نداء الرحيل
تلامس قدماها ال
مغيب فتختلط بفكرها الأشياء، انكسار بالرّوح، تألّم بالقلب، ثمّة وجع خفيّ يتعقّب خطاها حيثما تمرّ يجعلها وحيدة بين الثّنايا مبعثرة الأفكار، هائمة تجترّ أوجاعها و ما أصعب من هو بمثل حالها.تلامس قدماها ال
منذ أيّام بدأت لعنة الأشباح تسكنها، تتراقص أمام عينيها ومن خلفها، تصفعها رياح الأسى لتغلق كل الدروب في وجهها بسبب وعود كاذبة كانت نتيجتها جنينا يتخبّط داخل أرحامها و هكذا الأيام لا ترحم من يخطئ.
شابة في مقتبل العمر تلاعبَ بقلبها شيطان آدميّ اطمأنّت له فأحالها الى كتل آلام، ارتأت أن تعتكف في محراب الصمت، صمت الوحشة و القبور فكيف ستواجه مصيبتها و هذا الأب الفقير الكادح لو علم بالأمر لصُدم، و تلك الأم التي أقعدها المرض من سنين حتى بَليت من الرّقاد ستسوء حالها أكثر و الأخ حتما حتى و إن كان أصغر منها سيقتلها خوفا من الفضيحة وسط قرية لا تزال تتشبّث بتقاليدها البالية فاحتارت كيف تخفي فعلتها و الأيام تمرّ مرور السحاب، تجرف الماضي و تهفو الى المستقبل ستكشفها مهما طال الزمن أو قصُر.
تنعكس مرآة حياتها لتجْرحَها الشظايا، تصرخ فلا يسمع صدى صراخها الا هي، ركلات خفيفة في بطنها تذكّرها بمصير محتوم.
كلّ مساء تعانق أحزانها متخفّية بستار الظلمة و قد جفّت دموع العين من كثرة البكاء، تختلط الأمور عليها بعد أن ترمّلت أيّامها مبكّرا و قد كانت فراشة ترفرف بأجنحة من سعادة فتغيّرت أحوالها إلى خوف استوطن قلبها و عقلها يدقّ نواقيسه في المرّة ألف مرّة.
ألقت نظرة على أختيها ثم توجّهت حيث ينام أبوها تتأمّله، تمنّت لو تعانقه و تضمّه الى صدرها، شعرت أمّها بوجودها:
- ما بك ينيّتي... هل أنت مريضة ؟
- أبدا أمّاه أردت الاطمئنان عليكما هل تأمرين بشيء؟
- حماك الله، اذهبي و نامي...
تلك نظرة أخيرة تحكي ملحمة المرارة التي تعانيها و ما كانت تحبّ أن تبقى بدونهم و ما كان ذاك اختيارها و هاهي ترتدي معطف الوداع و تغادر تحت أجنحة الليل الحالك، عيونها القلقة تلتفت بحذر و قد سكنتها الوحشة و أحاطت بها أشباح الظلمة المخيفة.
هربت من خنجر الفضيحة و ارتأت أن ينحرها وحدها فكان قطار منتصف الليل المتّجه نحو المدينة هو الشّراع المنقذ لمركبها حتى و إن انعطف بها نحو مصير مجهول.
صالحة بورخيص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق