الخميس، 19 فبراير 2015

جمال الخط العربي والحاجة إلى التنوّع/ مقال/ ادارة مؤسسة فنون الثقافية / القديرة خديجة السعدي / العراق ....

جمال الخط العربي والحاجة إلى التنوّع
خديجة السعدي
لماذا تنوّعت أشكال كتابة الحروف؟ هل الإنسان بحاجة إلى التنوّع في عملية إيصال ما يريده ويتمنّاه وما يفكّر به إلى الآخر؟ وما الذي دعاه إلى أن يفكّر بالاختلاف ويحافظ على جماليّة الشكل ويتفنّن في إخراج الكلمة بهذه الصورة أو تلك؟ وهل فكّر بالخط بعد اللفظ أم تداخلت الرغبتان معاً؟
داخل كيان الإنسان جملة من المفاهيم الترابطية تتجه نحو الاختلاف والتماثل معاً. وهذه المفاهيم يستعين بها في إبداعاته المختلفة. في الخط مثلاً يكمن الاختلاف في جماليّة الشكل وليس المضمون.
الكلمة تُكتب لتصل إلى عين القارئ ليفهم منها ما يريد وبأنواع من الخطوط المختلفة التي تزيد جمالية الخط العربي لدى القارئ والناظر معاً. حيث تبان للوهلة الأولى وكأنها زخرفة جميلة وخاصة للذي يرى الخط العربي لأول مرّة من الأجانب غير العرب. فمن يبحث عن الجمال يفتّش في الاختلاف. ففيه تكمن ينابيع الفتنة المختلفة ذات المضمون الواحد.
نظر أبو الأسود الدؤلي نظرة جماليّة للكلمة حينما أبدّع في وضع النقاط على الحروف ليزيدها جمالاً، وتقارباً، وأُلفة إضافةً إلى المفهوميّة.
من ينظر إلى أية كلمة في الخط الديواني يجد التقارب والانسجام بين الحروف يشكّل كياناً وإتساقاً وتقارباً وإنسجاماً.
وفي الخط الفارسي إبتعاداً وتغيّراً في شكل رسم الحرف، لكنه يُعطي نفس مضمون الجمال المتألق في إخراج الكلمة كرسم. الحروف تتلاصق ولكن بشكلٍ آخر مختلف وجميل. في الخط الكوفيّ يجد الحرف لنفسه صورةً أخرى يتجلّى بها، ويآزر الحرف الآخر لتكون النتيجة جماليّة رائعة لكلمة منسجمة بحروفها المتلاصقة. مهما تباعدتْ الحروف أو التصقت ببعضها، و تزاحمت فيما بينها تكوّرت أو التفّت حول بعضها نراها تشكلّ في النهاية لوحةً تُبهر متذوقي فنّ رسم الحروف. وهكذا الحال بالنسبة إلى بقيّة أنواع الخطوط.
في قلب كياننا رغباتٌ عديدة أكثرها يتجهُ نحو الحكمة وحبّ الحياة والإرادة الواعية. تمتدّ هذه الرغبات في عالمنا الجميل والملغّز إلى آمال إبداعيّة، وخطوات ولمسات جماليّة. ويأمل كلّ مبدع أن يضع بصمته القابلة للنمو في عالم الجمال. كلّ المدلولات تشير إلى أنّ عمليّة خلق الجمال مستمرّة و قادرة على البقاء على الرغم من كلّ ما يدور حولها من هوسٍ، وجنونٍ وميول تخريبية.
ربما ما زال الوقت مبكّراً للبحث عن كيف ولماذا تلحّ على البعض رغبةٌ داخلية لجعل خطّه جميلاً، ومحطّ أنظار الآخرين.
هل هناك عوامل بيولوجية، وأخرى سوسيولوجية تؤثّر على الفرد لتجعل طريقة مسكه للقلم أكثر إتقاناً من غيره؟ ربما تجتمع عدّة عوامل لترتقي إلى موهبة الخط الجميل، منها التراتبية في عملية إخراج وتشكيل الحروف مع بعضها وتزيين مساحة الكلمات بإشاراتٍ وجزئيات صغيرة هي بالأساس أجزاء من الحروف ذاتها تكوّن رسماً منسقاً ومتّسقاً ومؤطّراً كلوحة تبقى عالقة في ذاكرة القارئ، أو المشاهد المتمعّن في رؤية جماليّة فن رسم الكلمات.
تنتابني بين فترة وأخرى أفكارٌ جميلة حول الكلمة المخطوطة بشكلٍ جميل. يا ترى ماذا يعني مفهوم الجمال بالنسبة إلى من يخطّ الحروف ويتفنّن في إخراجها بشكلٍ يختلف من خطٍّ إلى آخر؟
الحروف تخلق روح الكلمة وشكلها مع المعنى. وتتناغم لاحقاً في كيفية لفظ الكلمة أو الحرف من قبل الإنسان مانح الروح لهذا الإبداع الخطّي. وعملية اللفظ هي الأخرى تشبه بشكلٍ أو بآخر عملية خطّ الحروف. إنها الموسيقى الكلامية التي لها دور كبير في زيادة إظهار جمال اللفظ والمعنى.
وتبقى الذاكرة البشرية تحفظ هذا الجمال وترعاه وتكسبه قابليّة المنح للأجيال القادمة التي قد تكون أكثر إلهاماً وأشدّ مراقبةً لآليّة الجمال وكيفيّة إخراجه بصورة أو بأخرى وبأشكالٍ مختلفة وجديدة لتسبغ على النفس البشرية مزيداً من الهدوء والراحة المستديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق