الاثنين، 30 نوفمبر 2015

فرحة .. لم تتم / قصة قصيرة / الكاتبة / صالحة بورخيص / تونس ...

فرحة .. لم تتم
*********
جمعنا هدوء الليل ببهو منزل العروس الذي كان مقابلا لمنزلنا، إنها مواسم الأفراح حين يجيء بها الصيف تكبر حتى تصبح مثل مهرجان يؤُمُّه الجميع...
أخذتُ مكاني مع مجموعة النّسوة اللاتي أعرفهن في الحيّ.. كانت لحظات ساحرة أنْسَتْنا رُوتِين الانْزِواء في البيت و عِراك الأطفال، إنّها فرصة لا تُعوّض، نتجاذَب فيها أطراف الحديث وننثُر النُّكت هنا وهناك بين مشاهد طريفة أحيانا ومضحكة أخرى...
في جانب آخر من السّاحة الكبيرة انتصبت موائد الشّاي.. عُلب مملوءة بأنواع المكسّرات.. نساء يرُحن ويجئن تملأ قلوبهنّ الفرْحة.. يستقبلن المدعوّات من كل الأصناف والأعمار..
الأبواق منتصبة بكل الجِهات تصْدح بالموسيقى الجميلة.. تراث يسعى الشباب إلى المحافظة عليه وتنميته مخافة أن تدخل عليه بعض أنواع مبتذلة لا تتناسب مع روح الجهة وأفراحها..
بدأت النّسوة بالرّقص.. إنّها مناسبة ليُرِحْنَ عن أفكارهنّ و أجسادهنّ الأتعاب.. تتعالى الزغاريد من كل جانب و أم العروس مثل فراشة تلبّي طلب المدعوّات.. التصفيق على أشدّه ينسجم مع الأنغام .. الصّبايا يتحرّكن كما الأغصان تلعب بها النسمات.. الشّاي يروح ويجيء بين الصفوف والشراب اللذيذ يوزّع في أجمل الأطباق على الكبار والصغار.. البخور يتصاعد إلى عنان السماء فيغمر عطره المحيط الدائر بالمنزل ليحملنا فوق أجنحة الرّوائح الذكيّة حتى آخر لحظات السهرة...
عند الغد اجتمع المدعوّون إلى موائد كبيرة تحتوي كلّ أنواع الطعام والشّراب و الغلال.. واجتمعت النّسوة من جديد لحضور زفّ العروس إلى بيت زوجها وقد بدت متربّعة على عرْشها مثل الملكة.. تتزاحم النسوة والأطفال لمشاهدتها وسط احتدام الموسيقى، وما هي إلا سُويْعات حتى كانت السيّارات المزيّنة بالشرائط الجميلة في انتظارها.. استقلّت أجملها وسط موجة الزغاريد ثم توَارت عن الأنظار..
في الصّباح وبينما كنت بالمطبخ أحضر الفطور إذ بابنتي تناديني: تعالي يا أمي... ولكنّني كنت منشغلة فلم أعِرْها اهتماما فإذا بها تدخل مسرعة: ابنة الجيران عادت إلى بيت والدها..
_ماذا تقولين !..؟؟
ارتعَشَ إبريق القهوة بيدي فإذا بها تنسكب على ثيابي وهرْولت دون وعْي منّي نحو بيتها.. يا لهول ما رأيت.. العروس تبكي.. أمها تبكي... جهاز مبعثر هنا... حقائب هناك.. أشياء أخرى لم أفهمْها.... لم أُصَدِّق نفسي.. ماذا سأقول.. بماذا سأنطق... أصابني دوار في رأسي وانفجرت بالبكاء.. أمّا الأمّ فكانت تهذي.. إرادة الله.. إنها إرادة الله..
صالحة بورخيص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق