ما بعد الحداثة التجديدية في زمن العولمة.. القراءات النقدية الهشّة للنص الشّعري .. أو السطحية الغافلة عن المعنى !
سعد الساعدي ..
حين يأتي اي نص شعري بفكرة عميقة المعنى فانه يقود المتلقي الى الابتعاد عن الظاهرة القشرية لذلك النص ، ولان الوظيفة النقدية تعتمد على عناصر مهمة في التحليل والكشف فلا بد لها – كي تعطي النتائج المثمرة – ان ترتكز على اهم مرتكزات الكشف الذاتي والموضوعي من خلال : النص والمتلقي والتأثير في الثقافة العامة .
وإذا كان تسطيح النص يعني كشفه بوضوح ، فان السطحية أتت متأخرة في بنائه واستطاعت في أحيان كثيرة التغلب على العمق الاكثر أثراً، فما العمل اذن ؟
عن ذلك يقول نيتشه )) يكمن المطلوب في التوقف بشجاعة عن الالتفات الى الامور السطحية والنظر الى الغطاء والقشرة الخارجية ، وان نصبح عبيدي المظهر ، والايمان بالأشكال ، والنغمات ، والكلمات الواردة في مكنون المظهر ))
من هذا المدخل الجزئي يمكن التوقف عند مجموعة ملاحظات تحدد الاسلوبية الناضجة في القراءة النقدية ، وهل هي نقد ام مجاملة اخوانية مرتبطة بعاطفة تبعد النص عن حقيقته ، والمتلقي عن متعته في فهم ما كان غامضاً ، او الولوج المعتدل الصحيح لتبنّي او عدم تبنّي ما أراده الشاعر في قصيدته محل بحث الناقد ؟
لا يخفى على اصحاب المتخصصين واصحاب الشأن اللغوي والنقدي ما يعنيه النقد ويريده في تبيان جمال القصيدة والنص الشعري ؛ اضافة الى قصديّة المعنى ، والعمق السيميائي ( الدلالي ) قبل اصدار الحكم. ومع كل ذلك هناك ترابطات الشكل ، والمفردات ، والموسيقا ، وما يحمله النص من رمز او اسطورة ، واصطلاح مبهم او معروف ، وكل صور البلاغة او بعضها التي يتضمّنها المتن النصيّ ، وأخيراً ماذا سيقدم الناقد ، وماذا اراد الكاتب ( الشاعر ) من خلال سبر اغواره قدر المستطاع ، ومعرفة الكثير عن كتاباته السابقة مقارنة بغيرها من الكتابات ، أو بغيره من الكتاب، وبذا يكتمل القرار ويصدر الحكم القاطع على النص.
اليوم نحن نقف امام حالات قد تصبح ظاهرة عامة لاحقاً ؛ حين نجد بعض النقاد في اتجاهين يسيرون: أمّا يحملون الفؤوس ليكسّروا النص الشعري وصاحبه بلا رحمة وهوادة ، وهذا ما يؤدي بالنتيجة الى فوضوية التشتت لدى المتلقي حين تواجهه حالة أولى يتعرض لها بلا سابق معرفة بالشاعر – اي شاعر كان – ويجعله يطلق احكاماً تهكميّة تنال من الابداع قبل ان تنال من الشخصية.
وأمّا نجد هناك من يقف من النقاد امام نصوص لأسماء معينة يَطلق عليها أجمل ما يَعرف من كلمات المدح ، والثناء ، والوصف لمجرد انها اسماء محبّبة لديه لاسيما الأسماء ( النسوية ) بعيداً عن نوعية ما كُتب ، وما تحمل من صور مهما كانت من البشاعة ، والهشاشة ، واللغة الركيكة ، واحياناً المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية التي هي وظيفته الاولى كناقد في الكشف عنها من اجل التقويم ، وهذا ما نجده يومياً – مع الأسف – على صفحات الفيسبوك التي أصبحت الظاهرة الثقافية لما بعد الحداثة ، او ما يمكن ان نسميه : ( ما بعد الحداثة التجديدية في زمن العولمة ) وربما يكون استعمال هذا المصطلح جديداً كتعبير عن مرحلة ما بعد الحداثة نظراً للتطورات العالمية المتسارعة في كل شيء .. وبهذا نعود مجدداً لما قاله نيتشه من اننا اصبحنا عبيدي المظهر ، ومن اهم تجليات تلك العبودية ( الزحف ) إرضاء للذات قبل إرضاء ذائقة المتلقي، وتعريفه بمكنون وعمق النص ، وفكّ رموزه بيسر ، وسهوله بلا تعقيد خدمة له ، ولعموم الادب والثقافة الانسانية.
اذن يمكن لكل انسان ان يكون ناقداً لكنه لا يرقى الى درجة التأهيل الفني واللغوي والعلمي للدخول الى بنيوية اي نص ، وتحليله وكشفه بما يحمل من جمالية تكوينية متأصلة معه منذ ولادة اول كلمة ، او سلبياته بما تحمل من الركود والسباحة في بركة شبه يابسة . إنّ إبانة الضعف والقوة أمران مطلبيان لكل نص وهما مع وظائف الناقد البصير المبصر ما حوله .
وفي مقال لها بعنوان (مرآة النقد ) تقول الناقدة رحاب فارس الخطيب عن ذلك :
(( لا يستطيع اي انسان ان يكون ناقداً ( اي احترافياً ) لان ذلك ليس بالسهل ، فالناقد يقرأ ما بين السطور ، ويكون حلقة الوصل بين مثلث العملية الابداعية : الاديب والقارئ و النّص الادبي )) .
وهذه ملاحظة هامة جداً اشارت اليها الخطيب يمكن توظيفها كرد عملي على البعض القائل بان الناقد ما هو إلاّ كاتب فاشل ؛ متناسين أن التجربة، والخبرة ، والموهبة ، والثقافة ، وادوات اللغة التي يتمتع بها الناقد هي اقل المؤهلات الواجبة لدخوله هذا المعترك الصعب كعاكس لجماليات الابداع اولاً ، ودالّاً على تداعيات النصوص ، وركاكة اسلوبها ، ولغتها ، يضاف الى ان اسماء كثيرة عرفت بإبداعها النقدي كونها تحمل صفة شاعر ، وقاص وروائي ، واديب متبحر ، ما يعني ان الناقد يشتغل على مجالات شتى من الاجناس الادبية ، و أحياناً يمارس النقد فقط كحالة مكملة للابداع وليست هامشية او مهمّشة .
وإلّا فكثيرون يجيدون رصف الكلمات الخاوية بموسيقا بائسة لكنهم ليسوا بشعراء ، ولن يكونوا كذلك ؛ مع ان هناك من يكتب عنهم ويطلق صفة الشّاعرية والشعر عليهم .
تضيف الخطيب واصفة عمل الناقد :
(( هو يفهم نفسية الكاتب ، وماذا يقصد ، ويحلل نفسية الاديب من خلال النص ، وإن استطاع ذلك فانه يستطيع ان يحلّ رموز القصيدة ، او القصة ، ويسلّط عليها إضاءات جديدة فيكشف جوانباً قد لا تتضح لكثيرين .. إلّا ان التفرّغ لعملية النقد أمر صعب .. ولهذا فإننا نرى الاعمال النقدية شحيحة في أغلب الاحيان والمواقع )) .
الخلاصة ، إن شحة الاعمال النقدية الجادة تختلف جذرياً عن النقد الادبي العابر لمعايير الناقد الموضوعي المتمكن من ادواته بعيداً عن ذاتية مملة صاخبة بفوضى التخبط من اجل اعلاء اسم مغمور لا يفرق بين الضاد هل هي اخت الطاء ام الصاد ، ومن هنا كثرت النصوص الشعرية الهشة والبالية وكانها بعض رميم ، أو أعجاز نخل خاوية، وكثر معها من يجمّلها نقدياً !
..سعد الساعدي ..
حين يأتي اي نص شعري بفكرة عميقة المعنى فانه يقود المتلقي الى الابتعاد عن الظاهرة القشرية لذلك النص ، ولان الوظيفة النقدية تعتمد على عناصر مهمة في التحليل والكشف فلا بد لها – كي تعطي النتائج المثمرة – ان ترتكز على اهم مرتكزات الكشف الذاتي والموضوعي من خلال : النص والمتلقي والتأثير في الثقافة العامة .
وإذا كان تسطيح النص يعني كشفه بوضوح ، فان السطحية أتت متأخرة في بنائه واستطاعت في أحيان كثيرة التغلب على العمق الاكثر أثراً، فما العمل اذن ؟
عن ذلك يقول نيتشه )) يكمن المطلوب في التوقف بشجاعة عن الالتفات الى الامور السطحية والنظر الى الغطاء والقشرة الخارجية ، وان نصبح عبيدي المظهر ، والايمان بالأشكال ، والنغمات ، والكلمات الواردة في مكنون المظهر ))
من هذا المدخل الجزئي يمكن التوقف عند مجموعة ملاحظات تحدد الاسلوبية الناضجة في القراءة النقدية ، وهل هي نقد ام مجاملة اخوانية مرتبطة بعاطفة تبعد النص عن حقيقته ، والمتلقي عن متعته في فهم ما كان غامضاً ، او الولوج المعتدل الصحيح لتبنّي او عدم تبنّي ما أراده الشاعر في قصيدته محل بحث الناقد ؟
لا يخفى على اصحاب المتخصصين واصحاب الشأن اللغوي والنقدي ما يعنيه النقد ويريده في تبيان جمال القصيدة والنص الشعري ؛ اضافة الى قصديّة المعنى ، والعمق السيميائي ( الدلالي ) قبل اصدار الحكم. ومع كل ذلك هناك ترابطات الشكل ، والمفردات ، والموسيقا ، وما يحمله النص من رمز او اسطورة ، واصطلاح مبهم او معروف ، وكل صور البلاغة او بعضها التي يتضمّنها المتن النصيّ ، وأخيراً ماذا سيقدم الناقد ، وماذا اراد الكاتب ( الشاعر ) من خلال سبر اغواره قدر المستطاع ، ومعرفة الكثير عن كتاباته السابقة مقارنة بغيرها من الكتابات ، أو بغيره من الكتاب، وبذا يكتمل القرار ويصدر الحكم القاطع على النص.
اليوم نحن نقف امام حالات قد تصبح ظاهرة عامة لاحقاً ؛ حين نجد بعض النقاد في اتجاهين يسيرون: أمّا يحملون الفؤوس ليكسّروا النص الشعري وصاحبه بلا رحمة وهوادة ، وهذا ما يؤدي بالنتيجة الى فوضوية التشتت لدى المتلقي حين تواجهه حالة أولى يتعرض لها بلا سابق معرفة بالشاعر – اي شاعر كان – ويجعله يطلق احكاماً تهكميّة تنال من الابداع قبل ان تنال من الشخصية.
وأمّا نجد هناك من يقف من النقاد امام نصوص لأسماء معينة يَطلق عليها أجمل ما يَعرف من كلمات المدح ، والثناء ، والوصف لمجرد انها اسماء محبّبة لديه لاسيما الأسماء ( النسوية ) بعيداً عن نوعية ما كُتب ، وما تحمل من صور مهما كانت من البشاعة ، والهشاشة ، واللغة الركيكة ، واحياناً المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية التي هي وظيفته الاولى كناقد في الكشف عنها من اجل التقويم ، وهذا ما نجده يومياً – مع الأسف – على صفحات الفيسبوك التي أصبحت الظاهرة الثقافية لما بعد الحداثة ، او ما يمكن ان نسميه : ( ما بعد الحداثة التجديدية في زمن العولمة ) وربما يكون استعمال هذا المصطلح جديداً كتعبير عن مرحلة ما بعد الحداثة نظراً للتطورات العالمية المتسارعة في كل شيء .. وبهذا نعود مجدداً لما قاله نيتشه من اننا اصبحنا عبيدي المظهر ، ومن اهم تجليات تلك العبودية ( الزحف ) إرضاء للذات قبل إرضاء ذائقة المتلقي، وتعريفه بمكنون وعمق النص ، وفكّ رموزه بيسر ، وسهوله بلا تعقيد خدمة له ، ولعموم الادب والثقافة الانسانية.
اذن يمكن لكل انسان ان يكون ناقداً لكنه لا يرقى الى درجة التأهيل الفني واللغوي والعلمي للدخول الى بنيوية اي نص ، وتحليله وكشفه بما يحمل من جمالية تكوينية متأصلة معه منذ ولادة اول كلمة ، او سلبياته بما تحمل من الركود والسباحة في بركة شبه يابسة . إنّ إبانة الضعف والقوة أمران مطلبيان لكل نص وهما مع وظائف الناقد البصير المبصر ما حوله .
وفي مقال لها بعنوان (مرآة النقد ) تقول الناقدة رحاب فارس الخطيب عن ذلك :
(( لا يستطيع اي انسان ان يكون ناقداً ( اي احترافياً ) لان ذلك ليس بالسهل ، فالناقد يقرأ ما بين السطور ، ويكون حلقة الوصل بين مثلث العملية الابداعية : الاديب والقارئ و النّص الادبي )) .
وهذه ملاحظة هامة جداً اشارت اليها الخطيب يمكن توظيفها كرد عملي على البعض القائل بان الناقد ما هو إلاّ كاتب فاشل ؛ متناسين أن التجربة، والخبرة ، والموهبة ، والثقافة ، وادوات اللغة التي يتمتع بها الناقد هي اقل المؤهلات الواجبة لدخوله هذا المعترك الصعب كعاكس لجماليات الابداع اولاً ، ودالّاً على تداعيات النصوص ، وركاكة اسلوبها ، ولغتها ، يضاف الى ان اسماء كثيرة عرفت بإبداعها النقدي كونها تحمل صفة شاعر ، وقاص وروائي ، واديب متبحر ، ما يعني ان الناقد يشتغل على مجالات شتى من الاجناس الادبية ، و أحياناً يمارس النقد فقط كحالة مكملة للابداع وليست هامشية او مهمّشة .
وإلّا فكثيرون يجيدون رصف الكلمات الخاوية بموسيقا بائسة لكنهم ليسوا بشعراء ، ولن يكونوا كذلك ؛ مع ان هناك من يكتب عنهم ويطلق صفة الشّاعرية والشعر عليهم .
تضيف الخطيب واصفة عمل الناقد :
(( هو يفهم نفسية الكاتب ، وماذا يقصد ، ويحلل نفسية الاديب من خلال النص ، وإن استطاع ذلك فانه يستطيع ان يحلّ رموز القصيدة ، او القصة ، ويسلّط عليها إضاءات جديدة فيكشف جوانباً قد لا تتضح لكثيرين .. إلّا ان التفرّغ لعملية النقد أمر صعب .. ولهذا فإننا نرى الاعمال النقدية شحيحة في أغلب الاحيان والمواقع )) .
الخلاصة ، إن شحة الاعمال النقدية الجادة تختلف جذرياً عن النقد الادبي العابر لمعايير الناقد الموضوعي المتمكن من ادواته بعيداً عن ذاتية مملة صاخبة بفوضى التخبط من اجل اعلاء اسم مغمور لا يفرق بين الضاد هل هي اخت الطاء ام الصاد ، ومن هنا كثرت النصوص الشعرية الهشة والبالية وكانها بعض رميم ، أو أعجاز نخل خاوية، وكثر معها من يجمّلها نقدياً !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق