الثلاثاء، 21 أبريل 2015

قصة قصيرة ________ مشاعرٌ للبيع/ الكاتبة حنين فيروز / المغرب ....

قصة قصيرة ________ مشاعرٌ للبيع
أقفلت باب سيارتها الصغيرة بهدوء، ومشت بخطوات مسرعة ، تتأرجح على كتفها حقيبة جلدية صغيرة ،تضع نظارات سوداء كبيرة تخفي نصف وجهها الجميل بينما تكفل وشاح رأسها بالباقي،توقفت أمام بيت عتيق، تنهدت بعمق وطرقت الباب بشيء من العنف، فتحته سيدة قصيرة القامة في عقدها الخامس، سمراء ذات عينين ضيقتين وملامح هادئة،نظرت مليا إلى الشابة الحسناء ثم فسحت لها الطريق بصمت.
انحنت حنان قليلا حتى لا يصطدم رأسها بأعلى الباب الصغير بسبب طول قامتها،جالت ببصرها في أركان المنزل الذي تبدو عليه رقة الحال والعوز، جلست فوق أريكة متهالكة واضعة رجلا فوق أخرى..
بادرتها المرأة بالسؤال:
_لماذا أتيتِ ؟
أجابتها حنان بعدما نزعت النظارات بعصبية وجذبت وشاح رأسها بحدة ،فتهدلت خصلات شعرها الأشقر فوق كتفيها:
_رأيتُكِ يوم أمس تقفين إلى جوار إشارة المرور، تبيعين المناديل الورقية، فجئتك بعرضٍ أفضل!
جلست المرأة بعيدا عن الضيفة الشابة وسألتها بشكّ :
_أي عرضٍ هذا..؟
تدفقت الكلمات من ثغر حنان كالسيل الجارف:
_أريدك أن تقيمي معي وتعتنين بكل شؤوني،تجهزين لي الإفطار وتوقظيني بحنان بينما تداعبين شعري وحين أهم بالخروج تدعين لي بدعاء طيب وعدة أشياء من هذا القبيل..باختصار أريدكِ أن تكوني أمي وسأدفع لك ما يكفيكِ ويغنيكِ عن عملك الخطِر القليل الربح.
بانت علامات الدهشة جلية على وجه تلك المرأة،حملقت ذاهلة للحظات في وجه ضيفتها ثم قالت ببطء:
_تقصدين أنك تريدين خادمة ؟
هزّت حنان رأسها نفيا وقالت بحزم :
_لا أريد خادمة، أريد أمّا، ولا أعتقد أن هناك من هي أجدر منك بلعب هذا الدور، ولاسيما أنكِ أنتِ مَنْ أنجبتني!
تنهدت المرأة وقالت بصوت خفيض:
_ظننتُ أننا انتهينا من هذا الموضوع ..
قاطعتها حنان بتهكم:
_لم آتِ هذه المرة لألومكِ،بل لأشتري منك قليلا من الحب والحنان ..قهقت عاليا بسخرية واستطردت :
_حنانُ تريد الحنان، تُرى هل تبقّى منه شيءٌ لي ؟ أم جفّ نبعه بعدما أغدقتِ منه الكثير على إخوتي أقصد أبناءك ؟..آه تذكرت..أين هم؟
نكست المرأة رأسها و تمتمت باستسلام:
_ داستهم عجلة الفقر فهاموا على وجوههم للبحث عن عمل،أحدهم في السجن ،لم يبق معي إلا البنت الصغرى.
زفرت حنان زفرة حارة وقالت بنبرة حادة :
_على الأقل هم محظوظون،عاشوا في حضنك..لم تنبذيهم كما نبذتِني..ورميتني لأسرة منحتني كل شيء، وبالرغم من ذلك كانت هناك فجوة تتسع في أعماقي يوما بعد يوم ..على أيّ ..أنا أنتظر ردك !
فركت المرأة أصابعها بتوتر وقالت بارتباك :
_أخشى أن يغضب الأولاد حين يعلمون أن أمهم تعمل كخادمة..!
انتفضت حنان وهبت واقفة وصرخت بغضب:
_لا زلتِ مصرة على تعذيبي، تخشين على مشاعرهم بينما تدوسين مشاعري بلا رحمة،لستُ هنا الآن لأستجدي عطفك مثل المرة الماضية،أنتِ في حاجة إلى المال وأنا في حاجة إلى الحنان حتى لو كان زائفا،فأنا أريده لكي أردم تلك الحفرة السحيقة في أعماقي..لا يغرنّكِ جمالي وأناقتي فداخلي أشبه بقطعة خشبٍ ينخرها السوس من كل جانب،لا أطلب منك الاعتراف بي ولا كشف الأمر لإخوتي..لكني فقط أريدك أن تساعدينني على التصالح مع نفسي،وإسكات ذلك الأنين البغيض الذي يكاد يصيبني بالجنون ، هل ما أطلبه منك صعب إلى هذه الدرجة؟
جذبت حقيبتها بيدين مرتجفتين وأخرجت مبلغا من المال ، رمته فوق مائدة خشبية صغيرة وقالت بصوت متهدج:
_هذا راتب شهر مقدما..!
سعلت المرأة وهي تحدق في المائدة وقالت بتلعثم:
_حسنٌ ..لقد قبلتُ عرضك،لا يمكنني الرفض فأولادي بأمس الحاجة إليه،متى يمكننا البدء؟
اغرورقت عينا حنان الخضراوان وأسرعت تضع نظاراتها لتخفي تلك العبرات التي توشك على الفرار من مقلتيها الجميلتين وصرخت:
_أنتِ على أتم الاستعداد لمد يد العون إليهم، في حين أن يدك مبتورة نحوي !
حملت حقيبتها ووشاحها واندفعت نحو الباب وتابعت بصوت متحشرج :
_لقد عدلتُ عن هذه الفكرة الحمقاء..!
اعترضت المرأة طريقها وسألتها بحيرة :
_هل أتيتِ إلى هنا لِتسخري مني؟
رفعت حنان رأسها وقالت وهي تجفف دموعها بغضب :
_بل جئت أوقظ أمومتك، جئت ألقي حجرا في بحيرة قلبك الراكدة،علّني أستطيع الحصول على حبك وعطفك ولو بالمال،لكن يبدو أني مثل فراشة بلهاء، تعلم جيدا أن دنوّها من النار سيحرقها لكنها مصرة على الحوم حولها..
انخرطت في نوبة بكاء مرير، ثم تابعتْ بصوت مخنوق:
_ماذا لو عانقتِني وبكيتِ ..؟ماذا لو أعربتِ عن ندمكِ الشديد لتخلّيكِ عني..؟ على الأقل كنتِ ستداوين جراحي وترحميني من سياط العذاب التي تجلدني في كل لحظة ،لكن يبدو أنه لا شيء لديك لي غير الصمت واللامبالاة..!
وركضت تغادر البيت إلا أن الباب فُتِح بغتة وكادت تصطدم بفتاة تهم بالدخول،بينما أسرعت المرأة تخفي المال في جيبها..
سألتها ابنتها ونظراتها لا تزال مسمرة على الباب :
_من هذه الضيفة يا أمي؟
أشاحت الأم بوجهها وغمغمت بشرود:
_لقد جاءت تفتح باباً كنتُ قد أغلقتُه منذ زمن..
اقتربت منها ابنتها وسألتها باستغراب :
_ماذا تقصدين يا أمي؟
أفاقت المرأة من شرودها وقالت بنفاذ صبر :
_أقصد أني نسيتُ الباب مفتوحا، فلم أشعر بها وإلا وهي تقفُ أمامي.. يبدو أنها أخطأت العنوان..!
حنين فيروز 2015/04/14

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق