حكاية بغدادية " قصة حياة داخل فرج البحراني " على المسارح الكندية
هناك ملايين الحكايات مثلها ، ولكنها حكايته !
هناك ملايين الحكايات مثلها ، ولكنها حكايته !
فرقة المسرح العربي الكندي في " كتشنر واترلو" قدمت مسرحية " حكاية بغدادية " قصة حياة داخل فرج البحراني ، هكذا يقول " البروشور " الذي وزع على الجمهور ، الذي شاهد العرض المسرحي وهو يسهم في المشاركة من خلال حضوره الفاعل في مشاهدة العرض المسرحي ، والمسرحية هي من تأليف واخراج الفنانة المغتربة " ندى الحمصي " وتمثيل الفنان العراقي المغترب " داخل البحراني " وهو مؤسس فرقة المسرح العربي الكندي بعد أن وطأت قدماه في مدينة " كتشنر " وقدم من خلال هذه الفرقة العديد من المسرحيات نذكر منها " مسرحية " شلال في تورنتو عام 2012 " من تأليف الفنان " داخل البحراني واخراج الفنان العراقي " محمد الجوراني " ومسرحية " الحائط عام 2014 " من تأليف الفنان " ذوالفقار خضر ، واخراج الفنانة العراقية " فلة الاورفلي " وتمثيل الفنان " داخل البحراني " وعملهم الجديد الذي نحن الآن بصدده ، بعد أن إستمتعنا بمشاهدته مع بقية الجمهور القادم من بقية المدن ، وهذا يحسب لمنجز الفرقة التي عودتنا على تقديم الأعمال الجيدة ، والذات المضامين المهمة التي يعاني منها الوطن الأم والإنسان أينما يكون ، والنص الذي كتبته الفنانة " ندى الحمصي " كما تقول " اعتمادا على مقابلات مع داخل فرج "إستطاعت " الحمصي " توظيفها ، وترتيبها حسب التسلسل المنطقي لنظرية " ارسطو " المعروفة في كتابة النص المسرحي ، والتي إشتغلت عليها " الحمصي " بإعتبارها من المشتغلين في هذا الحقل المعرفي الكبير ،كما تقول في " البروشور " فعند الحديث عن المؤلف المسرحي ، كما تقول مصادر الكتب ، التي أدخلتنا في أتون المعرفة والعلوم بعد البحث والإستقصاء ، التي أوصلت الكثير من الكتاب المهمين في الساحة المسرحية إلى الشهرة والدخول في عالم الإبداع ، ودوره في صياغة العملية الفنية المتمثلة في العرض المسرحي ، نجد أنه لابد أن يتوافر فيه مجموعة من السمات ، حتى يكون لدينا القدرة على كتابة النص المسرحي ، إذ أنه في البداية وخاصة المشتغلين في المسرح لابد وأن يكون ملماً بحرفيات الكتابة المسرحية ، كي يحقق ما يريد توصيله إلى المتفرج ، وهذا ما وجدناه من خلال العرض المسرحي الذي قدمه الفنان " البحراني " كممثل ناقل للنص المسرحي ،والذي إشتغلت عليه " الحمصي " وهي إلى جانب ذلك وظفت قدرتها على التعبير عن المضمون ، الذي أرادت توصيله كما قالها " البحراني " على لسانه " الشفهي ، وهي محاولة بذلك خلق الموازنة بين الشكل والمضمون ، بصفتها مخرجة ومؤلفة دون ان يطغي أحدهما على الآخر ، وبالتالي خرج علينا عملها المسرحي بصورة متناغمة بالرغم من وجود بعض النقاط التي كان يمكن معالجتها على بشكل آخر ، والتي يمكن تجاوزها بسهولة لو توفر لها الوقت الكافي والتهيئة المعمقة ،وقصة المسرحية كما يقول الفنان العراقي صاحب المأساة " إذا كانت هنالك بركة مياه آسنة في أقصى الشرق ، وفيها فايروس قاتل فخلفته سياسة الادارة الهمجية الامريكية ، وسياسة اسرائيل الطاغية والاجندة الايرانية وبعض دول الخليج " إذن إنها الحكاية الحقيقية التي حدثت للفنان العراقي " داخل فرج البحراني " وعائلته في بغداد ، بعد أن قتلوا شر قتلة أفرادا ً من عائلته ، ورموا جثثهم في الشوراع ، وسالت دماءهم الطاهرة على تراب العراق ، وللمسرحية نكهة " الميلودراما " وهو يُشعرك بالفزع ، والخوف الذي تعرض له ، وعائلته من المتبقين منهم وحصولهم اللجوء في كندا ، بعد أن فقد "البحراني " أولاده الأثنين وهما " كرم ، وإيهاب ، وأباه الرجل المسن على يد جنود سكارى ، وبرصاص طائش كما جاء في حوارت المسرحية الشعبية ، وها هو " البحراني " يجسد هذه الشخصية التي عاش أحداثها دون مبالغة أو زخرفة ، لأن مثل هذه الشخصية هناك ملايين الحكايات التي حدثت لعراقيين آخرين الامر الذي جعل الممثل يتفاعل مع هذه الحقيقة وهو يصور ضياع أرواحنا وعقولنا ومشاعرنا وعواطفنا لحد هذه اللحظات التي نعيشها ، والتي تبددت هذه الأيام بفعل الضياع الحقيقي لقيم الإنسان ، مما وجدنا أنفسنا في مواجهة هذا الفنان الغائص حد النخاع بمأساته التي لا تنتهي ،وهو يذرف دموعه التي تتوقف رغم دخول الحياة الجديدة في كندا ، فظل هذا البغدادي يروي لنا قصته وعلى شكل مشاهد ، منطلقاً من بيته على شاطئ دجلة متغنياً بالجواهري العظيم والنواب الكبير ، وبالهور والبردي والشجن العراقي الأصيل " بالريل والحمد " وهو يدين الاحتلال الامريكي ، حينما سلم العراق بيد سماسرة جدد ، يصولون ويجولون بتمزيق وحدته ، ويسرقون أمواله ، وبالتالي إستندت مفردات العرض على البناء التجريدي ، الذي طغى على بيئة العرض المسرحي ، حيث المكان ومفرداته التجريبة التي وظفتها " الحمصي " بحسب الحالات الدرامية المطروحة ، فحينما يتحدث عن شاطئ دجلة الذي يمارس من خلاله عمله كصياد سمك مع أبيه ، في فترات الطفولة المبكرة ، يتحول المكان إلى شاطئ ، وحينما يتحدث عن الباص الذي شهد مأساة عائلته والذي تسببت فيه مجموعة من المارينز الامريكي تتحول مفردات المكان إلى حافلة نقل الركاب ، وحينما يتحدث عن المسرح الذي يشكل جزءا كبيرا في حياة الفنان " البحراني " يتحول إلى قاعة قسم الفنون المسرحية في معهد الفنون الجميلة ، وبالرغم من إعتماد المخرجة " الحمصي " على مفردات مبسطة في بناء بيئة العرض المذكور ، إلا حاولت المزج بين الطابع " البرشتي " الذي يعتمد على كسر " الجدار الرابع " وإطلاق العنان إلى المتفرج للتفاعل مع الممثل ، وخاصة في مواضع الكوميديا ، لأن سياق العرض لم يكن مبنياً على نسق واحد من المأساة للشخصية التي وثقها " البحراني " بل عدة أنساق أسهمت في تنويع أجواء العرض ، وبما أن العرض شهدا ً تمازجا ً بين عدة إتجاهات مسرحية فقد عمدت المخرجة الى استخدام " الوثيقة " الفلمية التي حاولت من خلالها تعزيز بعض المعاني التي مررتها المخرجة كي تنشط ذاكرة المتفرج من خلال الصور التي أظهرتها على السايك المستخدم في فضاء هذا العرض وهي صور لعائلة الفنان " والديه + اولاده + بناته " والطلقات التي قتلت افراد عائلته ، وصور الباص المحترقة التي كانت تنقلهم من مكان إلى آخر كي ينقذوا أنفسهم من الموت المحتوم ، وصور القصور الرئاسية ، جنود الإحتلال ، الأهوار ، بغداد الجميلة وهي ترضخ تحت جنود الاحتلال ، ولعبت الموسيقى والاضاءة دورا ً إيجابيا ً في إضفاء الجماليات المطلوبة على شكل العرض فضلا ً عن توظيف دلالاتها ولان معظم فترات العرض اتخذت طابع المنولوج الداخلي لذا فقد ارتكزت الاضاءة على استخدام البقع ، أما الموسيقى فقد تناغمت مع لغة النص الشعبية وخلقت جوا ً ساهم في تفاعل المشاهد مع خطاب العرض ، يُذكر أن العرض تم تقديمه على خشبة المسرح الصغير الذي تم تأسيسه عام 1935 في مدينة كتشنر تلك المدينة الجميلة التي تغفو على شواطئ بحيرة فكتوريا وابرز ما يميزها هو كثرة المسارح والبنى التي تعنى بالثقافة والفنون ، ويمكن القول أن خشبة المسرح الصغير في كتشنر هي نسخة مطابقة لقاعة مسرح الستين كرسي في بغداد .
قاسم ماضي – ديترويت
قاسم ماضي – ديترويت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق