الجمعة، 24 نوفمبر 2017

سيميائية الأم والحمام عند الشاعر السوري جمال المصري / بقلم سيد محمدالياسري / العراق ,,,,,,,,,,,

سيميائية الأم والحمام عند الشاعر السوري جمال المصري
بقلم سيد محمدالياسري
حين يهدر الحمام يأن معه جمال ، وكأن الحزن الذي بداخله ، يلحنه الحمام ، حزن الوطن ، والحب ، والغربة ، والحرية ، وكل ما يحمله الحمام من معاني متعددة ، ظل الزيتون في منقاره بشارة سفينة نوح ، وبهذا يعني الشاعر السوري جمال من الحمام ، ليقول في اكثر القصائد : حمام وحمام ... ، فماذا تشير الحمامة ؟ وقبل اشارة الحمام ، ارتبطت الأُمُّ بجمال والتصقت بشعره فهل هو يتيم ؟ ام لها قصة كقصة الحمام ؟
من قصائده يخفي الشاعر جمال المصري الطوفان الذي لم يغرق سوريا وحسب بل العالم الانساني باجمعه ، فهو غير مستقر وهذه اول سيميائية انتجتها الحمامة ، وجودها وجود عدة اشارات منها الطوفان والسفينة ونوح والانسان والعصيان والجبل والجبروت والخوف والغصن والحياة انحصرت ببقعة صغيرة والموت عم المعمورة باسرها ، كل هذا حصر الامل ببقعة صغيرة جدا:
دهرٌ مضى
والعمرُ أوشكَ جفنهُ أنْ يُغمضا
ذَهَبُ المناجمِ كلّهُ
سيصير فحما أسودا
إنْ كان دهرك مُعْرِضِا
هلْ كنتُ طفلا مثلهم
أم أنِّني منذ البداية لم أكنْ
إلا خريفا أبيضا
وَجَعٌ يحيط أصابعي
وبها تُحِيط الفلسفةْ
وأمُرُّ مِنْ قربي كما
مَرَّ الغريب بقبرهِ
من دونما أنْ يعرفهْ
هذا الوجع والطوفان يصرخ به ويراه يتفتق من زوايا عمره الذي ينهار ولم يجف الماء ولم ترس السفينة ولم يعد هو كنوح عليه السلام ، لان الوحي ، وحي الواقع والارض ، والعلوم التي تقهقرت امام الجهل، سيميائية نوح انقطاع عن الموت ، وأمل ، والأمل عند الضعفاء لايصرح به ، بل يبقى بريقا بالعيون ، فأختار الحمامة ، لاشارتين ، الاولى تدل على السلام ينتظرها بفارغ الصبر والاخرى تدل على ذات نوح ! وهو الأمل ... وبقت الام غارقة بالطوفان ، القبر حائل بينه وبين امه ، والماء حائل بين سفينته وبين ارضه ، لم يعد يمد يده للحنين ، صار بعيدا ، لم تعد امه تحمل اعباءه فقد صارت سيميائية الام اكثر اتساعا لها لان اذرعها التي كانت تلمه بالحضن وتحكي له ، لم يشعر بها لان اللحظات الوحيدة التي يشعر بها الانسان هي اللحظات التي بحضن امه ، لهذا ذكر
في قصيدته ( كلنا ذكريات) ، اذنه لم تخنه فانه لازال يسمع صوت امه ، تغني وياليته ، مستخدما ياليت دليل انقطاع الامل بالعودة لان الامل منتهي لذا قال:
ياليت الموت مات
وارش الروح عطرا
فوق شعر الامهات
لكن امله بالوطن كأمل مرسى سفينة نوح لذا نطق كلمة ( صدقيني ) وهي تنشر من طيات قلبه:
صوت امي لاينام
كلما غنت مقاما
حطّ في صدري حمام
لهذا يختم ان حمامات السلام هي من ترفع الاذان ، الاذان الذي اصبح بالامة كالطوفان ، لاترفعه الا الحمامات ، وجمعها جمعا مؤنثا سالما للقلة ، وكأن الدعوة للسلام قليلة وحملته قليل جدا امام الغربان :
شاهد حتى الانتحار
في غرفةٍ في آخرِ القلبِ هناك
كلُّ ما فيها أبَدْ
بَدَدْ بَدَدْ
ليستْ بلدْ
سكنْتُ فيها ألفَ جيلٍ بَعْدَ جيلْ
عُمرِي طويلْ
مِثْلَ نوحٍ رُبَّمَا
بلْ رُبَّمَا يزيدُ عنهُ بالقليلْ
في غرفتي يا حَسْرتي عمري طويلْ
كحَيَّةٍ طويلةٍ رأيتها يومَ الرَّحيلْ
في غرفةٍ في آخرِ القلبِ هناكْ
لا ظلَّ فيها كي يَمِيلْ
فكلُّ ما فيها قَتِيلْ
هنا اطلق العنان لنوح ليخفي سيميائية الحمامة ، لتلتقي مع الام التي اكتفت به وظل هو يبحث عنها لايكتفي ، هذا لايعني ان الشاعر جمال المصري عندما وضع اسم نوح اخفى السيميائية ، بل وضعها باطار اخر هو اطار العمر والنبوة وانتقل من نوح الى عيسى ( يسوع) لينظر الى رحلة غنية بالمتاعب والخوف والقلق، والدمع ، والغرفة ، تدل على الحدود الجغرافية للوطن والدار تدل على الحدود الجغرافية للوطن العربي
حتَّى يَسُوعْ
يأبى الرُّجوعَ نحوها حتَّى يَسُوعْ
جُدرانُها من أدمعٍ في أدمعٍ فوقَ الدُّموعْ
دمعٌ خفيفٌ سقفُها
وأرضُها دمعٌ ثقيلْ
لكنَّها ليستْ تسيلْ
لا تسألوني لستُ أدري لا تسيلْ
ليستْ سدومْ
فكلُّ ما فيها يدومْ
في غرفةٍ لا يفتحُ الأبوابَ من أبوابها
إلا المَوَاتْ
يمشي على بلاطِها
يمشي الكلامُ حافيا من الكلامِ والسُّكاتْ
لا الموتُ فيها حاجةٌ لا حاجةٌ فيها الحياةْ
في غرفةٍ في آخرِ القلبِ هناكْ
كلُّ ما فيها هلاكٌ في هلاكْ
صارتْ أبدْ
بَدَدْ بَدَدْ
ليستْ بلدْ
في غرفةٍ في آخرِ القلبِ هناكْ
كُلُّ ما فيها وَجَلْ
أجَلْ أجَلْ
جاءَ الأجَلْ
انحنى المقدار المحدد لا شباك ولا باب هكذا هم العرب او قل الانسان داخل الحياة التي حددها الطغاة ، والاجال التي يرسمها الملوك للحفاة ، هذه التعابير كلها جائت ملثمة حين يميط اللثام عنها نرى الحزن هو من يدفع الشاعر الى الدينماكية للحياة ، فيصنع الكلمة ذات المضامين ، بين الاشارة والوضوح والاختفاء ظلت كلمات سيميائية تشير بعضها للكشف عن حقيقة الام التي بقت ماثلة كذكرى والحمامة التي تتأمل ان تجد ارضا فتجلب الى سفينة جمال المصري البشارة ، حضن ام وحضن امان وحضن سلام بامل ضيق جدا فضاق صدره، الغرفة جاءت اصغر من السفينة ، وهي لاتمثل السفينة لانها خالية من اي رسائل سلام ، لذا قال هلاك في هلاك ، ولعل هذه الكلمة شعبية اعتادت الناس في قولها دليل لليأس ، موت في موت ، قتل في قتل ، دموع في دموع ، كما انها تدل على ذات الحلقة نفسها التي يدير فيها الانسان من حيث انطلاقه ليعود الى النقطة التي بدأ بها ، ومنها قال امي اكتفت وليتني اكتفيت ، لان دورة الانسان تنتهي بنهاية الحلقة التي يدور كل البشر فيها ان طال كنوح عمره وهي سيميائية اخرى تتيح الى اعطاء المتابعة او كحياة طفل فلابد له من رحلة مع الالم ، فتكتفي الام ان يعود الى حضنها القبر وهو لم يكتف لان بقي ناقصا منها وهو على الظهر يبحث عن ملجأ من الطوفان، لكن الأُمُّ تبقى الشيء الوحيد الذي لايقبل المساومة ، ولا الخيانة ، ولا الخوف ، الام شيء مختلف شيء اخر غير الذي ترسمه الغربان والطوفان والقلق ،الأُمُّ :
من القديم القديم القديم
يوميات عاطل عن العمل
سُرّحتُ مِنْ وظيفتي بلا سببْ
في بلدةٍ من أمةٍ وجودُها سقطُ المتاعْ
كنجمةٍ دونَ التماعْ
رجالُها مِنَ الخشبْ
عيونُهم منَ الزجاجْ
بلْ منْ زجاجٍ فوقهُ اغبرَّ الغبارْ
يا نسوةً أثداؤهنّ مِنْ حطبْ
يا نسوةً لا يشعلنَّ قبسَ نارْ
سُرّحتُ من وظيفتي بلا سببْ
دعوتُ مثلَ الآخرينْ
يا خالقَ المياهِ والظمأ
يا خالقَ الأعشابِ والصخورْ
تيبّستْ مفاصلي صارتْ صدأ
والرأس أضناهُ الضمورْ
يا ربّنا فَهَبْ عملْ
للعاطلينَ منْ سنينْ
دعوتُ مثلَ الآخرينْ
عندَ الغسقْ
جلستُ في مقهىً صغيرْ
مقهى الرمقْ
- أيّ رمقْ
قلتُ الأخيرْ
- أنّى يكونُ
قلت حتما ليس في بيت الأميرْ
هذا الصباح
سَرّحتُ منّي زوجتي
سَرّحْتُها وطفلَها
فأهلُها أولى بها
رأيتُ تحتَ جفنها سيلُ الدموعْ
سمعتُ أصواتا تنادي في خشوعْ
ظلَّ الصليبُ صامتا
ظلَّ الصليبُ منْ خشبْ
وحاملا جسم اليسوعْ
لأنني قبلَ الحريقْ
رميتُ أذني في الطريقْ
في سلةٍ منَ الصممْ
جدرانُها كتيمةٌ
لا يستطيعُ عَبْرَها صوتُ الألمْ
ثمّ انثنيتُ عائدا فما العملْ
يا دمعتينِ سالتا على عجلْ
أسندتُ رأسي فوق أحجارِ الأملْ
دعوتُ ربي دعوةً
فاحمرّ وجهُ دعوتي منَ الخجلْ
يا ربّنا يا ربّنا مني إليكْ
ها زوجتي وديعةً صارتْ لديكْ
يا ربّنا صغيرة لمّا تزلْ
فَهَبْ لها
زوجا يكونُ دائما على عملْ
عيدٌ يمرُّ خلفَ عيدْ
واليومُ عيدْ
أقنعتُ نفسي أنّ طفلي عندهمْ
يحيا سعيدْ
أقنعتها فلمْ أزلْ
مسرّحا وعاطلا عن العملْ
نظرتُ نحوَ ساعتي
فانتابني الشجنْ
قلّبتُها بينَ يديّ مرتينْ
ثمّ رميتُ العقربينْ
فلمْ أعدْ بحاجةٍ إلى الزمنْ
وضعت في قاع البريدْ
رسالة كتبتُها منّي إليْ
فألفُ شكرٍ للبريدِ رسالتي عادتْ إليْ
أدركتُ منها أنّني ما زلتُ حيْ
قرأتُها
رفعتُ صوتي عندما قرأتُها
كي أستعيدْ
ما كان يجري منذ عامٍ أو يزيدْ
ومن جديدْ
أدركتُ منها أنّني ما زلتُ حيْ
فألفُ شكرٍ للبريدْ
وواحدٌ منّي إليْ
هذا المساءُ ذاته الذي مضى
منذ مساءٍ وانقضى
دَققتُ مسمارا جديدا في الجدارْ
لا لستُ محتاجا إليهِ
فالحذاءُ ها هنا حتى الحذاءْ
معلّقٌ فوقَ الجدارْ
دققتُ مسمارا جديدا في الجدارْ
في ركبةِ الليلِ تماما في العظامْ
بذلتُ جهدا فاضلا حتى استقامْ
فصاحَ جارْ
ما ضرّهُ لو دقّهُ في ساعةٍ منَ النهارْ
ما ضرّهُ هذا الحمارْ
صاحَ جارٌ صحتُ فيهِ
- ما أطالَ النومُ عمرا يا كنارْ
جاري يريدُ أنْ ينامْ
وكانَ ينشدُ السلامْ
وكنتُ أنشدُ الشجارْ
كي أكسرَ المللْ
فمنْ سنينٍ لمْ أزلْ
مُسرَّحا وعاطلا عنِ العملْ
لأنّهُ
يطلُّ نحو الآخرينَ من بعيدْ
كرهتُهُ
كرها شديدْ
لأنّهُ
يطلُّ نحوَ الآخرينَ منْ قريبْ
أغلقت شباكي الوحيدْ
ليسَ حدادا ما فعلتُ
ولستُ أدري ما الحدادْ
لكنني لمّا رأيتُ
عَدَدْ.....عَدَدْ
عَدَدْ.....عَدَدْ
وخلفهم يمشي الكثير من عَدَدْ
عدّ الرمادْ
كي لا أرى منهم أحدْ
دهنتُ شبّاكي اللعينَ بالسوادْ
حدّثتكم أنّ الزمنْ
ينتابني منه الشجنْ
أما البشرْ
فإنني بدّلتهم بقطعةِ من الحجرْ
أحببتُها دللتُها
وضعتُها في غرفتي قربَ السهرْ
كسرتُ فيها مرةً رأسَ الضجرْ
ومرةً رشقتُ فيها جارتي
وبعدها أضعتها
ولم أجدْ لها أثرْ
هذا الصباحُ طيفُ أمّي زارني
عندَ المساءْ
كانتْ تشعُّ حولهُ
دوائرٌ مِنَ الضياءْ
في قاعةِ الحلمِ جلسْ
في صدرِها حيثُ السنينْ
تجمّعتْ ككومةٍ مِنْ كستناءْ
وقربها حبّات تينْ
مع أنّ أمّي لمْ تكنْ تحبّهُ
أمّي تحبّ الياسمينْ
والطيفُ كانَ طيفَ أمّي
جالسا في مقعدٍ
مِنْ ياسمينٍ كلّهُ منْ ياسمينْ
طيفٌ لأمّي زارني
في قاعةِ الحلمِ جلسْ
ثمّ همسْ
اشتقتُ لكْ
ومتعبٌ أمسى الحنينْ
فنحن سكانَ القبور
أقفاصنا قضبانها من القضاء والقدرْ
لا نملكُ أجسامنا حتى نزورْ
أحبابنا من البشرْ
يا طيفَ أمّي
آهِ كمْ كانتْ حنونْ
يا كمْ بكيتُ فوقَ زندها
يا كمْ بكيتُ في جنونْ
يا طيفَها
يا طيفَ أمّي وانتبهتُ عندها
فلتمسكوه
فرّ بكائي هاربا
فرّ الحنانُ والحنينُ والحنونْ
فرّ السكونْ
وبعدها في السجن نمتُ ليلتينْ
وسادتي كانتْ يدا مكسورةً
وبعضُ بردٍ دافىءٍ
من آهتينِ مرَّتينْ
في السجنِ نمتُ ساعتينْ
هذا الصباح لستُ أدري ما فعلتُ
رأيتُ أطفالا ورائي يركضونْ
رأيتُ في أيديهم الحجار والغصونْ
شتمتهمْ طردتهمْ
لكنّهم ظلّوا ورائي يركضونْ
ويضحكونْ
فعدتُ نحو غرفتي
سألتُ أشيائي الحنونْ
هل مسّني بعضُ الجنونْ
ما الذي يخيفني هذا المساءْ
فغرفتي كالجمجمةْ
مسودّةٌ مهمومةٌ ومبهمةْ
منشورةٌ فيها المتاعُ كالعظامْ
والهيكلُ العظميّ منْ ظلام دامسٍ
فيهِ الظلامْ
فيهِ الكهوفُ والنتوءُ منْ خواءْ
والبابُ يعوي
وطائرُ الحسونَ يعوي
والفرشُ والحذاءُ والستارُ والرداءْ
فالهواءُ كلُّ ما فيهِ عواءْ
في غرفةٍ ما زلتْ فيها إنّما صارتْ خلاءْ
أشعلتُ عودا من عذابْ
على عذابهِ اتكأ
فكلّما أشعلتُ عودا من ثقابْ
من شدّة الرعبِ انكفأ
ثمّ انطفأ
في غرفتي
رأيتُ بوما يمتطي ظهرَ الغرابْ
تلاعبا تناعقا تناعبا تناوبا
وبعدما تباوما تغرببا
وأنجبا غربومةً بعد العناقْ
رأيتُ أمواتا بجلد أزرقٍ
ماتوا اختناقْ
مشاهدٌ ..... مشاهدٌ
وكلّها بلا دماءْ
فما الذي يخيفني هذا المساءْ
في غرفةٍ كالجمجمةْ
مسودّةٍ مهمومةٍ ومبهمةْ
في غرفةٍ كالمائدة
بألف عين إنما مجموعة في واحدة
رميتُ طنجرة الحياةْ
كتبت تاريخ الوفاةْ
كانتْ خطوطي الواعدةْ
تلك التي كانتْ تضيء
صارتْ خطوطا راعدةْ
وقفتُ وسط غرفتي
وقفتُ مثل الشاهدةْ
تساقطتْ مني الدموعْ
مسحتها خبّأتها في راحتي
لأنها كانتْ دموعا باردةْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق