الجمعة، 31 يوليو 2015

الفنان النحات إبراهيم النقاش/ تقديم / محررة مؤسسة فنون الثقافية / الكاتبة شمس العارف



مؤسسة فنون الثقافية
صحيفة فنون الثقافية
...................... (ابراهيم النقاش).................
الفنان النحات إبراهيم النقاش ....أنحت الخشبة وأقول لها كوني صبورة كي تصبحي أجمل
وكأنها تحكي للمتطلعين لها بعض أسرارها، وعمق أصالتها، ومدى مهارة المعمار البغدادي في استلهام التراث، حتى صارت أجواؤها الشعبية وتلك الأبنية العتيدة والموغلة في القدم الممتدة عبر جذور ذلك الماضي السحيق مصدر إلهام لمعظم فناني الواقعية. ولعلّ الفنان النحات إبراهيم النقاش قد وجد ضالته هو الآخر في الاغتراف من هذا المعين الكبير في تنفيذ أغلب أعماله الفنية، التي اتسمت بروح البساطة في الطرح، والعمق في الدلالات الرمزية من خلال المحاكاة الشعبية للأجواء والتقاليد البغدادية الأصيلة، التي مازال الكثيرون من سكنة تلك المناطق حريصين على التمسك بها والمحافظة عليها من الاندثار والنسيان. أمكنة بغداد النحتية في أحد أسواق تلك المدينة المعروفة، وبالتحديد في شارع (المفيد) الذي اشتهر بانتشار محال بيع الخشب ومستلزمات النجارة، وعند مدخل أحد الفروع اتخذ الفنان إبراهيم النقاش مشغلاً متواضعاً له شغلت جدرانه العديد من الأعمال الفنية النحتية، أو بالأحرى بطريقة الحفر على الخشب لمختلف الموضوعات بأحجام متباينة. ومن بين هذه الأعمال لوحتان متوسطتا الحجم إحداهما لمرقد الشيخ أبي حنيفة ومنطقة الأعظمية. والأخرى للعلامة الراحل الشيخ جلال الحنفي البغدادي، وهو في طريقه إلى جامع الخلفاء محاطاً بعدد من البيوت البغدادية ذات الطراز والطابع البغدادي الفلكلوري، في التفاتة رائعة من الفنان النقاش على توثيق عدد آخر من تلك الشخصيات العلمية والأدبية المعروفة كعلي الوردي، وحسين علي محفوظ ، وآخرين في أعماله ولوحاته تقديراً لهم ولمكانتهم في المجتمع. إضافة إلى توثيق العديد من الشخصيات الشعبية، وأرباب الحرف من المحيطين به الذين تعود رؤيتهم باستمرار كبائع الشاي، وبائع الجمار وجبوري النجار ذلك العجوز الذي أحبه الجميع. وغيرهم من شخصيات المشهد اليومي للنقاش. ذاكرة منطقة الكرخ تمتد معرفتي بالصديق الفنان إبراهيم علي مرزة النقاش عضو جمعية التشكيليين العراقيين، وعضو نقابة الفنانين العراقيين مواليد بغداد عام 1952 إلى سنوات الصبا، حيث كنا نسكن ضمن محلة صغيرة في منطقة الكرخ عرفت بعاداتها، وتقاليدها الشعبية الأصيلة، وقد عرف والده المرحوم الحاج علي من خلال مقهاه التي اشتهرت باسمه، والتي غالبا ما كنا في تلك الفترة نتردد عليها لنتسمر جالسين في الصفوف الأمامية، وعلى تلك المصاطب الخشبية أمام جهاز التلفزيون الوحيد في المنطقة في أول ظهوره لساعات طوال لنتابع ما كان يعرضه آنذاك من أفلام كارتون، وتمثيليات محلية وبرامج كانت تبث بشكل حي، وعلى الهواء مباشرة فربما كل تلك الأجواء التي عاشها الصبي اليافع إبراهيم قد سحرته ودفعته باتجاه اختياره هواية الرسم، والحفر على الخشب والتي كان سرعان ما يعدو إلى إخوته الأكبر منه سناً ولأصدقائه ليريهم ما صنع، وليطلعهم على بدايات موهبته فيسمعونه كلمات المديح والإعجاب فيتواصل على ذلك حتى يشتد عودة فيبدأ الاعتماد على نفسه، وموهبته، ولتأخذ عملية الحفر على الخشب عنده منحى آخر يعتمد الدقة في اختيار الموضوع، وأسلوب الحفر دون تعلم من احد. ولعل ذلك أيضا أحد الدوافع التي جعلته يتخذ من ورشته معهدا لتدريب العديد من الشباب والفتيان بالحفر على الخشب حتى صار بعضهم فيما بعد ممن يعتمد عليهم في انجاز أعمال كبيرة في هذا المجال. أشكال وتكوينات جمالية خطر في بالي أن أسال أبا رياض ( الفنان إبراهيم النقاش ) عن سبب اختياره للخشب كمادة أساسية لإنجاز لوحاته الفنية، وأي الأنواع الأفضل لإنجاز هذه الأعمال فأجاب قائلا:- - إن استخدامي للخشب بمختلف أنواعه يعود إلى أن هذه المادة كانت تستهويني منذ مراحل الصبا عندما كنت أقوم بمحاولات بسيطة، وعفوية لصنع أشكال وتكوينات لا تخلو من حس جمالي، وتنم عن تمتعي بموهبة فطرية. ولعل صعوبة التعامل مع الخشب كمادة صلبة كان سببا آخر في اختياري لها لتجسيد موضوعات فلكلورية وتراثية إضافة إلى موضوعات أخرى تتحدث عن الحداثة، والمعاصرة باستخدامي لرموز وأشكال ذات دلالات رمزية ومعبرة عبر مشاهداتنا اليومية والحياتية أما بخصوص أفضل أنواع الخشب التي استخدمها في عملي فهي الصاج والبلوط، والسبب هو ملاءمتها لمناخ العراق ولاحتوائها على مواد دهنية لا تقترب منها الحشرات الضارة، وخاصة حشرة الارضة، إضافة إلى لونها المميز الذي يضفي على العمل الفني رونقا وجمالية . خمسة وعشرون معرضا * وماذا عن المعارض الفنية الشخصية التي أقمتها والتي شاركت فيها داخل العراق وخارجه؟ وكم أنجزت تقريباً من أعمال خلال مسيرتك الفنية التي عرفنا أنها تمتد لعقدين من الزمان؟ - كانت حصيلة المعارض التي شاركت فيها أكثر من خمسة وعشرين معرضاً ما بين شخصي ومشاركة ضمن معارض أخرى منذ عام 1987 وحتى الآن، وخلال مناسبات مختلفة، أمّا على صعيد المشاركة خارج البلاد فقد شاركت في العديد من المعارض التي من بينها معرض أقيم في فرنسا عام 1998 ومعرض آخر أقيم في فنزويلا (كاراكاس) عام 2000 إضافة إلى معارض أخرى أقيمت في الأردن وهولندا. وبالرغم من أني لم أكن ضمن الوفود الفنية التي شاركت بالحضور في تلك المعارض إلا أنني عرفت فيما بعد مدى الإعجاب الذي نالته أعمالي الفنية التي شاركت خصوصاً في معرض (كاراكاس) فقد نقل لي ما قاله وزير الإعلام الفنزويلي حيث قال: (لقد أدهشتني كثيراً الأعمال النحتية الخشبية للفنان العراقي إبراهيم النقاش). ولكن مازالت إحدى أمنياتي (والحديث للفنان النقاش) هي أن يرى العالم الآن من جديد أعمالنا الفنية من خلال دعوات فنية توجه لنا، ولكل الفنانين العراقيين عموماً والتأكيد على ضرورة الحضور الشخصي للفنان مع أعماله. * بقي أن نقول: إن الفنان إبراهيم النقاش يستعد حالياً لإقامة معرضه الشخصي الذي سيضم مجموعة من الأعمال النحتية تجسد مختلف مناحي الحياة التراثية، والاجتماعية في بغداد والمحافظات. ولعلّ من بين الأفكار التي يقوم بها حالياً هذا الفنان في مشغله، ومعرضه الذي تم تخصيصه له ضمن الصحن الكاظمي الشريف من قبل الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة، قيامه بعمل منحوتات خشبية جميلة من خلال استخدامه لبقايا الخشب القديم الذي يتم تغييره أثناء عملية تطوير، وتأهيل العتبة إضافة إلى بقايا الكاشي الكربلائي المنقوش بألوان زخرفية جميلة بعد تأطيره هو الآخر، وتقديمه كهدايا للوفود التي تزور مدينة الكاظمية والعتبة المقدسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق