الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

قراءة نصية في قصيدة "تمائم" للشاعرة التونسية " ريم القمري " هاشم خليل عبدالغني - الأردن,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

قراءة نصية في قصيدة "تمائم"
للشاعرة التونسية " ريم القمري "
هاشم خليل عبدالغني - الأردن
تمتاز الشاعرة التونسية " ريم القمري " برقتها وعذوبتها وقوه تأثيرها ، وهي تخاطب روح الإنسان وضميره ، وتناجي وجدانه وقلبه ... هي شاعرة الوجع الإنساني ، ( تقرع أجراس القصيدة لتحذرنا من لحظة تكسر المرايا وتناثرها ، تقاوم أمواج الخريف الذي يدنو من الأبواب ) تتكئ في بناء نصها الشعري على بناء معماري متميز وصلب ، بلغة مبهرة أنيقة ...
سندرس قصيدة " تمائم " للشاعرة "ريم القمري" دراسة تستكشف مدلولاتها مع محاولة ربطها بالواقع ، مع التركيز على الدلالات والرمزية وربطها بالواقع .
تبدأ الشاعرة " ريم القمري " قصيدتها ( تمائم ) بكلمة لا مفر ..دلالة على تأكيد النفي ، فلا ملجأ أو مهرب ولا مناص للشاعرة من ذاكرتها ، التي تختزن بداخلها تجارب سابقة ، تستعيدها الشاعرة بين الفينة والأخرى ، فللشاعرة ذاكرة بصرية وقوة عقلية تحتفظ بداخلها كل ما يُبصَر، ولها ذاكرة حافظة قادرة على استبقاء الأشياء في ذهنها ، هذه الذاكرة القوية سبب إرهاق وإجهاد الشاعرة .
الشاعرة في صراع فكري داخلي ساحته الرئيسة ذاكرتها ، فهي تعيد وتكرر تارة وتحاول إعادة النظر من جديد في مخزونها الفكري ، الذي جعل الدم يفور ويغلي في عروقها ، لذا فهي تحاول ضم ونظم أفكارها الأزلية القديمة بعضها لبعض ، باحثة عن حل يريحها ويهدئ من ثورة أفكار تمور في داخلها الداخلية . لذا لا تريد أن تَحّمِل َ ذاكرتها على النسيان ، نسيان جزئيات ودقائق أفكار وجع وألم طال وأشتد عليه الزمن .
ولكن في ظل هذه الانفعالات الداخلية ، يأخذ الحلم الشاعرة لعالم من التصوف والتطهر والانكشاف ، والهروب .. في إشارة لمضمون للآية القرآنية في " سورة طه " (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) فتخلع نعليها لأنها في ارض وادي الحلم المقدس .. تحلم أحلاما بعيدة عن الواقع ، أو تتخيل أحلاما تشكلها وفق ما تشتهي من طقوس ، تتواضع ويلين جانب قلبها المسكون والعامر بالشعر والزجل الذي تردده الشاعرة وينشده القوم أيضاَ..
تُضَمِنُ الشاعرة نصها قصة موسى عليه السلام ( لما كلم الله موسى أنزل عليه الألواح ، يعتقد المسلمون أن الألواح كانت ستة ألواح ثم رفع منها اثنين فبقيت أربعة ) .
كما تقتبس الشاعرة من القرآن الكريم بعض المفردات " اخفض جناح " ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) .
في أرض أحلام الشاعرة المقدسة المتخيلة لا تنتظرها ألواح مقدسة ،( إشارة للعدم واللاشيء والمعاناة ، والوهم ) .. وترى الشاعرة أن دربها شاق ووعر ومتعب ،. يتطلب جهداً وعناء لعبوره . كمعظم المصلحين والمجددين والمفكرين .
لا مفرّ لي من ذاكرتي المتعبة...
أعيد ترصيف الأزل في دمي..
لا أنسى تفاصيل الوجع المزمن.
أخلع نعلي في وادي الحلم المقدس.
أخفض جناح قلبي العامر بالأناشيد.
لا ألواح مقدّسة تنتظرني.
طريقي شاقة مثل كل الأنبياء.
تعلن ريم قمري بأنها من أضطرم وأشعل لهيب حرائق التمرد والرفض ، رافضة السكون والاستكانة والركون للواقع ، وهي التي تخطت وتغلبت على بعض العقبات ، لتجتاز وتعبر ضفة نهر التغيير طمعا في حياة أكثر إشراقاً وتنويراً ... وتؤكد الشاعرة أن هذه الأرض التي نعيش عليها طاردة للخير وخالية من الرحمة ، هي عذاب وشر مستطير لعشاق الحياة ، وضلال وإغراء للأتقياء الصالحين بتأثيرها على فكرهم وسلوكهم .
هذا ما حذر منه الرسل والمصلحون المفكرون ، ولفظه ونبذه الشعراء .
صوت ما ( لعله الضمير أو هاجس داخلي ) ٍساكت صامت لا ينطق .. يلاحق الشاعرة يحاول الإمساك بها ... فأوقعها هذا الصوت الخفي في شباكه ، (حين اختلطت الأمور والتبست )، ضحية للضواري والطيور الكاسرة . .. في إشارة لغلبة القوة والخداع .
في هذه الأجواء المقيتة والمعتمة .. تقول الشاعرة : ما اشد حاجتنا للاستقرار والهدوء والتنوير، ولقلوب رحيمة عطوفة نختبئ و نحتمي ظلالها، تعطينا وتجود علينا بالبركة والنماء والخير وتجنبنا عذاب الطرد من رحمة الله وخيره .
أنا من أشعلت نيران الحرائق
عبرت الأرض بجسدي.
الأرض لعنة العشاق...
غواية الأتقياء...
هذا ما بشّر به الرسل،
وأنكره الشعراء.
نشيدك الصامت يطاردني،
كنت الفريسة والشبك.
ما أحوجنا لسماء أقرب لقلوبنا،
تظلّل خيامنا...
تسقي زرعنا...
تمنحنا بركات أكثر...
لعنات أقل.
تتصدى الشاعرة للظلم وللطغاة فتطلب منهم أن يرفعوا ويكفوا أذاهم وتجسسهم بحثاً عن خبايا وإسرار الصدور ، فلا تملك الشاعرة تمائم تعلقها ولا قوة سحرية لتقيها من الأرواح الشريرة ( الفكر المتخلف ) . أو القوة الغاشمة ...كما أنها لا تلجأ لترديد الأدعية ، ،حينما تريد تجاوز (بحر )العقبات والصعوبات ، بل تلجأ للعمل والتنفيذ... خالية وسليمة من كبائر الذنوب ، باستثناء بعض الذنوب البسيطة . ولكنها فجأة تسقط من عليائها في حفرة الضلال والخطيئة لأنها حادت عن طريق الحق واتبعت هواها ...
فهل كانت الشاعرة تحلم ؟ ربما .. ولكنها ليست عرافة لتشرح بإبانة ووضوح ، ما يحدث على ارض الأحلام .
ارفع يدك عن صدري
لا تمائم أعلّقها،
لا صلوات أردّدها حين أعبر اليمّ،
عارية إلا من خطاياي...
سقطت في بئر الغواية،
لا أجيد تفسير الأحلام.
تنتقل الشاعرة لحالة أخرى ، فتشير أن لكل فكر أهله وخدامه، فلأماكن العبادة خدمها وحراسها الأشداء الأوفياء .
أخبرتنا الغيمة وللغيمة رأي خاص والغيمة تعلم ما لا يعلم الإنسان .. أن لا أحد يحب القوة والشدة المفرطة .
للمعبد سدنته الأوفياء...
السّماء لا تحبّ الحراس الأشداء..
قالت الغيمة...
تعلم الغيمة ما لا يعلم الإنسان..
تُعَبِرُ "ريم القمري " بطريقتها الخاصة عن واقعنا المتخلف وكأننا متخلفون بالفطرة ، فحياتنا مليئة بالمشاكل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وكأني بها تتساءل .. لماذا يُعَدُ العالم العربي أرضاً خصبة للظلم ؟! ولماذا يترعرع الظلم في كلّ تفاصيل مجتمعنا العربي ؟.
تقول الشاعرة : حينما انظر نظرة بانورامية لواقعنا المأزوم ـ وأينما وجهت وجهي في فضاء وطننا الممتد بين الخيبة والخيبة ، أرى مظاهر الظلم والاستبداد تتمدد وتنمو كمرض خبيث . ..في بلادنا الفاعل ( الصالب ) والمفعول به ( المصلوب ) (في اقتباس لطيف من قصة صلب السيد المسيح ) .و فيه البريء المجني عليه والجاني، والمومس بائعة الهوى والسيد المطاع . و المعنى الحميد المحمود والمعنى المذموم.. ولكن الشاعرة تؤكد رغم كل هذه التشوهات في حياتنا ما هو جميل .. ألا وهو الشاعر والقصيدة . قال العقاد : ( والشعر من نفس الرحمن مقتبس ..والشاعر الفذ بين الناس رحمن ) ...وقال زكي مبارك:" ومن الناس من يتبع الشعر الداعي إلى الحق ويرى فيه نفحة من نفحات النبوة وعلامة من علائم الرسالة" (نلاحظ أن الشاعرة استخدمت في هذا المقطع ، بعض المحسنات البديعية ، منها الطباق ...حيث جمعت الشاعرة بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْن مُتَضَادَّيْنِ).
"قالت الشاعرة:
أينما يمّمت وجهي،
كنت الصّالب / المصلوب
الضحية / الجلاد
الغانية / السيد
المعنى / ضدّه
القصيدة / الشاعرة."
القناعة طريقنا لحياة طيبة، لأنها ركن من أركان السعادة ، هذا ما تؤكده الشاعرة " ريم القمري " حين اكتفت بالقليل من حاجاتها الأساسية من زاد الحياة ، من غير زيادة أو نقصان ... يكفيها قصِيدَةً شِعْرِيَّةً مُلَحَّنَةً وَمُغَنّاةً ، ممزوجة ببعض الأماني والمطالب والحاجات البسيطة للاحتفاظ بها لأيام هزيلة عجفاء .
" يكفي قلبي من زاده الكفاف
بعض الأغاني...
قليل من الأمنيات...
وحبّة قمح يخفيها لأيّامه العجاف."
تعبر " ريم قمري " دون إبهام أو غموض وبكل إبانة ووضوح عن أحلامها وأمانيها .. فتعلن أن أحلامها المتخيلة بلا حدود ، خاصة عندما تتفتق وتنشق أمامها الأفكار الصائبة والرأي السليم ، في هذا الجو تعود لعنة ألأسئلة وعذابها لتلاحق الشاعرة وتمسك بتلابيب أحلامها و تعكر صفاء أفكارها ، كأنها صوت المعذبين الذي ضاع وتلاشى في قاع المدينة .. فلم تعد روحها تتسع إلا للحقيقة .
" لا أرض تتّسع لحلمي
كلما تفتّحت أمامي الرؤى
عادت تطاردني لعنة الأسئلة
لا مكان يتسع لروحي
أخف من الريح
أثقل من الحقيقة "
في ذهن الشاعرة أفكار متصارعة و مفاهيم وعلاقات
غامضة مندفعة ووثابة ،غَيْرُ خَاضِعٍة لِلْعَقْلِ والفهم .
بصورة غير مباشرة... تتساءل الشاعرة ، لماذا يُورِثنا العقل والفهم والفطنة الجنون ؟ ويورثنا قصائد معلقة خلف الجدار، غرقت في بحر الوجع والألم، فالقصيد يقول للشاعرة : لا تمائم أعلقها لتقيني من الأرواح الشريرة وتدفع العين والحسد .
" أيّتها الخيول الجامحة في دمي
لا نرث من الحكمة إلا الجنون،
وبعض القصائد المعلّقة خلف الجدار...
للبيت قصيد يحكيه.
لا تمائم أعلّقها "
وعن أحلامها تقول الشاعرة إنها واضحة جلية ، لا يوجد فيها ما يُخّجِل أو يعيب أو أستحي منه ... فهي أحلام حرة كريمة نظيفة .
"حاسر الرأس...
مكشوف الصدر...
حافي القدمين...
لا عورة يسترها...
لا نهد يخفيه...
حرّ... "
تواصل الشاعرة أحلام اليقظة الشاقة من خلال تذكر الماضي ، وتخيل المستقبل ، ضمن سلسلة من الأفكار المعقدة ، التي يتم توليدها في أنسجة عقلها الباطن ... فهي غزال رشيق سابح في الأوهام ، سرح خاطرُه وغفل عمّا حَوْله في صحراء الحياة ، ثائراً هائجاً متمرداً على سلطة الصحراء ، يحسن ترتيل الأدعية ( لليل الحزين ) كصوفي متعبد زاهد متقشف .
تعبر " ريم القمري " عن فرحتها بالتصفيق والهتاف لانتصار الحياة على هذه الأرض . مع هذا فالأفكار المتباينة التي تخوض حروبها الأرضية ، تستدعي الشاعرة اسطورة ( مأساة أخيل ونهايته، أشهر آلهة الإغريق القدماء، وواحد من أعظم الشخصيات الخيالية في العالم أجمع ،والذي قضى نحبه بعد أن اكتشفت نقطة ضعفه ) ، فالشاعرة تؤكد أن الحياة لا تستقيم على حال واحدة ، فهي خليط بين الشدة واللين والاجتماع والفرقة والنجاح والفشل فهي أحوال تتبدل وتتغير ، فدوام الحالِ فيها من المحال.
كما تؤكد الشاعرة بإشارتها لقصة أسطورة الطوفان :(هي قصة يحدث فيها فيضان كبير يدمر الحضارة ، وعادة ما يحل بها قصاص إلهي. ...و توصف مياه الفيضان بأنها تطهر البشرية وتأذن بولادة جديدة ) .
الأرض حدثت الشاعرة (بعد انحسار الطوفان ...طوفان التغير والتجديد ) حدثتها كلما دق جرس الوعي في أحلام منامي ، تكون النتيجة عكسية غير متوقعة ، فيكثر القول وينعدم الفعل ، يكثر عدد الساجدين الراكعين وترتفع الأكف بالدعاء والاستغفار ، ويقل ويضمحل عدد المؤمنين بالفعل والعمل ، فلا أمل جديد أفكر به .
" شارد في براري المنام
يسبح للفجر الثائر...
يرتّل لليل الحزين كدمعة صوفي.
أهلّل للأرض في أعيادها
والآلهة،
تخوض حروبها الأرضية.
يمرّ قربي أخيل..
صاعدا نحو جرحه الأبدي.
يسخر الموت من عباده الشجعان..
قال أخيل...
لا فناء إلا في السماء
حدّثتني الأرض...
بعد انحسار الطوفان.
كلّما قرع جرس في منامي
زاد عدد المصلين...
تضاءل المؤمنون.
لا دين أبشّر به، "
في المقطع التالي تشير " ريم قمري " إلى قصة هبوط آدم وحواء إلى مستقرهما الأرضي ، بعد استغلال إبليس لبراءة أدم وحواء كما يتضح تأثير المعصية في أدم وحواء .... هذا المقطع حافل بإيحاءات وخاصة كلمة ( الشجرة ) فهي رمز لكل حرام .
الشاعرة هنا تحاول تحرير فكرها وجسدها من سوءته الأولى التي اقترفها أبوينا أدم وحواء ، حين غرر بهما إبليس اللعين .. تمهيداً للبحث عن خفايا الدوام والبقاء في هذه ( الشجرة ) التي كانت سبب خروج أدم وحواء من الجنة .وتعاتب الشاعرة حواء .. فتسألوها سؤالاً استنكاريا ...لماذا أقمت سياجا حول قلبك وتركتِ الرغبة تتغلب عليه ؟ّ! وحملتِ وحدك تكاليف وأثقال الحب ّ!! لا أحد يشاركك عظم ذنبك يا حواء !
"أمشي على أثر التفاحة،
أحرّر جسدي من سوءته الأولى،
أبحث عن سرّ الخلود في الشجرة.
لماذا تركت الرغبة تسيّج القلب يا حواء؟
حملت أعباء الحب وحدك؟
لا آدم يقاسمك الخطيئة...
يبادلك كأس الإثم...
يبارك ثورة الجسد فيك ؟"
نلاحظ في المقطع التالي حالة من التوهان والتشتت وعدم القدرة على التركيز وبلا قدرة على توصيف الحالة أو معرفة أسبابها ، تبحث الشاعرة عن ذاتها بين أنقاض وحكايات المعابد وقرابينها ، تقديرا لعينيها ... بالرغم من هذه الحالة تشعر الشاعرة أنها غريبة تعاني الوحشة والبعد ، كصفصافة وحيدة تقاوم وتناضل ريح الردة والتخلف الشديدة .. ولكنها لا تستسلم أو تخضع .
هذه الصفصافة التي تقاوم الفكر المتعفن تحاول أن تمد أصول فكرها المتحضر المقاوم الحر في تربة صالحة لنموه وتفتحه ، ولكن هيهات فالأرض غير صالحة لزراعة وتلاقح الأفكار والآراء الجديدة ... ورغم هذه المحاولات اليائسة ، فإن الشاعرة ( ريم القمري ) تؤكد أن النزعة الإستصالية والخوف من الأخر المختلف معنا ، والتعصب للفكرة الواحدة هي من علامات التخلف الذي لا يوصل لشيء سوى إلى مزيد من التخلف .
ولكن تقول الشاعرة أن هؤلاء ( المثبطين ) لم يعلموا أنني أحطت قلبي وسيجته بأسوار من الحب والبذل والفداء ، لكي تزهر وتختمر أفكار التغير والتقدم ولو بعد حين . و تضيف ( الشاعرة ) لا تمائم أعلقها لتقيني من الأرواح الشريرة وتدفع العين والحسد بعيدا .
"أبحث عنّي...
بين كتب التاريخ،
حين كنت آلهة حزينة
تُسفك الأغاني في مذبحها
تقصّ الصبايا جدائلهن على ضفاف بحرها
إكراما لعينيها.
بالغربة قلبي..
صفصافة وحيدة تقاوم الريح..
لا تنحني
تنشد جذورا ثابتة في الأرض..
هيهات..
لا الأرض أرضها
لا السماء سمائها.
مرّت سفنهم من هنا
رموك بالحجارة والنار...
غزوا بحرك النائم،
هدّوا أسوار مدينتك.
لم يعلموا أنّك...
سيّجت قلبك بالياسمين...
كتبت سيرة الماء بدمك الأخضر...
لتزهر الأرض في مواسم بعيدة
لا تمائم أعلقها "
بكل قوة تصرخ الشاعرة ( ريم القمري ) مستمدة من ثقافتها ومما تحمله من مضامين متنوعة ومتشعبة وعياً إنسانياً وفكرياً راقياً ثورياً .. تصرخ أنا حرة عفيفة محصنة من سطوة التاريخ البائس ومن مساربه الملتوية وأفكاره الجامدة ، وتضيف أنا حرة من سلطة وتأثير الحاضر ، ومن صوت الجلادين القتلة ، ومن استكانة المظلومين من خوف الفقراء واستسلام النساء ومن نفاق الكهنة حراس الجهل والتخلف ...
( ريم القمري ) أنا حرة إلا من قيد الفكر الحر المنعتق من أدران الملوثات ، أنا حرة من الموروث الماضوي وهشاشته الفكرية .....حريتي في كمال العبودية لله .
"حرّة أنا من لعنة التاريخ...
من سطوة الحاضر...
صوت الجلادين...
بكاء المظلومين...
خوف الفقراء...
انتظار النساء...
من حرّاس المعابد.
حرّة أنا،
إلّا من حلم يرفعني خفيفة...
لأسكن قلب الله."
أختم هذه القراءة بالقول إن هذه القصيدة تحمل مضامين متنوعة من أبرزها وعي الإنسان بماهية الكون ، وضرورة الرفض لكل القيم المتعارضة مع الاجتماع الإنساني ، كما أكدت الشاعرة أن هذا زمن التحدي ، والخطيئة العظمى زمن القصاص ، زمن ولادة حلم جديد ..
بالتوفيق شاعرة الوجد الروحي .. ريم قمري ...ريم الإنسانة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق