الثلاثاء، 25 أبريل 2017

من يطرق الباب ؟ """""""""""""""""قصة قصيرة/ عادل المعموري / العراق,,,,

من يطرق الباب ؟
 """""""""""""""""قصة قصيرة
وحيداً في غرفته الطينية وسط البستان ، استأمنه صاحب البستان ليكون حارساً .. تجربة زواجه لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر ، والتحقت بأهلها في المدينة , فقرر عدم الزواج بعدها ، لقناعته أنه لا يصلح لأية إمرأة ..فقد بانَ لزوجته عجزه التام في أن يكون فحلاً كالآخرين .. وقرّرتْ طلب التفريق .. وافق على مضض وترك المدينة ليتفرغ لحراسة البستان .. أيامه الأولى كانت ثقيلة الوطأة عليه لعدم وجود من يؤنسه ولكنه عثر على جروِِ
صغير ماتت أمه بلدغة أفعى .. أحتضنه ليعوّضه اليُتم ،كان يراقبه يوماً إثر يوم وهو ينمو ويكبر حتى غدا كلباً قوي البنية .. فأرتبطا معا بعلاقة روحية . ازالت عنه شعوره بالوحدة والالم وفراق الأحبة .. لم يكن له أخوة , ماتت أمه بالسرطان وتبعها أبوه بالسكري حتى ذوى ومات بعد سنة .. كان يجمع وارد البستان من النخل ومنتوجه وأشجار الحمضيات . يدفعه لصاحب البستان بعد انتهاء كل موسم .. تلك الليلة عاد متأخراً لغرفته بعد طواف طويل حول البستان وتعديل جانب من سياجه المتهاوي في أحد أركانه , التفت لم يجد كلبه يتبعه ..دهش لعدم انتباهه طوال مسافة الطريق .. بحث عنه في الجوار . فلم يعثر عليه , قضى ليله يبحث عنه حاملاً معه فانوسه النفطي حتى إذا ما أجهده البحث يعود حزينا لفقده.. أخذ في اليوم التالي يتفحص البستان شجرة شجرة وعشبةً عشبة.
بحث عنه في القرى المجاورة لم يجد له أثراً . يعود إلى غرفته كئيباً حزيناً , لاعناً حظه السيء بفقدان كل شيء في الحياة .. استسلم لحزن كبير وهو يتذكر الذين رحلوا .. استسلم لآهات بدموع حبيسة اختزنتها المحاجر في ذاكرة الزمن .. حين كان يدخن سيجارته وهو ينفث دخانها الذي يملأ غرفته طُرقَ عليه الباب عدة طرقات متلاحقة سريعة .. ينهضُ مفزوعاً يتردد كثيرا ثم يفتح الباب .. يتلفت يميناً وشمالاً .. لم يجد أيما أثر للطارق ..توجّس من تلك الضربات على بابه الخشبي ، أخرج بندقيته من تحت سريره المتهالك .. ألقمها الرصاص .. حمل فانوسه النفطي وخرج يتفحص المكان الذي يحيط بالكوخ .. ولما لم يجد شيئاً .. عاد إلى غرفته وجلس على سريره ونحّى البندقية جانباً.. يطرق برأسه إلى الأرض .. عادت تلك الطرقات تثقب أذنيه من جديد .. لم يتحرّك .وبدا ينظر بقلق من فتحة الباب السفلية , الفراغ أسفل الباب .. كان خالياً .تغمره العتمة . ولا أثر لأحد . اتكأَ على سريره وراح يدخن سيجارة أخرى وقد بدا عليه القلق وساوره خوف مريب .. .. حاول اغماض عينيه واضعا زنديه خلف رأسه .
- لقد أتعبتكَ معي يا ولدي .. لو تزوجتَ ورفعتَ عن كاهلك مؤونة التعب
- لن أ تزوج يا أمي .. إني متفرغ للعناية بك لاحاجة لي بإمراة ...يكفيني وجودكِ يا أمي .
- الدراسة تركتها من أجلي . وتترك الزواج أيضاً .. يالتعاستي وانا أُحرم من رؤية أحفادي!
تناهت إلى أذنيه طرقات أخرى على الباب أقل حدّة من سابقاتها .. فتح عينيه .. ألقى نظرة سريعة .. ثم عاد ليغمض جفنيه محاولاً طرد هذا الهاجس اللعين ..
- إذا كنتَ تعرف .. إنك لستَ رجلاً كما ينبغي .. لماذا تزوجتني إذن ؟!
- ارحميني أرجوك.. ربما عارض مؤقت وسيزول.
- منذ ثلاثة اشهر وأنا انتظرك على أحرَّ من الجمر .. لمَ تعذبني هكذا ؟
- لا ذنب لي في ذلك ..ربما أعاني من علة ما ؟
- طلّقني ودعني أرحل إلى أهلي ..لاأستطيع البقاء مع زوج يفتقد الرجولة .
جفلتْ على إثر الصفعة التي دوّت على وجهها ..لم يرها بعد ذلك إلاّ في المحكمة عندما حكم القاضي عليه بالتفريق وهو يطالع التقارير الطبية التي أمامه ..ثمة طرقات خفيفة عاودت الطرق على حافة الباب من الأسفل . ينهضَ حاملاً بندقيته متهيأً لاطلاق النار إن تطلّب الأمر . . لمحَ من تحت حافة الباب الخشبي .. ثمة ظل لأقدام تتحرك تمرقُ سريعا وتعاود الظهور من خلل خيط النور الذي يبعثة الفانوس المقابل للباب
_من في الباب ؟إن لم تجب سأطلق النار.؟!
..صاح بصوت عالِِ..لم يسمع جوابا ، توقّف قليلا بعد أن انقطع الصوت وشمل المكان هدوء ينذر بشيء ما أخافه ،لم يلبث أن عادت الطرقات أسفل الباب من جديد . طرقات باهتة يختلف إيقاعها عن التي قبلها .يفتح الناربنفاد صبر ..كان صوته ينطلقُ مع صرخات الرصاص ،لا يستطيع تفسير تصرفه لمَ كان يصرخ مع صوت الرصاص الهادر .
.. عندما أمطرَ الباب برشقة سريعة وتطاير نثار الخشب من أضلع الباب في كل جهة .. سمعَ صرخة ، صرخة غريبة لم يفهمها ..تشبه صوت حيوان جريح أفزعه ..خرج يسير بحذر حاملاً فانوسه .. يفتحُ الباب قليلاً وينظر .. يسلّطُ الضوء في كل اتجاه ..تعَّثرت قدمه بجثة .. لم يتبينها أول الأمر .. يقترب منها .. يركز الضوء عليها جيداً .. يتراجع إلى الوراء . يتكئ على الحائط الطيني ويزفر بمرارة .. يرمى البندقية على الأرض و ينحنى على الجثة المخضبة بالدّم ...تغرورق عيناه بالدموع .. يمسَّد على وجهه ..يتحسس بوزه المدمى . يمرّر أصابعه المرتعشة فوق فرائه الأبيض الندي ..يتفحص قوائمه المهشَّمة .. يسحب رأسه ليضعه في حجره و يجهش باكياً .
بقلم / عادل المعموري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق