الاثنين، 17 يوليو 2017

(( بيتٌ من نور ))/ قصة قصيرة / صفاء الانصاري / العراق,,,,

(( بيتٌ من نور ))

كان شيخنا الوقور يمتلك بيتاً صغيراً من نور ، يحوي في داخله قلباً كبيراً .. يتسعُ للجميع شبابيكه من كريستال ، وزجاجه من بلور .؟
تطل باحته على جنائنٍ غَنّاء ، ومجرى لنهرين عريقين بينهما شجيرات نخيل وبرتقال .. وسنابل صفراء بلون الذهب يداعبها نسيم التين والرمان ، والجوز واللوز.. وعناقيد العنب تتراقص كضفيرة طفلة اشورية ، بابلية ، كلدانية تجيد لعبة القفز على الحبل ، تداعب ُ نقاوة الألق بألحان قيثارة سومرية تحرك الأوتار ..؟
نيسان يحمل تباشير غد حالم يتعهده الطامحين ويدغدغ براءة الأطفال بعد يوم حافل بأفانين المشاكسات ..؟
بيت شيخنا كان صغيرا وكانت تحج إليه الطيور كل عام ، وأرضه المعطاء منهلاً للغارفين ، فـ ربيعه الدائم لاينقطع رغم محول الفصول .. لكن خريف هذه الأعوام عشعش فيه كالأحراش والأدغال .. كالاستعمار ..؟
مديات بيته الصغير تتسع لكل الغرباء .. صخور كلسية تتراءى له على أشكال رؤوس ثعابين ، وغربان سود وعقارب وأشباح مرعبة كسهام مسومة
قال الشيخ : هذا نذير شؤم باقتراب ريح هوجاء تتحين فرصة اقتحام البيت قبل انبلاج الفجر
وصدقت نبوئة الشيخ ، جيوش من الجراد المغولي تمتطي جرذان سوداء بلا سروج تتقافز كرؤوس الشياطين في ارض مسكونة تبث الخراب والدمار لتضيف مستعمرات جديدة !!
أكف بلون الليل تحمل أحجار مسننة ، تقذفها فوق العباد فتهيل جدار البيت .. هشيماً .!!
جنود مقنعة تترقب عن قرب لاقتناص فرصة غدر جديدة تشعرها بنشوة الانتقام ..!!!
طيور بيضاء كالفجر المتوضئ بنقاوة الطهر ترفرف بأجنحة ملائكية
تحرس بيت الشيخ الوقور منذ الأزل .. تنزل بهدوء وسكينة تداوي جراحات قلبه المتعب منذ سنين .. فـ يتعافى وينفض عنه غبار الريح لينهض بشموخ كالأحرار يتوكأ على معول سحري ، كعصا موسى، كـ يد عيسى ،، كمنساة سليمان .. كـ غصن زيتون بيد رسول عربي .؟
ها هو الشيخٌ الوقور .. بلحيته البيضاء كالقمر .. يقف شامخا في مهب الريح ينظر الى الافق البعيد فـ يرى ( ثمانية فتيان ) كانهم البدر في ليلة اكتماله وجوههم نفس الوجوه عليها سيماء النور يتقدمون يصافحون الشيخ الوقور فيسالهم الشيخ : من أين قدمتم يا أولادي : فيردون عليه بالتسلسل ..
الأول : من النجف من مدينة امير المؤمنين علي بن ابي طالب .؟
الثاني : من الاعظمية مدينة ابي حنيفة النعمان ..؟
الثالث : من كوردستان من جبالها ووديانها الخضراء .؟
الرابع : من طاووق من تازه خورماتو .؟؟
الخامس : من الكنسية الارثوذكسية و الكاثوليكية .؟
السادس: من تكية في شيخان وتلكيف .؟
السابع : من وادي لاش في جبل سنجار .؟
الثامن : من أور .. مارست التعميد في بورانون المقدس ..؟
ياخذهم الشيخ بالأحضان يجلسهم بقربه ، ويقول لهم : كيف اجتمعتم هكذا .؟
فيقولون : نحن ابنائك يا شيخنا الجليل جئناك لتوحدنا معا ونحمي بيتنا الصغير .
قال لهم : إذا ً ... اطلب من كل واحد منكم أن يأتيني بعصا .؟؟
وعندما جاءوا بعصيهم ، اخذها الشيخ وربطها معا بحزمة واحدة وأمر كل واحد منهم ان يتقدم ويكسر العصي ... فلم يستطع أي واحد منهما ان يكسرها .. فابتسم الشيخ وفك رباط العصي واعاد اليهم كل واحد منهم عصاه وقال : اكسروها .. فتكسرت جميعها .؟؟
ابتسم الشيخ وقال لهم :
( تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا .. وإذا افترقن تكسرت آحاد )
يا اولادي ارفعوا ايديكم الى الله وابتهلوا في صلواتكم ان يحمي هذا البيت ثم احتضنهم مرة اخرى وقبلهم فوق جبينهم واحدا تلو الآخر ورفع ذراعيه الى السماء وهو يتمتم بكلمات تعود الى البكتاشية و القزلباشية
ثم ينتقل ليقول : (سهدوثا اد هيي) (مصبتا) (براخا) ( ليمتلئ فمي بالصلوات و التسبيحات) (أذناي تصغيان لأقوال الحي) يا رب العباد .. ثم يتوجه صوب الكنيستين .. السريانية الأرثوذكسية .. والسريانية الكاثوليكية ليتمم صلواته ودعائه .. ومن ثم ينتقل بعبارات اخرى فيقول : يا ايها الطاووس، فوق شمعدان من أعلى الملائكة السبعة ، يا خالق الأكوان يا رب العباد ..؟
يأخذ نفسا عميقا ثم يبتسم وهو ينظر الى وجوههم ويكمل كلماته قائلا ً :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم / صفاء الأنصاري – العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق