هدية عيد الميلاد
( يا رب السلام ، أمنح اليتامى السلام )
بعد جدال طويل مع نفسها ،وزعت فيه الكثير من الاحتمالات بين الجرأة وفقدان ماء الوجه ، جدال تولد من جرائه أن تنظر بشفقة إلى حالتها ، كونها زوجة شهيد ، ولم يمضي على استشهاد زوجها أكثر من شهرين ، ولأول مرة سيمر عيد الميلاد دون أن يأتي بابا نويل ويقدم الحلوى والألعاب إلى طفليها .
أجهشت في البكاء لسوء حظها ، ولقلة حيلتها ، هي واثقة أن ما تبقى من عمرها سيكون الحزن فيه كثير والفرح قليل ، ما ذنب الأطفال !! لقد دأبت منذ شهرين على توفير المال اللازم لشراء هدية عيد الميلاد ، لكن خوفها من كلام الجيران يجعلها مترددة ، مشت بخطوات متثاقلة نحو النافذة ، ونظرت بعينين حزينتين إلى القمر ، كان ضوءه شاحباْ ، لكنه عنيداْ ، يرسل ضوءه القرمزي من بين فراغات الغيوم كلما سنحت له الفرصة ،استدارت نحو صورة زوجها الشهيد ، وتأملت ابتسامته الرقيقة ،المتنافرة مع قسوة لباسه العسكري وتمنت لو انه حي يرزق، كم كانت الأمور سهلة بحضوره ، شحب وجهها أكثر وهي متسمرة أمام الصورة ، فأخذت تصلي قائلة : ( يا رب السلام ، امنح اليتامى السلام) تلاحمت دموعها مع اسمنت أنفاس تلاشت منذ سنين ،كل ما تمني به نفسها لعبتين لطفليها ، التفكير دون جدوى عمل متعب لانهاية له ،ولم يكن لها من الشجاعة ما يمكنها من النطق بكلمة ، كل شيء ضبابيا ، هذا العيد يرمز لنهاية كل شيء بالنسبة لها. : أنا من يتحمل الشقاء ،راحت تنتحب من جديد ،كانت تفكر أيضاً بزوجها ، مازالت تذكره تماماً ، كان الجميع منشغلين ويحدثون الكثير من الضوضاء ، والنواح يفتت الأكباد ، كانت نسوة القرية بلباسهن الأسود وشعرهن المنفوش يتجمعن حول أم زوجها ، التي شمرت بيجامتها إلى فوق الركبة ، وراحت تلطم وجهها دائخة حتى ازرقت وجناتها ، وتشد شعرها ، صارخة، باكية، مولولة وكن يتوقفن عن النواح فجأة ، وما أن تبدأ أحداهن بالبكاء حتى تنتقل النساء إلى حالة العويل وكأنهن يحطمن شيء مقدس ، أما الأب فقد جلس في الغرفة يذرف الدمع فمن المعيب أن يبكي الرجل بحضرة الآخرين ، لقد أيقن أن كثرة البكاء في زمن الحرب هو انهيار مفزع ، كما كان يود أن يبدو شجاعاً في عيون جميع المعزين ، ولهذا السبب نزل خارجاً إلى ساحة القرية ، يصافح الرجال غير مبد لخيبة الأمل ، ولا للحزن بطريقة جافة .
إن قلبها مرهق بكرب مفرط ، لا يمكن بعد اليوم أن يبسط جناحيه ويحلق في الفضاء ، صامتة تفكر بهذا كله ،هدها الضعف، رجفة من مرارة اليأس تعتصر روحها ،صفير مثل أزيز الجراد تحدثه الذكريات ، قالوا وقتئذ : إن جثه مقطعة الأوصال وإن رأسه مفصول عن جسده ، وهنا وهناك يتردد إن جمجمته كانت مشوهة ، محجرين بلا عيون وفم بلا لسان ، لهذا السبب قال لهن الضابط : ممنوع فتح التابوت ؟؟
كان التابوت مغطى بالعلم السوري ، ومغلق بالمسامير بأحكام شديد ، يحمله ثمانية رجال، طلبت منهم فتح الصندوق لتلقي عليه النظرة الأخيرة فمنعها الضابط بكلمات مواسية ، فارتمت عليه وهي تضاعف عويلها المؤثر ، تم نهضت كي تعود لتسقط برخاوة على الأرض ، لم يكن بالمستطاع رؤية الجثة ، كان ثمة فاصل بين بشاعة المنظر ورغبتها أن تلقي نظرة الوداع .
ابتلعت حيرتها وحدقت في الصورة ،توجس وأمل ويأس ،لو أن لحظة هدوء تنسلخ من فوضى هذا الكون ، لكانت كافية أن تحسم أمرها ،لكنها منكسرة ،الصورة ساكتة ، الاستمرار في الحزن زيف هذا ما قاله لها زوجها بعد أن بالغت في أظهار الحزن على وفاة والدتها ، تذكرت هذه العبارة ألاف المرات لتخرج نفسها من حدادها ، دون جدوى ، لم تستطع أن تتحمل الذكريات ، ففاجعة بحجم فقد الزوج لا يستطيع قلب صغير أن يتحمله،ارتسمت على وجهها ابتسامة مشابهة لابتسامته في الصورة فضمتها إلى صدرها وبكت بكاء مراْ لدرجة أدمعت عينا زوجها في الصورة ،
فؤاد حسن محمد _ جبلة _ سوريا
( يا رب السلام ، أمنح اليتامى السلام )
بعد جدال طويل مع نفسها ،وزعت فيه الكثير من الاحتمالات بين الجرأة وفقدان ماء الوجه ، جدال تولد من جرائه أن تنظر بشفقة إلى حالتها ، كونها زوجة شهيد ، ولم يمضي على استشهاد زوجها أكثر من شهرين ، ولأول مرة سيمر عيد الميلاد دون أن يأتي بابا نويل ويقدم الحلوى والألعاب إلى طفليها .
أجهشت في البكاء لسوء حظها ، ولقلة حيلتها ، هي واثقة أن ما تبقى من عمرها سيكون الحزن فيه كثير والفرح قليل ، ما ذنب الأطفال !! لقد دأبت منذ شهرين على توفير المال اللازم لشراء هدية عيد الميلاد ، لكن خوفها من كلام الجيران يجعلها مترددة ، مشت بخطوات متثاقلة نحو النافذة ، ونظرت بعينين حزينتين إلى القمر ، كان ضوءه شاحباْ ، لكنه عنيداْ ، يرسل ضوءه القرمزي من بين فراغات الغيوم كلما سنحت له الفرصة ،استدارت نحو صورة زوجها الشهيد ، وتأملت ابتسامته الرقيقة ،المتنافرة مع قسوة لباسه العسكري وتمنت لو انه حي يرزق، كم كانت الأمور سهلة بحضوره ، شحب وجهها أكثر وهي متسمرة أمام الصورة ، فأخذت تصلي قائلة : ( يا رب السلام ، امنح اليتامى السلام) تلاحمت دموعها مع اسمنت أنفاس تلاشت منذ سنين ،كل ما تمني به نفسها لعبتين لطفليها ، التفكير دون جدوى عمل متعب لانهاية له ،ولم يكن لها من الشجاعة ما يمكنها من النطق بكلمة ، كل شيء ضبابيا ، هذا العيد يرمز لنهاية كل شيء بالنسبة لها. : أنا من يتحمل الشقاء ،راحت تنتحب من جديد ،كانت تفكر أيضاً بزوجها ، مازالت تذكره تماماً ، كان الجميع منشغلين ويحدثون الكثير من الضوضاء ، والنواح يفتت الأكباد ، كانت نسوة القرية بلباسهن الأسود وشعرهن المنفوش يتجمعن حول أم زوجها ، التي شمرت بيجامتها إلى فوق الركبة ، وراحت تلطم وجهها دائخة حتى ازرقت وجناتها ، وتشد شعرها ، صارخة، باكية، مولولة وكن يتوقفن عن النواح فجأة ، وما أن تبدأ أحداهن بالبكاء حتى تنتقل النساء إلى حالة العويل وكأنهن يحطمن شيء مقدس ، أما الأب فقد جلس في الغرفة يذرف الدمع فمن المعيب أن يبكي الرجل بحضرة الآخرين ، لقد أيقن أن كثرة البكاء في زمن الحرب هو انهيار مفزع ، كما كان يود أن يبدو شجاعاً في عيون جميع المعزين ، ولهذا السبب نزل خارجاً إلى ساحة القرية ، يصافح الرجال غير مبد لخيبة الأمل ، ولا للحزن بطريقة جافة .
إن قلبها مرهق بكرب مفرط ، لا يمكن بعد اليوم أن يبسط جناحيه ويحلق في الفضاء ، صامتة تفكر بهذا كله ،هدها الضعف، رجفة من مرارة اليأس تعتصر روحها ،صفير مثل أزيز الجراد تحدثه الذكريات ، قالوا وقتئذ : إن جثه مقطعة الأوصال وإن رأسه مفصول عن جسده ، وهنا وهناك يتردد إن جمجمته كانت مشوهة ، محجرين بلا عيون وفم بلا لسان ، لهذا السبب قال لهن الضابط : ممنوع فتح التابوت ؟؟
كان التابوت مغطى بالعلم السوري ، ومغلق بالمسامير بأحكام شديد ، يحمله ثمانية رجال، طلبت منهم فتح الصندوق لتلقي عليه النظرة الأخيرة فمنعها الضابط بكلمات مواسية ، فارتمت عليه وهي تضاعف عويلها المؤثر ، تم نهضت كي تعود لتسقط برخاوة على الأرض ، لم يكن بالمستطاع رؤية الجثة ، كان ثمة فاصل بين بشاعة المنظر ورغبتها أن تلقي نظرة الوداع .
ابتلعت حيرتها وحدقت في الصورة ،توجس وأمل ويأس ،لو أن لحظة هدوء تنسلخ من فوضى هذا الكون ، لكانت كافية أن تحسم أمرها ،لكنها منكسرة ،الصورة ساكتة ، الاستمرار في الحزن زيف هذا ما قاله لها زوجها بعد أن بالغت في أظهار الحزن على وفاة والدتها ، تذكرت هذه العبارة ألاف المرات لتخرج نفسها من حدادها ، دون جدوى ، لم تستطع أن تتحمل الذكريات ، ففاجعة بحجم فقد الزوج لا يستطيع قلب صغير أن يتحمله،ارتسمت على وجهها ابتسامة مشابهة لابتسامته في الصورة فضمتها إلى صدرها وبكت بكاء مراْ لدرجة أدمعت عينا زوجها في الصورة ،
فؤاد حسن محمد _ جبلة _ سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق