الاثنين، 25 سبتمبر 2017

قـراءة فـي نـص الشاعـر "علاء الدين الحمداني" (( ضفـة الشيـطان ) / حسين الساعدي / العراق ,,,,

قـراءة فـي نـص الشاعـر "علاء الدين الحمداني" (( ضفـة الشيـطان ))
مسكون هذا الجانب

لا تقترب
فيه ..من الإنس الكثير
لو أحببت ..
هناك في ضفة الشيطان
قلم .. كتاب .. أزميل ..
بعض من الأسمال
تواري سوأة البوح الماجن..
رؤوس .. طويلة .. فارغة
عيون .. ترمقك..
بلا أدنى غاية
في باحة الشيطان
مجرفة .. تواريك
بعد أن تتم مراسم تشييع
ذاكرة الضفة النائية
تُزاحم الفسحة الكبيرة
سرادق منسوجة من الوهن
وأثر من موضع نعل
خذه وانثره على زوايا العتم
يتبين لك
من ذر الرماد بالعيون
دكات بافواه فاغرة
كؤوس مترعة من سالف الثمالة
هنا أُرضة المنسأة
تلوذ باليباب
ريش من الغراب .. الحكيم
وقرن مثقوب
تعوي به الريح
ظلين يتبعانك ..
أينما تولي شطرك
يعقبك ظل أخر
أفترشْ ذاكرة موبوءة
بأنفاس الذبيحة
المنبوذ في ليلة العتمة
يدانيه .. الشيطان
هاك بقايا أنسان
تلفظني مرارتي
نافرا... وجلا .. ربما هناك نفعٌ
اترك لي بين الرقود
مقام ..
حيزي ضئيل ..
الزحام شديد في الضفة النائية
كم هو مهلك
صخب الالسنة المترهلة
كل ما في الامر
أنبذه .. أحيانا
لكن ...
كثيرا ما أدانيه
فهو يكاتبني ..
يرتع على حبال
كان قد نسجها
الملعون أبيه ..
لفظته الضفاف البعيدة ..
تورث هدأة اخرى
ضفة الشيطان
بوجوه متربة
أعياها العبور .

لا يمكن النظر الى عتبة النص كترف فكري أو نقدي ، بل ينظر اليه كمدخل نقدي قادر على فتح مغاليق النص وتمكن الناقد من أستقراءه . أضافة الى أستثماره بما يتضمنه من قوة لفظية ترسم ملامح هوية النص وترسل اشارات أسلوبية ودلالية أولية للقارئ ، وعنوان نص الشاعر "علاء الدين الحمداني" الذي يحمل مسمى (ضفة الشيطان) ، شكل العتبة الأولى في القراءة ، نتعرف من خلاله على محاولة الشاعر أن يكتب عن الجانب الآخر من الضفة ، الجانب المسكوت عنه (الإنسان/الشيطان) ، يخبرنا عن وجود مساحة وحيزاً للشر يكون الإنسان فاعلاً له ، بل سوف يبرئ ساحة الشيطان ، في عملية تبادل الأدوار بين الإنسان والشيطان ، طارحاً من خلال تلك الجدلية أسئلة الذات الإنسانية المسكونة بالقلق الوجودي والهواجس المحيطة بحياة الإنسان المتخمة بالعقد النفسية وأزدواجية الشخصية والبودقة التي أنصهرت بها أمراض العصر .
(الشيطان) لفظ واللفظ رمز يشكل صورة في السياق اللغوي ، وهو المفتاح الذي سوف يستخدم في قراءة نص الشاعر "علاء الدين الحمداني" (ضفة الشيطان) ، الذي يُعيّن القارئ في مواجهة نص مركب ، من خلال قراءة فراغات النص ، والغوص عميقاً في أعماقه . أن الشاعر في نصه المركب هذا لايريد أظهار المتعة الجمالية التي يوفرها الشعر بلغته ومجازاته وأستعاراته ، إنما أراد أن يحفر في تراث "أنثربولوجيا المجتمع" باحثاً مع القارئ عن الوعي الجمعي المتشكل من عمق تاريخي تمتزج فيه الرؤى الأسطورية مع الرؤى الدينية التي صاغت رؤاها عن الشيطان ورمزيته .
قد يتحسس الناقد أو القارئ الرؤية العميقة للشاعر في التعبير عن "الشيطان" بطريقة شعرية تكون مدخل لمعرفة ملامح الصورة الشعرية التي تختزل كل النص من أجل فضح الإنسان في تمرده الشيطاني ، والذي يرى أن الشر لم يتسبب فيه الشيطان فحسب ، إنما الشر في جانب أخر منه ينشره الإنسان بين أبناء جلدته .
مسكون هذا الجانب
لا تقترب
فيه ..من الإنس الكثير
لو أحببت ..
فالشاعر يريد أن يقنع المتلقي بأن مصدر الشر ليس في الصورة الشيطانية الراسخة فى العقل الجمعي ، إنما الشر ينتشر بين البشر كذلك ، ويولد من رحم الإنسان . إذاً هو صورة للشر والجشع والرغبة المتجذرة في أعماق النفس الانسانية ، حين تفرض نفسها عليه . وهذا مصداق ما ذهب اليه المستشرق ألألماني "فريدريك روكرت" 1788 - 1866 م ، في قوله:(غادر الشيطان العالم ، لأنه يعلم أن الناس يعذب بعضهم بعضاً ) .
هناك في ضفة الشيطان
قلم .. كتاب .. أزميل ..
بعض من الأسمال
تواري سوأة البوح الماجن..
نص الشاعر "علاء الدين الحمداني" يحتاج إلى قارئ منفتح على كثير من المعارف حتى يتمكن من أن يعيد نتاج الدلالة التي يستنبطها الشاعر من روافد معرفية كثيرة . لقد أستحضر الشاعر في نصه "الشيطان" ليأخذ دلالته ، ليكون رمزاً للتمرد وذات دلالة معجمية ودينية وأخلاقية تفيد المعنى المقصود .
نحن نعرف أن الشيطان أرتسم في مخيلة الإنسان منذ القدم فهو مرتبطاً بالتمرد على الأوامر الإلهية ، وهذه الفكرة وجدت في حضارات وادي الرافدين والمصرية والهندية واليونانية وكذلك في الأديان السماوية والوضعية ، حين يوصف "الشيطان" في الأديان والحضارات كرمز يجسد قوى الشر ، وهذه الفكرة تشكل قاسم مشترك بين الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة ، وفي مختلف الديانات في ربط صورة الشيطان بالشر . ولكن هناك من يعتقد بوجود قوى ، لها عقل وفهم وقدرة ، هي سبب الشر في الحياة ، فلا تجعل من الشيطان أن يختزل الشر فيه فقط ، هذه القوى تمثلت بالبشر ، بل أن بعض البشر شياطين بتكوينهم العقلي والنفسي . وهذا لا يعني نكران ذكر "الشيطان" وقد ورد كثيراً في القرآن والأحاديث النبوية والشعر والحكايات ، وفي تراث الانسانية بصورة عامة ، ولكن عندما تطرح قضية "شيطنة الإنسان" ليست انعكاسًا لمفاهيم دينية سائدة ، رغم أنها تعالج قضية دينية بعينها ، متعلقة بالشيطان والإنسان ، وأنما هناك من العلماء من أشار الى أن شياطين الأنس (هذا النوع من الشياطين خطير فعلاً وخطورته تكمن في إنه يتكلم بلسانك المادي فهو يقتلك ويعطيك السلاح والقنبلة لتقتل بها الإنسان الأخر ويسرق بيديه ويعلمك سبل السرقة) . بالرغم من أن للشاعر تناصه الديني مع النصوص الدينية ، فيتناص مع لغة القرآن الكريم في أكثر من موضع لغةً وصوراً .
هنا أُرضة المنسأة 
تلوذ باليباب
...
ظلين يتبعانك ..
أينما تولي شطرك 
يعقبك ظل أخر
الشاعر"علاء الدين الحمداني" يمارس وعياً شعرياً عبر الكشف عن التناقضات النفسية للإنسان وعن الوقائع والأشياء التي تتعلق بعوالمه . فهو يرى أن الشياطين أصبحت تتعلم من الإنسان الشرور والأفساد ، وأن الشيطان ليس المحرك الأساسي لهما ، بل أن الفساد الحقيقى هو فساد الضمير الإنسانى . أن النص منفتح على تأويلات تتضارب والرؤى تختلف من أجل الوصول الى الحقيقة التي يريدها الشاعر ، وأعتقد أن كثرة التأويلات هي دلائل تشير الى نجاح الشاعر في الوصول إلى القارئ على أختلاف توجهاته . لقد قدم لنا الشاعر نصاً بلغة فلسفية رمزية نفسية أجتماعية ، بمجمله ساقه على ما أمتلكه الشيطان من أدوات ،والرمز عنده ربما كان لغزاً مبهماً ، ولكن ليس بالصيغة المباشرة ولا التقريرية ،وهذا في حد ذاته موقف محمل بالإثارة ، إنه رمز وطاقة شعرية وصورة تنطق بكل المعاني والدلالات التي جمعها في عنوان النص (ضفة الشيطان) . أن الحجر الأساس في البناء الشعري للنص هو (الشيطان) الذي أحسن الشاعر أستغلاله ، وكان ذلك في قوة بنائه وتماسكه ، وقوة معانيه الذي بث فيها الروح .
النص متخم برمزية عالية تكاد أن تكون جميع مكوناته رمز ، حتى يترائ للناقد أن هناك نصين في نص واحد ، نص ماثل أمام القارئ كما أراده الشاعر ، ونص غائب لايكشف عنه إلا القارئ أو الناقد الذي يسير بين الضفتين ، يتلمس فعل الإنسان ووحشيته التي فاقت الشيطان ، حتى ذُهل من حماقات التي أرتكبها ، والتاريخ خير شاهد على جرائم الإنسان بحق أخيه الإنسان ، وإلا بماذا نفسر أندهاش الشيطان وهو فاغر فاه .
يتبين لك
من ذر الرماد بالعيون
دكات بافواه فاغرة
ترى الناقدة الفرنسية "جوليا كريستيفا" أن النص الشعري أي نص (لوحة فسيفسائية من الاقتباسات ، وهذه الاقتباسات أو النصوص الغائبة تتداخل في النص الشعري كمكونات أدبية وثقافية متنوعة تتواشج وتترافد من أجل صناعة الدلالة الكلية للنص) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق