العائدون
آخر مشهد من مسرحية " العائدون "
حتّم على الجمهور الوقوف
لتوديع الدمى
والتصفيق والصفير لهم
لم أكن قريبا من المنصة كي أسترق التناهيد
ولم أقطع تذكرة أخرى
خشية أن تعبّ قميصي
تلك الدموع الطائرة رغم بعد مقعدي
ثمة دمية كانت تغني
تغني بحنجرة من الورق المقوى
لكن صداها
كان يصل لأخر الشارع
ينتقل بين المباني
يقفز فوق السطوح
ويهبط عند فناجين القهوة
يجمعون شيئا من شتاته
سكارى لا يملكون ثمن الخمرة
جالسون عند أبواب الحانات
دمية أخرى
ترقص عارية
لكنها لم تكشف عورتها
كان بودي أن أراها عارية تماما
كي أميز دورها
كانت بارعة في الرقص
وبيد واحدة
تجيد العزف على الكمنجات المهجورة
ذات لحظة صرخت :
" بُترَت في الحرب يدي
بُترَت في الحرب يدي
أذكر صراخ الجنود وشفاههم اليابسة من شحة الماء
أذكر رائحة البارود ومزيج الدم
أذكر الكثير الكثير من الأشياء
لكنني
لم أتذكر بأي حرب فقدت يدي "
ودمية ثالثة
نسيت لسانها خارج فمها
تعمل بالإشارات والرموز
باعت عمودها الفقري
وإحدى عيناها
ونصف قلبها
كي تشتري صحن تفاح وعلبة حليب
وتشتري باقة ورد
توزعها للحاضرين
تعدّ الضحكات المصطنعة على وجوههم المشحونة بالخوف
الخوف من المشهد الأخير
كان لابد لهم أن يأتوا قبل هذا الأوان
قبل المشهد الأخير
كان لابد لهم أن يشربوا من بقايا النهر
ويأكلوا من ثمار الجبل
كان لابد لهم
أن يكونوا أكثر صبراً
وأن لا يشعلوا أغصان الأشجار المتدلية من جدران البيوت
كي لايوقظوا عصافير المدينة
كان لابد لهم
أن يودعوا الدمى
سامر الشيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق