مؤسسة فنون الثقافية العربية
صحيفة فنون الثقافية العربية
تغطية فنية/ خاص فنون
متابعات / نيران باقر
الرواية العربية أنثى، حفيدات شهرزاد يتحدثن عن تجاربهن
بقلم : احمد رجب
يرى البعض أن فوز الروائية العمانية جوخة الحارثي بجائزة المان بوكر العالمية في الرواية، ومن قبلها فوز اللبنانية هدى بركات بالبوكر العربية دليل على تسيد المرأة للمشهد الروائي العربي، ويدللون على ذلك بالحضور الكثيف للروائيات في ملتقى القاهرة للإبداع الروائي الذي انعقد في مايو/أيار الماضي.
والبعض الآخر يرى أن الرواية العربية هي ابنة شهرزاد العصر الحديث، وينزعون ريادة الرواية العربية عن محمد حسين هيكل صاحب "زينب" لينسبها بعضهم إلى زينب فواز أو عائشة التيمورية أو آليس البستاني، فهم وإن اختلفوا حول اسم صاحب الرواية العربية الأولى إلا أن كل الأسماء المختلف عليها لسيدات، وحتى إذا لم تكن الريادة لإمرأة فالمرأة حاضرة بقوة في الرواية العربية ابتداء بالعنوان وامتدادا إلى الموضوع.
الروائية سلوى بكر تقول: "المرأة الكاتبة الآن تستشرف أفقا يتيح لها التعبير عن ذاتها وعن وجودها في المجتمع العربي الذي فرض عليها وصاية في مجال التعبير الأدبي الذي كاد الرجل أن يستأثر به، والروايات الصادرة لكاتبات عديدات في مصر، وفي الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة تؤكد مقولة أن الكاتبة العربية تعيش زمن الرواية، ودليلي تلك الزيادة المطردة في الإبداعات الروائية النسائية على مستوى الكم والكيف، فالمرأة أبدعت حينما توافر لها المناخ المناسب، وعندما توافرت لها الشروط خاضت تجربة الكتابة لحسابها حاملة معها خصوصيتها الاجتماعية والعاطفية والفيزيقية، فبعد أن مارست المرأة العربية أشكالا مختلفة للكتابة مقترنة بتجربة النضال في سبيل حقوقها ارتادت مغامرة الكتابة الأدبية بكل صعوباتها من أجل استنطاق الذات التي ظلت أمداً طويلاً مستبعدة وممنوعة، ونجحت في استنطاق المسكوت عنه.
وعن تجربتها تقول سلوى بكر: "أكتب عن النساء اللواتي لا يراهن الآخرون، من أجل تغيير الوعي بهن، فالوعي الإنساني متعلق بكينونة الإنسان ووجوده في هذا العالم وعلاقاته مع الآخرين ومع منْ حوله. والكتابة الأدبية من الوسائل المهمة في ذلك، باعتبارها معنية بالضمير الإنساني في المقام الأول، تستطيع أن تقوي وعي الإنسان وترشده في كثير من الأحيان".
مدن السور
أما الروائية الروائية المصرية هالة البدري فترى أن رواية المرأة يجب أن تُقرأ بعيدا عن شرطها الجنسي، "النساء بوسعهن التفكير في أشياء أخرى غير كونهن نساء، وهي تكتب عن أشياء تخصها كإنسانة وكمواطنة عربية في مصر، فمثلاً أول قصة كتبتها كانت عن استشهاد عبدالمنعم رياض، وهذه قضية وطنية لاتتعلق بواقعها كامرأة. وكذلك رواية "مطر على بغداد" عن العراق منذ وصول حزب البعث إلى السلطة وحتى الحرب العراقية الإيرانية، لذلك كان التوثيق في الرواية حتميًّا، وهو ما فعلته في رواية "مدن السور" التي تدور أحداثها في المستقبل، وكان عليَّ أن أجتاز اختبار المعرفة في التغييرات التي ستحدث للبشر بسبب الاستنساخ من ناحية وتغيرات الصراع الدولي من ناحية أخرى، وتاريخ الاستعباد الذي رأيت أنه سيستمر في صورة جديدة في المستقبل بعد أن يتحول ميزان القوى ناحية من يمتلك العلم، وقد تصوَّرت في "مدن السور" أن وسائل الاتصال ستصل إلينا عبر الجلد، وها هي السويد تخترع شريحة تحقن تحت الجلد فيها كل بيانات وبطاقات الشخص فيستخدم جلده كبصمة دخول للبنك والعمل والنادي، تم هذا بعد صدور روايتي بسنتين".
الرجوع من المنفى
الروائية سهير المصادفة تقول عن تجربتها الروائية: "في أوائل تسعينيات القرن العشرين، قررت أن أهاجر إلى بلد بعيد، وأن أظل هناك إلى الأبد لأكتب، فقد كنت أقول لنفسي مع مكانة الكاتب المالية والأدبية في العالم العربي، لن أستطيع أبدًا مواصلة الكتابة، وإنجاز مشروعي الإبداعي، علاوة على كل ما لاقيته طوال فترة دراستي، حيث أيقنت أنني ابنة ثقافة تكافح منذ قرون لتجاوز عادات وتقاليد تحاصر المرأة وتزدريها، كنت أتابع التغيُّر المجتمعي الكبير: تحجيب الفنانات اللاتي أحببتهنَّ، شكل الجامعة التي دخلتها، وتحول ألقاب النساء التي كانت: آنسة، ومدام، وهانم إلى لقب "الحاجة"، لذلك ومع أوَّل فرصة جاءتني سافرت إلى موسكو لاستكمال دراستي، وإعداد نفسي لأظل في المنفى إلى الأبد.
قرأت بهوس كلَّ الأدب الروسي الكلاسيكي، ومشيت في الشوارع التي مشى فيها دوستوفيسكي وتشيخوف وبوشكين، وكنت قد جهَّزت ديوانين للطبع هما: "هجومٌ وديع"، و"فتاةٌ تجرِّب حتفها"، وبدأت في كتابة أولى رواياتي: "لهو الأبالسة"، ولكنني توقفت بعد انتهاء الفصل الأوَّل من الرواية، وفتحت نافذتي على الثلج المتراكم أمامها في ليلة رأس السنة، وأخذت ــ حرفيًّا ــ أتشمم هواء البرد القارس، علَّني أستطيع اقتناص ذكرى لرائحة نسمات برد ديسمبر في مصر، ولكنني لم أشمَّ شيئًا، بل شعرت ببرودة دمي، وبرودة النص على طاولتي، وكأنه أصبح جثة هامدة، صارت ذاكرتي صفحة بيضاء، اختفت أصوات الباعة الجائلين، وضجيج شوارع القاهرة التي لا تنام، وأبواق السيارات المزعجة، وصوت الأذان المتكرر خمس مرات في اليوم، ونواقيس الكنائس، ومذاق رياح الخماسين، وهي تكاد تقتلع جسدي النحيل من الأرض اقتلاعًا، فكان لا بد أن أعود حتى أستطيع أن أكتب روايتي".
قلق داخلي
أما الروائية منى الشيمي، الفائزة بجائزة كتارا عن روايتها "وطن الجيب الخلفي"، فترى أن الكتابة قلق داخلي، وتقول "لم أعد أعتقد أن قراري البدء بكتابة القصص كان نتيجة حالة من الملل أو نتيجة التمرد على وضعي كامرأة صعيدية كل مهمتها البقاء في البيت، الكتابة قلق داخلي يموج، لا يصلح لإفراغه أعمال الكروشيه أو إتقان الطبخ. فثمة شيء في الكتابة يشبه الرسالات يجب تبليغه، لا أقصد أن يحمل الأدب رسالة أخلاقية، فالإبداع من وجهة نظري لا يجب أن يكون كذلك، لكن الكاتب الحقيقي يهمه أن يكتب بهدف تبليغ الآخرين أمرا ما، حتى إذا كان هذا الأمر هما شخصيا، فالكاتب أداة تعبر عن معاناة الآخرين، والروائي يؤرخ لخطوات الإنسان منذ نشأ على هذه الأرض.
وترى الشيمي أن فعل خلق الشخصيات والأحداث يجعلك تغربل أفكارك، يجعل ما تبقى منها يتبلور ويبرز أمام عينيك. فمع الكتابة أنت لا تصنع شخصيات خيالية فقط، بل تصقل جوهرك وفكرك، ويعيد إنتاجك من جديد، وقد يصيبك الإدراك بتداعيات، أولها أن ترى الماوراء، وأقلها أن تشعر بالاغتراب بين الآخرين. (وكالة الصحافة العربية)
صحيفة فنون الثقافية العربية
تغطية فنية/ خاص فنون
متابعات / نيران باقر
الرواية العربية أنثى، حفيدات شهرزاد يتحدثن عن تجاربهن
بقلم : احمد رجب
يرى البعض أن فوز الروائية العمانية جوخة الحارثي بجائزة المان بوكر العالمية في الرواية، ومن قبلها فوز اللبنانية هدى بركات بالبوكر العربية دليل على تسيد المرأة للمشهد الروائي العربي، ويدللون على ذلك بالحضور الكثيف للروائيات في ملتقى القاهرة للإبداع الروائي الذي انعقد في مايو/أيار الماضي.
والبعض الآخر يرى أن الرواية العربية هي ابنة شهرزاد العصر الحديث، وينزعون ريادة الرواية العربية عن محمد حسين هيكل صاحب "زينب" لينسبها بعضهم إلى زينب فواز أو عائشة التيمورية أو آليس البستاني، فهم وإن اختلفوا حول اسم صاحب الرواية العربية الأولى إلا أن كل الأسماء المختلف عليها لسيدات، وحتى إذا لم تكن الريادة لإمرأة فالمرأة حاضرة بقوة في الرواية العربية ابتداء بالعنوان وامتدادا إلى الموضوع.
الروائية سلوى بكر تقول: "المرأة الكاتبة الآن تستشرف أفقا يتيح لها التعبير عن ذاتها وعن وجودها في المجتمع العربي الذي فرض عليها وصاية في مجال التعبير الأدبي الذي كاد الرجل أن يستأثر به، والروايات الصادرة لكاتبات عديدات في مصر، وفي الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة تؤكد مقولة أن الكاتبة العربية تعيش زمن الرواية، ودليلي تلك الزيادة المطردة في الإبداعات الروائية النسائية على مستوى الكم والكيف، فالمرأة أبدعت حينما توافر لها المناخ المناسب، وعندما توافرت لها الشروط خاضت تجربة الكتابة لحسابها حاملة معها خصوصيتها الاجتماعية والعاطفية والفيزيقية، فبعد أن مارست المرأة العربية أشكالا مختلفة للكتابة مقترنة بتجربة النضال في سبيل حقوقها ارتادت مغامرة الكتابة الأدبية بكل صعوباتها من أجل استنطاق الذات التي ظلت أمداً طويلاً مستبعدة وممنوعة، ونجحت في استنطاق المسكوت عنه.
وعن تجربتها تقول سلوى بكر: "أكتب عن النساء اللواتي لا يراهن الآخرون، من أجل تغيير الوعي بهن، فالوعي الإنساني متعلق بكينونة الإنسان ووجوده في هذا العالم وعلاقاته مع الآخرين ومع منْ حوله. والكتابة الأدبية من الوسائل المهمة في ذلك، باعتبارها معنية بالضمير الإنساني في المقام الأول، تستطيع أن تقوي وعي الإنسان وترشده في كثير من الأحيان".
مدن السور
أما الروائية الروائية المصرية هالة البدري فترى أن رواية المرأة يجب أن تُقرأ بعيدا عن شرطها الجنسي، "النساء بوسعهن التفكير في أشياء أخرى غير كونهن نساء، وهي تكتب عن أشياء تخصها كإنسانة وكمواطنة عربية في مصر، فمثلاً أول قصة كتبتها كانت عن استشهاد عبدالمنعم رياض، وهذه قضية وطنية لاتتعلق بواقعها كامرأة. وكذلك رواية "مطر على بغداد" عن العراق منذ وصول حزب البعث إلى السلطة وحتى الحرب العراقية الإيرانية، لذلك كان التوثيق في الرواية حتميًّا، وهو ما فعلته في رواية "مدن السور" التي تدور أحداثها في المستقبل، وكان عليَّ أن أجتاز اختبار المعرفة في التغييرات التي ستحدث للبشر بسبب الاستنساخ من ناحية وتغيرات الصراع الدولي من ناحية أخرى، وتاريخ الاستعباد الذي رأيت أنه سيستمر في صورة جديدة في المستقبل بعد أن يتحول ميزان القوى ناحية من يمتلك العلم، وقد تصوَّرت في "مدن السور" أن وسائل الاتصال ستصل إلينا عبر الجلد، وها هي السويد تخترع شريحة تحقن تحت الجلد فيها كل بيانات وبطاقات الشخص فيستخدم جلده كبصمة دخول للبنك والعمل والنادي، تم هذا بعد صدور روايتي بسنتين".
الرجوع من المنفى
الروائية سهير المصادفة تقول عن تجربتها الروائية: "في أوائل تسعينيات القرن العشرين، قررت أن أهاجر إلى بلد بعيد، وأن أظل هناك إلى الأبد لأكتب، فقد كنت أقول لنفسي مع مكانة الكاتب المالية والأدبية في العالم العربي، لن أستطيع أبدًا مواصلة الكتابة، وإنجاز مشروعي الإبداعي، علاوة على كل ما لاقيته طوال فترة دراستي، حيث أيقنت أنني ابنة ثقافة تكافح منذ قرون لتجاوز عادات وتقاليد تحاصر المرأة وتزدريها، كنت أتابع التغيُّر المجتمعي الكبير: تحجيب الفنانات اللاتي أحببتهنَّ، شكل الجامعة التي دخلتها، وتحول ألقاب النساء التي كانت: آنسة، ومدام، وهانم إلى لقب "الحاجة"، لذلك ومع أوَّل فرصة جاءتني سافرت إلى موسكو لاستكمال دراستي، وإعداد نفسي لأظل في المنفى إلى الأبد.
قرأت بهوس كلَّ الأدب الروسي الكلاسيكي، ومشيت في الشوارع التي مشى فيها دوستوفيسكي وتشيخوف وبوشكين، وكنت قد جهَّزت ديوانين للطبع هما: "هجومٌ وديع"، و"فتاةٌ تجرِّب حتفها"، وبدأت في كتابة أولى رواياتي: "لهو الأبالسة"، ولكنني توقفت بعد انتهاء الفصل الأوَّل من الرواية، وفتحت نافذتي على الثلج المتراكم أمامها في ليلة رأس السنة، وأخذت ــ حرفيًّا ــ أتشمم هواء البرد القارس، علَّني أستطيع اقتناص ذكرى لرائحة نسمات برد ديسمبر في مصر، ولكنني لم أشمَّ شيئًا، بل شعرت ببرودة دمي، وبرودة النص على طاولتي، وكأنه أصبح جثة هامدة، صارت ذاكرتي صفحة بيضاء، اختفت أصوات الباعة الجائلين، وضجيج شوارع القاهرة التي لا تنام، وأبواق السيارات المزعجة، وصوت الأذان المتكرر خمس مرات في اليوم، ونواقيس الكنائس، ومذاق رياح الخماسين، وهي تكاد تقتلع جسدي النحيل من الأرض اقتلاعًا، فكان لا بد أن أعود حتى أستطيع أن أكتب روايتي".
قلق داخلي
أما الروائية منى الشيمي، الفائزة بجائزة كتارا عن روايتها "وطن الجيب الخلفي"، فترى أن الكتابة قلق داخلي، وتقول "لم أعد أعتقد أن قراري البدء بكتابة القصص كان نتيجة حالة من الملل أو نتيجة التمرد على وضعي كامرأة صعيدية كل مهمتها البقاء في البيت، الكتابة قلق داخلي يموج، لا يصلح لإفراغه أعمال الكروشيه أو إتقان الطبخ. فثمة شيء في الكتابة يشبه الرسالات يجب تبليغه، لا أقصد أن يحمل الأدب رسالة أخلاقية، فالإبداع من وجهة نظري لا يجب أن يكون كذلك، لكن الكاتب الحقيقي يهمه أن يكتب بهدف تبليغ الآخرين أمرا ما، حتى إذا كان هذا الأمر هما شخصيا، فالكاتب أداة تعبر عن معاناة الآخرين، والروائي يؤرخ لخطوات الإنسان منذ نشأ على هذه الأرض.
وترى الشيمي أن فعل خلق الشخصيات والأحداث يجعلك تغربل أفكارك، يجعل ما تبقى منها يتبلور ويبرز أمام عينيك. فمع الكتابة أنت لا تصنع شخصيات خيالية فقط، بل تصقل جوهرك وفكرك، ويعيد إنتاجك من جديد، وقد يصيبك الإدراك بتداعيات، أولها أن ترى الماوراء، وأقلها أن تشعر بالاغتراب بين الآخرين. (وكالة الصحافة العربية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق