الأحد، 20 سبتمبر 2015

التقابل بين الانا والانا الاخر في(عزرائيل يحاورني) علوان السلمان/ تقديرم الشاعر / جابر السوداني / العراق ....

التقابل بين الانا والانا الاخر
في(عزرائيل يحاورني)
علوان السلمان
النص الشعري مغامرة مؤطرة بتشظيات الذات المنتجة بارتكازها على الانزياحات الصورية المنفتحة على فضاءات الوجود في حيزه الذاتي والموضوعي بوحدة دلالية وكينونة ابداعية واعية..معبرة عن طموح يخلقه المنتج(الشاعر)..كونها نتاج تفاعل الذاكرة والحركة السائدة في قيم المبدع الفنية والموضوعية(تراثيات/رموز/اساطير/حكايات..) والمستندة على كيان زمني يشكل فعلا متدفقا بتحولاته الفنية التي تساوقت والتحول الفكري والزمني والتي شكلت اثره الفاعل في انفتاحه على المستوى الجمالي والفني والاسلوبي فانتج قصيدة النثر المقطعية التي شكلت منظومة شعرية متمردة على الزمن وتجاوز القوالب الجاهزة مع قدرة على استيعاب جماليات النص(الصورة/التخييل/الرمز/الرؤية المكثفة سياقيا وتركيبيا..)مع وحدة موضوعية خاضعة لتشكيلات النص الخالق للرؤية الابداعية التي هي القدرة على التعبير والابتكار والتصوير الذي يؤسس لفضاءات عوالمه الحالمة..كونه وجود مقترن بالفكر المكتنز بالدلالات الذهنية المتصارعة والواقع من اجل خلق عوالم تتناغم فيها الرؤى وتتفاعل مع انساق مكتظة بالحيوية والدينامية..
والنص الشعري(عزرائيل يحاورني)..الذي نسج عوالمه المقطعية الشاعر جابر السوداني والتي شكلت لوحات مشهدية درامية تهدف الى احداث تاثير جمالي مستفز للذاكرة باعتماد التقابل بين (الانا والانا الاخر) المعبر عن الحالة النفسية المازومة زمانيا ومكانيا مع تعدد الظلال الرؤيوية..
تتآكل اطرافي السفلى
وتذوب تباعا..
في اوعية الملح المر
يا هذا الفزع الخائف
من جرحي الغائر في خاصرتي
والموغل في القدم الازلي
سلام
فالشاعر يشتغل في بناء نصه على العمق التصويري في صناعة الصورة التي تمزج بين المعنيين الحسي والذهني بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات وتحولاتها الشعورية..فضلا عن استنطاق رموز الطبيعة وصورها بايجاز وتكثيف مع توظيف تقانات فنية كالرمز الاشارة الحسية المجازية لما هو خارج نطاق الحواس.. والتنقيط الذي يدعو المستهلك للاسهام في بناء النص وهندسته..والاستفهام الهادف الى زيادة فاعلية اللغة وتجاوز المألوف وتحقيق التوصيل بين اطراف المعادلة الابداعية التي يشكل طرفيها:
المنتج( الشاعر) //المستهلك(المتلقي)
انت الليلة ضيفي وصديق صباي
ساشاطرك الوقت غناء
بدوي النكهات..
واذوب بقهوتك الكحلية..
عسلا جبليا وحبور
لا يحزنك بكائي المتواصل
منذ الازل عويلا
موتورا كالريح الثكلى
يئن بمسمعك
المترصد دوما والاشجار
لا تخشاني
انت النصل المرهف في خاصرتي
انت سنان السهم المقبل
وصريخ السيف
وانا الجرح النازف شعرا حد الموت
فالنص يفصح عن ثنائية تسبح في فضاء سردي متنام..وحبكة درامية متكئة على حقول دلالية(الزمن/الرؤية/الرؤيا..)لتحقيق خط ايصالي يستفز المستهلك بضربته الادهاشية المتبلورة في المخيلة النابضة نبض الشاعر المنساب بحس تعبيري منسوج نسجا دلاليا عبر الفكرة التي تبدو بصرية..حسية تستمد من تفاعل ذات الشاعر والموضوع(الواقع) مع تجريدية ذهنية تمنح الالفاظ معنى رمزيا يسمو باللحظة الى عوالم التامل التي يحددها استعماله للافعال التي تدل على الحركة(اشاطر/اذوب/يئن/....)والتي جمعت بين الدلالة الحسية والمعنوية مع احتفاظها بمدلولها الزمني عبر الصورة الشعرية التي شكلت كيان النص الفني المنتزع من التجربة الذاتية للشاعر ونظرته الكونية والوجودية المنحصرة بالمرئي والمتخيل من خلال قدرتها على تجسيد المعاني في بنية لفظية يكشف عنها معجمه الشعري..
عمر مر..
وانا ذاكرة معطوبة
خلفني البدو الرحل
مغروسا في رمضاء الربع الخالي
لم يلتفت الغادون لوجهي..
ولا عانقت سحاب البر
الوافد من عمق اللجة
عقود تمضي
وانا اجتر تعاقبها المترنح
في رمضاء الربع الخالي
لا ظللني
رداء الريح الشرقية من عطش
الابعاد المر
ولا ساورني ادنى شك
بأني المهزوم الاسوأ حظا
في تاريخ الظلم الشرقي
فالنص يعتمد التركيز والتكثيف عبر حوار ثنائي(منولوجي)يتخذ مسارات متعددة للتعبير عن حالة نفسية بمضمون شعري مكتنز بتوتره الداخلي من اجل استيقاظ الحياة والرؤيا الابداعية المتالقة تحت اشراقة الوعي..فكان (تصميما محملا بقدرة من الحساسية)على حد تعبير هربرت ريد في (معنى المعنى).. مع اتكاء المنتج على مقومات واساليب تعبيرية في بنائه(كآلية السرد)التي اضفت دينامية حركية..والتعبير بالصورة المشهدية لتحقيق المتعة الجمالية..اضافة الى توظيف تقانة التكرار الدائري(سلام/مر)..الظاهرة الاسلوبية التي تعكس جانبا من الموقف النفسي والانفعالي الذي تفرضه طبيعة السياق الشعري والتي تكشف عن تعدد الرؤى داخل المتن النصي باتخاذه من الجزء بؤرة للحركة..اضافة الى اضفاء نبرة موسيقية تغطي عوالم النص..اضافة الى الكشف عن ايقاع داخلي وتوكيد للحالة النفسية والانفعالية للذات الشاعرة عبر لغة تخاطب الوجدان وفق معيار حداثي وتركيز على الخصائص الحسية لابراز الجمالية النصية باستنطاق كينونتها اللفظية وتفعيل الاثر..كونها احد الادوات الجمالية التي تشكل السياق التوكيدي اللفظي المضاف للقافية التي لا زمت نهاية كل مقطع..
سلام
ياسيد اوجاعي
ماذا خبئت
بطي عباءتك الوارفة الظل
رغباتي المكبوتة منذ صباي
او جرحي المتطاول وجعا
من اخمص قدمي لراسي
او خطوي الضائع في ظلمات التيه جهارا
او احفادي المقترضين
افواه تتربص في الغيب باشلائي
تاكل من لحمي المهروس
ولائم تمتد الى ابعد من لب الارض النائي
فالشاعر يتخطى الحسيات الى افق الرؤيا بمخاطبة الوجود والاشياء بلغة الفكر المتشظي مع تجاوز القوالب الجاهزة( التحشيد الايقاعي/القافية...) ومزجه بين السردية والشعرية وهو يقترب من ملامسة المتخيل عبر ثنائية الخلق والتشكيل ليقدم نصا يتميز بتراكم الصفات التي اسهمت في الكشف عن توتر نفسي ابتداء من العنوان الدلالة السيميائية المختزلة لحركة النص والمفتاح الاجرائي لاستنطاقه..
تتوالى الساعات وانت ثقيل جدا
تتوسد جرحي
ملحا مخلوطا بالحجر اللاهث
والكبريت
ما بالك لا تسمع صوت الجرح
الصارخ
يتطاول وجعا نحو شغاف
القلب الميت كاعصار
فالنص يعبر عن هم انساني بمخيلة متدفقة تحول الفكرة الى صورة بتشكلات متميزة حققت غناه واكتنازه الشعري وسياقه الدرامي المستند على تصادم المتناقضات الثنائية مع غوص في اعماق الذات لتفجير اللفظ وتشكيل الصورة التي هي وسيلة الشاعر لانجاز وظائف نفسية وتاثيرية وتخييلية باسلوب مدعوم بالفاظ مسندة كما في(جدا) التي استدعتها البنية الاسلوبية كي ترفع من قيمة الجانب التهويلي..فضلا عن انها فعالية تقوم على التشبيه والمجاز والاستعارة التي تكشف عن عمق تعبيري صانع لجمالية النص المنساقة مع بعض وجوه الطبيعة..
وبذلك قدم الشاعر نصا شعريا تتعالق فيه الانا والانا الاخر مع تنويعات شعرية عكست عوالم استفاقت على انشغالات فكرية وحياتية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق