواسطة القرن )
محروس : اللهم امحق بالغرق من يسبح باسم الشيطان .. من ياكل لحم اخيه
الانسان .. واهدنا صراط نوحنا .

( تنبعث الاستغاثات من جديد من داخل البئر ... يمسك محروس
راسه كمن يشعر بالضجيج داخل راسه ومن ثم ينظر
الى فوهة البئر ويتحدث ويصرخ )
محروس : كفى ... انتم تدفعون بي الى الجنون ... يكفي اني مذ ابصرت اول
غراب ينشد الموت للخليقة صرت اجيد لعبة الجنون .. فلعبت
النرد طويلا في الصوامع والخمارات .. حتى ادمنت الغربة والتسكع
في الطرقات .. طاردني سياف خليفتنا لينتزع البيعة ولم يظفر بي
دفع الحراس بكل ولاية .. بكل منافي الارض .. واهدى للخائنين
دمي .. عمم في اصقاع المعمورة رسمي .. زرع البصاصين
حتى برحم امي .. ختم الخليفة على جبين كل صبي خطيئتي وصادر
لوني .. اوكل لذئب يوسف تصفيتي ..احتفر بئرا في كل زريبة
اقام للمشانق عرسا في الحارات وصرت مطاردا مذ علمني الرب
بهاء الكلمة .. مذ نفخ في جسدي اول تقويم للحب .
( تتناثر الاوراق والكتب من داخل البئر لتسقط قريبا
من محروس ... ينظر محروس ومن ثم يضحك
بهستيريا )
محروس : ادركت المغزى ...
( يتجه محروس الى اعلى البئر فوق الفوهة ويقوم محروس
بسحب الدلو ويصب الماء على جسده كمن يغتسل ويتحدث
بهدوء مع ايقاع صب الماء )
محروس : لطالما كنت اتمنى ان اعيش على هامش فرضية تدعى مجازا لعبة الحياة
تماما كاي فلاح ينام تحت ظل شجرة .. وبلا ادنى علم بان الارض من
حولي يمكن ان تدور .. وان لاافهم من الجغرافيات غير مكان اقامتي
ولاادري ان البيضة من الدجاجة او العكس .. اتصل بالسماء من فوق
نخلتي الباسقه واحسب ايامي بكل نواة تمر وكل نجمة تمر .. لااعرف عن
حواء سوى ابنة عم تطحن الايام والحبوب .. وتحفظ مواقيت النذور وتدعو
الرب ان اكون لها خيمه .. وليس لي من البناء الا مايشبه بداوتي ..اشرب
الماء من هذه البئر واصلي الفجر كالاعراب وبلا تدبر .. لكم وددت لو اني لم
اعرف الطريق الى المدن .. ولم امسك بتلابيب عباءة امي واجري خلفها
مثل عجل وديع .. وان حكايات امي في الشتاءات هي اروع من قصص
هوليووود .. وعقال ابي امضى سلاحا في معركة الايام .. وتنور امي
الطيني ينتج اشهى خبز في مائدة الرب .. وان قارب ابي المتداعي ارحب
من سفينة نوح .. واكثر متانة من تايتانك ..
( ينظر محروس الى داخل البئر )
محروس : فزعت من دنيا اغترابي ... هاانذا ادرك يقينا .. ان كل واحد منكم قد
اغتسل يوما بهذا الماء ليتطهر من دنيا اغترابه ... وهاانذا اغتسلت
بعد ان ادركت ان لكل زمن يوسف ... وان كل واحد فيكم صار يوسف
خطوة واحده .. وسيكتمل النصاب بالف يوسف ويوسف .
( يرمي بنفسه الى داخل البئر )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق