الثلاثاء، 7 مارس 2017

زائر النهار/ قصة / علي البدر / العراق ,,,,

زائر النهار
لأيا
م ... طال انتظاري لصديق قديم عرف بالتزامه وجرأته ، وكم مرة اسمعني كلماته المعروفه " ايه ليش دا أخاف! هيه موته موته" ولطالما انزعجت لهذه الكلمات:
ماذا دهاك يا أخي؟ كلما اراك تركز في عيني وتردد هذه الجمله؟ ألم تمل منها؟ وهل انت "عزرائيل" تذكرني بالموت كلما نلتقي وبعد أشهر طويلة؟
- لا تخف . هيه موته موته. رد علي متهكما وعلامات الأصرار بادية عليه.
ومشاكلي مع “عباس" لا تحصى ، فقد جاءني ذات يوم شارد الذهن وبعد غيبة طويله تعد لحظاتها بسنين وكأنه في عالم اخر، فقد علمت سبب غيابه من زوجته بانه محجوز بالقرب من ساحة الأندلس وسط بغداد لحاجتهم اليه لدقائق فقط. وهنا تذكرت كلماته التي لا احبها وكما يبدو قد نسيها أو تناساها.
- يا أخي. قال "عباس" ، لن تتوقع ماحدث لي . تصور أول اسبوع من توقيفي في مديرية الأمن أشبعوني من شيء مفقود من الأسواق وهو غالي الثمن حيث ادخلوني غرفة كئيبه رطبة الجدران يتخلل الضوء اليها من نافذة صغيره وقال لي أحدهم انظر استااااذ هذا لك، وأشار لصندوق كتب عليه مالم أتوقعه. كل يوم نطعمك ما تتمكن عليه. لمده يقررها السيد "العام".
- ومن قال لكم انني احب البيض لهذه الدرجه؟
- لم تأكله أيها الثرثار بل ستسبح به، وانهال علي ضرباً وشتماً حيث دخل صاحبه وبدأ يكسر على رأسي البيض بيضة بيضه.
- هاك ياابن الكلب يا عميل شلون تكول ماكو بيض وانته بين الناس . هذا شنو يا غبي . تريد تشوه سمعتنه واحنه بأيام حصار صعبة؟
- ياأخي . أكلت نصف الصندوق في ليله واحده وبهذه الطريقه. وأخرجوني ولازالت رائحة البيض ملتصقه بشعري. لم يبق اي نوع من الصابون لم استعمله ابتداء من صابون الركي وانواع الشامبو وداعتك "ام محمد" فركت راسي بطين خاوه ومراحت الريحه.
- جيد فأنت محظوظ جدا لان هذا يفيد شعرك كثيرا.
- كعادتك. رد منفعلا ، تحول الجد الى هزل وقد حذرتك مراراً بعدم اثارتي وانا بمواقف صعبه أو تمزح معي هكذا.
- لا عليك. هيه موته موته. قلت متهكما، لكنه رد متوسلا:
- المهم اريد منك طلبا.. وعليك تنفيذه.
- وهو؟
- أن تضربني بعكسك في خاصرتي برفق عندما أبدأ بانتقاد النظام.
- حسناً . وكنت اعلم انه يضع راحة يده اليمنى على بطنه التي غار بها الحزام حيث يمسكه باصابعه ويسحبه نحو الأعلى و يأخذ نفسا عميقا ثم يتلفت يمنة ويسرة ويقول: يا جماعه هالأيام دجاج ماكو.. يا جماعه بيض ماكو.. وهكذا ..
وعندما خرج الطلاب لساحة المدرسه وقفنا قرب شجرة معمره وكان الأستاذ "عباس" وسطنا حيث وضع راحة يده على بطنه وسحب حزامه للأعلى ونظر الى السماء وقال يا جماعه هالأيام........ وجاءته ضربه قويه على خاصرته فصاح : اخ هاي شسويت.. هلسنه مطر ماكو أي مطر ماكو. هاي شبيك!
صمت داخلي انتابني رغم ضحكات ومزاح زملائي والموقف المفاجيء مني بوكز زميلي بقوة املا مني باسكاته وكأن صندوق البيض لم يكن كافياً لاسكاته، تساءلت، ياترى مالذي دفعني لهذا التصرف؟ أهو خوف، قلق أم رعب يحيطني ويسري في عروقي ؟ أهو بسب الكبت الذي يسبب القلق والتوتر أم القلق والتوتر اللذان يسببان الكبت؟ من يسبب من؟ يا الهي ؟ لم احيط نفسي بدائرة الأوهام والمخاوف فها أنا ذا ازج نفسي بتساؤلات ربما اتعبت" فرويدFreud" أو :كارين هورنيK. Horney " وغيرهم من مؤيدي مدرسة التحليل النفسي. ماذا عملت أنا لكي أخاف وبشده من انتقاد الحاكم الذي جاء بغفلة من الزمن ليحكمني؟ ماالسبب الذي يجعل الحاكم يكره اهل الرأي الذين لا يوالونه رغم انهم مسالمون؟ ولماذا نبقى في دوامة صراع المتناقضات العدائية؟ اقتلك قبل أن تقتلني أو الغي و أقمع ما يحمله فكرك قبل أن تتهيأ لمعارضتي؟ والى متى تبقى مشكلتنا مع الأخ الكبير Big Brother؟ وربما كان "جورج أورويلG. Orwell يعرف جيدا ما توقعه. صور في كل مكان.. انصات وكلمات تافهة تمجد به نصفق لها، خوفا من عقاب أقله كما حدث الى "عباس". ثلاثة أشهر ورائحة البيض تملأ البيت! يعلقون الانسان وذراعاه الى الخلف ليعترف. وبماذا يعترف ؟ قل لنا ماذا في مخك. يغرون الطفل ويستدرجونه من أجل التصفيق للاخ الكبير ويفهمون ما يدور في البيت من حديث.
- قل يا شاطر ماذا يقول ابوك في البيت عندما يتحدث الاخ الكبير بالتلفاز أو عندما يعاد الحديث وتلغى نشرة الأخبار أو البرامج التي تحبها أنت؟ قل وسأرفع درجاتك الضعيفة باللغة الأنكليزيية والرياضيات.
أجل هذا ما حدث للطفل "مؤيد" الذي رجع لبيته ولم يجد أباه.
- أماه أين أبي؟
- جاءت سيارة تحمل ثلاثة أشخاص وذهبوا به.
- وأين يا اماه؟ كم اكره تلك السيارة التي اخذت اخي الى الأبد.
- لاتخف. سيرجع أبوك سالما فهو كاتب وأديب وناقد محترم ومعروف. اطمئن..
وكانت المفاجئه عندما دخل الأب متبختراً وعلامات الأنتصار بادية عليه.
- الحمد لله. عبد المجيد قالت الام.
- كما ترين. كل شيء على ما يرام.
- قل لي بربك ماذا أراد منك الأخ الكبير؟
- تصوري ابتسم بوجهي ورحب بي وقال: وأخيرا التقينا يا "عبد المجيد"... كيف الحال؟
- كما ترى.. وماذا يهمك من رجل عجوز مثلي؟ قبل أكثر من ستين سنة كنت أفضل .قلت له.
- وماهي قصة الحيوان الذي يربي صغاره ويرعاهم ويأتي الدب ليأكلهم. تساءل وبهدوء.
- أي دب؟ لا أفهم لانهم منتشرون في كل مكان. في الشمال والجنوب والوسط و....
- ابتسم في وجهي لكنه سرعان ما أشار بسبابته الى الجريده التي امامه. ركز نحوي بنظرات حادة متسمرة مرعبة ولا حظت وكأن شرارً يتطاير منها.
- من هو الدب. اتعرفه؟ قل ولا تتردد فأنت ضيفي الان . اخبرني هل تقصد اننا نقتطف ثمرة ما يعمله الاخرون؟
- الان ضيفك وانا ممتن لهذا العرض الكريم وها أنا اشرب فنجان القهوة ولكن.
- ولكن ماذا؟
- ان تستمر الضيافه الى ان أخرج سالماً.
- تعجبني جرأتك،قال ذلك مبتسماً وهو يرفع اضبارة بدت انها ممتلئه بالتقارير، يا استاذ "عبد المجيد". هكذا انت منذ شبابك وحتى الان. أنت مواطن كردي لكن الدم العربي يعيش في عروقك. لم نشعر انك متعصب لقوميتك أو دينك ولم تكن لدينا أية اشارة سلبية عنك سوى بعض كتاباتك في الصحف وقصصك التي تنشرها في "العراق" .وهي صحيفه كل محرريها اكراد.
- وسيادتكم تشرفون عليها وتدعمونها وهذا يدل باني اسير بنهج اتمنى ان لا يغضب أحداً. كما تعلم انا انسان مسالم ولكن قلمي حر وافتخر به لانه لم يكتب لأحد. وقد دعاني"الملا" وضيفني عدة أيام لأكتب سيرة حياته لكنني رفضت وبشده . لن أكتب لشخص أبداً وهذا قسم علي. أنا مواطن كردي وعشت وسط اخوتي العرب. عندما تسود العداله ويسود الحب ويمسك الطيبون الأمر يعيش الجميع بأمان.
- كما هو الان.
- اجل الان فانا بقربك على الأقل.
- وان ابتعدت؟
- لا أدري. أجل . أجل لا ادري فقد تمر ليال اتوقع زائر الليل في كل لحظه.
- اطمئن. هذا وعد.
- شكرا.
استمر حوارنا لاكثر من ساعه وكان دائم التركيز بنظراته الحادة على وجهي متحاشياً التركيز على لحيتي الكثة أو هندامي الذي لايليق بمقابلة شخص مثله. وقد أعجبتني هذه الالتفاته منه.
- أراك متشنجا فأنت حزين لان الدب أكل الصغار. نحن من اكل الصغار؟ أهذا ماكنت تعنيه؟ انتم تضحون ونحن نقطف الثمرة بدون جهد.
- لا لم اقصد ذلك. انها مجرد قصة وللأطفال وليست للكبار وأشرت بيدي عليه حيث نهض من مقعدة مبتسما وكأنه يخفي لي شيئا وهنا تذكرت صاحبي الذي تفوح منه رائحة البيض وكلماته التي اعطتني شجاعة لم اتوقعها واحسست بارادة صلبه زادت من توتري وانفعالي وقد لاحظ ذلك وقال:
- أنت متشنج... لماذا؟
- أبداً أبداً.
- لاينبغي لك هذا فأنت الان ضيفي. ولكن لم يبق بعمرك شيء حاول ان تترك ما يتعبك .
- لا يتعبني شي سوى البحث عن العداله والأمان لي ولتلك الجموع التي تبحت وتناضل من اجل توفير لقمة العيش. العجب في بلادي اننا نحفر بئراً للماء فيظهر النفط تحت الارض والناس جياع فوقها. نعم جياع في الطرقات وعلى ابواب الجوامع . أخجل وأشعر بالحياء وانا ارى الفقر في كل مكان. يجب ان تتوزع الثروة بعدالة . يا الهي لو كان الفقر رجلا لقتلته. ولنشرت الامان والخير في كل مكان..
- أتكون عصبياً وانت أمامي؟ لاينبغي لك هذا.
- عندما ارسل "لينين" على "مكسيم غوركي" واصبح عصبياً متوتراً أمامه، لم يقل "لينين" لماذا أنت عصبي وانما سكت واستمع الى كل كلامه وكان متوتراً من الداخل لكنه ابتسم أيضاً.
- وها أنا اسكت. اتقارنني بلينين؟
- بالطبع لا .
- ألا زلت شيوعيا؟
- لا. اعتاد الناس والحكام اطلاق هذا الاسم على المثقف لانهم يربون رفاقهم على الثقافة.
- من كلامك انت تناصرهم. ومعجب بطروحاتهم.
- أنا؟ لا. أبداً أبداً... أنا لست كما تظنون . أحترم اراء الاخرين.. مادية كانت أم مثالية..
- .تجمع النقيضين... قال هذا وسكت..
- اتحمل الجميع . المهم النتائج .قلت هذا.. نهض من مكانه وتقرب نحوي وقد لاحظت عمق نظراته الغاضبة.
- أنت تعلم الديمقراطية التي صنعتها لكم منذ أن اختارني الشعب لقيادته وأود ترسيخها وتعميقها لذلك ارسلت بطلبك.
- وأنا اشكرك. وأشرت لفنجان القهوة .
- أن نعمل حزبا نتعاون به لخدمة الشعب؟ قال ذلك لكنني لم اتوقع مثل هذا الطرح منه فقلت متسائلا:
- نعمل حزبا؟ وكيف؟ وهل أبيع بقية عمري وأمسح ماضياً افتخر به؟ لقد اعترضتم على الدب الذي أكل صغار الحيوان ضمن قصة للأطفال فكيف اتعاون لتشكيل حزب لمن يتوجس من أية اشارة يفهمها ضده؟ مستحيل. هذا مستحيل. ان أكبل نفسي وأكتم انفاسي وأخدع الاخرين. لا لا لن استطيع ابدا.
- والان دعنا من كل هذا.. أتملك سياره؟ لا. لا فأنا لا احب القيادة.
- ولديك بيت؟
- أجل . صغير يضمني وابنائي.
- وراتبك التقاعدي؟
- قليل لكنه يكفيني رغم اني لم اسرق من أحد أو اخذ ديناراً من أحد. هكذا هي حياتي .
- تأمل بوجهي وركز على لحيتي البيضاء التي فارقها المقص فترة طويلة ، وعلى ملابسي ثم عاد وحدق في عيني واشار لمرافقه وقال:
- حسنا. انتهت الزياره..
- الحمد لله على سلامتك. قالت الزوجه.
- وسلامتك . نقتسم رغيف الخبز معا ونتأمل القادم من الايام. قال "عبد المجيد" ذلك بهدوء ولكن المفاجأة كانت أكبر، عندما سمعت طرقات على باب الدار بعد اقل من اسبوع حيث تأمل في وجوههم وقال:
- أنتم! تفضلوا فتشوا البيت وانبشوا اغراضه وبكل حريه. وخلصوني من قلمي ودواتي واوراقي..
- لأ استاذ . لم يكن لدينا أمر بما في بالك وانما وانما....
- وانما ماذا؟
- أن تأتي معنا.
- ولأي شيء؟
قد تشرب القهوة ثانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق