آسف... حدث سهواً
في قاعة الانتظار يلتقيان صدفة، شاب في مقتبل العمر و جاره الرجل الستيني، يحدّقان في هياكل عظمية، وأعضاء بشرية، احتوتها لوحات معلّقة على جدار أصفر؛ يتبادلان الحديث على مضض، يبدو أنّهما منهمكان في ضياع الوقت، لم يجدا الحديث الكافي لتبديد القلق، يأخذان قسطاً من الراحة في ظلّ سكون مطبق، ينتظران نتيجة التحاليل الطبية لأمراض خبيثة؛ يحاصرهما النداء، الرجل الكبير يستدعيه الصوت، يصفرّ وجهه، عيناه تهومان بعيداً عن غرفة الطبيب، يبسمل، يرفع كفّيه، يدعو الله أن ينجيه من علّته؛ دقائق تمرّ، يخرج مذعوراً، يلهث حدّ الهذيان، تشفّ ملامحه عن خوف لا حدود له، الشاب يرسم نافذة حلم، يغوص في كتلة أمل، يتظاهر بالسؤال عن حال الرجل الستيني، وكأنّه يريد تأخير سماع نتيجته:
- ما به؟
- مسكين، لا أمل في علاجه، لم يبقَ من عمره غير ثلاثة أو أربعة أشهر؛ أمّا أنت- يا نبيل- ففي تمام الصحة، التهاب بسيط. قال الطبيب.
ينطلق نبيل فرحاً، يتشمّم رائحة الحياة، يتسلّق سيقان الأمل، يقطف حلماً؛ ليغيب فيه؛ بيد أنّه يتوقف، يستفيق على أنين جاره وعويل عائلته، ترتسم غلالة حزن على ملامحه، لقد نصبوا له عزاء مبكراً. الرجل الستيني يحاصره رعب المجهول، يغوص في متاهات العالم السفلي، ترهبه ظلمة قبر موحش؛ ينتظر موته، يستعرض شريط العمر، يتأمله، تستوقفه محطات مكتظّة باللوعة والأسى، عيناه تنوءان بندم حارق؛ لم يكن أمامه إلّا أن يكتب وصيته، وينزوي في عزلة مريرة، تعرج به إلى أهوال القيامة، دون أن يفكر بأيّة إطلالة على الحياة. بعد ثلاثة أشهر، يستيقظ على صراخ مخيف، يصدر من بيت جاره، يتساءل:
- ما الأمر؟
- لقد مات نبيل.
يصعقه الخبر، ينهض من سريره فزعاً، يحوقل، يتيه في دهشة، يهرع إلى بيت جاره معزّياً، عيناه تغرورقان بالدموع، لا يفقه من الأمر شيئاً، يغرق في موجة استغراب، هو لم يشعر بأيّة آلام خلال الأشهر الماضية، يحاصره الشكّ، يخطر في باله إعادة التحليل مرة أخرى، ربما هناك خطأ ما.
الطبيب ينظر بإمعان إلى ورقة التحليل، يصيبه الذهول، يقع في دائرة الحيرة، يحدّق في الرجل مدهوشاً، يخبره بنظافة التحاليل، يعتذر:
- آسف جداً، حدث سهواً.
- ماذا فعلت؟ وأيّ أسفٍ هذا؟ لقد هشّمت مرايا الحياة.
يرنو ببصره إلى السماء، يحدّق بعيداً، ربما يتوهج بستان الأحلام في خريف العمر. يزمّ شفتيه بعصبية، يبصق في ورقة التحليل، يزيح كابوساً مرعباً بابتسامة هازئة بما تبقّى من سنين.
في قاعة الانتظار يلتقيان صدفة، شاب في مقتبل العمر و جاره الرجل الستيني، يحدّقان في هياكل عظمية، وأعضاء بشرية، احتوتها لوحات معلّقة على جدار أصفر؛ يتبادلان الحديث على مضض، يبدو أنّهما منهمكان في ضياع الوقت، لم يجدا الحديث الكافي لتبديد القلق، يأخذان قسطاً من الراحة في ظلّ سكون مطبق، ينتظران نتيجة التحاليل الطبية لأمراض خبيثة؛ يحاصرهما النداء، الرجل الكبير يستدعيه الصوت، يصفرّ وجهه، عيناه تهومان بعيداً عن غرفة الطبيب، يبسمل، يرفع كفّيه، يدعو الله أن ينجيه من علّته؛ دقائق تمرّ، يخرج مذعوراً، يلهث حدّ الهذيان، تشفّ ملامحه عن خوف لا حدود له، الشاب يرسم نافذة حلم، يغوص في كتلة أمل، يتظاهر بالسؤال عن حال الرجل الستيني، وكأنّه يريد تأخير سماع نتيجته:
- ما به؟
- مسكين، لا أمل في علاجه، لم يبقَ من عمره غير ثلاثة أو أربعة أشهر؛ أمّا أنت- يا نبيل- ففي تمام الصحة، التهاب بسيط. قال الطبيب.
ينطلق نبيل فرحاً، يتشمّم رائحة الحياة، يتسلّق سيقان الأمل، يقطف حلماً؛ ليغيب فيه؛ بيد أنّه يتوقف، يستفيق على أنين جاره وعويل عائلته، ترتسم غلالة حزن على ملامحه، لقد نصبوا له عزاء مبكراً. الرجل الستيني يحاصره رعب المجهول، يغوص في متاهات العالم السفلي، ترهبه ظلمة قبر موحش؛ ينتظر موته، يستعرض شريط العمر، يتأمله، تستوقفه محطات مكتظّة باللوعة والأسى، عيناه تنوءان بندم حارق؛ لم يكن أمامه إلّا أن يكتب وصيته، وينزوي في عزلة مريرة، تعرج به إلى أهوال القيامة، دون أن يفكر بأيّة إطلالة على الحياة. بعد ثلاثة أشهر، يستيقظ على صراخ مخيف، يصدر من بيت جاره، يتساءل:
- ما الأمر؟
- لقد مات نبيل.
يصعقه الخبر، ينهض من سريره فزعاً، يحوقل، يتيه في دهشة، يهرع إلى بيت جاره معزّياً، عيناه تغرورقان بالدموع، لا يفقه من الأمر شيئاً، يغرق في موجة استغراب، هو لم يشعر بأيّة آلام خلال الأشهر الماضية، يحاصره الشكّ، يخطر في باله إعادة التحليل مرة أخرى، ربما هناك خطأ ما.
الطبيب ينظر بإمعان إلى ورقة التحليل، يصيبه الذهول، يقع في دائرة الحيرة، يحدّق في الرجل مدهوشاً، يخبره بنظافة التحاليل، يعتذر:
- آسف جداً، حدث سهواً.
- ماذا فعلت؟ وأيّ أسفٍ هذا؟ لقد هشّمت مرايا الحياة.
يرنو ببصره إلى السماء، يحدّق بعيداً، ربما يتوهج بستان الأحلام في خريف العمر. يزمّ شفتيه بعصبية، يبصق في ورقة التحليل، يزيح كابوساً مرعباً بابتسامة هازئة بما تبقّى من سنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق