الجمعة، 19 يوليو 2019

"لحظة صمت من أجل عمو مهدي" قصة قصيرة علي البدر / العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

"لحظة صمت من أجل عمو مهدي"
قصة قصيرة علي البدر
**********************
لأجلس هنا وأتذكر أيام طفولتي عندما كان شط العرب يزهو بعشرات السفن العملاقة ومئات السفن الخليجية التي نسميها " البُم" boom والتي تسحب خلفها بلما مربوطا بحبل يسمونه "الجالبوت" Jolly boat وكان في وقتها صبي إسمه "علي" يهرول كل يوم على ساحل شط العرب وبيده المصيادة لصيد العصافير تارة من أشجار حديقة البلدية، وتارة يصيد السمك بواسطة السنارة المربوطة بحبل طويل من النايلون نسميه "البِلِد".وفي كل الأمور لابد من المرور سريعاً على كازينو البدر حيث يخرج عمو مهدي وبيده بطل السيفون ويلح على الصبي بشربه ثم يدس بجيب دشداشته عشرة فلوس وبعدها يهرول راكضاً مقلداً هورن سيارة الستروين. وكان يوم صعب على صغير بعمر ثمان سنين أن يتحدى سمكة كبيرة تقاومه بعد أن أدمت أصابعه ولم يسمع الحاضرون إلا صوت ارتطام بالماء واختفى الصبي بلمح البصر ليجن جنون عمو مهدي الذي أحبه بجنون لبراءته وعزة نفسه ورفضه شرب السيفون و أخذ النقود رغم حاجته . وكان بكاء عمو مهدي يملأ المكان وهو يصرخ "علي علي أين أنت.. لا تعوفني يا علي." لكن علياً بقي ذائباً بين الأمواج وقد يكون تحت "البم" أو في جوف كوسج جائع يحوم في الساحل في يوم صيفي حار ورطب، وفي اليوم التالي وبنفس اللحظات مزق حجب الصمت صوت هورن سيارة السيتروين من حنجرة طفل مرً مسرعاً بدشداشته الملونة حيث اختفى ثانية وسط أشجار حديقة البلدية يصيد العصافير بمهارة فائقة...
تذكرت هذه الحادثة وأنا على ساحل مضيق البسفور. ولم أجد نفسي إلا على مقدمة زورق ينتظر دوره في الإبحار. جلست قليلا بعد أن هزمتني دموعي وصوت يرن في أعماقي.. "مهدي مهدي... أين أنت يا عمو مهدي؟" لماذا رحلت وتركتني.. تعال فطعم السيفون يشدني وتلك النقود التي تحشرها عنوةً في جيب دشداشتي مازالت تحت وسادتي.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق