حفلة عواء
الساعة الثالثة والعشرون، الليل يكشف غرائزه الوحشية عند قصر مزروع في أرض مزهرة بالخضرة، متّشحة بالنخيل، يمدّ ضفائر النعاس على ضفاف نهر فائر بالدهشة؛ سيد القصر ينثر دنانيره على رؤوس مجوّفة، تدور كما الطاحونة، موائده مكتظّة بما لذّ وطاب، يعدد خيله، وكأنّه إله صغير؛ ليبدأ غزواته؛ الحضور، الأتباع، يعومون متهالكين في نهر العبث، الأجساد المتحررة من ثيابها، تفحّ شبقاً، تهاجم عينيه، تداعب مخالبه، يفتح خزائنَ أفخاذٍ شهية، يمسك ردفاً نافراً لقطّة ظمآنة، تموء غنجاً، تستأنس بعبوديتها، تأمل أكثر من هذا، يتناول قرصاً في محاولة لترميم ذكورته المفقودة، يرتق جيفة أسراره، يرصف جنونه، يدسّ أوهامه في رماد حفل محفوف بالعواء، محتشد بالسحالي والعناكب والثعالب، ينتفخ كحمار ميت، يراود أحلام الحضور، يستبيح عذريتهم في طقس تتري؛ ليواري عورته.
المشهد ينتصب أمام سيدة القصر، تستفزّها الغيرة، يحاصرها سيل من غيظ، تداعب كأساً بأناملها الرقيقة، تنظر إليه هازئة بوهمه، تغرق هي الأخرى في موج ليلة معطوبة؛ تستحم في أسراب عطشها، تسترخي على رائحة النبيذ، تغازل عجلاً ضيّع أسماله، تتسلّق باطن نزوة، ولمّا بلغت مجمع اللذّة، نسيت حصانها الهزيل؛ فاتّخذت السلّم سبيلاً لمخدعها.
الخادم وزوجته ينبثقان من زاوية قصية، يبدو أنّ التعب هدّهما، يتلمّسان الطريق إلى غرفة في الطابق العلوي، يتهامسان، يحلّقان في عالم غير مرئي؛ الزوجة تتأبط رغبة لمتابعة المشهد، تؤرخ عبث اللحظة، تشهد عري أجساد متهرّئة، وضحكات عاهرة؛ كلّ شيء باذخ بالضياع، يترنح بين حنايا الخراب، مبعثر بين السيقان، كخرافٍ تنتظر الذبح؛ يستثيرها صخب الموسيقى، تتعثر بأذيال حلم قديم:
- دعنا نرقص؛ لنعيش اللحظة.
- أ مجنونة أنت؟
كان الخادم ممتعضاً، يحدّق في رقدة طويلة تلفّ القصر، يسكنه القلق، يعرف أنّ الموت قريب، يجذب أستار النافذة المطلّة على النهر:
- انظري إلى الضفة الأخرى، ماذا ترين؟
ليلٌ مأهول بالوحشة، حياة طافحة بصراخ هالع, تنضح دماً، دوي انفجارات بعيدة، تحتضن مدناً خاوية، تلفّها الحرائق، سحب من دخان كثيف، يقضم وجه السماء ... خراب من نوع آخر.
- المكان آمن، والغد مجهول، دعنا نتخذ الليل أرجوحة، نحلّق بعيداً عن خوفك، نرسم أحلامناً في ظلّ رقصة فرح كما الآخرين.
يخنقه التوسل، بحّة صوتها تخترق ثنايا الروح، تقرفص في داخله عذوبة أُلفتها، دلالها، تنفرط كالعنقود بين ذراعيه، يتقمّصه الحنين لأيام خلت، يرمي دثار هواجسه جانباً، يخمد خوفه:
- وأيّة رقصة ستختارين، أيتّها المجنونة؟
تحلّق فرحة في الفراغ كما الشحرور، وقبل أن تطوي صمتها، يعقر الليل عبثه، يتناثر الحلم مع قطع الزجاج المتناثرة في أرجاء المكان، دوي الانفجار يرسم غيمة من رماد وأعمدة دخان يلفّها الصريخ، يرسم حفل عويل في الطابق السفلي؛ ليرسو المحتفلون أشلاء، كحجر صامت على بلاط الوهم, فيما يخرج من نجا عارياً، تصرعه نوبة هلع؛ فيسقطون مثل الذباب على أرصفة الطرق. ما كان للخادم وزوجته غير العناق، يقفان وحيدين وسط الخراب، يتشاطران الرعب، الدموع تلتهم خدّي الزوجة، تحاول أن تستدعى بعض رؤيا، ترتبك، تسقط في موجة هذيان:
- حبيبتي، لا تخشي شيئاً، ما زال في العمر بقية، تعالي نحلّق عالياً، بعيداً عن هذا الحزن، أيّة رقصة ستختارين؟
تحّدق في عينيه مرعوبة، تجول عيناها في الفراغ، تلتفت صوب ركام الأشلاء، رعشة خوف تتلبّسها، يبدو كلّ شيء أمامها هراء، وانتظرَ، حتى إذا ما بلغت مطلع الصباح نطقت:
- زوربا.
الساعة الثالثة والعشرون، الليل يكشف غرائزه الوحشية عند قصر مزروع في أرض مزهرة بالخضرة، متّشحة بالنخيل، يمدّ ضفائر النعاس على ضفاف نهر فائر بالدهشة؛ سيد القصر ينثر دنانيره على رؤوس مجوّفة، تدور كما الطاحونة، موائده مكتظّة بما لذّ وطاب، يعدد خيله، وكأنّه إله صغير؛ ليبدأ غزواته؛ الحضور، الأتباع، يعومون متهالكين في نهر العبث، الأجساد المتحررة من ثيابها، تفحّ شبقاً، تهاجم عينيه، تداعب مخالبه، يفتح خزائنَ أفخاذٍ شهية، يمسك ردفاً نافراً لقطّة ظمآنة، تموء غنجاً، تستأنس بعبوديتها، تأمل أكثر من هذا، يتناول قرصاً في محاولة لترميم ذكورته المفقودة، يرتق جيفة أسراره، يرصف جنونه، يدسّ أوهامه في رماد حفل محفوف بالعواء، محتشد بالسحالي والعناكب والثعالب، ينتفخ كحمار ميت، يراود أحلام الحضور، يستبيح عذريتهم في طقس تتري؛ ليواري عورته.
المشهد ينتصب أمام سيدة القصر، تستفزّها الغيرة، يحاصرها سيل من غيظ، تداعب كأساً بأناملها الرقيقة، تنظر إليه هازئة بوهمه، تغرق هي الأخرى في موج ليلة معطوبة؛ تستحم في أسراب عطشها، تسترخي على رائحة النبيذ، تغازل عجلاً ضيّع أسماله، تتسلّق باطن نزوة، ولمّا بلغت مجمع اللذّة، نسيت حصانها الهزيل؛ فاتّخذت السلّم سبيلاً لمخدعها.
الخادم وزوجته ينبثقان من زاوية قصية، يبدو أنّ التعب هدّهما، يتلمّسان الطريق إلى غرفة في الطابق العلوي، يتهامسان، يحلّقان في عالم غير مرئي؛ الزوجة تتأبط رغبة لمتابعة المشهد، تؤرخ عبث اللحظة، تشهد عري أجساد متهرّئة، وضحكات عاهرة؛ كلّ شيء باذخ بالضياع، يترنح بين حنايا الخراب، مبعثر بين السيقان، كخرافٍ تنتظر الذبح؛ يستثيرها صخب الموسيقى، تتعثر بأذيال حلم قديم:
- دعنا نرقص؛ لنعيش اللحظة.
- أ مجنونة أنت؟
كان الخادم ممتعضاً، يحدّق في رقدة طويلة تلفّ القصر، يسكنه القلق، يعرف أنّ الموت قريب، يجذب أستار النافذة المطلّة على النهر:
- انظري إلى الضفة الأخرى، ماذا ترين؟
ليلٌ مأهول بالوحشة، حياة طافحة بصراخ هالع, تنضح دماً، دوي انفجارات بعيدة، تحتضن مدناً خاوية، تلفّها الحرائق، سحب من دخان كثيف، يقضم وجه السماء ... خراب من نوع آخر.
- المكان آمن، والغد مجهول، دعنا نتخذ الليل أرجوحة، نحلّق بعيداً عن خوفك، نرسم أحلامناً في ظلّ رقصة فرح كما الآخرين.
يخنقه التوسل، بحّة صوتها تخترق ثنايا الروح، تقرفص في داخله عذوبة أُلفتها، دلالها، تنفرط كالعنقود بين ذراعيه، يتقمّصه الحنين لأيام خلت، يرمي دثار هواجسه جانباً، يخمد خوفه:
- وأيّة رقصة ستختارين، أيتّها المجنونة؟
تحلّق فرحة في الفراغ كما الشحرور، وقبل أن تطوي صمتها، يعقر الليل عبثه، يتناثر الحلم مع قطع الزجاج المتناثرة في أرجاء المكان، دوي الانفجار يرسم غيمة من رماد وأعمدة دخان يلفّها الصريخ، يرسم حفل عويل في الطابق السفلي؛ ليرسو المحتفلون أشلاء، كحجر صامت على بلاط الوهم, فيما يخرج من نجا عارياً، تصرعه نوبة هلع؛ فيسقطون مثل الذباب على أرصفة الطرق. ما كان للخادم وزوجته غير العناق، يقفان وحيدين وسط الخراب، يتشاطران الرعب، الدموع تلتهم خدّي الزوجة، تحاول أن تستدعى بعض رؤيا، ترتبك، تسقط في موجة هذيان:
- حبيبتي، لا تخشي شيئاً، ما زال في العمر بقية، تعالي نحلّق عالياً، بعيداً عن هذا الحزن، أيّة رقصة ستختارين؟
تحّدق في عينيه مرعوبة، تجول عيناها في الفراغ، تلتفت صوب ركام الأشلاء، رعشة خوف تتلبّسها، يبدو كلّ شيء أمامها هراء، وانتظرَ، حتى إذا ما بلغت مطلع الصباح نطقت:
- زوربا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق