موسوعة ( شعراء العربية )
شعراء العصر الاموي ج2
بقلم - فالح الحجية
43
وضاح اليمن
(عبد الرحمن بن اسماعيل )عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال بن داذ بن أبي جمد من ال خوذان الحميري . من ابناء اليمن . و(خولان) هي منازل شعوب قريبة من صنعاء لا زالت تسمى بنفس الاسم حتى اليوم..
شاعر عاش في العصرالاموي وكني ب(وضّاح اليمن) لانه كا ن فائق الحسن والجمال وضاء الوجه وضّا حا صبيحا مشرقا وكان احد ثلاثة عرفتهم العرب كانوا يرتادون اسواقهم مقنعين خشية اصابتهم بالعين الشريرة وتخفيهم عن انظار الحسّاد . وهم وضاح اليمن والمقنع الكندي وابو زبيد الطائي وكان في حسن طلعته يشبه عمر ابن ابي ربيعة المخزومي وسار في دربه واقتفى اثره في التغزل بنساء القوم غير هياب ولا وجل فكان جميلا لا يخشى احدا اذا تغزل ببنات القبائل وهو القائل :
ليت هندا انجزتنا ماتعد
وشفت انفسنا مما تجد
كُلّما قلتُ متى ميعادُنا
ضحِكَتْ هندٌ وقالت بعد غد
لمست في حياة وضاح نساءا كثر عاش معهن حياة عاطفية آثارها في شعره منهن امرأة يمنية هي (روضة بنت عمرو) من كندة كان قد احبها وعشقها وبادلته الشوق والمحبة واخلصت له وقد نظم فيها شعرا كثيرا الا انه لم يتزوجها ومن شعره فيها :
سموت إليها بعدما نام بعلها
وقد وسدتة الكف في ليلة الصرد
أشارت بطرف العين أهلا ومرحبا
ستعطى الذي تهوى على رغم من حسد
ألست ترى من حولنا من عدونا
وكل غلام شامخ الأنف قد مرد
فقلت لها إن امرؤ فاعلمنه
إذا ما أخذ السيف لم احفل العدد
وهذه القصيدة شبيهة بقول الشاعر الجاهلي امريء القيس :
سموت إليها بعدما نام أهلها
سمو حباب الماء حالا على حال
فقالت سباك الله انك فاضحي
ألست ترى السمار والناس حولي
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وله في( روضة ) قصيدة حوارية جميلة منها:
قالت الا لا تلجن دارنا
إن أبانا رجل غائر
قلت فإني طالب غرة منة
وسيفي صارم باتر
قالت فإن القصر من دوننا
قلت فإني فوقة ظاهر
قالت فإن البحر من دوننا
قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي إخوة سبعة
قلت فإني غالب قاهر
قالت فليث رابض بيننا
قلت فإني أسد عاقر
قالت لقد أعييتنا حجة
فات إذا ما هجع السامر
وأسقط علينا كسقوط الندى
ليلة لا ناة ولا زاجر
وهي على غرار قصائد عمر بن ابي ربيعة حيث يحاور عمر صاحبته بقصيدته :
فلما رات من قد تثور منهم
وايقاظهم قالت اشر كيف تامر
فقلت اباديهم فاما افوتهم
واما ينال السيف ثاءرا فيثأر
فقالت اتحقيقا لمن قال كاشح
علينا وتصديقا لما كان يؤثر
فما كان لابد منه فبغيره
من الامر ادنى للخفاء واستر
بينما اعتبر الدكتور طه حسين قصيدة وضاح اليمن هذه هي القصيدة الحوارية الاولى في الادب العربي في كتابه حديث الاربعاء في جزئه الاول
ومع أن موجة الفتح دفعت بوضاح إلى الشام ولكنه بقي يحن إلى حبيبته ( روضة) ويقول:
أبت بالشام نفسي أن تطيبا
تذكرت المنازل والحبيبا
تذكرت المنازل من شعوب
وحيا أصبحو قطعوا شعوبا
عاش وضاح اليمن حياة اشبه بأسطورة فقد أحاط الغموض حياته وكذلك ظروف مماته ولا نكاد نجد وضوحا لحياته في تواريخ و سير الأدب كبقية الشعراء ولعل مرجع ذلك يعود إلى العصبية القبلية القديمة بين القيسية واليمانية او انه قد يكون شخصية خيالية قد نسج الرواة حولها بعض القصص لتطيب وتسمو مسامراتهم وألحقوا به مجموعة من القصائد الغزلية الرقيقة وإذا كان شخصية حقيقية فالمرجح أنه رجل من عامة الشعراء ولم يكن شاعرا مهما ذا بالٍ ومن شعره:
يا من لقلبٍ لا يطيعُ
الزاجرينَ ولا يفيقُ
تسلو قلوب ذوي الهوى
وهو المكلّفُ والمشوقُ
اما قصته المشهورة مع أم البنين فاني لأقف منها موقف الشك وانها من نسج الخيال وحسب وحيث انها لم تكتب إلا في العصر العباسي وربما كتبت على نسق قصص الف ليلة وليلة للتسلية او ربما كتبت للنيل من بيت الخلافة الاموي وكانت علاقة العداوة حاضرة بين بيت الخلافة الاموية والخلفاء العباسيين و ظاهرة ومن صاحبهم . ومفادها :
في خلافة الوليد بن عبد الملك قدم وضاح اليمن الى مكة المكرمة حاجا فرأى أم البنين وهي بنت عبد العزيز بن مروان وزوج الخليفة الوليد بن عبد الملك وكانت جميلة و قد استأذنت زوجها لاداء للحج فأذن لها ولما بلغت مكة – وكان الوليد قد توعد من تغزل بزوجته أو أي من جواريها - ولكنها ربما كانت تريد ان يتغزل بها الشعراء كما تغزلوا بأخت زوجها فاطمة بنت عبد الملك امراة عمر بن عبد العزيز وكما تغزلوا بسكينة بنت الحسين بن علي و تغزلوا ببنت معاوية بن ابي سفيان من قبل وكما كانوا يتغزلون بكل شريفة وجميلة وردت مكة فقيل طلبت إلى كثيّر عزة ووضّاح أن يذكراها فأما كثير فخاف الخليفة ولكنه ذكر إحدى جواريها تدعى (غاضرة ) اما وضاح فتغزل بأم البنين ومما قاله فيها :
صَدَعَ البيـنُ و التَّفَرُّقُ قلبي
و تولَّتْ أمُّ البنينَ بِلُبِّي
ثوتِ النفسُ في الحُمُولِ لَدَيها
وَتَوَلَّى بِالجِسْمِ مِنِّي صَحبي
وِ لِقِد قُلتُ و المدامعُ تجـري
بدموعٍ كأنها فَيْضُ غَرْبِ
جَزَعاً للفراقِ يومَ تَوَلَّتْ:
حَسْبيَ اللهُ ذو المَعَارِجِ حَسْبي!
فأحبت وضاحا وعشقته واحبها وطلبت منه أن يتبعها إلى الشام . فتبعها ومدح زوجها الخليفة الوليد بن عبد الملك حسب نصيحة حبيبته أم البنين ووعدته أنها ستعمل كل ما في وسعها لحمايته ورفعة شأنه فقربه زوجها الوليد وأكرمه وانعم عليه بعلم علية القوم وحاشية الخلافة وكان يتردد على ام البنين وكان جميلا حتى تعلقت به وتعلق بها . وعرف بنات ونساء رجال الديوان بذلك وبدأوا يتربصون به ويراقبونه - حسب ما تذ كره الرواية وقيل ا و كما يذكر الدكتور طه حسين أن الوليد أهدى جواهر اعجتبه الى زوجته وارسلها مع أحد الخدم اليها ولما دخل الخادم عليها ليعطيها الجواهر فرأى عندها وضاحا فأسرعت ووضعت وضاحا في صندوق من خشب كان عندها والخادم يرى ذلك .
أخذت الجواهر من الخادم فطمع الخادم وطلب إحدى هذه الجواهر فأبت عليه وشتمته ووبخته فانصرف غاضبا وأخبر الخليفة بما رآه فأظهر الخليفة تكذيبه ثم أمر بقتل الخادم ليبقى الامر سرا خشية الفضيحة ثم نهض من فوره ودخل على الملكة فإذا بها تتمشط فجلس على الصندوق الذي وصفه الخادم له وقال:
- هبي لي هذا الصندوق .
- قالت: خذ غيره فإنه عزيز علي.
فأصّر واضطرت للموافقة فامر خدامه لنقله الى موقع جلوسه في القصر ثم أمر بحفر حفرة عميقة هناك ودفن الصندوق فيها دون أن يفتحه ثم ردموا الحفرة وتساوت الارض ووضعوا فوقها الافرشة فجلس الخليفة فوقه وقال:
- إن كان وضاح فيه فقد لقي جزاءه وإن لم يكن فإنما دفنا مجرد صندوقا !.. ومن شعره فيها ايضا :
حتَّامَ نكْتُم حُزنَنا حَتَّاما
وعَلامَ نَسْتَبْقِي الدُّموعَ عَلاما
إنَّ الذي بي قد تفاقمَ واعتلى
ونما وزادَ وأورثَ الأسقاما
قدْ أصبحتْ أمُّ البنينَ مريضة ً
نَخْشى ونُشْفِقُ أنْ يَكونَ حِماما
يا ربَّ متعني بطولِ بقائها
واجبرْ بها الأرمالَ والأيتاما
واجبرْ بها الرجلَ الغريبَ بأرضها
قدْ فارقَ الأخوالَ والأعماما
كَمْ راغِبينَ ورَاهِبينَ وَبُؤَّسٍ
عُصِمُوا بِقُرْبِ جَنابِها إعْصاما
بجنابِ ظاهرة ِ الثنا محمودة ٍ
لاَ يستطاعُ كلامها إعظاما
والحقيقة ان هذه الأقوال الصريحة في أم البنين كانت دوافع قوية لدى الوليد للتخلص من هذا الرجل الذي ملأ الدنيا بالتغزل بزوجته شعراً وقد أحسَّ وضَّاحٌ بما يحيط به من خطر فراح يبتغي السبل ويسعى لارضاء الخليفة فمدح الوليد بعدة قصائد .
مما قال في مدحه :
اذا سار الوليد بنا سرنا
الى خيل تلف بهن خيلا
وندخل بالسرور ديار قوم
ونعقب اخرين اذى وويلا
كما قال ايضاُ :
فعلى ابن مروان السلام من امرئ
ا مسى يذوق من الرقاد اقله
فإليك أعملت المطايا خمراً
وقطعت ارواح الشتاء وظله
ولكن هذه القصائد لم تشفع له ودبر الوليد لقتله وقيل أنه دفنه حياً في حفرة حفرها له في قصره كما جاء في قصته اعلاه .
واثر هذه الحادثة اختفى وضّاح وانتهت حياته . او ما يشير الى وفاته وذلك عام \ 90 هجرية – 708 ميلادية .
ومما اذكره كنا حضورا في احتفالات المربد السنوية في قاعة الرشيد ببغداد بجوار وزارة الثقافة والارشاد عام 1986 وحضر الشاعر اليمني ( عبد الله البردوني ) وانشدنا قصيدته الرائعة :
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي
مليحة عاشقاها السل والجرب
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب
فكانت قصيدة رائعة افتتحها مشيرا لقصة وضاح اليمن
فألهبت كفوف الحاضرين تصفيقا وصفقنا له كثيرا وفاز الشاعر بالجائزة ومن حق شاعر اليمن أن يستلهم هذه الأسطورة ولكنه لن يجعلها تتحول إلى حقيقة في قصيدته .
واختم بهذه القصيدة من شعره :
بانَ الخَلِيطُ بمَنْ عُلِّقْتَ فَانْصَدَعُوا
فدَمْعُ عَيْنَيكَ واهٍ واكِفٌ هَمِعُ
كيفَ اللقاءُ وقدْ أضحتْ ومسكنها
بطنُ المَحِلَّة َ مِنْ صَنْعاءَ أوْ ضَلَعُ
كمْ دونها منْ فيافٍ لا أنيسَ بها
إلاَّ الظليمُ وإلاَّ الظبيُّ والسبعُ
ومَنْهَلٍ صَخِبِ الأصداءِ وارِدُه
طيرُ السماءِ تحومُ الحينُ أو تقعُ
لا ماؤهُ ماءُ أحساءٍ تقرظهُ
أيدي السُّقَاة ِ ولا صادٍ ولا كَرِعُ
إلاّ تَرَسُّخُ عِلْبا دُونَهُ رَهَبٌ
مِن عِرْمِضٍ فأباءٍ فَهيَ مُنْتَقَعُ
تقولُ عاذلتي مهلاً فقلتُ لها
عني إليكِ فهلْ تدرينَ منْ أدعُ
وكيفَ أترُكُ شَخْصاً في رَواجِبهِ
وفي الأناملِ منْ حنائهِ لمعُ
وأنتِ لو كنتِ بي جدُّ الخبيرة ِ لمْ
يطمعكِ في طمعٍ من شيمتي طمعُ
إني ليعوزني جدي فأتركهُ
عَمْداً وأُخدَعُ أ َحْيَاناً فأنْخَدِعُ
وأكْتُمُ السِرَّ في صَدْرِي وأخْزِنهُ
حتى يكون لذاك القول مطلعُ
وأتْرُكُ القولَ إلاّ في مُراجَعَة ٍ
حتّى يَكُونَ لَهُ مُلْحُ وَمُسْتَمِعُ
لاَ قُوَّتِي قُوَّة ُ الرَّاعِي رَكائِبَهُ
يأوي فيأوي إليهِ الكلبُ والربعُ
ولا العسيفِ الذي يشتدُّ عقبتهُ
حتى يبيتُ وباقي نعلهِ قطعُ
لا يَحمِلُ العَبْدُ مِنّا فَوْقَ طاقَتهِ
ونَحنُ نحْمِلُ ما لا تحمل القَلَعُ
منا الأناة ُ وبعضُ القومِ يحسبنا
إنّا بِطاءٌ وفي إبطائِنَا سَرَعُ
امير البيان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
************************
شعراء العصر الاموي ج2
بقلم - فالح الحجية
43
وضاح اليمن
(عبد الرحمن بن اسماعيل )عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال بن داذ بن أبي جمد من ال خوذان الحميري . من ابناء اليمن . و(خولان) هي منازل شعوب قريبة من صنعاء لا زالت تسمى بنفس الاسم حتى اليوم..
شاعر عاش في العصرالاموي وكني ب(وضّاح اليمن) لانه كا ن فائق الحسن والجمال وضاء الوجه وضّا حا صبيحا مشرقا وكان احد ثلاثة عرفتهم العرب كانوا يرتادون اسواقهم مقنعين خشية اصابتهم بالعين الشريرة وتخفيهم عن انظار الحسّاد . وهم وضاح اليمن والمقنع الكندي وابو زبيد الطائي وكان في حسن طلعته يشبه عمر ابن ابي ربيعة المخزومي وسار في دربه واقتفى اثره في التغزل بنساء القوم غير هياب ولا وجل فكان جميلا لا يخشى احدا اذا تغزل ببنات القبائل وهو القائل :
ليت هندا انجزتنا ماتعد
وشفت انفسنا مما تجد
كُلّما قلتُ متى ميعادُنا
ضحِكَتْ هندٌ وقالت بعد غد
لمست في حياة وضاح نساءا كثر عاش معهن حياة عاطفية آثارها في شعره منهن امرأة يمنية هي (روضة بنت عمرو) من كندة كان قد احبها وعشقها وبادلته الشوق والمحبة واخلصت له وقد نظم فيها شعرا كثيرا الا انه لم يتزوجها ومن شعره فيها :
سموت إليها بعدما نام بعلها
وقد وسدتة الكف في ليلة الصرد
أشارت بطرف العين أهلا ومرحبا
ستعطى الذي تهوى على رغم من حسد
ألست ترى من حولنا من عدونا
وكل غلام شامخ الأنف قد مرد
فقلت لها إن امرؤ فاعلمنه
إذا ما أخذ السيف لم احفل العدد
وهذه القصيدة شبيهة بقول الشاعر الجاهلي امريء القيس :
سموت إليها بعدما نام أهلها
سمو حباب الماء حالا على حال
فقالت سباك الله انك فاضحي
ألست ترى السمار والناس حولي
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وله في( روضة ) قصيدة حوارية جميلة منها:
قالت الا لا تلجن دارنا
إن أبانا رجل غائر
قلت فإني طالب غرة منة
وسيفي صارم باتر
قالت فإن القصر من دوننا
قلت فإني فوقة ظاهر
قالت فإن البحر من دوننا
قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي إخوة سبعة
قلت فإني غالب قاهر
قالت فليث رابض بيننا
قلت فإني أسد عاقر
قالت لقد أعييتنا حجة
فات إذا ما هجع السامر
وأسقط علينا كسقوط الندى
ليلة لا ناة ولا زاجر
وهي على غرار قصائد عمر بن ابي ربيعة حيث يحاور عمر صاحبته بقصيدته :
فلما رات من قد تثور منهم
وايقاظهم قالت اشر كيف تامر
فقلت اباديهم فاما افوتهم
واما ينال السيف ثاءرا فيثأر
فقالت اتحقيقا لمن قال كاشح
علينا وتصديقا لما كان يؤثر
فما كان لابد منه فبغيره
من الامر ادنى للخفاء واستر
بينما اعتبر الدكتور طه حسين قصيدة وضاح اليمن هذه هي القصيدة الحوارية الاولى في الادب العربي في كتابه حديث الاربعاء في جزئه الاول
ومع أن موجة الفتح دفعت بوضاح إلى الشام ولكنه بقي يحن إلى حبيبته ( روضة) ويقول:
أبت بالشام نفسي أن تطيبا
تذكرت المنازل والحبيبا
تذكرت المنازل من شعوب
وحيا أصبحو قطعوا شعوبا
عاش وضاح اليمن حياة اشبه بأسطورة فقد أحاط الغموض حياته وكذلك ظروف مماته ولا نكاد نجد وضوحا لحياته في تواريخ و سير الأدب كبقية الشعراء ولعل مرجع ذلك يعود إلى العصبية القبلية القديمة بين القيسية واليمانية او انه قد يكون شخصية خيالية قد نسج الرواة حولها بعض القصص لتطيب وتسمو مسامراتهم وألحقوا به مجموعة من القصائد الغزلية الرقيقة وإذا كان شخصية حقيقية فالمرجح أنه رجل من عامة الشعراء ولم يكن شاعرا مهما ذا بالٍ ومن شعره:
يا من لقلبٍ لا يطيعُ
الزاجرينَ ولا يفيقُ
تسلو قلوب ذوي الهوى
وهو المكلّفُ والمشوقُ
اما قصته المشهورة مع أم البنين فاني لأقف منها موقف الشك وانها من نسج الخيال وحسب وحيث انها لم تكتب إلا في العصر العباسي وربما كتبت على نسق قصص الف ليلة وليلة للتسلية او ربما كتبت للنيل من بيت الخلافة الاموي وكانت علاقة العداوة حاضرة بين بيت الخلافة الاموية والخلفاء العباسيين و ظاهرة ومن صاحبهم . ومفادها :
في خلافة الوليد بن عبد الملك قدم وضاح اليمن الى مكة المكرمة حاجا فرأى أم البنين وهي بنت عبد العزيز بن مروان وزوج الخليفة الوليد بن عبد الملك وكانت جميلة و قد استأذنت زوجها لاداء للحج فأذن لها ولما بلغت مكة – وكان الوليد قد توعد من تغزل بزوجته أو أي من جواريها - ولكنها ربما كانت تريد ان يتغزل بها الشعراء كما تغزلوا بأخت زوجها فاطمة بنت عبد الملك امراة عمر بن عبد العزيز وكما تغزلوا بسكينة بنت الحسين بن علي و تغزلوا ببنت معاوية بن ابي سفيان من قبل وكما كانوا يتغزلون بكل شريفة وجميلة وردت مكة فقيل طلبت إلى كثيّر عزة ووضّاح أن يذكراها فأما كثير فخاف الخليفة ولكنه ذكر إحدى جواريها تدعى (غاضرة ) اما وضاح فتغزل بأم البنين ومما قاله فيها :
صَدَعَ البيـنُ و التَّفَرُّقُ قلبي
و تولَّتْ أمُّ البنينَ بِلُبِّي
ثوتِ النفسُ في الحُمُولِ لَدَيها
وَتَوَلَّى بِالجِسْمِ مِنِّي صَحبي
وِ لِقِد قُلتُ و المدامعُ تجـري
بدموعٍ كأنها فَيْضُ غَرْبِ
جَزَعاً للفراقِ يومَ تَوَلَّتْ:
حَسْبيَ اللهُ ذو المَعَارِجِ حَسْبي!
فأحبت وضاحا وعشقته واحبها وطلبت منه أن يتبعها إلى الشام . فتبعها ومدح زوجها الخليفة الوليد بن عبد الملك حسب نصيحة حبيبته أم البنين ووعدته أنها ستعمل كل ما في وسعها لحمايته ورفعة شأنه فقربه زوجها الوليد وأكرمه وانعم عليه بعلم علية القوم وحاشية الخلافة وكان يتردد على ام البنين وكان جميلا حتى تعلقت به وتعلق بها . وعرف بنات ونساء رجال الديوان بذلك وبدأوا يتربصون به ويراقبونه - حسب ما تذ كره الرواية وقيل ا و كما يذكر الدكتور طه حسين أن الوليد أهدى جواهر اعجتبه الى زوجته وارسلها مع أحد الخدم اليها ولما دخل الخادم عليها ليعطيها الجواهر فرأى عندها وضاحا فأسرعت ووضعت وضاحا في صندوق من خشب كان عندها والخادم يرى ذلك .
أخذت الجواهر من الخادم فطمع الخادم وطلب إحدى هذه الجواهر فأبت عليه وشتمته ووبخته فانصرف غاضبا وأخبر الخليفة بما رآه فأظهر الخليفة تكذيبه ثم أمر بقتل الخادم ليبقى الامر سرا خشية الفضيحة ثم نهض من فوره ودخل على الملكة فإذا بها تتمشط فجلس على الصندوق الذي وصفه الخادم له وقال:
- هبي لي هذا الصندوق .
- قالت: خذ غيره فإنه عزيز علي.
فأصّر واضطرت للموافقة فامر خدامه لنقله الى موقع جلوسه في القصر ثم أمر بحفر حفرة عميقة هناك ودفن الصندوق فيها دون أن يفتحه ثم ردموا الحفرة وتساوت الارض ووضعوا فوقها الافرشة فجلس الخليفة فوقه وقال:
- إن كان وضاح فيه فقد لقي جزاءه وإن لم يكن فإنما دفنا مجرد صندوقا !.. ومن شعره فيها ايضا :
حتَّامَ نكْتُم حُزنَنا حَتَّاما
وعَلامَ نَسْتَبْقِي الدُّموعَ عَلاما
إنَّ الذي بي قد تفاقمَ واعتلى
ونما وزادَ وأورثَ الأسقاما
قدْ أصبحتْ أمُّ البنينَ مريضة ً
نَخْشى ونُشْفِقُ أنْ يَكونَ حِماما
يا ربَّ متعني بطولِ بقائها
واجبرْ بها الأرمالَ والأيتاما
واجبرْ بها الرجلَ الغريبَ بأرضها
قدْ فارقَ الأخوالَ والأعماما
كَمْ راغِبينَ ورَاهِبينَ وَبُؤَّسٍ
عُصِمُوا بِقُرْبِ جَنابِها إعْصاما
بجنابِ ظاهرة ِ الثنا محمودة ٍ
لاَ يستطاعُ كلامها إعظاما
والحقيقة ان هذه الأقوال الصريحة في أم البنين كانت دوافع قوية لدى الوليد للتخلص من هذا الرجل الذي ملأ الدنيا بالتغزل بزوجته شعراً وقد أحسَّ وضَّاحٌ بما يحيط به من خطر فراح يبتغي السبل ويسعى لارضاء الخليفة فمدح الوليد بعدة قصائد .
مما قال في مدحه :
اذا سار الوليد بنا سرنا
الى خيل تلف بهن خيلا
وندخل بالسرور ديار قوم
ونعقب اخرين اذى وويلا
كما قال ايضاُ :
فعلى ابن مروان السلام من امرئ
ا مسى يذوق من الرقاد اقله
فإليك أعملت المطايا خمراً
وقطعت ارواح الشتاء وظله
ولكن هذه القصائد لم تشفع له ودبر الوليد لقتله وقيل أنه دفنه حياً في حفرة حفرها له في قصره كما جاء في قصته اعلاه .
واثر هذه الحادثة اختفى وضّاح وانتهت حياته . او ما يشير الى وفاته وذلك عام \ 90 هجرية – 708 ميلادية .
ومما اذكره كنا حضورا في احتفالات المربد السنوية في قاعة الرشيد ببغداد بجوار وزارة الثقافة والارشاد عام 1986 وحضر الشاعر اليمني ( عبد الله البردوني ) وانشدنا قصيدته الرائعة :
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي
مليحة عاشقاها السل والجرب
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب
فكانت قصيدة رائعة افتتحها مشيرا لقصة وضاح اليمن
فألهبت كفوف الحاضرين تصفيقا وصفقنا له كثيرا وفاز الشاعر بالجائزة ومن حق شاعر اليمن أن يستلهم هذه الأسطورة ولكنه لن يجعلها تتحول إلى حقيقة في قصيدته .
واختم بهذه القصيدة من شعره :
بانَ الخَلِيطُ بمَنْ عُلِّقْتَ فَانْصَدَعُوا
فدَمْعُ عَيْنَيكَ واهٍ واكِفٌ هَمِعُ
كيفَ اللقاءُ وقدْ أضحتْ ومسكنها
بطنُ المَحِلَّة َ مِنْ صَنْعاءَ أوْ ضَلَعُ
كمْ دونها منْ فيافٍ لا أنيسَ بها
إلاَّ الظليمُ وإلاَّ الظبيُّ والسبعُ
ومَنْهَلٍ صَخِبِ الأصداءِ وارِدُه
طيرُ السماءِ تحومُ الحينُ أو تقعُ
لا ماؤهُ ماءُ أحساءٍ تقرظهُ
أيدي السُّقَاة ِ ولا صادٍ ولا كَرِعُ
إلاّ تَرَسُّخُ عِلْبا دُونَهُ رَهَبٌ
مِن عِرْمِضٍ فأباءٍ فَهيَ مُنْتَقَعُ
تقولُ عاذلتي مهلاً فقلتُ لها
عني إليكِ فهلْ تدرينَ منْ أدعُ
وكيفَ أترُكُ شَخْصاً في رَواجِبهِ
وفي الأناملِ منْ حنائهِ لمعُ
وأنتِ لو كنتِ بي جدُّ الخبيرة ِ لمْ
يطمعكِ في طمعٍ من شيمتي طمعُ
إني ليعوزني جدي فأتركهُ
عَمْداً وأُخدَعُ أ َحْيَاناً فأنْخَدِعُ
وأكْتُمُ السِرَّ في صَدْرِي وأخْزِنهُ
حتى يكون لذاك القول مطلعُ
وأتْرُكُ القولَ إلاّ في مُراجَعَة ٍ
حتّى يَكُونَ لَهُ مُلْحُ وَمُسْتَمِعُ
لاَ قُوَّتِي قُوَّة ُ الرَّاعِي رَكائِبَهُ
يأوي فيأوي إليهِ الكلبُ والربعُ
ولا العسيفِ الذي يشتدُّ عقبتهُ
حتى يبيتُ وباقي نعلهِ قطعُ
لا يَحمِلُ العَبْدُ مِنّا فَوْقَ طاقَتهِ
ونَحنُ نحْمِلُ ما لا تحمل القَلَعُ
منا الأناة ُ وبعضُ القومِ يحسبنا
إنّا بِطاءٌ وفي إبطائِنَا سَرَعُ
امير البيان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق