الأربعاء، 23 مارس 2016

قراءة نقدية تقدمها الشاعرة والناقدة التونسية سليمى السرايري / القصيدة / مناديل الوداع / للشاعر الفلسطيني حسن العاصي

~~ قصيدة مناديل الوداع ~~
للشاعر الفلسطيني حسن العاصي
قراءة نقدية : سليمى السرايري
================
هؤلاء الذين ترافقهم تنهيدة غائرة كلّما توغّلوا في السفر وارتفعت كفّ الموج عاليا حتى أضحت المسافة الفاصلة بين النار والرماد، ضئيلة، هكذا بدأ الكاتب رحيله أو رحلته معبّرا عن وجع ما يسكنه، وجع لا يُلمس باليدين، بل نشعر به يتصاعد في انسيابيّة مريحة رغم قطرات الشوق لوطن من برتقال أصبح مجرّد رحيل...
هل كان الرحيل هنا إلى الحياة أم إلى سراديب أكثر قتامة ممّا نحن فيه؟؟
هل يشير الكاتب إلى الثورات الفاشلة وما انجرّ عنها من خراب موظفا :
الرمل – الرماد – اليَمْ – الملح...
مفردات متشابهة لا هواء فيها ، لا حياة
مفردات تكمّمنا فنشعر باختناق غريب يجعلنا نرحل بدورنا..ونسافر بعيدا....
مسافة واضحة من الإرهاق في هذه الرحلة،
هناك حيث المساحة التي تهيئ للكاتب كتف الراحة
هو يستلذ هذا السفر رغم ضبابية الطريق، رغم القهر المتربّع على ناصيةالنهاية الرابضة بدورها على فوهة الطين...هكذا نلمس معاناة الذات الشاعرة، تلك التي تغوص أعمق من مجرّد جراح وقهر وصمت غاااااائر في الخراب...
المراكب المهاجرة إلى مدى لا نعرف مداه، تتحوّل فجأة إلى توابيت، تشبيه فضيع، أليم، غارق في القتامة وصرخة مكتومة نكاد نلمحها تطير فوق تلك الشواطئ الساكنة كنورسة حزينة ضائعة......
لم أكن ادري قبل الآن أن الصدى صفحات يمكن لنا تصفحها وقد انكسر شظايا جارحة حدّ انصهار اللحود، هكذا نمضي مكتملين في الوجع ضائعين في المتاهة ، راقصين على إيقاعات جوفاء مثل جماجم الميّتين المقتولين في زوايا مختلفة.
لكن الشمس تشرق كلّ صباح ويتجدّد الأمل رغم اختناق الفضاء وانكماش الوقت، مازال الكاتب يبسط يده قليلا للأبديّة و عيناه تحملان غموض الحرف وشراهة الكلمة وعنفوانها وارتعاشها...فنجده يرسم لوحة قريبة من روح المتلقّي في شفافية شديدة الرهافة وهو الذي جعل من المدينة صوتا يحمله في غفوة حالمة لا فرق لديه بين الفراش الوثير وبين السهول على مشارف مدينة غارقة في تشبيهات سريالية، يرسم لوحاتها بضربات ريشة محترفة ويصوّر لنا رحلة فوق الماء....
للشاعر أروقة جميلة فهو يعرف كيف يقيم لنا معارض تشكيليّة كثيرة الألوان رغم الترابيّة الطاغية بين القتام والبياض، بين الوجع والفرح، بين الصمت والكلام ، بين الأمل و اليأس، عشنا معه غربة متشقّقة عطشا لوطن يبحث عنه يريده بقوة و إصرار وانتظار حتى و إن تحولت بيوته إلى مسامير غائرة في جلده الذي يرجو أن يهرب منه ذات اشتهاء فيتحوّل إلى طائر....
الكاتب يكتنفه حزن دفين ، نلمسه في تموّجات القصيدة منذ البداية وهو الذي ، مازل يسترق النظر إلى وجوه حاضرة غائبة، كانت يوما تملأ حياته فرحا... يحمل بين يديه مدينة من الذكريات تختلط في تجاويف مفقودة ...صرخات مبتورة الأجنحة أبت إلاّ أن ترتفع في نصّ بلا فواصل ولا نقاط فكلّ المحطات متشابهة نلمحها تئن وحيدة في العراء.... والكاتب تعبر جسده العاري من كلّ الخطايا، مدينة بيضاء ، ملكة شهيدة في زمن تشقّق عطشا للآمان.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~ قصيدة مناديل الوداع ~~
للشاعر الفلسطيني حسن العاصي
=================
هذا الوطن
رحيل موغل في الرماد
في البدء كان اليمّ
كان الملح والماء
وعندما نفخ الرسل
مواسم الرمل
زرع الرجال الحياة
ومازالوا في سفر
امتشقتني فضة الملح
أغفو على كتف المسافة
تعبرني نوافذ الحي
هذه الأشلاء أزقة للخراب
هكذا بدأت الحكاية
زعتر حاف على وجه الماء
والنهاية أقدام غائرة في الطّين
حين تكوّن لوح القهر
هذه الشطآن يقظى
والمراكب توابيت
وبكاء كثير
لايتسع الزورق لضفة الوقت
والنهر خيوط ترتعش
يعبر الصيادون فرادى
بأعناق من مطر
الآن أصبح اللحد منصهر
مكتمل اللوعة
تتقلّب الرؤيا العتيقة
فوق جهات المتاهة
قالوا لهم
هذا سرّكم معلق من جمجمته
فَدَخَلُوا
تصفحوا الصدى المنكسر
كان الصباح
أضيق من تعب الضوء
صوت المدينة يغريني للكتابة
أحمل بساطي وأمضي
وقبل أن تغرق عيناي
في تعاليم الكتاب
غفوت هناك
بين السهل وريش القمر
وجه المدينة مصلوب
على لوح القيامة
ربما في وجه النار
أنشق رغيفاً وكفاً
ربما صُبحاً وبحراً
ربما أريد وطناً كما أشتهي
ربما أهجر جلدي
وأصير زهراً
ربما طيراً وأكثر
ليس سواي
أشرّع حزني لزهرة الأسى
ليس سواي
وهذا الخراب والطين يئنّ
تلتحفني الفاجعة
ويسيل صدى الحزن
دمعاً وغباراً قدر
الحكايات العتيقة
أضحت بكاء
البيوت مسامير في الصدور
الشرفات محطات مازالت تنتظر
الأحبة مدافن تزاحم ظلمة الخراب
ودفاتر الصغار طمرتها
أوراق الشجر
ها أنا
تسكنني الوجوه الغائبة
تتكسّر في جوف صراخي
هذه بقيتنا منتصبة
كنّا بلا رمال
والنوافذ محطات أوحشت
والأكف الهزيلة
مناديل الوداع
واللحد أخضر
وحدي
تعبرني البلاد المقتولة
أطوف على قبائل النار
فيشهقني رحيل المساء
يأخذني عارياً إلّا منك
الخطى دروب عاقرة
فأين المفر ؟
~~~~************************************~

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق