الثلاثاء، 26 مايو 2015

بؤس/ قصة الكاتبة / صالحة بورخيس / تونس .....

بُؤس
***
في مفترق طرق وجدَتْ نفْسها وحيدة مع ابن العامين... لقد تصدّع سقف البيت من كثْرة تهاطل الأمْطار حتى كاد ينهار فوق رأسها... يلْبسُها الألم مثل الثّياب الضيّقة.. يخنقها الخوف فيجتثّ وهج قلبها... تمشي وحيدة وقد أثقل الإملاق ممشاها.. صوت الصواعق يحيط بها والبرق يخطف بصرها..... تُرى هل ستقبل أختها إقامتها معها حتى ينتهي الشتاء.. كم مرة ألمحت لها هذا الأمر، ولكنّها اليوم في حاجة إليها أكثر من كل الأوقات، لذا اتجهت اليها مستنجدة بها في هكذا ظروف فحالتها أصبحت لا تطاق...
دقّت الباب.. انتظرت قليلا.. ربما لم تسمعها.. أعادت الطّرق بقوة أكثر... الباب لم يُفتح... علا بكاء الطفل.. ضمّته إلى صدرها... انتظرت وانتظرت طويلا... أعادت الكرّة مرّات ومرّات.. أخيرا جاء الفرج.. استمعت إلى خطى تقترب من الباب ثُم فُتح.. اندفعتْ من شدّة العاصفة الى الدّاخل فاذا بها في حضن غريب ... فتحت فاها من الذهول... من أنتَ... العفو سيّدي... المعذرة.. هل أخطأتُ العنوان... جالت ببصرها داخل أرجاء البيت... لا.. لم تخطئ... هو بيت أختها.. ولكن من يكون هذا الرجل؟ بدأتْ تُناديها.. أحسّت بصمت القبور يحيط بها ويلفّها من كل الجوانب واعتلتها قشعريرة راجفة هزت كيانها...
- أختك باعت الدّار وأنا الشّاري... لا تخافي... قالها بكلّ هدوء.. تعلو شفتَيْه ابتسامة..
بدأت تصرخ.. لا.. لا.. لا يمكن أن ترحل أختي دون إعلامي... ماذا تفعل هنا.. قويت وتيرة المناداة.. تعبت.. فشلت... انهزمت... تلعثمت... خافت... لفّ ذراعين طويلتين حول خصرها وابنها.. حاولت التملّص منه لكنّها سرعان ما استأنست بدفء صدره وبيديْه تربت على رأس طفلها المُرْتجف من الجوع والبرد..
- سيّدتي تفضّلي
أخذ بيديها إلى الداخل حيث كهوف الوحشة في انتظارها... طرق ملتوية ومنعطفات ومنحدرات وهموم تحيط بقلبها الضّعيف... شريط طويل من الآلام تلعب دور البطولة فيه.... وما أصعب أن ترمي بك النّهايات بين أحضان التعاسة...
صالحة بورخيص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق