تراتيل " العكاز الأخير " للقاص " محمد علوان جبر "
إلى سيدة القلب وأيقونة المسرات
يبدو الذين يجيدون لعبة السرد بتقنية عالية ، وفيها الكثير من الإخلاص ، والجهد ، والمثابرة دون التلاعب بالحقائق ، ووضع مسار جديد للقصة العراقية ، عبر آلية جديدة تخدم القارئ ، وتسهم في تفعيل آلية السرد بإعتبار شخوص القصة هم ثيمات وأيقونات عند القاص أو السارد ، تلك الثيمات تحوي عوالم بأكملها بالنسبة للمتابع ، والنص يحاول التنفس عبر الورق ،وهؤلاء كثر برزوا في قرننا الحالي ، ولازال العديد منهم يقدم لنا عبر نتاجه همومنا وأحلامنا برؤى وصياغات متنوعة من حيث الافكاروطرائق السرد ، ومنهم القاص والروائي العراقي " محمد علوان جبر " صاحب المجاميع القصصية الخمسة ، وهو يقلب مواجعنا المُخبئة تحت أرواحنا التي أتعبتها الحروب ، ولون الكاكي ، والمعاول التي عجزت أيدينا منها نتيجة حفر الخنادق التي كانت كالسراديب في أرواحنا المعذبة والتي كنا نستظل تحتها ، وهو بالتالي يشحذ ذاكرتنا التي تمرنت طوال فترة وجود الحروب التي خاضها النظام السابق وازلامه المتشوقين للدم ، والموت ، بحروبهم العبثية التي حرقت الأخضر واليابس ، وقبل الخوض في الكثير من التفاصيل ، كان الأهداء ملفتاً للنظر في قصة " حفارو الخنادق " إلى عبد الزهرة زكي ص 7
كنا عشرة قبل ان نصلَ الى وحدتنا الجديدة سقط واحد منا ، نقلته سيارة الاسعاف ولم نسمع عنه خبرا ، وقفنا بالاستعداد امام ضابط أمرد قصير ، تأفف كثيرا قبل أن يقول ص7
لماذا أختار شاعر ! ولم يختر غيره ! ولماذا شخّصه ووضع أسمه ُ ! وكلنا نعرف الشاعر " عبد الزهرة زكي " هل أراد أن يقول هو الموت للثقافة والإبداع في زمن هؤلاء القتلة ، وهل كانت الثقافة تعيق القتلة ومحبي الحروب ، الامر الذي دفعهم للتحشيد للمثقفين والخريجين كي " يتخلصوا منهم " في هذه الطاحونة العجيبة الغريبة ، ويكمل
خريجون مرة اخرى ، ماذا أصنع بالخريجين والحرب على وشك أن تقوم !! ص7
ضحك أغلبنا من كلمة الحرب ، أيُ حرب يعني هذا الأمرد القصير ؟ !
وها هو لم يتركنا أن ننسى هذه المرحلة الصعبة ، بل تجول بنا إلى إمكنة وازمنة ، وعبر خيوط دقيقة متماسكة ، تناولها عبر شريط ذاكرته المعبأة في لحظة التحول ، وهذا التحول الناجم من تراكمات حسية لا تنتهي بالنسبة له ، فأعاد صياغته في هذه المجموعة القصصية بين ماهو ميتافيزيقي وما هو فيزيقي ، وهو يحصن نفسه عبر هذا الخلق لكي يجذب القارئ ، وكأنه يدخله من عدة أبواب ، وهذه الأبواب مشرعة في ماهية النص المتعلقة بصاحب النص ، وهو يدخلنا بمادة سينمائية ومن خلالها تلاعب بنا بصور بصرية فيها من المتعة والتشويق ، وكأننا نعود للحرب ثانية وثالثة ورابعة وفيها من العذابات الكثيرة ، بالاضافة إلى لغة مناسبة لوصف حالة الأزمات الداخلية للشخوص ، وهو " علوان " في حالة المُطهّر لهذا الوجود الذي أدخلنا في أتون الحروب ، عبر رحلة وذاكرة مشتعلة جسدها في معظم قصصه التي لا نكل منها ولا نتعب تحت برودة بيوتنا الديترويتة العاجة بتداعيات مأساتنا العراقية وتنفسات ماضينا المتعب والممزوج بالخوف والفقر ، وهو بالتالي يعبر لنا بكلماته السحرية عن الخلاص من حالة التيه المعاش ، مثل قصة " حفارو الخنادق " تراتيل العكاز الاخير " ضوء أزرق أسفل الوادي " وغيرها
منذ خروجه من البيت حتى ولوجه بوابة المحطة محملا بحقيبة المسافر الى الحرب ، الحقيبة التي كانت ترصها أمه بملابسه والكثير من الطعام مما يبقى زاودة له ليوم أو يومين ص30
والمعروف أن العمل الأدبي هو وسيلة تحويل أو كما يقال جسر أو رابطة بين ماهو ذاتي شخصي ، وما هو جمعي غير شخصي ، ولهذا جمع القاص " علوان " في معظم شخوصه القصصية التي عاش معها وكأنه يصرخ أزاء هذا الذي يحدث لذاته ولجميع أخوته من أبناء شعبه الذين أخذتهم الحروب وتلاطمت الأقدار بحالنا هذا ،
" فليترك موضوع الحرب وسوداويتها " سيحّدُثها عن الفيلم الذي شاهده هو وصديقه في سينما " غرناطة " كان فيلم " الفراشة "
يقول عنه الناقد والروائي " عباس لطيف " تتوغل هذه القصص في عوالم سحيقة من مأزومية الواقع والتباس اللحظة التاريخية ، فهو يتماهى بسردياته مع موضوعات الحرب ، الانسحاق الطبقي ، الفقر ، السجون ، القمع ، مستفيداً من خبرته في الفن السابع ليعيد انتاج الوقائع السردية وفق توليف صوري ومونتاجي ، ولعل أبرز اشتغالاته اهتمامه المبهر بتعدد مستويات السرد وخلق منظورات بو ليفونية والافادة من تقنيات السرد الحداثوي ، فنجد معظم قصصه تتعلق بشخصيات إنسانية مختلفة تتباين أساليبها وظروفها في الحياة ، " دخان المظلة ، الأوبتيما الزرقاء " غبار حلم آخر " مطر بلون الرثاء "
" رجال يرتدون بزات عسكرية ويحملون اسلحتهم بوضع الاستعداد للرمي ، الاستعداد للانفجار الذي يمكن ان يباغتنا في اية لحظة ، رجال يرتدون الكاكي المسود بفعل الرماد تفوح من اجسادهم روائح البارود " ص66
وهذه المجموعة وصلتني من بغداد مؤخرا ً ، بعد عودة زوجتي لديترويت ، وهي من القطع المتوسط ،وتقع في 100 صفحة ، وعن دار نشر مكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع ، وقد زينت الغلاف لوحة الفنان العراقي المغترب " ستار كاووش " المقيم في هولندا ، وتظهر ثنائية الحب والحرب ، التي تقوم عليها المجموعة كثيمتين أساسيتنين للقصص كلها ، كما زينت في نهاية الكتاب " تراتيل العكاز الأخير " مجموعة من الإنطباعات لنقاد مهمين ومعروفين في المشهد الثقافي النقدي ومنهم ، الناقد " بشير حاجم " الذي قال عنه " موضوعة مشتركة كهذه قديمة – جديدة ما كان لها أبداً أن تبدو ذات جذور فنية – جمالية لو لا تعضيدها بنيويا وتقنويا معاً ، كما قال عنها الروائي " سعد محمد رحيم " يقتنص محمد علوان جبر " في هذه المجموعة الظلال التي يتركها وحش الحرب في مروره القاسي الثقيل على الأجساد والأرواح والأماكن وكان الروائي حميد الربيعي حاضرا ً معهم وهو يقول " بلغة مفعمة بالحيوية ومخيلة خصبة ، شيد لنا القاص " محمد علوان جبر " نصباً جميلاً من مخلفات الحرب ، اسمه " تراتيل العكاز الأخير "
و لا غرابة َ في أن ثيمة الحرب مازالت تشكل معينا ً ثرا ً للكثير من الادباء لما تحملته بانوراما الحرب من صور ومشاهد ومواقف غير تقليدية عكست آثارها على الذاكرة الجمعية ومن المؤكد أن أجيالا ً عدة مازالت تعيش تداعياتها .
قاسم ماضي – ديترويت
إلى سيدة القلب وأيقونة المسرات
يبدو الذين يجيدون لعبة السرد بتقنية عالية ، وفيها الكثير من الإخلاص ، والجهد ، والمثابرة دون التلاعب بالحقائق ، ووضع مسار جديد للقصة العراقية ، عبر آلية جديدة تخدم القارئ ، وتسهم في تفعيل آلية السرد بإعتبار شخوص القصة هم ثيمات وأيقونات عند القاص أو السارد ، تلك الثيمات تحوي عوالم بأكملها بالنسبة للمتابع ، والنص يحاول التنفس عبر الورق ،وهؤلاء كثر برزوا في قرننا الحالي ، ولازال العديد منهم يقدم لنا عبر نتاجه همومنا وأحلامنا برؤى وصياغات متنوعة من حيث الافكاروطرائق السرد ، ومنهم القاص والروائي العراقي " محمد علوان جبر " صاحب المجاميع القصصية الخمسة ، وهو يقلب مواجعنا المُخبئة تحت أرواحنا التي أتعبتها الحروب ، ولون الكاكي ، والمعاول التي عجزت أيدينا منها نتيجة حفر الخنادق التي كانت كالسراديب في أرواحنا المعذبة والتي كنا نستظل تحتها ، وهو بالتالي يشحذ ذاكرتنا التي تمرنت طوال فترة وجود الحروب التي خاضها النظام السابق وازلامه المتشوقين للدم ، والموت ، بحروبهم العبثية التي حرقت الأخضر واليابس ، وقبل الخوض في الكثير من التفاصيل ، كان الأهداء ملفتاً للنظر في قصة " حفارو الخنادق " إلى عبد الزهرة زكي ص 7
كنا عشرة قبل ان نصلَ الى وحدتنا الجديدة سقط واحد منا ، نقلته سيارة الاسعاف ولم نسمع عنه خبرا ، وقفنا بالاستعداد امام ضابط أمرد قصير ، تأفف كثيرا قبل أن يقول ص7
لماذا أختار شاعر ! ولم يختر غيره ! ولماذا شخّصه ووضع أسمه ُ ! وكلنا نعرف الشاعر " عبد الزهرة زكي " هل أراد أن يقول هو الموت للثقافة والإبداع في زمن هؤلاء القتلة ، وهل كانت الثقافة تعيق القتلة ومحبي الحروب ، الامر الذي دفعهم للتحشيد للمثقفين والخريجين كي " يتخلصوا منهم " في هذه الطاحونة العجيبة الغريبة ، ويكمل
خريجون مرة اخرى ، ماذا أصنع بالخريجين والحرب على وشك أن تقوم !! ص7
ضحك أغلبنا من كلمة الحرب ، أيُ حرب يعني هذا الأمرد القصير ؟ !
وها هو لم يتركنا أن ننسى هذه المرحلة الصعبة ، بل تجول بنا إلى إمكنة وازمنة ، وعبر خيوط دقيقة متماسكة ، تناولها عبر شريط ذاكرته المعبأة في لحظة التحول ، وهذا التحول الناجم من تراكمات حسية لا تنتهي بالنسبة له ، فأعاد صياغته في هذه المجموعة القصصية بين ماهو ميتافيزيقي وما هو فيزيقي ، وهو يحصن نفسه عبر هذا الخلق لكي يجذب القارئ ، وكأنه يدخله من عدة أبواب ، وهذه الأبواب مشرعة في ماهية النص المتعلقة بصاحب النص ، وهو يدخلنا بمادة سينمائية ومن خلالها تلاعب بنا بصور بصرية فيها من المتعة والتشويق ، وكأننا نعود للحرب ثانية وثالثة ورابعة وفيها من العذابات الكثيرة ، بالاضافة إلى لغة مناسبة لوصف حالة الأزمات الداخلية للشخوص ، وهو " علوان " في حالة المُطهّر لهذا الوجود الذي أدخلنا في أتون الحروب ، عبر رحلة وذاكرة مشتعلة جسدها في معظم قصصه التي لا نكل منها ولا نتعب تحت برودة بيوتنا الديترويتة العاجة بتداعيات مأساتنا العراقية وتنفسات ماضينا المتعب والممزوج بالخوف والفقر ، وهو بالتالي يعبر لنا بكلماته السحرية عن الخلاص من حالة التيه المعاش ، مثل قصة " حفارو الخنادق " تراتيل العكاز الاخير " ضوء أزرق أسفل الوادي " وغيرها
منذ خروجه من البيت حتى ولوجه بوابة المحطة محملا بحقيبة المسافر الى الحرب ، الحقيبة التي كانت ترصها أمه بملابسه والكثير من الطعام مما يبقى زاودة له ليوم أو يومين ص30
والمعروف أن العمل الأدبي هو وسيلة تحويل أو كما يقال جسر أو رابطة بين ماهو ذاتي شخصي ، وما هو جمعي غير شخصي ، ولهذا جمع القاص " علوان " في معظم شخوصه القصصية التي عاش معها وكأنه يصرخ أزاء هذا الذي يحدث لذاته ولجميع أخوته من أبناء شعبه الذين أخذتهم الحروب وتلاطمت الأقدار بحالنا هذا ،
" فليترك موضوع الحرب وسوداويتها " سيحّدُثها عن الفيلم الذي شاهده هو وصديقه في سينما " غرناطة " كان فيلم " الفراشة "
يقول عنه الناقد والروائي " عباس لطيف " تتوغل هذه القصص في عوالم سحيقة من مأزومية الواقع والتباس اللحظة التاريخية ، فهو يتماهى بسردياته مع موضوعات الحرب ، الانسحاق الطبقي ، الفقر ، السجون ، القمع ، مستفيداً من خبرته في الفن السابع ليعيد انتاج الوقائع السردية وفق توليف صوري ومونتاجي ، ولعل أبرز اشتغالاته اهتمامه المبهر بتعدد مستويات السرد وخلق منظورات بو ليفونية والافادة من تقنيات السرد الحداثوي ، فنجد معظم قصصه تتعلق بشخصيات إنسانية مختلفة تتباين أساليبها وظروفها في الحياة ، " دخان المظلة ، الأوبتيما الزرقاء " غبار حلم آخر " مطر بلون الرثاء "
" رجال يرتدون بزات عسكرية ويحملون اسلحتهم بوضع الاستعداد للرمي ، الاستعداد للانفجار الذي يمكن ان يباغتنا في اية لحظة ، رجال يرتدون الكاكي المسود بفعل الرماد تفوح من اجسادهم روائح البارود " ص66
وهذه المجموعة وصلتني من بغداد مؤخرا ً ، بعد عودة زوجتي لديترويت ، وهي من القطع المتوسط ،وتقع في 100 صفحة ، وعن دار نشر مكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع ، وقد زينت الغلاف لوحة الفنان العراقي المغترب " ستار كاووش " المقيم في هولندا ، وتظهر ثنائية الحب والحرب ، التي تقوم عليها المجموعة كثيمتين أساسيتنين للقصص كلها ، كما زينت في نهاية الكتاب " تراتيل العكاز الأخير " مجموعة من الإنطباعات لنقاد مهمين ومعروفين في المشهد الثقافي النقدي ومنهم ، الناقد " بشير حاجم " الذي قال عنه " موضوعة مشتركة كهذه قديمة – جديدة ما كان لها أبداً أن تبدو ذات جذور فنية – جمالية لو لا تعضيدها بنيويا وتقنويا معاً ، كما قال عنها الروائي " سعد محمد رحيم " يقتنص محمد علوان جبر " في هذه المجموعة الظلال التي يتركها وحش الحرب في مروره القاسي الثقيل على الأجساد والأرواح والأماكن وكان الروائي حميد الربيعي حاضرا ً معهم وهو يقول " بلغة مفعمة بالحيوية ومخيلة خصبة ، شيد لنا القاص " محمد علوان جبر " نصباً جميلاً من مخلفات الحرب ، اسمه " تراتيل العكاز الأخير "
و لا غرابة َ في أن ثيمة الحرب مازالت تشكل معينا ً ثرا ً للكثير من الادباء لما تحملته بانوراما الحرب من صور ومشاهد ومواقف غير تقليدية عكست آثارها على الذاكرة الجمعية ومن المؤكد أن أجيالا ً عدة مازالت تعيش تداعياتها .
قاسم ماضي – ديترويت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق