حوار بين شهريار و شهرزاد تمليه القريحة الآنية
ألف ليلة و ليلة
الليلة الخامسة عشر
الليل قارص برده. والطير صامت شدوه. وسرد الحكاية تطبخ كلماتها في ذهن سيدة الرواية شهرزاد .
وقبل المرور للجلوس لجلالة الملك. سعدت صاحبة الجمال بتصفح بعض الكتب الأدبية و الفنية. وقد قرأت منها ورقات. و دونت بعض الملاحظات. إنها تعشق المطالعة. و تجد أن في قراءة الكتب متعة لذيذة. تنير العقل. و تجعل القارئ حالما.
إن عبر أحداث القصة أو الرواية يسعد الخيال. و عبر حكاية ينسجها كتاب فن تشكيلي أو غيره من الكتب ينشرح العقل. تطرب الروح. و يحلق الحلم. يمتلئ جراب الذاكرة بأبهى لحظات الحكاية. أما الذاكرة البصرية فتعلق بمرآتها صور. و يكون بعضها بهيجا و أخر حزينا. و هكذا الأحداث تكون أحيانا متآلفة و أخرى متصادمة. فالحياة مبنية على ما هو إيجابي و على ما هو سلبي .و هكذا يكون الآمر في كل المجالات. تخمن شهرزاد. و كم ينشرح بصرها .و هو يقرأ كتبا لحضارات أخرى. هي تسعد للتواصل مع الأخر عبر نتاجه الأدبي أو عبر عمله الفني. لأنها تعتقد أن في ذلك إثراء للعقل و للإحساس.
تمر شهرزاد للجلوس في مجلس الحكاية. و قد كانت بالشرفة حيث توجد أزهار. قد زرعت هناك. السلطانة تريد إضفاء جمالا سحري في ممر الشرفة.
أبتسم ثغر الحسناء. وامتدت يدها الرقيقة . تمسح بلطف أوراق الأزهار. و تشتم رائحتها. و هي تناجي الورد ذا الملمس الحريري. تعشق شهرزاد الجلوس للأزهار و للحديث للأطيار تطرب سريرتها. فروح الطفولة لم يغادرها . و إن مرت السنوات. و جعلت منها كهله رائعة الجمال.
شهريار قد تأخر بعض الشيء.
شهرزاد راحت تتساءل محدثة نفسها:
-ما به جناب الملك تأخر؟
يبدو أن له عملا. يهم الرعية. و إلا ما كان قد طلب من الوزير عدم المغادرة. حتى ينجز العمل.
مرت الحسناء للجلوس . و رائحة عطرها تنعش النفس الحالمة.
صوت السلطان يوقظها من لحظة تخمينها.
-مرحبا عزيزتي معذرة لقد تأخرت بسب شغل
-مرحبا عزيزي لا بأس
يجلس شهريار ثم ينادي بعض من الحشم . و يأمرهم بإحضار مشروب ساخن. فقسوة الشتاء تدعو لشرب شيء ما ساخنا لتدفئة الجسد.
بعد زمن ليس بالطويل يحضر الخادم طلب شهريار. يظهر بالطبق شاي. بخاره يتصاعد في الفضاء في شكل لولبي.
-تفضل سيدي بالشفاء و الهناء لكما
-تستطيع الانصراف
يهرول الخادم . ويدخل ثنايا المطبخ.
يرشف الملك من كأس الشاي. و يدعو السلطان شهرزاد لشرب كأسها
-ألا تشربين الشاي .عسى أن يدفئ أمعائك. الطقس كما تشاهدين شديد البرودة.
تبتسم شهرزاد
-أجل سأشرب من الكأس قبل أن يبرد-
ترشف السلطانة و هي تستعد لسرد الرواية.
-حضرة السلطان أواصل السرد. و لقد تركنا ليلة البارحة الحكاية عند مشهد المرأة. وهي تسعد مع أبنائها بتناول الطعام اللذيذ بعد أن عادت من عملها في الدكان.
-وهو كذلك سيدتي.
-لو تدري حضرة السلطان كم سعد الابن الكبير. و هو يستعد للدخول للمدرسة؟
-شوقتني.
تواصل شهرزاد
بالأمس كان الحلم مستحيلا .أن يذهب الابن الفقير إلى المدرسة. و كانت أمه تمد يدها للتسول. . قبل أن تجود عليها السماء بكيس النقود الذهبية.
كان خيال الصبي يتأرجح بين أرجوحة الفرح و بين أرجوحة الذاكرة . التي طبعت أثرا مريرا عندما كان فقيرا . و هو يجر ذيل البؤس و الحرمان. و كانت تبدو رجلاه حافيتين. وهو يخجل. يخفي نفسه عن الأعين. و يعبر الطريق للتسول صحبة أمه.
يأتي صوت الأم. يرجع خياله للواقع.
-هيا ألبس ثيابك الجديدة . سأصطحبك للمدرسة قبل أن أمر أشتغل بدكاني.
-حسنا أمي
تنهمر الدموع من عيني الأم فهي مرهفة الحس.
بعد برهة من الزمن يعود الابن فرحا. تبرق عيناه من شدة الغبطة.
تدمع عين شهريار لشدة تأثره بأحوال تلك العائلة.
-آه السلاطين لا يبكون حضرة السلطان تخاطبه شهرزاد.
-السلاطين هم بشر و يتأثرون .
-صدقت القول.
تستأنف الحكاية شهرزاد.
تأخذ الأم الابن للمدرسة. ويدور حوار بينهما :
-أمي أنا فرح جدا
-حسنا أبني
-شكرا أمي
-العفو أبني
-أمي من جهة أشعر بالفرح . و من جهة أخرى ينتابني قلق. لأني أغادر إخوتي للمرة الأولى لمدة ساعات.
-لا بأس أبني عندما تكمل الدراسة. سوف تعود للبيت.وتجد إخوتك . تلعب معهم قليلا. ثم تمر للاستئناس بكتبك الجديدة و بكراساتك.
-ما معنى كتب و كراسات أمي؟
-إنها أدوات مدرسية آه بني الفقر الذي عشناه. جعلنا لا نعرف عدة أشياء .
و لا نفرح بأخرى
تصمت الأم
شهرزاد ترى شهريار صامتا. وكأن الطير على رأسه.
-حضرة السلطان أقف هنا و أكمل الحكاية الليلة القادمة.
-آه لقد انصهرت روحي بالحكاية.
-هكذا يكون مفعول الحكاية الشيقة.
-حسنا أنا أيضا متعب بعض الشيء أريد أن أخلد للنوم.
-هيا بنا
يمر الحبيبان لغرفة النوم.
ينام السلطان و بجانه السلطان و قد أخذ منهما التعب مأخذا شديدا.
© فطوم عبيدي
21.10.2018
يتبع
ألف ليلة و ليلة
الليلة الخامسة عشر
الليل قارص برده. والطير صامت شدوه. وسرد الحكاية تطبخ كلماتها في ذهن سيدة الرواية شهرزاد .
وقبل المرور للجلوس لجلالة الملك. سعدت صاحبة الجمال بتصفح بعض الكتب الأدبية و الفنية. وقد قرأت منها ورقات. و دونت بعض الملاحظات. إنها تعشق المطالعة. و تجد أن في قراءة الكتب متعة لذيذة. تنير العقل. و تجعل القارئ حالما.
إن عبر أحداث القصة أو الرواية يسعد الخيال. و عبر حكاية ينسجها كتاب فن تشكيلي أو غيره من الكتب ينشرح العقل. تطرب الروح. و يحلق الحلم. يمتلئ جراب الذاكرة بأبهى لحظات الحكاية. أما الذاكرة البصرية فتعلق بمرآتها صور. و يكون بعضها بهيجا و أخر حزينا. و هكذا الأحداث تكون أحيانا متآلفة و أخرى متصادمة. فالحياة مبنية على ما هو إيجابي و على ما هو سلبي .و هكذا يكون الآمر في كل المجالات. تخمن شهرزاد. و كم ينشرح بصرها .و هو يقرأ كتبا لحضارات أخرى. هي تسعد للتواصل مع الأخر عبر نتاجه الأدبي أو عبر عمله الفني. لأنها تعتقد أن في ذلك إثراء للعقل و للإحساس.
تمر شهرزاد للجلوس في مجلس الحكاية. و قد كانت بالشرفة حيث توجد أزهار. قد زرعت هناك. السلطانة تريد إضفاء جمالا سحري في ممر الشرفة.
أبتسم ثغر الحسناء. وامتدت يدها الرقيقة . تمسح بلطف أوراق الأزهار. و تشتم رائحتها. و هي تناجي الورد ذا الملمس الحريري. تعشق شهرزاد الجلوس للأزهار و للحديث للأطيار تطرب سريرتها. فروح الطفولة لم يغادرها . و إن مرت السنوات. و جعلت منها كهله رائعة الجمال.
شهريار قد تأخر بعض الشيء.
شهرزاد راحت تتساءل محدثة نفسها:
-ما به جناب الملك تأخر؟
يبدو أن له عملا. يهم الرعية. و إلا ما كان قد طلب من الوزير عدم المغادرة. حتى ينجز العمل.
مرت الحسناء للجلوس . و رائحة عطرها تنعش النفس الحالمة.
صوت السلطان يوقظها من لحظة تخمينها.
-مرحبا عزيزتي معذرة لقد تأخرت بسب شغل
-مرحبا عزيزي لا بأس
يجلس شهريار ثم ينادي بعض من الحشم . و يأمرهم بإحضار مشروب ساخن. فقسوة الشتاء تدعو لشرب شيء ما ساخنا لتدفئة الجسد.
بعد زمن ليس بالطويل يحضر الخادم طلب شهريار. يظهر بالطبق شاي. بخاره يتصاعد في الفضاء في شكل لولبي.
-تفضل سيدي بالشفاء و الهناء لكما
-تستطيع الانصراف
يهرول الخادم . ويدخل ثنايا المطبخ.
يرشف الملك من كأس الشاي. و يدعو السلطان شهرزاد لشرب كأسها
-ألا تشربين الشاي .عسى أن يدفئ أمعائك. الطقس كما تشاهدين شديد البرودة.
تبتسم شهرزاد
-أجل سأشرب من الكأس قبل أن يبرد-
ترشف السلطانة و هي تستعد لسرد الرواية.
-حضرة السلطان أواصل السرد. و لقد تركنا ليلة البارحة الحكاية عند مشهد المرأة. وهي تسعد مع أبنائها بتناول الطعام اللذيذ بعد أن عادت من عملها في الدكان.
-وهو كذلك سيدتي.
-لو تدري حضرة السلطان كم سعد الابن الكبير. و هو يستعد للدخول للمدرسة؟
-شوقتني.
تواصل شهرزاد
بالأمس كان الحلم مستحيلا .أن يذهب الابن الفقير إلى المدرسة. و كانت أمه تمد يدها للتسول. . قبل أن تجود عليها السماء بكيس النقود الذهبية.
كان خيال الصبي يتأرجح بين أرجوحة الفرح و بين أرجوحة الذاكرة . التي طبعت أثرا مريرا عندما كان فقيرا . و هو يجر ذيل البؤس و الحرمان. و كانت تبدو رجلاه حافيتين. وهو يخجل. يخفي نفسه عن الأعين. و يعبر الطريق للتسول صحبة أمه.
يأتي صوت الأم. يرجع خياله للواقع.
-هيا ألبس ثيابك الجديدة . سأصطحبك للمدرسة قبل أن أمر أشتغل بدكاني.
-حسنا أمي
تنهمر الدموع من عيني الأم فهي مرهفة الحس.
بعد برهة من الزمن يعود الابن فرحا. تبرق عيناه من شدة الغبطة.
تدمع عين شهريار لشدة تأثره بأحوال تلك العائلة.
-آه السلاطين لا يبكون حضرة السلطان تخاطبه شهرزاد.
-السلاطين هم بشر و يتأثرون .
-صدقت القول.
تستأنف الحكاية شهرزاد.
تأخذ الأم الابن للمدرسة. ويدور حوار بينهما :
-أمي أنا فرح جدا
-حسنا أبني
-شكرا أمي
-العفو أبني
-أمي من جهة أشعر بالفرح . و من جهة أخرى ينتابني قلق. لأني أغادر إخوتي للمرة الأولى لمدة ساعات.
-لا بأس أبني عندما تكمل الدراسة. سوف تعود للبيت.وتجد إخوتك . تلعب معهم قليلا. ثم تمر للاستئناس بكتبك الجديدة و بكراساتك.
-ما معنى كتب و كراسات أمي؟
-إنها أدوات مدرسية آه بني الفقر الذي عشناه. جعلنا لا نعرف عدة أشياء .
و لا نفرح بأخرى
تصمت الأم
شهرزاد ترى شهريار صامتا. وكأن الطير على رأسه.
-حضرة السلطان أقف هنا و أكمل الحكاية الليلة القادمة.
-آه لقد انصهرت روحي بالحكاية.
-هكذا يكون مفعول الحكاية الشيقة.
-حسنا أنا أيضا متعب بعض الشيء أريد أن أخلد للنوم.
-هيا بنا
يمر الحبيبان لغرفة النوم.
ينام السلطان و بجانه السلطان و قد أخذ منهما التعب مأخذا شديدا.
© فطوم عبيدي
21.10.2018
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق