الثلاثاء، 19 فبراير 2019

قراءة في قصيدة الشاعر وليد حسين / (ذلك المحشو ظلا) / ثامر الخفاجي / العراق ,,,,,,,,,,,,,

وليد حسين (ذلك المحشو ظلا)
قراءة : ثامر الخفاجي
( ذلك المحشو ظلا ) قصيدة تتألق بحسها الإنساني تضاف إلى جماليات الشاعر وليد حسين في اللغة التي يترجم بها قصائده عندما يجعل من الظل متكأ لحوارية تثري الروح سكينة وتتماهي مع وجدان الشاعر والقارئ على حد سواء فالظل هنا حاضرا في بناء القصيدة كأنه نقطة الضوء التي تتمحور حوله المعنى الحقيقي للقصيدة رغم ان الظل هنا حشر في زاوية الإقصاء عندما أصبح الكنز المفقود في حوارية الشاعر فغيث الظل في القصيدة تروي قطراته جمال القصيدة . إذا عرفنا أن الظل في اللغة ( هو الفيئ، أو هو بالغداة والفيئ بالعشى، ومكان ظليل ذو ظل، والظلة شيء كالصفة يستتر به من الحر والبرد، والظلال والمظلة (بالكسر والفتح) الكبير من الأخبية، والظليلة مستنقع الماء في أسفل مسيل الوادي والروضة الكثيرة الحرجات، والظلل الماء تحت الشجر .
فالظل هو ضوء الشمس إذا استترت عنك بحاجز، والظليل ذو الظل ويقال ظل ظليل أي دائم) وعلى ذلك فان الظل بمعناه العام يشمل الخيال الذي يأخذ بتلابيب أبجدية الشاعر ليرسم به الظل أو الظلال التي يحشو بها هذا التدفق الوجداني الذي يستظل به الشاعر من حرارة مشاعره لتمنحه بعض السكينة والهدوء .
أردت أن أقول من هذه الاضاءة اللغوية لمعنى الظل إن الظلال هي من نعم الله التي امتن بها على عباده . فالظل هنا ليس لفظةً يمكن تداولها بمعناها اللغوي أو بمعناها الدلالي وهذا هو سر جمال الانزياح الدلالي الذي رسمه شاعرنا اذ جعل منه قيمة ثورية وحافزا وجدانيا ليقول لنا كل ما يريد :
يَنْسلُّ من بين الطَوَى
والى اخضرارِك ما دُعِيتُ
تَجْتاحُني تلك الفصولُ
الباسقاتُ كما انْثَنَيتُ
وليد حسين شاعر تربطه بالكلمة علاقة تحد لأنة يأخذ بمعناها إلى عالمه الذي يريده والذي يرسمه هو بفرشاته وباللون الذي يريده:
كم كنتُ أُؤمنُ بالتنوّعِ
مثلَ غصنٍ فارْتَمَيتُ
لم أنسَ طَعْمَ الرَّيْقِي
لكنّي مَضَغتُك .. فانْتَشَيتُ
إنه يصل حد النشوة وهو يداعب احاسيسه المتمردة أحيانا بحروفه التي يتعامل معها كما يتعامل العازف مع او تار عوده هذه صورة وصور أخرى يتألق بها حرفه وهو يموسق حرفه باللحن الذي يطرب قراءه قبل أن يطربه هو .
بعد هذه المقدمة البسيطة أقول وليد حسين إستطاع أن يختزل في عنوان القصيدة مجمل المعنى والرسالة التي أراد إيصالها هذا لايعني إلغاء حق القاريء في الإستمتاع بقراءة باقي ابيات القصيدة والتغني بها بل هي دعوة له للقراءة إذ جعل من العنوان حافزا ساندا للقاريء ليبحر في الصور الجميلة التي أشار إليها عنوان القصيده الذي اختاره شاعرنا بحنكة ودراية والذي يعد العتبة للولوج في المبنى العام للقصيدة واستكناه مكامن الجمال ببناء القصيدة بشقيه اللغوي والدلالي إضافة إلى الموسيقى التي تعطي القصيدة العروضية نكهة خاصة عند سماعها :
مازال طِفْلاً ذلك المَحْشُوُّ
ظلّاً إنْ عَدَوتُ
يَنْسلُّ من بين الطَوَى
والى اخضرارِك ما دُعِيتُ
إستطاع الشاعر وليد حسين أن يتمترس بالكلمة فيجعلها مرة رسالة حب :
..جئني بِحُلْمٍ
مسّني وَجْدٌ كأنّي قد عَصَيْتُ
قد شاقني التفّاحُ مُحْمرّاً
يُكَبِّرُ .. فاهْتَدَيْتُ
ومرة صرخة وجع :
تَتَزاحمُ الرغباتُ يَشْغُلني
اجْتِياحُكِ لو نَزَوْتُ
وكأنّها عِذْقٌ تَسَاقطَ
منهُ تَمْرٌ قد جَنَيْتُ
وثالثة سيف يشهره بوجه القبح الذي يستتر في كثير من جوانب حياتنا :
فالى متى .. أدنو بنصفٍ
خائرٍ .. منذُ اقْتَديْتُ
وكأنّني أهْدَرتُ مُختلفَ
السنينَ وما اكتَفَيت
لذا فكلمات الشاعر وليد حسين في قصيده هذا لن تبتعد كثيرا عن كلماته التي رسمت وشما في ذاكرته وذاكرة قرائه في ديوانه ( وشم بالذاكرة ) .
في قصيدته موضوع القراءة ( ذلك المحشو ظلا ) حيث يمتزج العتاب الجميل بالظل الذي اختاره شاعرنا ليكون بين حنايا وجدانة بدل أن يستظل به أنه صوره بهية من صور الحب الجميل :
فَعَلامَ أشْقى بالوِصَالِ
وعن لقائكِ ما انْتَهَيتُ
وعلى خُطاكِ أخطُّ آلافَ
الحروفِ وما مَحَوتُ
هذا الظل الجميل في نسمات أبيات القصيدة والتي تعبر عن الحيز الذي تركته في قلب الشاعر والذي امتزجت به مواقف الألم والأمل الوصل والفراق وورود الفرح وعطرها العابق شذا مع عطر أزهار الحزن التي فتر عطرها ولم يعد يحلق مع طيور الصباح . الشاعر وليد حسين أعطى الظل معنى أكثر عمقا وأوسع دلالة من كونه مستقر للسكينة والهدوء .
فالظل الذي هو عند الناس باستتار الضوء أو ما يعكسه الضياء يصبح نورا بين خلجات وروح الشاعر
يحمل بمخيلتة كل هذا العنفوان والحماس في قلب الشاعر وهو كفيل بأن يمده بقوة تنشر الدفء بين خلجات روحه ليقول من جميل المشاعر ما قال بلغة تفيض عذوبة بعد أن ضبط ايقاعها بقاقية تنساب كخرير ماء نبع صافي تهيئ اجواء نفسية بعيدة عن التكلف والابهار الموهوم كلماتها بسيطة ببلاغتها جميلة بوقع حروفها في أذن المتلقي بعد كل هذا أستطيع أن أقول أن الشاعر وليد حسين عاشق للحرف ينهل من معين جمال اللغة والصورة الشعرية التى بدا بارعا اقتناصها
ليضفي صورة أخرى للجمال بعد اللغة
والقافية التي أحسن في اختيارها
بحيث لم يترك مجالا للمتتبع
لقصيدته أن يستبدل كلمة منها
بأخرى تحمل في طياتها نفس
الموسيقى والمعنى حتى وإن لم يختل
باستبدالها الوزن :
فأصَبْتُ بَعْضاً من حضوركِ
بين نهديكِ اصطليتُ
مُتَثاقلاً ..من طولِ ما عَلِقتْ
ببعضَك قد رضيتُ
مرة اخرى يؤكد الشاعر وليد حسين إنه أسير الكلمة الموزونة والهادئة والبسيطة فهي تشكل عشقه في هاجسه الشعري كلما أراد لها أن تولد وبالصورة التي تتقنها ذاكرته الموشومة بالجمال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق