خطاب الجني الى مدن الغرائب
الكاتبة : اسراء العبيدي
قصة قصيرة
سمعت هناك مدينة من مدن الغرائب فقررت أن أكون أول زائر لها . ولدى وصولي فوجئت بجمع غفير من الناس وهم يتوالون عليها من كل صوب . مع وجود زحام على الأبواب لا ينتهي حتى يعود كما بدأ ، فانتظرت حتى خف الازدحام وإذا بي ألتقي بساحر سألني ماذا أفعل هنا ؟ أجبته كما يجيب الصدى : أنا زائر . وبعد أن ادرك حقيقة الأمر بدأت الحيرة في عينيه وقال : أيها الجني عد إلى عالمك لما جئت إلى الدنيا ! لن يتمكن البشر من رؤيتك ابدا . وجودك هنا لا يجدي نفعا. قلت له : إليك هذا عني أنا جني هبطت من كوكب غريب الى الارض لأرى ما هي الارض التي تبدأ فيها الحياة . ولأتفقد أحوال البشر لن أثقل عليك بتفصيل ما رأيت وماذا أقص لك ؟ .
لقد رأيت البياض في موضع السواد والسواد في موضع البياض . لذلك سآخذ بالأسباب والمسببات . لأن حضارات الامم قد سبق بها الترقي إلى تقلب الحال . فهل على أن أسن لهم قانونا لأكون للناهضين خير مثال , ولكن كيف لي وأنا أرى الأرض مليئة بعروش الجبابرة والمخربين ... لقد أبدع الله في خلق الارض ولكن البشر عمروها بدماء المساكين وغيروا اسمها إلى مدن الغرائب . وأصبحوا من الواشين ولم يحسنوا التعاشر بالمعروف .بل زاد منهم بطش الباطشين و احسرتاه غلبت سياسة المصالح والمنافع على طيبتهم . فيا لهم من بائسين خالفوا نظام الحق والعمل الصالح وتنازعوا حول ثوراتهم ليكونوا من العاثرين . فما أحسن العلم والعمل إذا أجتمعا على الاخلاص والشعور بالواجب من قبل الآدميين.
حسنا أيها الساحر سأرحل إلى عالمي لقد انتهت زيارتي ولن اخبر البشر أن يتعاشروا بالمعروف ولو أنا أضمن إن كلامي غير مسموع ولن يطبق على آدمي واحد اذا كيف سيطبق على آلاف البشر . واﻵن أخبرني ألم يحن الوقت ليقر البشر بعجزهم ويعلموا إن الكمال محال . و لربما يفوتهم في مستقبل القرون والأجيال فلو فهمت من كلامي فيما مضى . سأستثمر القوى العقلية فأبدع في استثمارها ولكن انت وبما فيك من مزايا مع وفرة العلماء والباحثين لن يتمكن سحرك من توفير الراحة والسعادة للبشر كما يتمنون وهم عليك مقبلون . مهما أنت بذلت من جهد فإنك لا تستطيع فهم النفوس البشرية المخلوقة من طين . فكل شيء من أقصى ما يتصور الفكر الى آخر ما يجول في خاطر أو يحوم حوله خيال .
- احترم جل خطابك أيها الجني ولكنه لن أنقله إلى البشر لاني بالسحر أستطيع فعل كل شيء . وخصوصا أنا بسحري أتعامل مع شتى أنواع الجن ولهذا أستطيع التعامل معك . ورحيلك خير دليل على عجزك عن فعل شيء لهذه الارض المدمرة بقوى الشر . آوه اقصد مدن الغرائب وسأتفق معك في جملة واحدة من خطابك وهي ألم يحن الوقت ليقر البشر بعجزهم ؟ وان الكمال من المحال لان الكمال لله وحده سبحانه وتعالى . وان جميع الكائنات بل وسائر المخلوقات من بشر وسحرة وجن هم عاجزين لأنهم يعيشون تحت رحمة ربهم الخالق عز وجل الذي هو سيد الكون .
- نعم الله هو سيد الكون وأنا وجهت خطابي للأرض لأنها تحن الى ربها الذي يمطر عليها رحمة من عنده . والبشر مهما بلغوا مقدارا من العلي سيعودون الى التراب ويدفنوا في الارض . فأمامهم الخيار إما أعمار الارض أو خرابها لأنهم يوما ما سينامون تحتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق