قصص ودراسات نقدية يوسف عبود جويعد
دراستي النقدية لرواية رائحة الكافور للروائية ميسلون فاخر المنشورة في مجلة ضفاف عدد نيسان 2019
جمالية النص في ... رائحة الكافور
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
في رواية (رائحة الكافور) للروائية ميسلون فاخر، لم نجد في صورة الغلاف ما يشير على إنها رواية، أو إشارة اخرى تخص التجنيس، بينما في الورقة التي تلي الغلاف والتي تحمل (لوگو) دار النشر، إشارة لذلك، لاننا سوف نكتشف أن النسق الفني لهذا النص مغايراً في كل ما يحمله من أدوات تدخل ضمن فن صناعة الرواية، إبتداءاً من بنية العنونة التي اشارت بشكل مباشر عن ثيمة النص ومضمونه:
( مذ رايتُ في طفولتي على ضفة النهر شجرة عتيقة لا تنكر شيخوختها قالوا لي هذه هي شجرة الكافور التي ينثرون أوراقها الصغيرة على جثة الميت قبل دفنه، ومنذ ذلك الحين ارتبطت رائحتها عندي بالموت. وها أنا كلما دخلت المستشفى تحضر ذاكرة الكافور بقوة وتستدعي معها أسماء وموتاً تعددت أسبابه: أحمد.. أمل.. أزهار.. سمر.. عذراء.. فوزية.) ص 45
الآ أن هذه الجرأة في إختيار عنوان لهذا النص يحمل كشفاً مباشراً عن ثيمة المبنى السردي والذي يهيأ المتلقي في أنه سوف يرحل مع أحداث تتطابق مع بنية العنونة، الا أن ذلك سوف يتلاشى بعد ان نخوض غمار معترك رحلتنا هذه في هذا العالم، لأننا سنكون مع الشخصية ألاولى التي تقوم بإدارة دفة الاحداث وهي مصابة باورام مجهولة، الأمر الذي جعلها تستحضر رائحة الكافور، وما تعني تلك الرائحة من إشارات رمزية تحيلنا الى ما تحمل من رمز وهو الموت،وهكذا فإن رائحة الكافور هي العتبة النصية التي تزجنا في خضّم الاحداث،والتي سوف نجدها قد قسمت الى أربعة فصول، وكل فصل يحمل حكاية هي رواية قصيرة لما تحمل من أدوات هذا الفن، والسياق الفني لتدوينه،والشكل والمضمون والزمان والمكان، والاحداث التي جعلتها تسير وفق اساليبها من حيث التعريف والحبكة والتأزم والانفراج،لأننا سنكون مع أربعة حكايات تختلف من حيث أدواتها التي ذكرتها، ولكنها ترتبط بالخط السردي الأساسي وهو رائحة الكافور والموت، حيث نجد كل حكاية تنتهي وبعد تفاصيل معمقة وبلغة روحية نفسية حسية شعرية فلسفية واعية، تنطلق من عمق الروح المتداعية المتألمة لتقدم هذا القدر الكوني، والحقيقة التي لايمكن الهرب منها، ألا أنها في هذا البلد تشعبت وكبرت واتسعت وصار الموت يطاردنا في الشوارع وفي اماكن عملنا وفي مساكنا، أنه الخطر الذي يلازمنا وسط هذا الخراب، والجهل، وقلة الوعي، والطمع، وأحياناً لأننا لا نملك الإرادة لإتخاذ القرار الذي من شأنه أن يخلصنا من براثنه، وهكذا فإن تلك الحكايات التي تضمنتها الفصول الاربعة تنحى هذا المنحى، في رؤية واعية جعلتها الروائية ضمن مسار السرد وسياقه الفني.
وهكذا ندخل الفصل الاول من هذا النص. لنكون مع أحمد في أحد أقفاص الأسر وباللغة السردية الآسرة، حيث أمضى من سني عمره عشرين سنة، في هذا العالم المغلق القاسي، حتى وصل به الأمر أن يعيش حياة متخيلة، فيعيش بهذا الخيال مع حبيبته فاطمة، ويتزوجها، وينجب منها اولاد،ويعيش في عالمه الخيالي مع أسرته التي سكنت معه أقفاص الأسر، للحد الذي فيه صار يصدق هذا الخيال، وعندما أبلغوه بأنه سيعود الى وطنه ويطلق سراحه، كان همه أن ترافقه هذه الاسرة الى وطنه، وأنه يحاول تهريبها مع مقنياته التي سوف يحملها معه:
( جلسَ مع أسرته للتباحث فيما سيحصل لهم في حالة العودة الى الوطن خاصة وإن الاولاد ولدوا خارج ذلك الحلم المترهل الذي طالما حدثهم عن أدق تفاصيله وطابّ لهم. ولكن شيئاً تلبّس الجميع فقد ذعروا من فكرة العودة. ربما تعودوا على العيش في ذلك القبو المظلم ولكن الشيء الذي قضّ مضجعه هو هل يستطيع تهريبهم معه دون أن يظفر به أحد.) ص 17
وهكذا يصل أحمد لوطنه وبإنتظار من يسأل عنه من بين الأسرى ليقوده الى بيت أهله فلم يجد الا فتاة تقدمت إليه وسألته عن إسمه لتتعرف عليه، ولتظهر فيما بعد أنها أبنة فاطمة حبيبته التي ماتت بعد ولادتها،فيكون ضيفاً عليهم وتكون تلك الفتاة الحنان كله في رعايتها له، حيث قدمت له الشراب والطعام، بعد أن خرج من الحمام ليزيل أدران ووساخة سنين الأسر.
ثم يتسلل دون علمهم ليذهب لى بيت أهله فلم يجد أحد هناك، ليسكن في هذا البيت ومعه عائلة كبيرة من نسج الخيال، ويعيش في عزلة تامة، حتى نستنشق رائحة الكافور عند وفاته، وهو البؤرة الرئيسية لكل الاحداث التي ارتبطت وتوحدت لتشكل نسقاً روائياً بالرغم من إختلاف الحكايات. حيث أن هذه البؤرة وحدت الاحداث وجعلتها نسق فنياً ينتمي الى صناعة الرواية.
تتخلل هذه الفصول فواصل تقدم لنا حكاية الراوية وصراعها وخوفها من المرض، لكننا نكتشف أن هذه الساردة هي الروائية ذاتها،إذ يمر إسمها في مسيرة أحداثها،حيث بعد دخولها صالة العمليات واستئصال المرض الخبيث من صدرها وعندما تستيقظ من التخدير تجد أمامها طبيب التخدير:
( - صباح الخير ياست مســ ســ ل....
فهوّنت عليه لفظ اسمي الذي إستغربه وأنه لم يسمع به بالرغم من أنه مستمد من معركة ميسلون التي قادها ياسر العظمة ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا:
- اسمي ميسلون..) ص 23
في الفصل الثاني ننتقل الى حكاية أزهار والتي يدخل الى بيتها عابر سبيل رجل كبير من سوريا، ويقنع أهلها بالزواج منها بإغرائهم بما يملك، وتستسلم أزهار على مضض،ولا تدري الا وهي في بلد غير بلدها، وتظهر حقيقة هذا العجوز بأنه لا يملك شيئاً وبخيل، وأنها ترتدي ملابسها التي احضرتها من بيت اهلها،وتزداد الاحداث سوءاً عندما يخبرها أنها سوف ترافق السائق لترى أهلها، الا أن وجهتها ليس بيت أهلها وإنما بيت للدعارة تقوده إمرأة متسلطة، تحاول إيقاعها بحبائل الشيطان،الا أن عفتها أبت أن تبيع شرفها وكرامتها، فتدخل للمطبخ وتحرق نفسها، وتجري محاولات لإنقاذها، الا أن رائحة الكافور تنبعث مرة اخرى معلنة نهايتها.
وتدور ضمن هذا الفصل أحداث الراوية ومراجعاتها للتتاكد من نتائج الزراعة لهذا المرض الخبيث، ويأخذون منها خزعة اخرى لعدم ظهور النتائج في السابقة.
(إزدحمت رائحة الكافور في أنفي وكدتُ اختنق. هل يعني هذا أن الموت يقترب أكثر من ذي قبل؟ وبدأت ذاكرة الكافور تنثر صورها حولي ..سمر.. عذراء..و)ص 82
وفي الفصل الثالث نعيش أحداث عذراء وسمر، حيث تخرج سمر من البيت تحمل رضيعها لترمي نفسها في النهر من فوق الجسر، ويستطيع السائق انقاذ الطفل وتغرق سمربأحزانها،وتسوء حالة الطفل التي تولت رعايته سمر أخت زوج عذراء، فتذهب به مع أخيها الى المشفى، وهناك تتعرف بحسن الذي يحاول قدر الامكان إقناع أهلها، وخاصة والدها السكير، الذي لا ينفك عن شرب الخمر،بالزواج منها وهو يعرف إنها تعيش حياة قاحلة جافة، ويتزوجها ليعوضها عن كل شيء فتحس كأنها في حلم وإنها لم تكن تعيش الحقيقة، الا أن زوجها حسن يغدق عليها العطايا، فتعيش أجمل أيام حياتها، الا أن انفجار حدث بالقرب منها يحيلها الى أشلاء.
(- هذا ليس ذنبك ياولدي..هذا ثمن إبتلائنا بكوننا عراقيين في وطن لا ينتج إلا الموت بأشكاله جميعاً، ولا تشم فيه سوى رائحة الكافور) ص 131
في الفصل الرابع نكون مع حكاية فوزية ذات السمعة السيئة، وحكاية أخوها الذي تشاجر مع زميل له الذي ذكر اسم إخته فوزية بسوء وقال عنها بانها قحبة وتذهب معه الى المدرسة وتدور تفاصيل طويلة لاتسع الدراسة لذكرها،ثم يفصل رأسها عن جسدها في الحملة الايمانية إبان حكم الطاغية التي شنت على بائعات الهوى في وقتها.
بعدها نعود لحكاية الراوية (ميسلون) وصراعها مع مرضها الخبيث لنرحل معها في أحداث أشبه بالحلم عندما يخبروها بسوء حالتها ويجب اجراء العملية،وكانت من الموت قريبة،بل أنها قاب قوسين او ادنى،بعدها تكون قد فاقت من آثار المخدر ليخبرها الطبيب الجديد بأن حالتها جيدة ولا تشكو من أي مرض، وأن ذلك جاء نتيجة خطأ من زميله، عندها فتشت عن احمد وسمر وازهار وفوزية، فلم تجدهم هذا لأننا كنا معها في رحلة في عالمها السردي الرائق الهادئ الحزين،ونحن نستنشق رائحة الكافور، الذي إجتاج البلاد، وغزا كل أركان الحياة،بسبب هذا التدهور والخراب.
رواية ( رائحة الكافور) للروائية ميسلون فخري،رحلة عميقة في هذا العالم،لإمتلاك الروائية لغة سردية متفردة ومميزة، أضفت للاحداث جمالية من تلك التي تخرج من وسط القبح، فكانت تلك الحكايات هي رائحة الكافور الذي يعصف بهذا البلد.
من إصدارات دار سطور للنشر والتوزيع- بغداد – شارع المتنبي لعام 2018
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
في رواية (رائحة الكافور) للروائية ميسلون فاخر، لم نجد في صورة الغلاف ما يشير على إنها رواية، أو إشارة اخرى تخص التجنيس، بينما في الورقة التي تلي الغلاف والتي تحمل (لوگو) دار النشر، إشارة لذلك، لاننا سوف نكتشف أن النسق الفني لهذا النص مغايراً في كل ما يحمله من أدوات تدخل ضمن فن صناعة الرواية، إبتداءاً من بنية العنونة التي اشارت بشكل مباشر عن ثيمة النص ومضمونه:
( مذ رايتُ في طفولتي على ضفة النهر شجرة عتيقة لا تنكر شيخوختها قالوا لي هذه هي شجرة الكافور التي ينثرون أوراقها الصغيرة على جثة الميت قبل دفنه، ومنذ ذلك الحين ارتبطت رائحتها عندي بالموت. وها أنا كلما دخلت المستشفى تحضر ذاكرة الكافور بقوة وتستدعي معها أسماء وموتاً تعددت أسبابه: أحمد.. أمل.. أزهار.. سمر.. عذراء.. فوزية.) ص 45
الآ أن هذه الجرأة في إختيار عنوان لهذا النص يحمل كشفاً مباشراً عن ثيمة المبنى السردي والذي يهيأ المتلقي في أنه سوف يرحل مع أحداث تتطابق مع بنية العنونة، الا أن ذلك سوف يتلاشى بعد ان نخوض غمار معترك رحلتنا هذه في هذا العالم، لأننا سنكون مع الشخصية ألاولى التي تقوم بإدارة دفة الاحداث وهي مصابة باورام مجهولة، الأمر الذي جعلها تستحضر رائحة الكافور، وما تعني تلك الرائحة من إشارات رمزية تحيلنا الى ما تحمل من رمز وهو الموت،وهكذا فإن رائحة الكافور هي العتبة النصية التي تزجنا في خضّم الاحداث،والتي سوف نجدها قد قسمت الى أربعة فصول، وكل فصل يحمل حكاية هي رواية قصيرة لما تحمل من أدوات هذا الفن، والسياق الفني لتدوينه،والشكل والمضمون والزمان والمكان، والاحداث التي جعلتها تسير وفق اساليبها من حيث التعريف والحبكة والتأزم والانفراج،لأننا سنكون مع أربعة حكايات تختلف من حيث أدواتها التي ذكرتها، ولكنها ترتبط بالخط السردي الأساسي وهو رائحة الكافور والموت، حيث نجد كل حكاية تنتهي وبعد تفاصيل معمقة وبلغة روحية نفسية حسية شعرية فلسفية واعية، تنطلق من عمق الروح المتداعية المتألمة لتقدم هذا القدر الكوني، والحقيقة التي لايمكن الهرب منها، ألا أنها في هذا البلد تشعبت وكبرت واتسعت وصار الموت يطاردنا في الشوارع وفي اماكن عملنا وفي مساكنا، أنه الخطر الذي يلازمنا وسط هذا الخراب، والجهل، وقلة الوعي، والطمع، وأحياناً لأننا لا نملك الإرادة لإتخاذ القرار الذي من شأنه أن يخلصنا من براثنه، وهكذا فإن تلك الحكايات التي تضمنتها الفصول الاربعة تنحى هذا المنحى، في رؤية واعية جعلتها الروائية ضمن مسار السرد وسياقه الفني.
وهكذا ندخل الفصل الاول من هذا النص. لنكون مع أحمد في أحد أقفاص الأسر وباللغة السردية الآسرة، حيث أمضى من سني عمره عشرين سنة، في هذا العالم المغلق القاسي، حتى وصل به الأمر أن يعيش حياة متخيلة، فيعيش بهذا الخيال مع حبيبته فاطمة، ويتزوجها، وينجب منها اولاد،ويعيش في عالمه الخيالي مع أسرته التي سكنت معه أقفاص الأسر، للحد الذي فيه صار يصدق هذا الخيال، وعندما أبلغوه بأنه سيعود الى وطنه ويطلق سراحه، كان همه أن ترافقه هذه الاسرة الى وطنه، وأنه يحاول تهريبها مع مقنياته التي سوف يحملها معه:
( جلسَ مع أسرته للتباحث فيما سيحصل لهم في حالة العودة الى الوطن خاصة وإن الاولاد ولدوا خارج ذلك الحلم المترهل الذي طالما حدثهم عن أدق تفاصيله وطابّ لهم. ولكن شيئاً تلبّس الجميع فقد ذعروا من فكرة العودة. ربما تعودوا على العيش في ذلك القبو المظلم ولكن الشيء الذي قضّ مضجعه هو هل يستطيع تهريبهم معه دون أن يظفر به أحد.) ص 17
وهكذا يصل أحمد لوطنه وبإنتظار من يسأل عنه من بين الأسرى ليقوده الى بيت أهله فلم يجد الا فتاة تقدمت إليه وسألته عن إسمه لتتعرف عليه، ولتظهر فيما بعد أنها أبنة فاطمة حبيبته التي ماتت بعد ولادتها،فيكون ضيفاً عليهم وتكون تلك الفتاة الحنان كله في رعايتها له، حيث قدمت له الشراب والطعام، بعد أن خرج من الحمام ليزيل أدران ووساخة سنين الأسر.
ثم يتسلل دون علمهم ليذهب لى بيت أهله فلم يجد أحد هناك، ليسكن في هذا البيت ومعه عائلة كبيرة من نسج الخيال، ويعيش في عزلة تامة، حتى نستنشق رائحة الكافور عند وفاته، وهو البؤرة الرئيسية لكل الاحداث التي ارتبطت وتوحدت لتشكل نسقاً روائياً بالرغم من إختلاف الحكايات. حيث أن هذه البؤرة وحدت الاحداث وجعلتها نسق فنياً ينتمي الى صناعة الرواية.
تتخلل هذه الفصول فواصل تقدم لنا حكاية الراوية وصراعها وخوفها من المرض، لكننا نكتشف أن هذه الساردة هي الروائية ذاتها،إذ يمر إسمها في مسيرة أحداثها،حيث بعد دخولها صالة العمليات واستئصال المرض الخبيث من صدرها وعندما تستيقظ من التخدير تجد أمامها طبيب التخدير:
( - صباح الخير ياست مســ ســ ل....
فهوّنت عليه لفظ اسمي الذي إستغربه وأنه لم يسمع به بالرغم من أنه مستمد من معركة ميسلون التي قادها ياسر العظمة ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا:
- اسمي ميسلون..) ص 23
في الفصل الثاني ننتقل الى حكاية أزهار والتي يدخل الى بيتها عابر سبيل رجل كبير من سوريا، ويقنع أهلها بالزواج منها بإغرائهم بما يملك، وتستسلم أزهار على مضض،ولا تدري الا وهي في بلد غير بلدها، وتظهر حقيقة هذا العجوز بأنه لا يملك شيئاً وبخيل، وأنها ترتدي ملابسها التي احضرتها من بيت اهلها،وتزداد الاحداث سوءاً عندما يخبرها أنها سوف ترافق السائق لترى أهلها، الا أن وجهتها ليس بيت أهلها وإنما بيت للدعارة تقوده إمرأة متسلطة، تحاول إيقاعها بحبائل الشيطان،الا أن عفتها أبت أن تبيع شرفها وكرامتها، فتدخل للمطبخ وتحرق نفسها، وتجري محاولات لإنقاذها، الا أن رائحة الكافور تنبعث مرة اخرى معلنة نهايتها.
وتدور ضمن هذا الفصل أحداث الراوية ومراجعاتها للتتاكد من نتائج الزراعة لهذا المرض الخبيث، ويأخذون منها خزعة اخرى لعدم ظهور النتائج في السابقة.
(إزدحمت رائحة الكافور في أنفي وكدتُ اختنق. هل يعني هذا أن الموت يقترب أكثر من ذي قبل؟ وبدأت ذاكرة الكافور تنثر صورها حولي ..سمر.. عذراء..و)ص 82
وفي الفصل الثالث نعيش أحداث عذراء وسمر، حيث تخرج سمر من البيت تحمل رضيعها لترمي نفسها في النهر من فوق الجسر، ويستطيع السائق انقاذ الطفل وتغرق سمربأحزانها،وتسوء حالة الطفل التي تولت رعايته سمر أخت زوج عذراء، فتذهب به مع أخيها الى المشفى، وهناك تتعرف بحسن الذي يحاول قدر الامكان إقناع أهلها، وخاصة والدها السكير، الذي لا ينفك عن شرب الخمر،بالزواج منها وهو يعرف إنها تعيش حياة قاحلة جافة، ويتزوجها ليعوضها عن كل شيء فتحس كأنها في حلم وإنها لم تكن تعيش الحقيقة، الا أن زوجها حسن يغدق عليها العطايا، فتعيش أجمل أيام حياتها، الا أن انفجار حدث بالقرب منها يحيلها الى أشلاء.
(- هذا ليس ذنبك ياولدي..هذا ثمن إبتلائنا بكوننا عراقيين في وطن لا ينتج إلا الموت بأشكاله جميعاً، ولا تشم فيه سوى رائحة الكافور) ص 131
في الفصل الرابع نكون مع حكاية فوزية ذات السمعة السيئة، وحكاية أخوها الذي تشاجر مع زميل له الذي ذكر اسم إخته فوزية بسوء وقال عنها بانها قحبة وتذهب معه الى المدرسة وتدور تفاصيل طويلة لاتسع الدراسة لذكرها،ثم يفصل رأسها عن جسدها في الحملة الايمانية إبان حكم الطاغية التي شنت على بائعات الهوى في وقتها.
بعدها نعود لحكاية الراوية (ميسلون) وصراعها مع مرضها الخبيث لنرحل معها في أحداث أشبه بالحلم عندما يخبروها بسوء حالتها ويجب اجراء العملية،وكانت من الموت قريبة،بل أنها قاب قوسين او ادنى،بعدها تكون قد فاقت من آثار المخدر ليخبرها الطبيب الجديد بأن حالتها جيدة ولا تشكو من أي مرض، وأن ذلك جاء نتيجة خطأ من زميله، عندها فتشت عن احمد وسمر وازهار وفوزية، فلم تجدهم هذا لأننا كنا معها في رحلة في عالمها السردي الرائق الهادئ الحزين،ونحن نستنشق رائحة الكافور، الذي إجتاج البلاد، وغزا كل أركان الحياة،بسبب هذا التدهور والخراب.
رواية ( رائحة الكافور) للروائية ميسلون فخري،رحلة عميقة في هذا العالم،لإمتلاك الروائية لغة سردية متفردة ومميزة، أضفت للاحداث جمالية من تلك التي تخرج من وسط القبح، فكانت تلك الحكايات هي رائحة الكافور الذي يعصف بهذا البلد.
من إصدارات دار سطور للنشر والتوزيع- بغداد – شارع المتنبي لعام 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق