الثلاثاء، 27 يناير 2015

مقال للأستاذ شمس الدين العجلاني عن دور الدراما والسنيما كيف شوهة العهدة العمرية نشر بصحيفة الوطن السوريه....../ متبعات خبرية ,,,,ادارة مؤسسة فنون الثقافية ,,/ القديرة جانيت لطوف ,,,/ سوريا....

مقال للأستاذ شمس الدين العجلاني
عن دور الدراما والسنيما كيف شوهة العهدة العمرية
نشر بصحيفة الوطن السوريه
يقولون إن الجهاز الإعلامي هو أخطر جهاز يشكل الرأي العام، والدراما هي أسرع وسائل التأثير وأسهلها خصوصاً على وعي ووجدان محدودي الثقافة والتعليم، ولذا فإن صناع الدراما عليهم مسؤولية خطيرة ولديهم رسالة تعتمد الأثر الإيجابي لا السلبي تحت سقف «الإبداع»، وعليهم أن يكونوا منصفين عند قيامهم بأي عمل درامي.
ويقولون أيضاً إن حياتنا بشتى أشكالها وأنواعها «الثقافية – الاجتماعية – الأسروية...» أصبحت سياسة في سياسة، فللحكومة سياستها، وللمؤسسة سياستها، وللمدرسة سياستها، ولرب الأسرة سياسته، وللدراما أيضاً سياستها، وهنا تكمن الطامة الكبرى..
لا أحد منا يستطيع نكران أن الدراما أضحت من أخطر الوسائل تأثيراً على الإنسان في العالم كله، وخاصة لدى الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة يومياً قد تفوق ضعف ساعات الدراسة أمام شاشة التلفزيون.
الدراما أضحت مصدراً أساسياً مهماً من مصادر المعلومات والتأثير على فئات كثيرة من المجتمع.
ناهيك عن الكليبات الغنائية التليفزيونية التي هي أشبه بالوجبات السريعة لا تسمن، ولا تغني من جوع، بل تعكس آثاراً سيئة لا أخلاقية على المشاهد...
ولكن لا يجب أن ننكر أن هناك بعض الأعمال الدرامية التي تعبر عن ثقافة المجتمع واحتياجاته وتناقش القضايا الجادة.
الساحة الفنية والإعلامية تشهد اتهامات متبادلة، هل الدراما تؤثر على المجتمع أم أن المجتمع هو من يؤثر على الدراما؟ فأيهما يسبق تأثيره في الآخر؟
ويقولون إن الأعمال الدرامية تعبّر في كل مكان عن قضايا ومشكلات المجتمع بسلبياته وإيجابياته.
والأخطر من هذا وذاك أن هنالك فئة من صناع الدراما تعمل على تغيير تاريخ بعض الشخصيات والأحداث حسب أهوائها ولغاية في نفس يعقوب! وهذه الفئة من صناع الدراما تمتلك كل سبل النجاح من أموال وتقنيات و....
هذه الفئة يجب الحذر منها لأنها تحاول تشويه بعض من تاريخنا وتراثنا، ولنا في مسلسل «عمر» عمر بن الخطاب وهو إنتاج سعودي – قطري، مثال على ذلك.
مسلسل عمر بن الخطاب
عرض مسلسل عمر «عمر بن الخطاب» في رمضان عام 2012، وأعلن حينها مركز تلفزيون الشرق الأوسط (mbc) وهو سعودي والتلفزيون القطري أنهما سينتجان معاً مسلسلاً «غير مسبوق من حيث ضخامة الإنتاج» يتمتع بميزانية مفتوحة ويتناول حياة وحكم ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، كتب المسلسل الكاتب المتخصص في الشؤون الإسلامية وليد سيف وأخرجه حاتم علي.
وقد اشترطت لجنة العلماء المشرفة على العمل أن يجسد شخصية عمر بن الخطاب ممثل ليس له تاريخ في الدراما، وغير معروف في هذا المجال، ومن ضمن شروط اللجنة الدينية أيضاً، أن يوقّع الممثل الشاب على إقرار بعدم أداء أي دور في أي عمل درامي أو مسرحي لعدة سنوات، تبدأ من يوم الاتفاق على العمل، وضمن هذه الشروط وقع الاختيار على الممثل سامر إسماعيل، واللجنة المشرفة على العمل لم يتم الإفصاح عنها من خلال المسلسل فقد كُتب في شارة المسلسل: «اعتمد النص والحوار على المراجع التاريخية الموثوقة وراجعته ودققته لجنة من كبار علماء المسلمين». في حين ذكر وليد بن إبراهيم آل إبراهيم رئيس مجلس إدارة مجموعة (mbc) في تصريح صحفي له، أن من راجع النص التاريخي للمسلسل: «الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور سلمان العودة، والدكتور عبد الوهاب الطريري، والدكتور علي الصلابي، والدكتور سعد مطر العتيبي، والدكتور أكرم ضياء العمري؛ وهم أساتذة متخصّصون في الشريعة والتاريخ الإسلامي».
اعتبرت (mbc) أن المسلسل يبرز شخصية الخليفة الذي ارتبط اسمه «بالحكم الرشيد والعدل الشامل والوسطية» بعيداً عن «التطرف والعنف»، وهي شخصية يحتاج العالم اليوم العودة لها بحسب قول رئيس مجموعة (mbc).
عُرِف أن تكلفة مسلسل «عمر» تجاوزت الثلاثين مليون دولار، بل هنالك تصريح للمخرج ذكر فيه أن ميزانية المسلسل مئة مليون دولار أميركي، وقيل 200 مليون ريال سعودي. والمسلسل من31 حلقة؛ مدة كل منها ساعة تلفزيونية واحدة. واستغرق التصوير عاماً كاملاً، وهو من تأليف وليد سيف، وإخراج حاتم علي، ومما لا شك فيه أن المسلسل هو من أضخم المسلسلات العربية من حيث الإنتاج والموضوع.
رافق عرض المسلسل حملة إعلانية وإعلامية كبرى جعلت المشاهد العربي يترقب عرضه ساعة بساعة، ولم يقتصر عرض المسلسل على المشاهد العربي بل تدخلت تركيا في هذا الأمر حين وقعت شبكة ATV التي تعد واحدة من أكبر مجموعتين إعلاميتين في تركيا عقد البث الحصري للنسخة التركية المدبلجة من المسلسل وبثه بالتزامن مع النسخة العربية الأم، وقيل حينها أيضاً إنه ستتم دبلجة المسلسل باللغات الإسلامية المختلفة كالفارسية، والأوردية، والمالاوية وغيرها، وكذلك باللغات الحيّة كالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.
الجدل
بعد عرض عدة حلقات من مسلسل «عمر» قامت زوبعة إعلامية وجدل له أول وليس له آخر انتقاداً للمسلسل.
واليوم وبعد مضي أكثر من عامين على عرض المسلسل، وبعد مراجعة شاملة لكل ما كتب وقيل من انتقادات وملاحظات حول المسلسل هل يستحق هذا المسلسل كل هذا الجدل!؟
ومن خلال متابعة ورصد ما كتب عن مسلسل «عمر» في الصحافة الورقية والإلكترونية من ملاحظات يمكن إجمالها بالنقاط التالية:
• المعروف عن الخليفة عمر أنه كان أعسر يستعمل يده اليسرى، لكننا نرى تامر إسماعيل في المسلسل لا يتمكن من حمل العصا ولا يجيد استعمال السيف بيده اليسرى، فلا يوحي لك بأنه الفارس الذي نعرفه.
• يبدو «أبو بكر» منذ بداية المسلسل رجلاً طاعنًا في السن يتجاوز الستين عاماً، مع أنه لم يبلغ الأربعين في بدايات الدعوة الإسلامية. فلماذا أظهره المسلسل شيخًا مسنًا؟
• أما عن تصوير المعارك فيقولون، حدث ولا حرج. فنرى تصوير المعارك بدائيًا وترى الفارس نفسه يموت في أكثر من معركة. فلماذا لم يستعن المخرج بمحترفين لإدارة وتصوير المعارك ما دامت الميزانية تفوق المئة مليون دولار؟
• اعتبر البعض أن اسم المسلسل «عمر» دون إضافة أي لقب مما يعني تشويهاً لصورته الحقيقية وإساءة للصحابي الجليل.
• عرض أمام محكمة كويتية قضية رفعها محامِ كويتي ضد مجموعة mbc تهدف إلى وقف عرض المسلسل، استناداً إلى فتاوى وآراء شرعية.
• ذكرت عدة وسائل إعلامية أن ثرياً سعودياً عرض على قناة mbc تسليم جميع تكاليف إنتاج مسلسل عمر بن الخطاب البالغة 200 مليون ريال سعودي مقابل إيقاف بث المسلسل.
• ظهرت عده حملات لمقاطعة المسلسل منها حملة «أتعهد» الإلكترونية الإماراتية، التي تهدف لمقاطعة المسلسل.
• فريق من علماء الدين دعا إلى وقف عرض المسلسل.
و لم يزل الجدل قائماً حتى الآن بين مؤيد ومعارض للمسلسل، ولكن في كل التعليقات على مسلسل «عمر» الصناعة السعودية القطرية الذي كلف ملايين الريالات السعودية لم ينتبه الكثير منا أن هذا المسلسل كان الهدف منه بالدرجة الأولى تشويه «العهدة العمرية»!
العُهدة العُمَرية
في سنة 15 هجرية تمكن المسلمون من فتح كثير من بلاد الشام على إثر معركة اليرموك، ودانت لهم حمص وقنسرين وقيسارية وغزة واللاذقية وحلب وحيفا ويافا وغيرها. وقد اتجه لفتح بلاد فلسطين قائدان هما: عمرو بن العاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وكان المسلمون قبل تقدمهم لفتح بيت المقدس (إيلياء) قد اشتبكوا مع الروم في معركة أجنادين، وانتصروا فيها، وفرَّ كثير من الرومان إلى إيلياء.
حاصر المسلمون مدينة القدس (إيلياء)، ولما رأى أهل إيلياء أنهم لا طاقة لهم على هذا الحصار، طلبوا التفاوض مع المسلمين، فعرض عليهم أبو عبيدة بن الجراح إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فرضوا بالجزية، والخضوع للمسلمين، مشترطين أن يكون الذي يتسلم المدينة المقدسة هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه.
رحب عمر بحقن الدماء، وسافر إلى بيت المقدس هو وخادمه ومعهما ناقة واحدة فقط يركبها عمر مرة وخادمه مرة، وبعد رحلة طويلة شاقة وصل الخليفة عمر وخادمه إلى مشارف القدس.. واستقبلته مجموعة من البطاركة على رأسهم البطريرك صفرونيوس وفتحوا أبواب المدينة للخليفة عمر.. فدخلها سنة 15هـ - 636م.
وقد كتب عمر بن الخطاب كتاباً لأهل إيلياء (القدس) يتعهد فيها للمسيحيين بالأمان على أنفسهم ومالهم وصلبانهم..... عرف هذا الكتاب بالعُهدة العُمَرية.
وهذا نص العهدة العمرية
كما ذكره الطبري في تاريخه:
بسم اللـه الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبدُ اللـه عمرُ أميرُ المؤمنين، أهلَ إيليا (القدس) من الأمان:
أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملته؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيليا أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن.
وعليهم أن يُخرِجوا منها الرومَ واللصوصَ.
فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم.
ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية.
ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعَهم (أي كنائسهم) وصُلُبَهم (أي صلبانهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعِهم وصُلُبهم حتى يبلغوا مأمنهم.
ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعد وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رحل إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهدُ الله، وذمّةُ رسوله، شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة.
بينما ورد نص العُهدة العُمَرية في المسلسل السعودي – القطري المسمى «عمر» في نهاية الحلقة 28 منافياً للعُهدة العُمَرية كما رواها الطبري، وأهم ما حذف منها: «ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود»!؟ فهل كان هدف هذا الحشد الفني الضخم المكلل بملايين الدولارات السعودية – القطرية هو تشوية العُهدة العُمَرية والخوف من اليهود، وهل هذا هو بداية الدراما السياسية الهادفة لتشويه تاريخنا وتراثنا؟ وللحديث صلة.
إعجاب ·  · 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق