قصة رقم / 7 ( ليلة احتضار النور )
من مجموعتي القصصية ( ما بعد الخريف )
الصادرة من دار أمل / دمشق 2015
من مجموعتي القصصية ( ما بعد الخريف )
الصادرة من دار أمل / دمشق 2015
ليلة احتضار النور
كانت خطواتي قاتمة في غمرة الليل، ليل يحكي في السرّ حقيقة فضائح سنين عقيمة، استطالت فيها ليالي الظلم، ليال أطعمتنا حزناً وروتنا عطشاً. حدود من ليلة موحشة، تحاصر قلقي، أنتظر سماع صراخ مولود، يتأهب لعناق أحلامنا ودفء عالمنا المنفي على أعتاب هاجس الفناء، وسلامة زوجتي التي أرهقتها السنون،
"هل سنخلع رداء الخوف والانتظار، ونغنّي فرحاً لدفء هذه الليلة ؟ هل يحقّ لنا أن نفرح تحت أصوات القذائف، ورعشة البنادق وأمام عيون مدجّجة بالرعب، ينزّ منّها الموت؟"
شعاع من الأمل يغطي أنين الجراح، جراح الفقر والعوز ووحشة بيت لم يرَ شعاع ضوء الشمس. كانت تمتلكنا رغبة مرتعشة بنور الفجر، وأنشودة المطر حين تلاقينا عند منعطف الحصار قبيل أن تقصفنا الحرائق، كانت تحمل براءة القرى وأنفاس اليقين، ووهج عيون استوطنها الحنان، يرتعش النسيم عند ظلّ بسمتها، يغفو الهمس فوق رحيق أمانيها، هيّجت وجدي بعدما أوقدت شموع صبابة الشوق، وعزفت تهويمة الهوى على أوتار محاجر الروح. كان كلّ شيء عارياً غائماً إلا أحلامنا المبلّلة بالمطر، أحلاماً كانت تبرق بصدى الآتي، لعلّه يأتي، وانتظرنا سنيناً معلّقة بالعصيان، غابت في عيون المدى والخرائب، تحمل غبار الفناء، لكنّنا لم نركع لمطلع يشتهي لغة اليأس. كان الجرح ينمو بين خطانا، يلامس طرف الوجع، يلتفّ فاغراً فاه حول صرخة روح تشتهي أن يُخلى سبيلها من أغوار بئر عميقة،
"سأنجب لك طفلاً يروي عطش لهفة العيون لضناها".
وانتظرنا. كان صوتها يرتعش بجنون الرغبة، يمتدّ في الآفاق ظلالاَ من الفرح، يغمر وجه الصمت مواويل عشق، تتهادى نحو وجه قمر، يطوف حول فرحة الغد على رغم الليالي المثقلة بالغربة، واضطراب الحواس المسلّحة بالنعاس. مازال الترقب يأخذ مكاني، وأنا أحتضن باقة الزهور ولعبة صغيرة تشهق بطيف يغمض على جدائل ابنتنا المعلّقة في قبضة الانتظار، يشدّني الفرح الظمآن لضفة الصوت بكلّ ما لديه من بوح وشوق واشتهاء، للثم لحناً أسكره صدى الأحلام، وفتنة النجوى، وحدي أنتظر امتداد الصوت، لأنّي أدرك كيف يحرق الليل وجه القمر بأنين الصبر وأدمع الظمأ، أطالع الوجوه والنداء، أطارد الثواني المكبّلة بلعنة السكون وصمت المكان. كان الليل طويلاً ملتفّاً بثياب الوحشة. المدينة تتوسّد ثرى الخوف، معلّقة بين عيون الغزاة، تخمشها يد الموت في طقوس آلهة تمتهن الغواية والهذيان، تبكيها المنايا كلّ يوم، تصلب في دهاليز مرعبة بعد أن يذبحها العويل على حافة الرعب والضيم. أغيب في عيون الزائرين، أتوغّل في أسفاري، أختلس ميقات الطيوف كي لا يستبيحني المكان، أحدّق في خيط من نور يتدلّى من مصباحٍ معلّق في سقف صالة انتظار المشفى، يمضي على هدب الفراغ، فأغرق فيه، وقبل أن يغزو جرحي صرير الباب، استيقظت، أنفض عن أنفاسي رعشة القلق ودوامة الانتظار، أرتّل حلمنا المكتوم، أنهض من مكاني، يأتيني الصوت ممتشقاً وجه الحيرة والانكسار حين حاصرتني العيون بعطفها، قالوا:
- إنّها ماتت. - أيّ واحدة منهما؟ -"........................"
اعتقلني الذهول، وانتظرت الدموع لكنّها لم تأتِ، كانت الدموع تترقرق في عيون الناعي، امتدّ صمتي وذهولي في حناجر الصدى، صدى لهاثي المهزوم، يشيّعه الوجع ولوعة الفراق في حواس الغرباء، وحين لم يعد غير الموت حاضراً، أضحت الأحلام تلاشياً، تعكّزت طرف الغياب لألملم الفجيعة، وانتظرت خطواتي لتخوض في مواسم العذاب، مواسم يلجمها السواد والغربة المميتة، لقد آن لي أن أعانق جرحي، لكن من سيشهق بالصراخ عند مدن طريدة أطفأت مصابيح المساء، ابنتي التي تحمل دفء العالم أم زوجتي التي أضنتها جراح المنافي؟ لا أدري. كانت عيناي تدوران بين باقة الزهور وبين لعبة ابنتي.
"هل سنخلع رداء الخوف والانتظار، ونغنّي فرحاً لدفء هذه الليلة ؟ هل يحقّ لنا أن نفرح تحت أصوات القذائف، ورعشة البنادق وأمام عيون مدجّجة بالرعب، ينزّ منّها الموت؟"
شعاع من الأمل يغطي أنين الجراح، جراح الفقر والعوز ووحشة بيت لم يرَ شعاع ضوء الشمس. كانت تمتلكنا رغبة مرتعشة بنور الفجر، وأنشودة المطر حين تلاقينا عند منعطف الحصار قبيل أن تقصفنا الحرائق، كانت تحمل براءة القرى وأنفاس اليقين، ووهج عيون استوطنها الحنان، يرتعش النسيم عند ظلّ بسمتها، يغفو الهمس فوق رحيق أمانيها، هيّجت وجدي بعدما أوقدت شموع صبابة الشوق، وعزفت تهويمة الهوى على أوتار محاجر الروح. كان كلّ شيء عارياً غائماً إلا أحلامنا المبلّلة بالمطر، أحلاماً كانت تبرق بصدى الآتي، لعلّه يأتي، وانتظرنا سنيناً معلّقة بالعصيان، غابت في عيون المدى والخرائب، تحمل غبار الفناء، لكنّنا لم نركع لمطلع يشتهي لغة اليأس. كان الجرح ينمو بين خطانا، يلامس طرف الوجع، يلتفّ فاغراً فاه حول صرخة روح تشتهي أن يُخلى سبيلها من أغوار بئر عميقة،
"سأنجب لك طفلاً يروي عطش لهفة العيون لضناها".
وانتظرنا. كان صوتها يرتعش بجنون الرغبة، يمتدّ في الآفاق ظلالاَ من الفرح، يغمر وجه الصمت مواويل عشق، تتهادى نحو وجه قمر، يطوف حول فرحة الغد على رغم الليالي المثقلة بالغربة، واضطراب الحواس المسلّحة بالنعاس. مازال الترقب يأخذ مكاني، وأنا أحتضن باقة الزهور ولعبة صغيرة تشهق بطيف يغمض على جدائل ابنتنا المعلّقة في قبضة الانتظار، يشدّني الفرح الظمآن لضفة الصوت بكلّ ما لديه من بوح وشوق واشتهاء، للثم لحناً أسكره صدى الأحلام، وفتنة النجوى، وحدي أنتظر امتداد الصوت، لأنّي أدرك كيف يحرق الليل وجه القمر بأنين الصبر وأدمع الظمأ، أطالع الوجوه والنداء، أطارد الثواني المكبّلة بلعنة السكون وصمت المكان. كان الليل طويلاً ملتفّاً بثياب الوحشة. المدينة تتوسّد ثرى الخوف، معلّقة بين عيون الغزاة، تخمشها يد الموت في طقوس آلهة تمتهن الغواية والهذيان، تبكيها المنايا كلّ يوم، تصلب في دهاليز مرعبة بعد أن يذبحها العويل على حافة الرعب والضيم. أغيب في عيون الزائرين، أتوغّل في أسفاري، أختلس ميقات الطيوف كي لا يستبيحني المكان، أحدّق في خيط من نور يتدلّى من مصباحٍ معلّق في سقف صالة انتظار المشفى، يمضي على هدب الفراغ، فأغرق فيه، وقبل أن يغزو جرحي صرير الباب، استيقظت، أنفض عن أنفاسي رعشة القلق ودوامة الانتظار، أرتّل حلمنا المكتوم، أنهض من مكاني، يأتيني الصوت ممتشقاً وجه الحيرة والانكسار حين حاصرتني العيون بعطفها، قالوا:
- إنّها ماتت. - أيّ واحدة منهما؟ -"........................"
اعتقلني الذهول، وانتظرت الدموع لكنّها لم تأتِ، كانت الدموع تترقرق في عيون الناعي، امتدّ صمتي وذهولي في حناجر الصدى، صدى لهاثي المهزوم، يشيّعه الوجع ولوعة الفراق في حواس الغرباء، وحين لم يعد غير الموت حاضراً، أضحت الأحلام تلاشياً، تعكّزت طرف الغياب لألملم الفجيعة، وانتظرت خطواتي لتخوض في مواسم العذاب، مواسم يلجمها السواد والغربة المميتة، لقد آن لي أن أعانق جرحي، لكن من سيشهق بالصراخ عند مدن طريدة أطفأت مصابيح المساء، ابنتي التي تحمل دفء العالم أم زوجتي التي أضنتها جراح المنافي؟ لا أدري. كانت عيناي تدوران بين باقة الزهور وبين لعبة ابنتي.
بغداد / 1996
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق